التسامح السياسي في الميزان
بقلم/ رشاد المليكي
نشر منذ: 16 سنة و 5 أشهر و 16 يوماً
الأربعاء 04 يونيو-حزيران 2008 07:46 م

التسامح قيمةٌ نبيلةٌ، إذا ما التقطت له صورة من جانب، وثمةَ جوانب أخرى إذا توجهت العدسةُ إليها قد تجعل الأمر غير ذلك، وهذا يستلزم التقاطات أخرى ليصبح بين أيدينا صورةً كاملةً عن تلك القيمة التي قد تصبح حيناً من القيم التي يفترض أن يتخلص منها من يتحلى بها.

قُدمت ورقة عمل في إحدى الندوات سَلط فيها الضوء كاتبها_ الذي إن صدقت مشاعري فإنها مازالت تكن له بقيةً من احترام_ على التسامح السياسي، ودلل بشواهد كثيرة على تأصل هذه القيمة في القيادة السياسية لهذا البلد، ومما يمييز البشر أن كلاً ينظر إلى القضايا من الزواية التي يفضلها، فيرى جانباً وقد تخفى جوانب كثيرة يمكن أن يراها غيره، وهذا لا يعني بالضرورة أن تلك النظرة قد جانبت الصواب ولكنها لا تمثل إلا جزءاً من الحقيقة، وإذا زاوجنا بين تلك النظرات تحصّل لدينا تقييم كلي يعطي صورةً واضحةً تبين جوانب السلب، والإيجاب في القضية محل النظر، وهذه هي الخطوة الرئيسية من وجهة نظري في طريق تدعيم الإيجابيات، ومعالجة جوانب الخلل التي تبدت، وحتى نكمل صورةً بدأ برسم أحد جوانبها صاحب الورقة التي قوبلت باحتفاء معهود لأمثال هذه الكتابات التي تمثل عين الإنصاف!! وحتى نعيد للميزان توازنه بعد أن رجحت إحدى كفتيه على حساب كفته الأخرى نخط هذه الخواطر:

التسامح السياسي في بلادنا إذا اكتملت صورته فسنجد تسامحاً مع أرباب الفساد يجعل الحليم حيران! رغم ثقتنا بوجود ملفات كافية لجعل المفسدين يقضون بقية حياتهم خلف القضبان بدلاً عن المعتقلين السياسين الذين يقبعون ورائها اليوم، والعجيب أن التسامح بلغ ذروته مع الذين أوشكوا أن يأتوا على الأخضر واليابس ويهلكوا الحرث والنسل، ولم يتسع ظلاله لأمثال فهد القرني الذي مازال يدفع ثمن تماديه في إحسان الظن بديمقراطيتنا التي تبدو كافرةً، لما يجنيه من صَدّق بها من ويلات، ومصائب!!!!

في ظل هذا التسامح منقطع النظير يأمن الفاسدون في زمن الخوف، ويشبعون في زمن الجوع، يسرحون ويمرحون، ويزحفون كالجراد ملتهمين كل ما يجدون في طريقهم من أموال وحقوق، ولم ولن يوقف زحفهم ذلك ما يعرف بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لسبب بسيط، وهو أن هناك فيما يبدو هيئةً أخرى لتنمية ورعاية وحماية الفساد والمفسدين أكثرُ قوةً، وأشدُ بأساً، وإلم يعلن عن تشكيلها، ولكن الدلائل تشير إلى وجود مثل هذه الهيئة فالبعرة تدل على البعير، وفي ظل هذا التسامح نسمع عن ملايين ومليارات وصفقات واختلاسات تنوء بحملها القاطرات والشاحنات فضلاً عن العصبة أولي القوة، ومما يؤسف له حقاً أننا لم نسمع ولم نقرأ عن محاكمات وعقوبات تناظر سماعنا عن تلك القصص التي تشبه إلى حدٍ كبيرٍ قصص الخيال العلمي، وربما تنتج حكايات الفساد في بلادنا أسلوباً ولوناً قصصياً جديداً باسم قصص الخيال الفسادي، وهذا سيكون انجازاً جديداً يضاف إلى إنجازاتنا الكثيرة على طريق عولمة الفساد!!! إن أقصى ما نسمعه، ونقرؤه هو إقالة الفاسد الفلاني وتعيينه في مجلس ...، أو النقل من محافظة إلى محافظة، أومن وزارة إلى وزارة فالتساوي في توزيع الفساد عدالة!!!، وفي أسوأ الأحوال يُطلب منه أن يعود أدراجه سالماً غانماً مكتفياً بما قد اكتسب ويبدو أنه يُعطى درساً في فضل القناعة،حتى يطوي لسانه عن الحديث فيما يعلم!!! فهل بعد هذا التسامح من تسامح ؟؟!!! وأين سيجد المفسدون أفضل من هذه المظلة التي يبدو أنهم يحتمون بها جميعاً، وأشد ما نخشاه أن يكون هذا التسامح قناعةً وإيماناً وسلوكاً أصيلاً قبل أي شيء آخر!! وهنا لا بد من دعوةٍ لإيقاف هذا النوع من التسامح الذي جنينا نتائج مرة من استمراره، وغاية ما أرجوه هو أن يتم كذلك التسامح مع أمثال هذه الكتابات حتى يتمكن الجميع من المساهمة في كشف وإيقاف الاختلالات والاختناقات التي لا تحتاج إلى مزيد تسامح، وأتمنى أن نتمكن من التعبير عن آراءنا كما يفعل أعضاء مجلس النواب بكل حرية دون أن يهتز للدولة طرف؟! وإن كان هذا ليس هو المطلوب تماماً ولكن نرضى في بيئتنا العربية بالحد الأدني لأن ردة الفعل تكون عادةً هي إلحاق الضرر بمن يعبر عن رأيه وخاصةً إذا تعدى ما يسمى بالخطوط الحمراء، كما ننتظر الإستجابة للمطالبة بإطلاق الصحفي محمد المقالح ووقف محاكمات الصحفيين وفي مقدمتهم الصحفي عبدالكريم الخيواني وإطلاق تراخيص الصحف المستكملة لشروط الإصدار، وإطلاق المواقع الإلكترونية المحجوبة والتعجيل بإنجاز التعديلات على قانون الصحافة لتشكل نقلة جديدة للكلمة الحرة الصادقة و الإفراج عن المعتقل المبدع فهد القرني حتى نُصَدِّق أن التسامح هو القيمة الأساسية التي لا تراجع عنها.

Rashad818@yahoo.com