جرائم الأحداث في اليمن
بقلم/ سوسن الجوفي
نشر منذ: 16 سنة و شهرين و 29 يوماً
الجمعة 22 أغسطس-آب 2008 10:24 م

تتربع جريمة السرقة على رأس قائمة جرائم الأحداث في اليمن، وتتدرج الجرائم التي يرتكبها الأطفال من القتل إلى الإدمان مرورا بجرائم انتهاك الشرف، وبين هذه الجرائم جرائم أخرى، كلها تنذر بكارثة تهدد مستقبل اليمن الذي سيكون أحد هؤلاء الأحداث مشاركا بلا شك في صنعه.

وتلعب الظروف النفسية والظروف المحيطة بالحدث دورا كبيرا في توجيهه، إلا أن حالات التفكك الأسري ذات تأثير كبير على سلو كه، ونتائجها أوصلت الكثير من الأحداث إلى ارتكاب جرائم قد تكون جسيمة.

في دار التوجيه الاجتماعي للأحداث بدا الطفل عبد الله الوصابي مميزا بهيئته الشاحبة "كنت أشم الشلك".

يتحدث عبد الله، 13 عاما، بألم عن رحلة إدمان بدأها عقب وفاة والده وزواج والدته، وانتهاء بوصوله لهذه الدار التي يتعرض 260 طفلا آخر لإجراءات إصلاحية تعدل من سلوكهم.

يقول: "ترتيبي في العائلة الثالث، والأصغر، ولم ألتقي بأحد من أهلي منذ فترة طويلة". يفتخر عبد الله بأنه اعتمد على نفسه "كنت أعمل في إحدى محلات التطريز مقابل تسعة آلاف ريال". يتحدث بصراحة عن احترافه لـ"تخزين القات" و"شرب السجاير"، ويقول "أشعر بالراحة إذا شممت الشلك".

إدارة الدار تؤكد أن وجود عبد الله "ليس عقوبة وإنما احتراز"، لكن الطفل يردد أنه يشعر بالملل "أريد فقط أخرج أعمل لفة في الشارع وأرجع".

ومثل عبد الله الكثير من الأطفال الذين يسلكون سلوكا خاطئا ولا يعرفون عواقبها، بالذات أولئك الذين يدفعهم اليتم لمصارعة أوضاعا معيشية واجتماعية صعبة في عمر يحتاج فيه إلى دفء ورعاية الأسرة.

** من الشارع يبدأ الانحراف:

سمير طفل في الحادية عشرة من عمره، قتل والده عن طريق الخطأ قبل 3 سنوات، لكنه كان أفضل حالا من سابقه عبد الله، فأمه لا زالت ترعاه، ولم يعرف بعد طريق دار الرعاية، لكنها تؤكد أنه كان في "بداية طريق الانحراف".

تقول أم سمير: "لاحظت عليه كثيرا من التصرفات الغريبة، فهو أصبح يقنع بالمصروف الذي أعطيه له على غير عادته إذ كان يطلب المزيد".

وتضيف: "كان يذهب إلى أماكن غير معروفة مع أصدقاء يحرص جيدا على عدم كشف هويتهم".

وبفضل سماع أخته التي تكبره بعامين لاسم ردده سمير في اتصال هاتفي تمكنت الأم من إنقاذ ابنها.

تقول أم سمير: "الاسم كان لطفل آخر من الجيران، معروف بسلوكياته الخاطئة التي جرجر على إثرها والده إلى أقسام الشرطة أكثر من مرة".

تضيف: "لم أتخذ أي إجراء عقابي ولم أشعره بالمعلومة التي عرفتها أو حتى مجرد السؤال عن علاقته بذلك الطفل.. لقد راقبته عن قرب وبحذر شديد، حتى أصبحت مطلعة على جميع تحركاته واتصالاته، وتعرفت على جميع الأطفال الذين كان يختلط بهم، وتعاملت مع الموضوع بأسلوب وحكمة، وبفضل الله، تمكنت من إخراجه من الوسط الذي كاد أن يسوقه إلى الانحراف".

عبد الله الخولاني- طفل في الـ15 من عمره- ذهب إلى أحد أقسام الشرطة ليبلغ بآخرين أكبر منه سنا، وفي عمر الشباب اشتبك معهم وضربوه فأودع دار الرعاية الاجتماعية مباشرة.

يقول: لي 3 أيام في الدار، وأنتظر التواصل بأهلي ليأتوا ويستلموني.. أشعر بالذنب لوجودي في هذه الدار التي أدخلها أول مرة.

يعمل عبد الله في إحدى المؤسسات الخاصة بالدواجن ويدرس في الصف الثامن الأساسي بمدينة تعز، حيث يعيش مع والدته بعد أن طلقها والده منذ سنوات.

وأردف: لدينا 8 أخوة من أمي وزوجة أبي، وفي كل إجازة أطلع صنعاء للعمل وتكوين المستقبل.

وتابع: "لقد استفدت مما حصل لي، ولن أساير شبابا أكبر مني".

ساعات طويلة جدا يقضيها "ع، ح" في الشارع مع أطفال الحارة، أنه في العاشرة من عمره ويهوى لعبة "كرة القدم".

يقول: "أحب لعبة كرة القدم في الشارع؛ لأن جدتي تمنعنا من اللعب في البيت".

كرر كثيرا هذا الطفل اسم جدته، ولم يحضر اسم والده أو والدته، إلاّ حينما سألناه: "أمي في بيت جدي الثاني مختلفة مع أبي منذ عامين".

يتحدث بطفولة بريئة عن ترك أمه له ولأخوته "ما نفعل.. هي مصممة تسير وتتركنا".

أين تقضي كل وقتك؟ "هناك" يشير إلى شارع مقابل لمنزله.

تقول عمة الطفل "ع. ح": "بدأ ينخرط مع أطفال آخرين، ودخل معهم في قضايا وصلت إلى درجة طلب نيابة الأحداث لوالده بعد تصرفات عدوانية كان يقوم بها مع هؤلاء الأطفال".

وتضيف: "هناك سلوكيات خاطئة، وتصرفات توحي لي ببداية انحراف، زادت عقب خروج أمه.. لقد أصبح عنيدا جدا؛ لأنه الطفل الأكبر، وكان مدللا، وغياب أمه أثر كثيرا على نفسيته وعلى عدم تجاوبه مع بقية أفراد الأسرة".

** اليتم والتفكك الأسري:

تشير الأخصائية النفسية، سميرة الرياشي، إلى "تقسيمات وضعها الباحثون" لمعرفة الأسباب التي تدفع الحدث إلى ارتكاب جرائم.

ومن تلك الأسباب، ما هو داخلي خاص بالحدث نفسه، وما هو خارجي يتعلق بالوسط الذي يعيش فيه.

وتلخص الرياشي الأسباب المتعلقة بالحدث: "عدم إحساس الحدث بالمسؤولية والانتماء الاجتماعي، وافتقاده للطرق السليمة في التعبير عن تفسير واثبات هويته، وافتقاده أيضا لتقدير الذات واحترام الآخرين، وإصابته بمرض "ذهاني" مثل القلق العصبي".

وترى أن هناك أسبابا أخرى متعلقة بالحدث منها: "انعدام الثقافة الجنسية وضوابطها الاجتماعية من المناهج الدراسية".

وحول العوامل الخارجية والمتعلقة بالمحيط الذي يعيش فيه الحدث تقول الباحثة النفسية: "الدراسات أثبتت أن فقدان أحد الأبوين أو كليهما ذات تأثير في تكوين شخصية الحدث، ومن تلك الدراسات دراسة نفسية "لجرين" أثبتت أن 60 بالمائة من الأحداث الذين ارتكبوا جرائم فقدوا أحد الأبوين".

وتقول الرياشي إن "هناك دراسات أخرى كثيرة خلصت نتائجها إلى أن عدم ثبات الآباء واتفاقهم على طرق التربية وطرق تعليم الأطفال يسبب تذبذبا في تأديب الطفل أو انعدام التأديب من أصله، وأن غياب القدوة الحسنة والالتزام الأخلاقي لدى الوالدين يؤدي إلى إصابة الأطفال بالعصاب والذهان مما يسبب اضطراب السلوك لديهم".

وتشير إلى "عوامل وراثية لا يمكن إغفالها.. حيث أن النزعة العدوانية توجد لدى الفرد إذا وجدت الظروف المناسبة".

** 261 جريمة متنوعة:

في دار التوجيه الاجتماعي للأحداث يتم إيداع جميع قضايا الأحداث تحت إشراف أخصائيين اجتماعيين ونفسيين يتابعون ويراقبون جميع الحالات والسلوكيات والتصرفات التي يصدرها الأطفال المذنبون، حتى يتم رفع تقارير عن تلك الحالات إلى محكمة الأحداث لاتخاذ الإجراءات التي يراها قضاء الأحداث مناسبة تجاه كل حالة.

عقب وصول الحدث إلى الدار يتم فتح ملف خاص يحتوي على بياناته ومتابعات الأخصائي النفسي والاجتماعي.

يقول مدير عام الدار مجاهد أحمد الزنداني: "الدار تحتضن 261 قضية، تتوزع على 9 قضايا قتل، و10 شروع في القتل، و 124 سرقة، و8 شروع في السرقة، و46 إيذاء، و6 اعتداء، و20 لواط، و6 اغتصاب، و3 قضايا تشرد، و7 تعرض للانحراف، و4 قضايا تفجير فلاش (سائل التنظيف)، و4 قضايا أخرى شم شلك (إدمان لرائحة سائل بترولي يساعد على الالتصاق)، وقضية واحدة تسول، ومثلها خيانة الأمانة، وأخرى شرب خمر، وقضيتين فعل فاضح، و4 هتك عرض، وقضيتين إصابة خطأ، وقضية واحدة عقوق والدين، وأخرى "إسباغ حديد".

ويرى الزنداني أن التعامل مع قضايا الأطفال "بحاجة إلى جهد مضاعف"، إلا أنه يؤكد أن هناك كثيرا من الصعوبات المادية التي تعاني منها الدار "رغم عدم وجود ميزانية كافية لمواجهة متطلبات الدار إلا أننا نحاول توفير جميع مستلزمات الأحداث النازلين فيها من مأكل وملبس".

ويقول: "في الدار تعليم أساسي، وآخر مهني، كتعليم اللحام والكهرباء والنجارة والكمبيوتر".

ويضيف: "لا نهمل الجوانب الثقافية والرياضية وتفعيلها؛ لأنها تعمل على تنشيط البدن والعقل".

وبالنسبة للجانب الصحي يقول: "يحضر طبيب إلى الدار، ويلقي محاضرة صحية لتوعية الأحداث بكيفية تجنب بعض المشاكل الصحية التي قد يتعرضون لها، وفي حال كان هناك حالة مرضية شديدة يتم نقلها إلى المستشفى".

ويرى أن من ضمن المشاكل التي تواجه الدار "عدم تجاوب بعض الأسر، وفيما يخص الجانب القضائي وعدم الإسراع في البت في القضايا، وتعدد الجهات المودعة للدار، ممّا يشكل عبئا كبيرا".

وزارة "حقوق الإنسان":

في خطة وزارة حقوق الإنسان حول هذه القضية جاء أن الوزارة "تقوم بالنزول الدوري إلى السجون المركزية ودور الأحداث والجانحات والأيتام في مختلف المحافظات؛ قصد التعرف على الآلية التي تتبعها تلك الدور في تنفيذ مهامها والصعوبات والعوائق التي تواجها لمحاولة معالجتها والتغلب عليها".

وتشير الوزارة في خطتها إلى أنه من خلال ذلك النزول يتم "تلمس مشاكل وهموم النزلاء والنزيلات ومحاولة مساعدتهم للبحث عن مخرج، ورفع تقرير إلى مجلس الوزراء لمناقشته والخروج بتوصيات وقوانين تلزم الجهات ذات العلاقة بمعالجة أي اختلالات قائمة، والعمل على تحسين الأوضاع التي يعيشها النزلاء، ومنها- على سبيل المثال- قرار مجلس الوزراء رقم 376 لعام 2007، بشأن تنفيذ التوصيات الواردة في تقرير وزيرة حقوق الإنسان حول أوضاع السجون ودُور الأحداث، حيث أقر المجلس بأنه على نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية فصل الأحداث عن الكبار في السجن المركزي والسجون الأخرى، وبأنه يتوجب على النائب العام إحالة قضايا الأحداث إلى نيابات الأحداث، وأن على وزير الصحة توفير الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية، وخدمة الإسعافات الأولية، أما وزير التربية والتعليم فعليه توفير متطلبات التعليم اللازمة لنزلاء السجون ودور الرعاية".

** القانون اليمني والقوانين الدولية:

القاضية أفراح بادويلان- رئيس محكمة الأحداث- تقول إن "إيداع النيابات لهؤلاء الأحداث في الدار ينم عن وعي، مراعاة لخصوصية سن الحدث الذي مكانه الدار وليس السجن، وهو موقف ايجابي يستشرف رؤية تربوية منهجية ممتازة" .

وتشير إلى قانون الأحداث الذي صدر عام 1992، عقب توقيع اليمن على اتفاقية حقوق الطفل مباشرة: "بلادنا من أوائل الدول التي وقعت على الاتفاقية التي تشتمل جميع الحقوق القانونية للطفل ونتج عنها صدور أول قانون خاص بالأحداث عام 92؛ لأن من أحد التزامات الاتفاقية إنشاء نظام حماية متخصص للأحداث".

وقد عرف القانون الحدث بأنه "كل شخص يرتكب فعلا أو جرما قانونيا ما بين السابعة والخامسة عشرة".

وتقول بادويلان: أكثر من 15 سنة يمثل أمام المحاكم المعتادة، ولكن في إطار خصوصية معيَّنة.. /من سن 16 إلى 17 سنة/ لا يوقع المشرّع اليمني العقاب على هذه الفئة، كالقتل مثلا: لا يقع القصاص على هذا السن.

وتشير إلى أن المشرّع اليمني أعطى للصغار ربع المدة المقررة للكبار: "إذا كانت جريمة السرقة ثلاث سنوات، فالصغير يأخذ تسعة أشهر، وليس شرطا أن يوقع كل التسعة الأشهر".

وتضيف رئيسة محكمة الأحداث: "قضاء الأحداث يتمتع بذاتية خاصة فيما يتصل بسياسة الجزاء، الذي تبعده عن قانون العقوبات؛ لأن قانون الأحداث نهج إصلاحي قد نكتفي بالمدة، وقد نكتفي بتدابير معيَّنة".

وتؤكد أن قانون الأحداث يلزم القاضي قبل النطق بالحكم على الحدث "العودة إلى تقرير الخبير الاجتماعي الذي يقرر الحالة الاجتماعية لأجل اقتراح التدابير المناسبة".

وتقول: "من ميزات القانون، أيضا، أنه أعطى القاضي صلاحيات كبيرة جدا وواسعة، فإذا جاء تقرير الخبير الاجتماعي بعد مضي نصف الفترة التي قضاها الحدث في الدار يقوم القاضي بتدبير آخر قد يكون أنفع وأجدى للحدث".

وتشير القاضية إلى أن هناك مشروعا مقدما لمجلس النواب من اجل رفع سن الحدث إلى 18 عاما: "لكنه لم يحظى هذا التعديل إلى حد الآن بالتأييد من قبل مجلس النواب".

وتقول بادويلان إن معظم الدول حددت "سن الحدث الأعلى 18 عاما، والسن الدنيا فيه اختلاف، فاليمن حددته سبع سنوات".

وتضيف: "المشرّع اليمني اشترط ألاَّ يقع على الحدث بين 7 و10 سنوات أي تدبير كإيداعه في السجن، حتى لو ارتكب جريمة قتل، ونكتفي بتدابير أخرى، بمعنى أن لا ينشأ له ملف جنائي، ويعامل مثله مثل المجنون أو عديم الإدراك؛ لأن الحبس أو احتجاز الأطفال له مضار كبيرة.

وترتب رئيسة محكمة الأحداث القاضية أفراح بادويلان، الجرائم التي يرتكبها الأحداث "السرقة بدرجة أولى، القضايا المخلة بالعرض والشرف بالدرجة الثانية، الإصابات الجسدية بالدرجة الثالثة".

وتشير إلى أن "القضايا المخلة بالعرض والشرف ازدادت في السنوات الأخيرة", وتقول: "هناك تطور في أسلوب الجريمة بسبب الانفتاح على التكنولوجيا الحديثة كالانترنت وغيرها دون رقابة".

وتطالب بادويلان السلطات المحلية للانتباه إلى ما يجري وما يحدث بين هذه الشريحة "لخطورة وحساسية المرحلة التي يعيشونها".

وتقول إن ذلك "يتطلب تكاتف جهود الجميع، وبالذات الأسرة؛ لأن من الصعوبات التي يواجهها قضاء الأحداث غياب الأهل عن المحاكم، ومتابعة القضايا، ممّا يحتم على القضاء إبقاء الحدث في دور الرعاية حتى لا يجد الطفل نفسه مشردا في الشارع".

وتضيف "أبرز الصعوبات التي يواجهها قضاء الأحداث الجانب المالي، فأسرة المجني عليه أحيانا تطالب بـ"الأرش" والديات، والحدث الذي يقتل أو يصيب غير قادر على الدفع".

وتؤكد أن هناك قضايا مثل تلك: "حليناها بالتعاون بين مجلس القضاء الأعلى والشؤون الاجتماعية، على أساس طرح في الاعتبار فقر هؤلاء الأحداث لتقديم المساعدات أو التغطية المالية".

توصيات برفع سن الحدث:

الباحث عبد اللطيف علي الهمداني، وفي رسالة لنيل الماجستير- كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية، أشار إلى أن "هناك تطبيقا لنصوص مواد القوانين في بعض المراحل التي يمر بها الحدث والقضية داخل المؤسسات القضائية، وهناك عدم تطبيق للنصوص ذاتها داخل تلك المؤسسات القضائية في بعض المراحل الأخرى".

وجاء في الدراسة المعنونة بـ"بقضاء الأحداث في اليمن بين التشريع والواقع (صنعاء نموذجا)"، أن أقسام الشرطة لا يتم فيها الاستدلال على الطفل الخارج عن سلطة أبيه إلا بإذن من أبيه أو وليه أو وصيه، كما لم يلاحظ وجود أو انتداب المحامي للدفاع عن الحدث إلا في حال قدرة الحدث على تكليف محامٍ للدفاع عنه، بالرغم من وضوح النص القانوني الخاص بذلك".

ويرى الباحث أن "المحامين الذين تم التعاقد معهم من قبل وزارة العدل يتواجدون في محكمة الأحداث فقط، وأن إجراءات التحفظ والإيداع وإحالة ملف القضية إلى نيابة الأحداث يحصل فيها تجاوز، حيث لوحظ أن بعض أقسام الشرطة تقوم بالتحفظ على الحدث يوما أو يومين في حال تكون الجريمة غير جسيمة، وعندما تكون جسيمة يتم التحفظ والحجز على الحدث إلى حين استكمال جمع الاستدلالات، وقد تطول إلى ثلاثة أسابيع، وهذا يعتبر خلافا لما نص عليه القانون".

ولاحظ الباحث أن "هناك مراعاة لأوضاع الحدث الاجتماعية والنفسية حسب نوع الجنحة، لكن لا يتم الاستعانة بالأخصائيين في التحقيق لعدم وجودهم في أقسام الشرطة".

وفي النيابات لاحظ الهمداني في بحثه "وجود تطبيق، وأيضا عدم تطبيق، لنصوص القوانين".

ويقول الباحث: "يتم تحديد سن الحدث حسب ما نص عليه القانون (الوثيقة الرسمية أو الطبيب الشرعي)، إلا أنه في حال تحديد السن عبر الطبيب الشرعي يسبب تأخرا في استعجال القضية، حيث يأخذ ذلك وقتا، نظرا لأن وجود الطبيب الشرعي في مكتب النائب العام، وثانيا لندرة هذا التخصص، وكذلك لعدم وجود محامٍ للدفاع عن الأحداث إلا لمَن كانت له القدرة في ذلك".

وبالنسبة لمحكمة الأحداث يقول الهمداني في بحثه: "هناك حالة واحدة تعيق تطبيق نصوص القانون وخاصة أثناء الاستعجال في قضايا الأحداث، وهي وجود قاضٍ واحد للأحداث، وهو في الوقت ذاته رئيس المحكمة، يتولى الشؤون القضائية والإدارية للمحكمة".

وخلص البحث إلى أن "رعاية الأحداث تتطلب الكثير من الخطط والأعمال الرامية إلى الطريق الأمثل، وإدماجهم في المجتمع".

وأوصى الباحث بـ"رفع سن الحدث إلى 18 سنة، وتفعيل دور الإدارة العامة لشرطة الأحداث في وزارة الداخلية، والمتابعة والمراقبة لأقسام شرطة الأحداث في وزارة الداخلية، وتفعيل دور ووجود المحامي للدفاع عن الحدث في النيابة وأقسام الشرطة، وتفعيل دور الأخصائيين في التحقق من أوضاع الأحداث الاجتماعية والبيئية، ورفد محاكم الأحداث بالقضاة والإداريين، والاستمرار في تدريب وتأهيل الكوادر العاملة في مجال الأحداث".

وكانت دراسة أخرى أجرتها وزارة الداخلية في 2007 أكدت أن جرائم السرقة المرتكبة من قبل الأحداث احتلت المرتبة الأولى بنسبة 29 بالمائة، فيما جاءت جرائم اللواط في المرتبة الثانية بنسبة 23 بالمائة، يليها جرائم شرب الخمر بنسبة 10 بالمائة، وجرائم ارتكاب عمل فاضح "زنا" احتلت المرتبة الرابعة بنسبة 9 بالمائة، وجرائم القتل بنسبة 6 بالمائة، وتساوت نسبة جرائم هتك العرض وانتهاك حرمة مسكن وحادث مروري واغتصاب بنسبة 3 بالمائة.

وجاء في الدراسة التي أعدها نائب مدير السجن لشؤون الإصلاح والتأهيل بمحافظة عدن العقيد عبد الوهاب شكري، وهو أخصائي نفساني إكلينيكي أن 60 بالمائة من الأحداث مرتكبي الجرائم هم أميون، و31 بالمائة حاصلون على شهادة ابتدائية، و9 بالمائة حاصلون على شهادة ثانوية.

دراسة العميد شكري التي عنونت بـ"السجن ودوره في عملية تأهيل الأحداث الجانحين"، أكدت أن الذكور من الأحداث احتلوا النسبة الأكبر في ارتكاب الجرائم /77 بالمائة/ فيما احتلت الإناث المرتبة الثانية بنسبة 33 بالمائة، وأن 77 بالمائة من الأحداث الجانحين موجودون في السجون اليمنية بدون أحكام، فيما الباقي مسجونون عن طريق النيابة والمحاكم الابتدائية، بأحكام حبس تتراوح بين ستة أشهر وسنة ونصف.

وتقول الدراسة إن الأحداث المتواجدين في السجون هم من الفئة العمرية /16-18/ سنة التي استثناها قانون رعاية الأحداث 24 للعام 1992، والذي حدد السن القانونية للحدث بالخامسة عشرة فقط، حيث أصبحت الفئة العمرية من 16- 18 ليست ضمن الأحداث، وأن من ارتكب جريمة، وهو بين سن 16-18 يحاكم أمام المحكمة الابتدائية، وليس أمام محكمة الأحداث، وبالنص القانوني الذي ينطبق عليه قانون العقوبات اليمني رقم 12، للعام 1994، وإن كانت العقوبة مخففة بحسب التدابير القانونية، محذرة من حبس هذه الفئة العمرية في سجون الأحداث، ومطالبة بـ"إصدار قانون يمدد عمر الحدث حتى الثامنة عشرة سنة، وأن تكون مأوى الأحداث الجانحين من هذه الفئة دور الرعاية الاجتماعية".

صحيفة السياسية