نقابة المعلمين اليمنيين تدين الاعتداء السافر على المعلمين في شبوة وتطالب بتحقيق عاجل ''أكد أنه لا أحد فوق القانون''.. أول مسئول كبير يحيله رئيس الحكومة للتحقيق بسبب قضايا فساد ومخالفات الحكومة اليمنية تتطلع إلى شراكات استثمارية وتنموية مع الصين حضرموت.. وزير الدفاع يشدد على مسئولية المنطقة الثانية في تأمين السواحل ومكافحة التهريب أوتشا باليمن: نحو 10 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات إنسانية #لا_لتطييف_التعليم.. حملة على مواقع التواصل الإجتماعي تكشف عبث الحوثي بالمناهج وقطاع التعليم حماس توافق على تشكيل لجنة لإدارة غزة بشرط واحد عيدروس الزبيدي يستبعد تحقيق سلام في المنطقة بسبب الحوثيين ويلتقي مسئولين من روسيا وأسبانيا النقد الدولي: قناة السويس تفقد 70% من الإيرادات بسبب هجمات الحوثيين أول رد لتركيا بعد هجوم حوثي استهدف احدى سفنها
قد يبدو العنوان للبعض غريباً وربما مستفزا، خاصة وان المألوف عندنا في الثقافة السياسية العربية أن من يحكم البلدان هم الرؤساء والملوك والأمراء الى جانب المؤسسات التي تسير في فلكهم وتأتمر بأمرهم، واليمن بالطبع لا يخرج في العموم عن هذا المفهوم، لكن انهيار الدولة ومؤسساتها وغياب القانون فيه مقابل حضور السلاح الذي يسيطر على الشارع والاحتكام اليه يعطينا مشروعية التأمل في وضع اليمن، والبحث عن اجابة مرضية لسؤال عريض كهذا.
ففي ظل تداخل الاحداث واختلاط اوراق اللعبة السياسية الذي تشهده الساحة اليمنية في الوقت الراهن يصعب على المتابع الحصيف أن يحدد بالضبط من يحكم اليمن اليوم ؟!!
فالخارطة السياسية اليمنية بعد ظهور الحركة الحوثية - الواقع المسيطر في الحياة العامة - لا تزال في طور التشكل، والاحزاب - كما اشرنا هنا في مقال سابق- تسير تدريجيا باتجاه التحلل عن تموضعاتها السابقة بحثا عن مواقع جديدة تؤمن لها ولقادتها بالذات الحضور والمشاركة، ذلك لأن اغلب هذه الاحزاب التي ترفض الجديد وتقاوم فعل الشباب ومشاركتهم فيها لا تمتلك رؤى وبرامج تحدد اتجاهات ومسار عملها الوطني، فهذه الاحزاب (قومية ويسارية، ودينية - مذهبية) قد شاخت بشيخوخة زعاماتها، ولم يعد في الامكان ابدع مما كان.
ولعل المستفيد الاكبر من هذه الضبابية وهذا الارتباك في الوضع السياسي الراهن هو المؤتمر الشعبي العام، الذي بدأ يستعيد عافيته ويسترد شعبيته، فعلى صعيده التنظيمي بدأ - بعيداً عن فقاعة الانشقاق في عدن - يرتب أوراقه ويلملم صفوفه تمهيدا للتحضير للانتخابات المقبلة التي يطالب بها، أما المتضرر الأكبر فهم (الاخوان المسلمون) ممثلون في حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي يبدو وكأن محاولة استمراره في حكومة \"السلم والشراكة\" وأيضا محاولة تقاربه مع السيد عبدالملك الحوثي لم تعد أكثر من محاولة لحماية نفسه وما تبقى من مصالح قياداته في ظل سيطرة الحوثيين (انصار الله) على الوضع في البلاد.
فحزب الإصلاح بعد أن اضاع الجمل بما حمل نتيجة فشله في إدارة \"حكومة الوفاق\"، التي أوقعته صريعا في فخ نهم السلطة والتنقيب عن المصالح الحزبية والشخصية الضيقة خلال (نوفمبر 2011 - سبتمبر 2014) بدأ اليوم يعاني من عزلة وهجر الاصدقاء والمناصرين (قبليين وسياسيين).
وحتى الحلفاء في \"اللقاء المشترك\" الذي يجمع إلى جانب الاصلاح (الاشتراكي، والناصري، والحق، والقوى الشعبية، والبعث)، بدأوا هم الاخرون يفرون من حوله، وهم في حالة بحث عن مواقع جديدة .. وهذا أمين عام الحزب الاشتراكي أحد ابرز قيادات \"اللقاء المشترك\" د. ياسين سعيد نعمان يقول في اجتماع المجلس الوطني لحزبه منتصف الشهر الماضي: \" هناك حديث عن اللقاء المشترك، وفي الحقيقة لم تعد هناك قضايا مشتركة بيننا \"، مع أن تجربة \"المشترك\" الذي تأسس بفكرة من الشهيد جارالله عمر - أبرز قادة الاشتراكي اليمني عبر تاريخه - كانت ايجابية، وجاءت لإنقاذ الحزب وإعادته للحياة بعد حرب صيف عام 94م.
ومن هنا، فأحزاب اللقاء المشترك التي بدأت على استحياء تمالئ الحوثيين مع شيء من التزييف والمخاتلة، هي الاخرى في حالة تخبط .. تضرب كفا بكف، فهي كانت شريكة في فساد وفشل \"حكومة الوفاق الوطني\" التي رأسها باسندوة، وشريكة في وضع اليمن تحت الوصاية الدولية، وهي أيضاً شريكة فاعلة وأساسية في تدمير وخلخلة القوات المسلحة والأمن وانهيار مؤسسات الدولة، وضياع الامن العام وانتشار الفوضى، انتقاما من الخصوم، لكنها اسلمت نفسها - من حيث لا تدري-لخصوم لا يرحمون، ولذلك فهي تعاني اليوم أكثر من غيرها، وبالتالي فهي لم تعد \"الآمر الناهي\" - كما كانت عليه قبل 21 سبتمبر الماضي - ولم تعد تملي على الرئيس هادي ما يجب وما لا يجب !!، ولم يعد حتى أضعف السفراء قوة وحيلة في صنعاء يلقي لها أو لقادتها بالاً، ولذلك جاء بيان أحزاب \"اللقاء المشترك\" نهاية الاسبوع الماضي يحتج ويرتج، ويشجب ويندد بقرارات هادي حول تعيين (7) محافظين، ويشكو من ممارسة الاقصاء الذي كان الإخوان وحلفاؤهم في المشترك يمارسونه ضد الآخرين، حين احتكروا السلطة واستحوذوا على بعض الثروة فقط لأشخاصهم وأحزابهم، ومارسوا خلال الثلاث السنوات الماضية أقصى درجات الاقصاء والتهميش في الوظيفة السياسية والعامة ضد كل من لا ينتمي اليهم، وحاصروا الرئيس وجروه الى أصغر المربعات.
الرئيس هادي - حفظه الله ورعاه - لا يبدو أحسن حالا من غيره في المشهد اليمني القائم، لكنه - ربما نتيجة ضغوط كبيرة - قد قبل على نفسه منذ اللحظة الأولى لتسلمه ريادة البلاد أن يكون أسيراً بين الحاجة والرغبة لشغل كرسي الرئاسة وبين تجاذبات سفراء ومستشارين وقوى وأحزاب أنانية لا ترى في السلطة إلا المغنم، وليست لديها مشاريع لإنقاذ الدولة والوطن من السقوط، وإنما لديها طموحات نهمة في نهش ما تبقى من دولة وثروة ووطن، فرضخ الرئيس هادي لهؤلاء، وقبل تدريجيا بمصادرة القرار السياسي، ثم قبل بمصادرة الدولة، وكما كان يصدر قراراته في ظل \"حكومة الوفاق\" برغبة وإملاء الاخوان وشركائهم (الناصري والاشتراكي بالذات)، هو اليوم يصدر قراراته برغبة وإملاء الحوثيين (انصار الله)، الذين يبسطون سيطرتهم على الحكومة ومؤسساتها، ويوجهون أعمالها وفقا لمرئيات واجتهادات ما يطلقون عليها \"اللجان الشعبية\"، ما يعني أن النظام والقانون مغيبان، ولم يعد هناك وجود فعلي للدولة (وأعني هنا المؤسسات التي تحتكم للدستور والقانون) إلا ما نسمعه عنها عبر وسائل الاعلام الرسمي .
أصبح الحوثيون (انصار الله) يمثلون فزاعة مخيفة للدولة المنهارة وللمواطن على حد سواء، من خلال ما يقومون به من مداهمات وتدمير ونسف بيوت الخصوم والمساجد ودور القرآن، وهي أعمال ليست مهمة ولا يمكن تبريرها، ولا يجب أن تكون هي الغاية، فالترهيب بقوة السلاح لم يعد مهما حتى بالنسبة اليهم .. فقد وصلوا العاصمة، وسيطروا على كل شيء في صنعاء، وجمعوا الرئيس وكل القوى والأحزاب المخالفة والموالية على طاولة \"وثيقة السلم والشراكة الوطنية\"، التي تضمنت رؤيتهم واشتملت على برنامج عمل في منتهى الدقة والجدية والوضوح، ولم يعد أمامهم إلا المشاركة في العمل السياسي والمؤسسي لإنجاح وتنفيذ هذه الوثيقة.
فكان - ولا يزال- بإمكان الحوثيين ان يسخروا قوتهم وسيطرتهم على الواقع العام لصالح النظام والقانون، ويقدموا انموذجاً ايجابياً في احترام قواعد وأصول اللعبة السياسية وعمل الدولة، ويخدم ما يتحدثون به عن العدالة والمساواة وحماية الحقوق المسلوبة والضائعة، بدلا من فرض واقع يتماها مع الفوضى ويقيم سلطة بداخل سلطة في الوزارة والمؤسسة والشارع .. فذلك - اذا ما استمر- هو الفساد بعينه، وهو الفوضى التي يجب أن تتوقف، لآن مواصلة تدمير ما تبقى من دولة ومؤسسات وأمل في نفوس الناس سيقود - حتماً- الى الكارثة، وسيعود باليمن الى مجاهل التخلف ومزيد من القتل والحروب التي لن تكون لها نهاية، وهو ما ستتضرر منه الحركة الحوثية نفسها باعتبارها قد اصبحت شريكاً مؤثراً في السلطة، وتمتلك أيضا قوة اتخاذ القرار.
وإذا، فكل هذه القوى التي تتهافت على السلطة في وطن جريح ومذبوح لا تحكم وإنما هي من اسلمت ارادة الوطن للفوضي التي اصبحت هي الحاكم الفعلي ليمن اليوم.
فالأوضاع في اليمن في حالة انحدار مخيف ومن سيء الى أسوأ، فبينما كان المواطن العادي والشاب اليمني المستنير والمثقف يطالب في ظل الرئيس صالح بمزيد من الحقوق والحريات والمشاركة في الحياة السياسية والعامة، صار يطالب في ظل (الاخوان) بالإبقاء على حقوقه وعدم طرده من وظيفته، وأصبح في ظل سيطرة (الحوثيين - انصار الله) يطالب بعودة الدولة وبتأمين حياته وبيته.
وهكذا تراجعت طموحات المواطنين ومطالبهم لكنها بالمقابل ارتفعت عند القوى والأحزاب والتيارات السياسية، فأحزاب \"اللقاء المشترك\" رغم كل ما فعلته بالوطن خلال الفترة الماضي لا تزال تطالب بالتقاسم وبمزيد من الحصص في حكومة بحاح، وصار الرئيس صالح يهيئ نفسه وحزبه للعودة لحكم البلاد، بينما تحولت المطالبة بالعدالة والمساواة وعدم الاقصاء والتهميش عند الحركة الحوثية الى مطالبة بالسيطرة على الوطن كله، والحال هو نفسه عند الحراك الجنوبي الذي ارتفعت مطالبه من حقوقية ووظيفية الى مطالبة بانفصال واستعادة الدولة، فضاعت الدولة في كل أنحاء الجنوب كما ضاعت في كل أنحاء الوطن.
*رئيس مركز الوحدة للدراسات الاستراتيجية
وزير ثقافة يمني سابق