خطاب الروح
بقلم/ عسكر بن عبدالله طعيمان
نشر منذ: 8 سنوات و شهر و 29 يوماً
الخميس 01 سبتمبر-أيلول 2016 09:30 م

إلى أخي وشقيق روحي المجاهد المحتسب ابو مالك الشيخ محمد بن عبد الله طعيمان قائد عمليات كتيبة أمن الطرق، عليك سلام الله ورحمته وبركاته، وبعد:

فأهنئك بما بلغت في ضيافة الرحمن الرحيم ملك يوم الدين، فهو أرحم بك مني ومن أمك الحنون وأبيك الشفيق وولدك البار وزوجك الوفية، وأربط بالصبر على قلبي المكلوم وروحي الثكلى بمصاب ما فقد اليمن من صنائع برك أنت ورفاق دربك، فليس المصاب الارتقاء إلى الجوار الكريم... ولكن الرزية فَقْد حُرٍّ *** يموت لموته خَلق كثير..

فقد أقسم الفجر ألا يرسل أنواره معتقة بالأمن والحرية والنماء إلا بعد مهرجان مهيب تستقبل فيه السماء أرواح الصديقين.

قسم الله لليمانيين من هذا المشهد فجراً آخر مهما طال انتظاره وتكسرت لحظاته فقد أدركوه بآلام الانتظار وحسرات الانكسار .

كنت معنا ترقب جهنم الغرب وقد زفرت فأرسلت حمما من عذابات السنين على بلاد الموحدين، لحظات فارقة فتقت الجمع المشبوه فانفلق بين باطل يثير النقع وحق يضمد الجراح ويقف كالطود العظيم، فانحزت إلى فئة الأحرار ونصرت الحق وضمدت من الجراح.

أرادوا لليمن أن يعيش في حوالك الدهور مقسماً بين الجهل والعصبية والسلالة وتراتيل الشيطان الرجيم، فأطلقوا فيه يد المستبد الغشوم يزرع الفتن في طينة الخبال ويرويها بماء الجهالة والضلالة، فأنهك الشعب وفتك بالقبيلة وقسمها وحرفها عن مسار الحرية والإباء وأمجاد الفاتحين، وجعلها شيعاً وأحزابا، وزرع في مضاربها قراصنة الحرابة ومعاول الهدم ليجثم عرشه على الأنقاض، وتحالف مع عصابة الدجل والضلال وسلالة الظلم والظلام، فكنت من النابهين الأفذاذ الذين قاوموا كل حيل الباطل وخبائث العروش.

غفل المستبد عن هدي الإسلام وعن تاريخ عريق يسري في دماء اليمانيين يخفت لكنه لا ينطفئ.. يمرض لكنه لا يموت، وكنت من قدر الله تتقدم الصفوف عند الفزع وتتوارى عند الطمع، يبحث غيرك عن المكاسب وتبيع ما تملك لتشتري السلاح.

ترجمت إرادة أمة لما تعانقت حشاشة روحك بأرواح الأباة في تعز والبيضاء وعدن والجوف والضالع وصنعاء مع أرواح أحرار سبتمبر المجيد وأكتوبر الظافر.

يقيني بكرم الله يحول دون رثائك، أغالب نفسي بالصبر وحبس الدمع.. فإذا مواضع سجودك تبكيك، وخطراتك في الصحراء ترثيك، ودفء صوتك يملأ سمعي، وخيالك يجتاح كياني، ومعروفك وعطفك يعصف بي إلى حزن سحيق ولا أقول إلا ما يرضي ربي.

بسماتك البراقة الصادقة الناطقة بالحب، المفعمة بالأخوة كانت تملأ نفسي بهجة وسعادة..

شفاف روحك وصفاء ضميرك وصدق مشاعرك كان يغمرني بالحنان والأمان..

تعلمت منك دروسا بليغة في حياتك وعلمتني ألف درس ودرس بعد مماتك..

إن التهاب مشاعر الحزن وتداعي القلوب على الأسى من الأقارب والأباعد، وشعور الأسف الذي يهجم بغتة فور وصول الخبر حتى على من لا تربطه بالميت علاقة أو معرفة عن قرب؛ لهي شواهد صدق لا تكذب على صبغة قبول إلهية أثارت القلوب بالتأثر ودفعت الألسن للثناء، واللهج بالدعاء بلا دافع من مجاملة أو غيرها، كما أن غيظ الأعداء وشماتتهم يدل بالعكس على ذلك.

كنت صادقا متجردا نحسبك والله حسيبك لم تقبل عروضا للقيادة عرضت عليك، كما أنك طوال سنوات الدفاع المشروع لعصابات الدجل والإفك كنت تنفق على نفسك وتشتري ذخيرتك وعتادك من مالك الخاص، ولم تأخذ مقابل ذلك شيئا، بل رفضت ما عرض عليك منه. وهذه صورة عظيمة لمواقف وعزائم يعز وجودها في زمن ابتلينا فيه بالتهافت واللهث وراء المادة والتنافس على الجاه، والتحاسد والتدابر والتصارع كتصارع الثيران الجائعة على هشيم الأعلاف..

في علاقتك بربك كنت أنموذجا منذ صباك فكانت الصلاة روحك وراحتك، لا تصلي الفرائض إلا في المسجد.. تصلي صلاة الخاشع الخاضع لربه لا تستعجل فيها ولا تتبرم بها، وقيام الليل لا يفوتك كما شهدت بذلك زوجك، وكذلك صلاة الضحى وسنة الوضوء، محافظا على الوضوء في كل أوقاتك وقد ختم الله حياتك بصلاة ركعتين فلقيت ربك مصليا متوضئا..

وفي الزكاة والصدقات كانت لك يد خفية طولى لم نعلم عن أكثرها إلا بعد رحيلك شهد بها من وصلهم معروفها..

وفي الصيام والحج والعمرة كنت سباقا تعاجل سني عمرك قبل انقضائها، تخفي الصيام عن أهلك واشتريت إقامة السعودية قبل أكثر من 10 سنوات لغرض الحج والعمرة فقط.

وفي أخلاقك كنت عفيفا حليما حييا كريما يشهد لك كل من يعرفك..

وفي الصدق -ذلك الخلق العزيز الذي عز وجوده وصار ينتحب لفراق أهله- كنت مضرب المثل فيه، ويشهد لك به كل من عاشرك أو تعامل معك..

وعن غيرتك وحميتك لله أن تنتهك حرماته يطول الكلام، فأجلى مثال على ذلك بغضك لمحاربة الله ورسوله والإفساد في الأرض بقطع الطريق وإخافة السبيل، ولك في ذلك مواقف كثيرة كان آخرها استشهادك في سبيل منعها وإنهائها. وأبشرك أن رفاق دربك في الجيش والأمن والمقاومة لن يستهينوا بدمائكم الزكية أنت وإخوانك، وسيقومون بواجبهم في هذا السبيل ولن يتهاونوا فيه مع كائن من كان..

ونزر يسير من معاملتك لا أتذكر البتة أنك جرحتني بكلمة أو موقف جادا ولا هازلا، بل على العكس كنت تتحملني إذا جهلت عليك أحيانا.. ويالله كم يؤلم سوط الألم وجمر الندم عندما تفارق حبيبا عزيزا فتتذكر مواقف أسأت له فيها وإن كانت يسيرة فصبر عليك.. أو أنك قصرت في أمر كان يريده منك.. فيا لتفاهت الدنيا!! وهذه لذعة معاتبة لصور متكررة في الحياة بين الأقارب والأصدقاء.. وأنا هنا لا أدين نفسي تجاهك أخي وقرة عيني فقد كنت والله يعلم وأنت كنت تعلم أني أكن لك حبا عظيما وتقديرا كبيرا لا لمجرد حظ نفسي منك وإنما لله أولا، لما أعرفه من صلاحك وصدقك مع الله ولما حباك الله من شمائل زاكية وصفاة نادرة وأخلاق رفيعة، ثم لداعي الفطرة القوي للرحم والأخوة، ولبطن أم حانية حملني وإياك، ولظهر أب شفيق سلكني معك في نسب وسبب، ولا أحسب إلا أنه قد يقارب حالي معك

قول أمية بن أبي الصلت في رثاء أخيه عبدالله

وخفف وجدي أنني لم أقل له***

كذبت ولم أبخل بما ملكت يدي..

ومعنى البيت: أنه يقول: إن مما خفف حزنه على أخيه أنه لم يرد قوله يوما بتكذيبه ولم يسء إليه بقول أو فعل، كذلك لم يبخل عليه بشيء من حطام الدنيا كان قادرا عليه، وهكذا يجب أن تكون علاقة الإخوة والأقارب والأصحاب قبل حلول ساعة الندم ولات ساعة مندم.

وإن كنت لا أدين نفسي بإساءة لك فإني أعترف أنني مدين لك بأفضال كثيرة وأياد غزيرة لك علي، لك من الله عليها الجزاء.. سقت قبرك سحائب الرحمة وشآبيب الغفران.