ومن يحزن لموت عصفور؟!
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 4 سنوات و 8 أشهر و 26 يوماً
الثلاثاء 25 فبراير-شباط 2020 06:44 م
 

أخبروني بموته فأحسست بالحزن يجتاحني لفراق هذا الكروان الجميل الذي أشتراه أقاربنا الذين يسكنون بجوارنا مع قفصه قبل أشهر كان الأطفال يحملونه أحياناً إلي فأراه حزينا غير أنني مثلي مثل البقية لم أنتبه إلى سبب حزنه وهو أنه وحيد في القفص، بعد موته أخبروني أن البائع كان قد حذرهم أن العصفور لن يعيش طويلاً دون أنثى ترافقه، لكنهم كانوا يظنون أنه يحرضهم على شراء العصفورة الأخرى ليس إلا، لو علمت بهذا التحذير لاشتريت له رفيقة حياته على حسابي ولكنني علمت بعد فوات الأوان.

أخبرتهم بحزني على موت العصفور فضحكوا علي فهم لا يعلمون بدلالات هذا الموت لدي ولا بانعكاساته في مشاعري وأحاسيسي وتداعت إلى ذهني عشرات بل مئات القصص لأناس يموتون حزنا في سجونهم وفي غربتهم وفي منازلهم التي مهما كانت أنيقة لكنها تتحول إلى سجون واسعة لهم عندما يفقدون شريكة حياتهم ورفيقة دربهم ويبتعدون عن أنثاهم التي تجعل لحياتهم معنى وقيمة فيموتون عندما يفقدون الأمل بالحياة معها، أتخيل الإمبراطور المغولي شاه جيهان باني تاج محل كضريح يخلد حبه لزوجته يمكث سنوات في القلعة الحمراء سجينا وحيدا بعد وفاة زوجته ممتاز محل ليس له سوى نافذة صغيرة يطل منها على ضريح زوجته وربما هذه الإطلالة هي ما أخرت موته لسنوات وإلا لمات بعد أشهر مثل عصفور جيراننا وتلك قصة حب خالدة في التأريخ ومعروفة لدى كثير من الناس.

الناس عصافير يموتون عند فقد أحبابهم وأنا ما زلت حزينا على العصفور حتى اليوم وأتألم أيضا لأن هؤلاء لم يشكل موت العصفور عندهم أي فرق مجرد حدث عابر عادي ليس له أي دلالات.

الناس عصافير لكن المرأة هي غالبا قليلة الحيلة التي تنتهي حياتها كحياة عصفور الجيران، المرأة عصفورة تفيض بالعاطفة وقد تلقى حتفها بسببها وغالبا ما تكون كتلة من الأحاسيس والمشاعر في وسط غابة من الثيران على هيئة بشر.

تعيش المرأة العصفورة سنوات طويلة وهي متماسكة طالما وفي قلبها أمل بأنها ستلقى عصفورها وحبيبها بعد كل تلك السنوات أتذكر أنني شاهدت فيلما أجنبيا، له دلالات هامة فهو يجسد قصة امرأة يحكم عليها بالسجن المؤبد " 25 عاما " في قضية لفقت ضدها وكانت حينها شابة وجميلة ولها صديق عندما بلغه الخبر جاء إليها وواساها وأقسم لها أنه لن يتركها وسيقف معها ويحاول استئناف الحكم وبالفعل حاول وبذل جهوداً كبيرة ولكن دون جدوى وفي محنتها تلك تخلى عنها أقاربها وبخلوا عليها حتى بالزيارة وتنكر لها الأصدقاء والزملاء في قصة حزينة تتكرر كثيرا في العالم الغربي المادي وبقي لها ذلك الصديق الأمل يأتي لزيارتها كل أسبوع ويحمل إليها رواية وشريط كاسيت يسجل عليه بصوته أحاديث إليها فيها قصص ودردشة وطرائف وتعليقات على الأحداث والحياة لعلها تتسلى به في السجن.

كان يعمل كل ما يعمله والسنوات تمضي وقد مضى هو إلى حياته العادية توظف وتزوج وأنجب الأطفال ولم تكن هي تعلم بما يحدث له وظنت أنه يحبها وينتظر لها حتى تخرج من السجن ليتزوجها وأنه مخلص لها ولم تكن تعلم أنه يقوم بكل هذا بدافع الشفقة والمواساة كصديق ليس إلا.

ومضت السنوات وتضاءل جمال المرأة كثيراً وأثرت فيها سنوات السجن الشاقة واستمر هذا هو الحال وهي تحتفظ بكل الروايات والكتب والأشرطة وتكونت لديها ملكة الكتابة فكتبت روايات وكتب انتشرت بين الناس وصارت نجمة ولكن في السجن وتم تحسين وضعها كثيراً وظلت المرأة العصفورة تعيش على أمل الخروج واستئناف الحياة مع ذلك الإنسان الوفي المخلص الذي ملأ حياتها أملاً وتسلية ومتعة ووو ألخ.

وحين خرجت من السجن كان بانتظارها بباب السجن وفوجئت به بدلاً من أخذها إلى منزله يأخذها إلى شقة أستأجرها له لتعيش فيها بقية حياتها ثم أخبرته وكلها لهفة وشوق عن ترتيبات زفافهم فأستغرب حديثها ثم أخبرها أنه قد تزوج ولديه أولاد وأكبرهم يدرس في الجامعة وأنه يعيش حياته ولكن كان يقف معها كصديق دفعته الشفقة والإنسانية إلى أن يعمل كل ما عمله وحينها أبدت له أنها تقبلت الأمر وفي الحقيقة انهارت كل مدن الأحلام التي بنتها في قلبها وانطفأت في قلبها الرغب في الحياة وعندما جاء لزيارتها في شقتها بعد أيام وجدها قد انتحرت وفارقت الحياة.

يمكن للمرأة أن تعيش مائة عام إذا كانت في قلبها جذوة أمل متقدة مشتعلة ولكنها عصفورة تموت عندما حين تحبس وحيدة ولو في قفص من ذهب وتموت حين يموت الأمل في قلبها أو قد تعيش حياة لا فرق بينها وبين الموت.

الناس عصافير ولكن من ينتبه لهم وينقذ حياتهم؟!!