السياسة الخارجية المتوقعة لإدارة ترامب.. وتداعياتها على الشرق الأوسط
بقلم/ أدهم أبو سلمية
نشر منذ: أسبوعين و 14 ساعة
الخميس 07 نوفمبر-تشرين الثاني 2024 05:13 م
 

خلال حملته لاستعادة رئاسة الولايات المتحدة، قال دونالد ترامب إنه سيكون قادرًا على إنهاء حرب روسيا في أوكرانيا خلال 24 ساعة، وحذر من أن إسرائيل ستتعرض “للمحو” إذا خسر الانتخابات، وتعهد بفرض تعريفات جمركية واسعة على الواردات الصينية، لتُطرح اليوم بعد فوزه تساؤلات جوهرية حول قدرته على تطبيق السياسة الخارجية الأمريكية كما تعهد بها، خاصة تلك المتعلقة بالشرق الأوسط.

فالشرق الأوسط، مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2025، يستعد لمواجهة موجة أخرى من عدم الاستقرار، حيث من المتوقع أن تتبنى السياسة الخارجية الأميركية نهجًا هجوميًّا قائمًا على الصفقات المباشرة. فإدارة ترامب السابقة اتسمت بتغيرات مفاجئة في السياسات، وضغط مكثف على إيران، ودعم قوي لأهداف إسرائيل الإقليمية، وتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية دون معالجة حقوق الفلسطينيين.

يستعرض هذا التحليل التوجهات المحتملة لسياسة ترامب الخارجية في الشرق الأوسط، لا سيما تجاه إيران والقضية الفلسطينية، والديناميكيات الأوسع للتحالفات الأميركية- العربية.

الضغط الأقصى على إيران: العودة إلى التصعيد

أطلقت إدارة ترامب الأولى حملة “الضغط الأقصى” ضد إيران، بهدف عزل طهران عبر عقوبات شديدة، وإنهاء الاتفاق النووي لعام 2015. مع عودته، من المتوقع أن تزداد هذه السياسة حدة، ويبدو أن الهدف هو تقليص نفوذ إيران في المنطقة مع السعي إلى اتفاق نووي جديد بشروط أكثر صرامة. ومع ذلك، قد تؤدي هذه الاستراتيجية إلى تصاعد التوترات، وتشجيع إيران على تعزيز تحالفاتها مع دول مثل روسيا والصين، ما يزيد من عسكرة منطقة الخليج.

يفتقر نهج ترامب إلى القنوات الدبلوماسية التقليدية، معتمدًا بدلًا من ذلك على العقوبات والردع، ما يهدد بمزيد من زعزعة استقرار المنطقة، بدلًا من محاولة الوصول لحلول مستدامة.

لتوضيح طبيعة هذا النهج، من المهم الإشارة إلى أن سياسة الضغط القصوى لم تكن مجرد عقوبات، بل كانت محاولة لعزل إيران دوليًّا واقتصاديًّا، ما جعل الدول الإقليمية في حالة استعداد دائم لتفاقم الأوضاع.

تعزيز العلاقات الأميركية- الإسرائيلية: إرث اتفاقيات أبراهام

تعد اتفاقيات أبراهام، التي طبعت العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، واحدة من أبرز إنجازات ترامب في السياسة الخارجية في الشرق الأوسط.. ومن المتوقع أن يواصل ترامب الدفع نحو مزيد من اتفاقيات التطبيع، ربما مع دول مثل السعودية. إلا أن نهج ترامب همّش القضية الفلسطينية، حيث اعتبر أمن إسرائيل حجر الزاوية في السياسة الأميركية بالشرق الأوسط، دون معالجة الاحتلال أو حقوق الفلسطينيين، كما يُتوقع أن يستثمر ترامب في بوابة الوعود بالحماية لبعض الأنظمة العربية لإخضاعها للقبول بالتطبيع مع إسرائيل.

بالنسبة للقضية الفلسطينية، قد تشكل عودة ترامب إشارة إلى مزيد من التهميش، حيث تبدي إدارته اهتمامًا ضئيلًا بدفع حل الدولتين أو مواجهة توسع المستوطنات. خلال ولايته السابقة، قام ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بالجولان المحتل كجزء من إسرائيل، وهي خطوات عززت موقفه المؤيد للإجراءات الإسرائيلية المتطرفة.

الآن، قد يتجه ترامب إلى تبني خطوات أكثر راديكالية، حيث أشار في تصريح له في وقت سابق هذا العام إلى أن “إسرائيل صغيرة جدًا: هل هناك طريقة لجعلها أكبر؟”.. ملمحًا إلى إمكانية احتلالها المزيد من الأراضي من جيرانها؛ وهذا الموقف يتماشى تمامًا مع آراء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية. دعم ترامب للسياسات المتشددة يعكس اصطفافه مع السياسة الإسرائيلية اليمينية، وهو موقف قد يزيد من معاناة الفلسطينيين ويعمق الاحتلال، ما يجعل التطبيع مبادرة لتحقيق مصالح جيوسياسية وتجارية لدول المنطقة، دون أي أساس يضمن تحقيق العدالة للفلسطينيين.

الأخطر من ذلك، أن ترامب ضمن رؤيته لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد ينظر للحرب القائمة على جبهتي غزة ولبنان على أنها فرصة مواتية لتطبيق “صفقة القرن”، وهو ما يعني مزيداً من الضغط على الضفة الغربية، وتشجيعاً أكبر لهجرة الفلسطينيين من أرضهم، وتوفير الغطاء السياسي للهيمنة العسكرية الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية، مع رؤية مختلفة لإدارة الشأن الفلسطيني عبر روابط القرى أو مؤسسات المجتمع المدني. وفي الجنوب اللبناني، من المتوقع أن يتبنى ترامب نهجاً أكثر تشدداً ضد حزب الله، وفي العمل على مساعدة إسرائيل لفرض منطقة أمنية عازلة، تصل حتى نهر الأولي وليس الليطاني فقط.

الأولوية للتحالفات على حساب حقوق الإنسان

أظهر ترامب نهجه القائم على الصفقات في تحالفاته الشرق- أوسطية، والمبني على المصالح المشتركة بدلاً من القيم، من خلال علاقاته مع الأنظمة الاستبدادية، واستفادت دول مثل السعودية ومصر من دعم عسكري أميركي واسع، مع محاسبة محدودة على قضايا حقوق الإنسان. ويشير استمرار هذا النهج إلى أن إدارة ترامب ستعطي الأولوية للاستقرار والمكاسب الاقتصادية في علاقاتها مع الدول العربية، متجاهلة الإصلاحات الديمقراطية أو حقوق الإنسان.

على وجه الخصوص، قد يعزز نهج ترامب الوضع الراهن في الخليج، حيث تظل صفقات الأسلحة والاستثمارات الاقتصادية في مقدمة العلاقات، في حين يتم تجاهل النقاشات حول الحكم أو حقوق الإنسان. من المرجح أن يدعم ذلك موقف الولايات المتحدة الداعم للحكومات المستعدة لمواجهة نفوذ إيران، ومواءمة مصالحها الاقتصادية مع الولايات المتحدة، مع قمع المعارضة الداخلية دون عقاب. من خلال النظر في هذا النهج، يمكن أن نرى أن التركيز على التحالفات يتجاوز مجرد العلاقات السياسية، إلى توفير مظلة دعم شاملة للأنظمة التي تواجه تحديات داخلية متعلقة بحقوق الإنسان.

تقليص التركيز على تقرير المصير الفلسطيني

انحرفت سياسة إدارة ترامب السابقة تجاه النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني عن الدعم التقليدي لحل الدولتين؛ حيث فضلت السياسات الإسرائيلية التي تعمق الاحتلال. عكست “صفقة القرن” تجاهلاً للسيادة الفلسطينية، مقدمًا حوافز اقتصادية بدلًا من حلول سياسية.. ومن المتوقع أن تعمق ولاية ترامب الثانية هذا النهج، مع اهتمام ضئيل بتقرير المصير الفلسطيني.

قد تؤدي تداعيات هذه السياسة إلى مزيد من نفور الرأي العام العربي، خاصة مع سعي المزيد من القادة العرب للتطبيع مع إسرائيل، موائمين مصالحهم الاستراتيجية مع الولايات المتحدة على حساب حقوق الفلسطينيين.

وتبقى القضية الفلسطينية محورًا للهوية والكرامة العربية، ما يجعل التخلي عن حق تقرير المصير مسألة جدلية داخل المجتمعات العربية، على الرغم من السياسات الرسمية للتطبيع.

الشرق الأوسط في إطار المنافسة الأميركية- الصينية

قد يعيد تركيز ترامب على الصين كمنافس استراتيجي تشكيل مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، دافعاً الدول الإقليمية إلى مواءمة أولوياتها مع الأولويات الأميركية ضد النفوذ الصيني. من المتوقع أن يستخدم ترامب التحالفات الشرق- أوسطية كجزء من استراتيجية أوسع لاحتواء الوجود المتنامي للصين في الأسواق العالمية، وخاصة في قطاعات مثل الطاقة والاتصالات.

بالنسبة لدول الشرق الأوسط، قد يؤدي الانحياز إلى الأولويات الأميركية ضد الصين إلى تكلفة، خصوصاً إذا أجبرتها على اختيار طرف في مشهد جيوسياسي معقد. قد يسعى نهج ترامب إلى استغلال النفوذ الأميركي عبر الضغط على الدول الشرق- أوسطية للحد من الاستثمارات الصينية، خاصة في البنية التحتية الحيوية والتكنولوجيا، ما يفرض ضغوطاً إضافية على هذه التحالفات.

ومن المتوقع أن تدفع إدارة ترامب نحو تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الشرق- أوسطية وإسرائيل، ضمن رؤية نتنياهو لبناء شرق أوسط جديد، لأن من شأن ذلك مساعدة ترامب في جهوده لاحتواء النفوذ الصيني. ولكن الدول العربية ستكون مطالبة بالإجابة عن أسئلة معقدة تتعلق بميزان المصالح، إذ إن الصين تقوم بشراء الحصة الأكبر من البترول من المنطقة.

في الختام

تركز سياسة ترامب المتوقعة تجاه الشرق الأوسط على أساليب الضغط على إيران، وبناء التحالفات بناءً على المصالح الاقتصادية، مع التزام ثابت بأمن إسرائيل ومصالحها الإقليمية.

وعلى الرغم من أن دبلوماسية ترامب القائمة على الصفقات قد تحقق نتائج فورية، فإنها تتجاهل الاستقرار الإقليمي طويل الأجل، وتفشل في معالجة جذور المشاكل الحقيقية في المنطقة، وخاصة في فلسطين. من خلال إعطاء الأولوية للتحالفات على حساب حقوق الإنسان، يخاطر ترامب بتعزيز الاستبداد في المنطقة، ما قد يؤدي إلى مزيد من الاستياء وعدم الاستقرار.

قد تؤدي عواقب نهج ترامب في السياسة الخارجية إلى تعميق الانقسامات في الشرق الأوسط، ما يدفع القوى الإقليمية إلى البحث عن تحالفات بديلة، ويقوض دور الولايات المتحدة كقوة لتحقيق الاستقرار.

بالنسبة للفلسطينيين، قد تمثل سياسة ترامب ضربة أخرى لتطلعاتهم نحو الحرية وتقرير المصير، وستعقّد من مسار التوصل لوقف للعدوان على قطاع غزة، حيث يستمر تحول السياسة الأميركية بعيداً عن مبادئ العدالة والمساواة نحو الصفقات وسياسات الإخضاع بالقوة.

تعد السنوات الأربع المقبلة حاسمة للعلاقات الأميركية-الشرق أوسطية، حيث تضع سياسات ترامب نغمة لنظام إقليمي أكثر مواجهة وتجزئة وانقسامًا