طلاب اليمن في الخارج: المشاكل والحلول
بقلم/ فيصل الصامت
نشر منذ: 15 سنة و 3 أسابيع و 6 أيام
الثلاثاء 27 أكتوبر-تشرين الأول 2009 07:13 م

إن لم تخني الذاكرة فمنذ عشر سنوات مضت تعاقب على وزارة التعليم العالي بالترتيب د.يحي الشعيبي ، ود.عبد الوهاب راوح ، ود.صالح باصرة ، وعلى وزارة المالية :الاستاذ علوي السلامي ، ود. سيف العسلي ، والاستاذ نعمان الصهيبي، ولا أدري كم من المدراء تعاقب على ادارة إدارات الوزارتين ، كل هذا والطلاب المبتعثون يعانون من نفس المشاكل – تقريبا – وأهمها تأخير مستحقاتهم المالية سواء المساعدة المالية كل ثلاثة اشهر (المعروفة بالربع) ، أو الرسوم الدراسية السنوية. ليس المقام هنا للحديث عن مسؤولية الملحقيات الثقافية تجاه الطلاب في حل مشاكلهم وتذليل كل الصعاب وتوفير الجو الملائم للدراسة والابداع- حتى وإن كان ذلك من أهم اسباب وجود الملحق والملحقية- لأن ذلك بكل بساطة لم يعد من طموح الطالب ولا من حقوقه التي يطالب بها ، واصبح للاسف – في بعض الأحيان - يبحث عن الطرق التي يتجنب فيها المشاكل والصعاب التي تقدمها الملحقيات لأبنائها الطلاب. وقصدتُ أن أشير الى العشر سنوات الاخيرة لكوني عايشت الوضع كطالب مبتعث لدراسة البكالوريوس وبعدها بثلاث سنوات لدراسة الماجستير.

من الجهل أن يتم اتهام الملحقيات الثقافية بتأخير المساعدة المالية (الربع) لغرض الاستثمار في البنوك. وكمنصفين، لا نستطيع أن نحمل شخصاً واحداً المسؤولية كاملة، ولا حتى جهة واحدة كالملحقية لأنك حين تسأل مسؤولي الملحقية عن وصول "الربع" ، يقال لك ان "الكشوفات" لم تصل بعد من وزارة التعليم العالي. واتوقع انك اذا سألت مسؤولي وزارة التعليم العالي فسيقال لك ان "الكشوفات" نفسها معرقلة في مكان آخر ، في وزارة المالية أو البنك المركزي مثلا.

السؤال الذي يطرح نفسه – على الأقل في بالي – منذ سنين: كم من الوقت تحتاجه هذه الكشوفات لكي يتم مراجعتها وارسالها؟ هل الثلاثة الاشهر بين كل "ربع" وآخر غير كافية لإعداد كشوفات وتحويل مبالغ الطلاب الى حساب الملحقيات؟ وما الذي يفعله مسؤولو الملحقيات طيلة ثلاثة اشهر ولا يتم فيها إعداد و مراجعة هذه الكشوفات الا في بداية الشهر الرابع؟ لن نطالب بنظام معلوماتي يرتب كل البيانات ويسهل كل العمليات. ولكن الا يستحق هذا الكم المحدود من الطلاب أن يتفرغ لهم مسؤولي الوزارات/الملحقيات قبل موعد تسليم مستحقاتهم بفترة مناسبة ويعدوا كل الكشوفات – يدويا - ؟

كثيراً ما نسمع القاء اللوم على الوزير، السفير، الملحق الثقافي، المسؤول المالي بل والمطالبة بتغييرهذا أو ذاك. ولكن مَن مِن هؤلاء هو المسؤول عن مشاكل الطلاب؟ هل تغيير ملحق ثقافي أو مالي أو حتى تغيير وزير - بسبب تشكيل حكومة جديدة وليس لمعالجة مشاكل الطلاب- يحل المشكلة؟ إذا كان هذا هو الحل في نظر البعض، فابسط ما يمكن قوله ان الوزارات وادارتها والسفارات وملحقياتها تعاقَب – كما اشرت آنفا- على ادارتها الكثير والمشكلة مازالت موجودة لم تتغير ومعاناة الطلاب دائما تتبدل من سيء الى اسوأ ، ذلك لآن عملية ارسال مستحقات الطلاب تمر خلال اكثر من جهة، تابعة لاكثر من وزارة، وأي تقصير من اصغر موظف مختص يؤثر على العملية برمتها ، وأحيانا هم السبب في التأخير والعراقيل أمام انجاز أي معاملة. لا أقصد بالطبع أن احمل هذا الموظف المختص المسؤولية لأنه اذا كانت هناك رقابة وادارة وحزم فلن يتوانى هذا المختص عن القيام بواجبه كما يجب.

أخلص في الاخير أن المسؤول (ين) عن مشاكل الطلاب في الخارج ليس شخصاً واحداً من هؤلاء (من الوزير الى الموظف المختص) وإنما سوء التنظيم ، وقلة - أو يكاد أن يكون عدم- الاحساس بالمسؤولية، عدم الجدية في بحث حلول لمشاكل الطلاب التقليدية و المزمنة، نظام الترقيع والحلول المؤقتة، الاستهانة و اللامبالاة بمعاناة الطلاب الصعبة. كل هذه الاسباب موجودة بدرجات متفاوته لدى الوزير والمدير والسفير والملحق الثقافي والمالي والموظف المختص مجتمعين. لأن المشكلة – ببساطة- يمكن أن تُحل بقرار/توجيه/أمر/ تعميم جاد وحازم من الوزير مع متابعة دائمة لتنفيذ هذه القرارات، يتبعه قرار واهتمام مثله من السفير ، ويليه امتثال الادارات والملحقيات ، فيتم على أثره اعتبار المساعدة المالية للطالب (كل ربع) حق مقدس لا يمكن أن يناله الاهمال أو التاخير.

لا أقصد أن أضيع سبب المشكلة بين هؤلاء مجتمعين فينفرط عقد المسؤولية والمحاسبة ، ولكن الواقع يقول إن التقصير والاخطاء لدى كل هذه الجهات هي التي تولد المشكلة ، ولا يكون الحل الا اذا عرفنا وعالجنا اسبابها. لم نتطرق الى مشاكل اخرى كشحة المساعدة المالية وتحسين اوضاع الطلاب بزيادة هذه المساعدة ، لأن الحلول حينها ستكون مرتبطة بضخ مليارات الريالات من ميزانية الدولة وهذا ما يتطلب دراسات وموازنات وغيره. لكن أن يكون الحل الذي يخدم آلاف الطلاب مجرد إرادة قوية وصدق وإحساس بالمسؤولية - وكلها حلول مجانية لا تكلف الدولة ولا الوزارة ريالاً واحداً ، وعدم تقديم هذه الحلول لا يتكسب ولا يستفيد منه أي شخص ريالاً واحداً أيضا ً ! – فهذا ما يجعلنا نتسائل: لماذا تستمر هذه المشكلة لسنوات بدون حل؟

لكم أن تتخيلوا معاناة الطالب المتكررة كل ثلاثة اشهر، الطالب اليمني - وحده- الذي يعلم كل زملائه العرب - على الأقل- موعد استلام (الربع) حين يبتسم ويرافقهم الى مطعم عربي يحن به الى قوت وثرى وطنه، وهو - وحده ايضا- من يعلم جميع من حوله معاناته وقلقه وسؤاله المستمر عن اسباب تأخر (الربع) هذه المرة!

أما معاناة الطلاب الذين لديهم أسر ، فحدث ولا حرج. فقد يسهل على الطالب العازب تحمل نفقاته الخاصة بالتقشف والدَيْن، لكن تُثقل كاهل المتزوجين ( غالبا طلاب الدراسات العليا) المسؤوليات والالتزامات والديون . فهل يتوقع أحد أن يبدع الطالب في هكذا ظروف؟ لن أطيل الحديث عن المعاناة والوانها، ولكن ليذكر كل مسؤول أن معظم هؤلاء الطلاب هم المتميزون المتفوقون وخير من جادت بهم المدارس والجامعات ومن يفترض أن يعودوا بالعلم والنفع والحب للوطن، وعليهم تُبنى آمال عريضة في تطور وتقدم وازدهار مستقبل اليمن ، وقبل ذلك عليهم أن يذكروا قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : "كلكم راعٍ ، وكلكم مسؤول عن رعيته".

اقتراحات أخرى:

إذا كان الحل المقترح أعلاه من الصعوبة تنفيذه بمكان ، فأقترح على وزارة التعليم العالي تخفيف معاناة الطالب من أربع مرات الى مرة أو مرتين في السنة، فكما يتم ارسال الرسوم الدراسية مرة واحدة خلال العام. لمَ لا يتم ارسال المساعدة المالية في أول كل عام طالما والمبالغ مخصصة ومحددة في ميزانية وحساب كل وزارة ، وتتولى الملحقيات تسليم المساعدات أول كل ربع؟ إذا كانت الوزارة تخشى تخرُج او انتهاء دراسة بعض الطلاب في منتصف العام – في حال الدراسة بنظام الفصول (التيرم)- لِمَ لا يتم إرسال المساعدة المالية كل مرتين في العام وذلك في بداية كل (تيرم) أو (سيمستر) ؟ هل فعلا يتم مراجعة حالات الطلاب المتواجدين والمنقطعين والمتعثرين -في وزارة التعليم العالي- وغيرهم -كل ربع- ليكونوا هم السبب في تأخير ارسال المبالغ ؟ هل السبب هو انعدام الثقة بالملحقيات؟ هل هذا النظام (الربعي) هو ما وجدت عليه الوزارة مسؤوليها الاولين يعملون به فهم على آثارهم يقتدون؟ إذا كان الروتين والنظام الحالي يسبب المشاكل وليس له أي ميزات ، ما المانع من تغييره؟

لا أخفيكم إحساسي بأن التغيير دائما صعب ، وخاصة إذا كان الى الأفضل، أما ما كان يقود الى مزيد من العشوائية فالقرارات تأتي تباعا. وعليه لدي اقتراح أخير على وزارة التعليم العالي – لتفادي تذمر الطلاب بسبب تأخير المساعدات المالية - أن يتم (إعلان) تغيير موعد استلام المساعدة المالية (الربع) بدلا من بداية: يناير، ابريل، يوليو، اكتوبر الى بداية: فبراير، مايو ، اغسطس، نوفمبر. أي بدلا من بداية الشهر الأول من الربع التالي، الى بداية الشهر الثاني منه (في الواقع هذا ما يتم العمل به حاليا ولكن بدون إعلان رسمي) وعليه فسيتم تسليم (الربع) للطلاب في الموعد المحدد (المعلن عنه) ! أما بالنسبة للطالب فما عليه الا أن يقوم بالتضحية لمدة شهر واحد يتم تأخيره/إزاحته ليرتاح بعده من تعب متابعة الملحقية !! و كل ما أخشاه – بعد ذلك - أن تحتاج الوزارة الى (الإعلان) عن تأخير شهر اخر بعد فترة وجيزة لعدم استكمال تجهيز "الكشوفات" نفسها وتعود حليمة لعادتها!!!

ملاحظات أخيرة:

لم يتم الإشارة الى الرسوم الدراسية السنوية، فرغم أن السنة كافية لحل المشاكل المالية في الشرق الاوسط كافة إلا ان تأخر الرسوم لا يؤثر على الطالب بطريقة مباشرة كتأخر الربع رغم أن بعض الطلاب يحرمون من التسجيل او الاختبارات لهذا السبب، ويعكس تأخر دفع رسوم الطلاب الدراسية -لدى الجامعات- صورة سيئة عن اليمن ، وبعد مطالبات الجامعات المتتالية للسفارة بالرسوم تنعدم الثقة بالسفارة ، وتصبح معاملة الطالب اليمني سيئة للغاية.

لم يتم الاشارة الى معاناة طلاب الدراسات العليا المبتعثين من الجامعات أو الوزارات، في حين أن سبب المشكلة وحلها هو واحد، ولكن المعاناة والتأخير - في أكثر الحالات - أكبر.

لم يتم حشر موضوع الفساد المالي كسبب من الاسباب في هذه المشكلة، وكيل التهم للآخرين لأن مشكلة (الربع) – من وجهة نظري- أبسط من أن يتسفيد منها أي طرف ماديا.

حتى كتابة هذه السطور (27-10-2009) لم يتم استلام الربع الرابع المفترض تسليمه في بداية شهر اكتوبر حتى لأولئك الذين وصلت مستحقاتهم الى الملحقية -على الأقل في ماليزيا - !

* طالب دراسات عليا – الجامعة التكنولوجية الماليزية

Faisal_alsamet@yahoo.com