المشروع الفارسي الجديد ...وخيارات آل سعود
بقلم/ كاتب/مهدي الهجر
نشر منذ: 15 سنة و أسبوعين و يومين
السبت 07 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 10:43 ص

هي رسالة إيرانية لأكثر من طرف ، تبتغي من ورائها أكثر من هدف ، عنوانها أنا هنا ، على مقعد مهيأ ومريح ، بعد ترويض البيئتين الإقليمية والدولية، وحضور المعطيات المعززة ، وكأن المرحلة السابقة من الشحن والتداعي الإقليميكانت بمثابة المقدمة أو الاستطلاع الشامل ، وتحسس مواقع الضعف ، ونقاط الوجع ، وفرص التناقض الحاصلة ،وتلك الكامنة .

أما الحوثيين فإلي جانب كونهم أداة ، فهي بالنسبة لهم ، فرصة للتجديد ، والهروب إلى الأمام وخلط الأوراق ، وجعل النظام اليمني في حرج دولي , ومأزق داخلي ، فعلى المستوى الخارجي تُصور الدولة أنها عاجزة عن ضبط حدودها ، واحترام تعاقدها الإقليمي ، وعلى المستوى الداخلي تختلط الأوراق بقوة مع حصول أي اقتراب أو دخول الجيش السعودي إلى الأراضي اليمنية لدفع أو ملاحقة المهاجمين الحوثيين نظرا للتحسس الشديد لدى الشعب اليمني في مسالة الحدود مع السعودية .

كما أن من المقاصد لدى الحوثيين فرصة القبول بهم إقليميا ودوليا كطرف عملي على مائدة الحوار فرض نفسه فعليا على ارض الواقع .

الذي لا يغيب عن المتابع أن العقل الشيعي يتسم بتقدم كبير في القراءات السياسية والإستراتيجية وصناعة الفعل السياسي وتخبئة المفاجآت ، أفاده في ذلك تراثه التاريخي وصراعه الممتد ، الذي ظل يحفظه على الدوام وينقله بزيادة وتحريف واحتراز إلى ذاكرة الأجيال ، مع منهجية التقية التي توظف كل الوسائل المتاحة بما فيها الخبث والمكر ، والكذب ، وكل ما في هذا النسق لخدمة المشروع .

زد على ذلك... التراث والحكمة والخبرات التاريخية للإمبراطورية الفارسية التي دام ظلها حين من الدهر ، ووسعت كل الفنون ، والعلوم ، والتجارب .

على هذا النحو كيف يتم قراءة وتقييم معادلة ذك شقها الأول مع شق آخر محتواه التراث العشائري وطبيعة الأعراب  ، وعقل شيخ القبيلة ، ثم يتجمع الكل في دوله ــ النظام العربي إجمالا لا تحديدا ــ مع ثقافة تُبقي في التنشئة على العنتريات ، والجواري الملاح في ألف ليلة وليلة ، وتنمي في الوعي عمليا تراث داحس والغبراء ، والابن حينما يستبق مع أبيه أو أخيه على الكرسي فيقتل هذا هذا أو العكس ، على هذه الشاكلة ـ دون التعرض للمنهج الإسلامي الذي غيب ــ ، حتى فطن بن خلدون وقال يومها لا يصلح العرب بطبيعتهم للدولة بمفهومها الغير معقد في وقته .

 الصورة هنا جامعة لا تُلبس على احد بعينه . كي نوزع بين القبائل ولا يتأبط علينا عنتري لوحده شرا ..

هذا يقودنا إلى القول أن الاستفزاز أو المناوشة مع الحدود السعودية من قبل الحوثيين لم يكن من قبيل الارتجال أو الفعل الغير مدروس ، إذ أنه من المؤكد أن المرجعيات السياسية لفارس الجديدة قد درست وخططت له بدقة وعلى تؤدة وهي تبتغي ما تريد ، وتتوقع حصول عدت احتمالات ، وردود الأفعال المختلفة للعربية السعودية ..

من هذه الاحتمالات أن يكون رد الفعل السعودي بخروج عسكري كبير ورد فعل قوي كرسالة رادعة تبعث بها السعودية هي الأخرى لأكثر من طرف ، لكن ثمنه في حسابات العواقب الدخول في شرك والوقوع في ورطة ، والفرق واضح في هذا النموذج والنموذج نفسه مع إيران أثناء تجربة طالبان أفغانستان وهي على الحكم عندما قامت بالعدوان على الحدود مع إيران في تحد صارخ ، وكان الموقف الإيراني أن لا يستفز فيتورط ، وقبل حينها بالتراجع ولعق المرارة .

لا نعطل حق السعودية في الرد العسكري على من ينتهك أراضيها ، لكن ضمن رؤية ابعد وحزمة من الأدوات للمدى البعيد .

فهذا التواجد الإيراني الذي ينهشها الآن ــ واقع الحال ــ بتلك الاستفزازات القريبة ، وبخطوات الكر والفر يمثل الخطوة الأولى في التحضير للعب داخل صحن المملكة ، لتعززه تباعا تحديات داخلية على نفس الفعل والقوة في التأثير ، تتوالد تلقائيا كمتوالية هندسية . .

فهذه القاعدة تنتظر ولعلها في ميقات وتعاقد مع الحوثيين ، بل وربما مع آيات قم ، والشاهد التزامن الحاصل بين هجوم الحوثين على الحدود السعودية مع العملية النوعية للقاعدة في عبر حضرموت الذي ذهبت بقيادات أمنية عالية المستوى في الإدارة ، والخبرات , والأداء ، والانتماء الوطني ، كما أن هناك تحديات داخلية للملكة تتمثل في التناقض بين الأسرة ذاتها والتي بدأت روائحه تتبدى ، ثم عرج على الرضا الشعبي الكامن ، مرورا بالتشيع الحاصل على الأرض فعلا ، فالتغاير القبلي ،فعوامل أخرى نشطة و كامنة تنتظر فقط من يدفع أولا .

الفرص تهب ثم تغيب

كان أمام صدام حسين ــ رحمه الله ــ بعد هزيمته وخروجه من الكويت وقد استشعر التحديات القادمة فرصة أن يعلن عن نظام ديمقراطي مؤسسي برلماني يحمله الشعب مباشرة من خلال قيام أحزاب ، وبرامج وتشكيل حكومات في ظل رعايته ، أظنه لو كان ربما ما حصل الذي كان ولما تجرأ بوش بدخوله حرب التحرير ، يعاضده فيها نسبة كبيرة من الشعب والقوى ، لكن صدام ظل يسير بعقلية التسوير ،لدرجة انه كان لايسمح بصحون الدشات لالتقاط أي فضائية باستثناء قناته هو .

كما انه كان أمام النظام الحاكم في اليمن هو الآخر فرصة الاستفادة من نتيجة حرب الانفصال وما أفرزته من تعاضد ولحمة وانصهار إلى التوجه نحو بناء المؤسسية بحق ، وتعميق اكبر للمشروع الديمقراطي ، كقيمة في المقابل لتلك الضحايا والتضحيات وموقف يستحقه اليمن في كل الأحوال ، إلا أن الأمور اختزلت إلى المشروعات الشخصية ، فصارت الانتخابات لعبة للمزايدة والتتويه ليس أكثر في أكثر من محطة ، فلما آيس الناس منها اتجهوا هم أيضا وكلا من ناحيته إلى مشروعه الضيق الخاص ، فنشطت بالتوازي فواعل أخرى من هنا وهناك ما كان لأحد أن يتصورها ، بتلك الكيفيات وهذا التتابع .

فلو أنهم خلوا بين الناس وبين من يختاروه لهم نائبا في البرلمان أو عضوا للمحليات ، لاستطاع هذا النائب أو المحلي أن يسوي بهدوء كل تغايرات دائرته أو مركزه الانتخابي ، لكنهم أبوا إلا الشللية ،وليتها كانت على النحو المرجو والمؤهل لخف الأمر ، لكنها على النحو العديم والقارض لكل شيء ، فكانت هي النتائج اليوم .

على العربية السعودية وهي لازالت في عافية وصحة بفضل من الله أن تحزم أمرها ــ وتستبق تحديات الغد ــ إلى الإعلان في اقرب فرصة عن قيام النظام الملكي الدستوري، يتشكل بدستور ضابط وأبنية مؤسسية ، لتجتمع أكثر اللحمة الوطنية ،وتصير الشراكة شعبية ، ذات منعة ، حتى لا يصنع العدو قبل كل شيء جدار بين آل سعود ، والشعب السعودي ، تستغله إيران أو غيرها، بالقول إنما وجهتنا آل سعود ، كما فعلها بوش بالقول إنما السبيل على صدام ونظام صدام .

إن كل الإشارات والوقائع تقطع أن إيران قد تجمعت واحتشدت للانقضاض على العربية السعودية بعد أن استوت على ظهر العراق ، وستتجه عبر مراحل ، وضمن رزمة من الوسائل ، ليس بعيدا أن يكون الأمريكان منها ، كما كانوها في العراق ، وهنا يتضح عمق وغلبة المكر الإيراني على غيره .

إن لم تكن المواجهة مع إيران على مشروع وشراكة وموقف شعبي ملتحم ، فإننا إذن أمام العهد الفارسي الجديد في الجزيرة والخليج ، وإن غدا لناظره قريب ..........

Alhager@gawab.com