الرباعية الأخيرة : الرحمة
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 15 سنة و أسبوعين
الأحد 08 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 05:14 م

هي أمور أربعة إن توفرت في الحاكم المسلم فقد توفر بعون الله أمنا وحبا وسلاما .. وغيرها مما يحتاجه أي شعب ليعيش حياة هانئة رغيدة ... وان غابت هذه الأربع فان بقاء الحاكم على كرسي الحكم إنما هو من باب التسلط والدكتاتورية منه .. وهو الاستدراج له من الله العلي القدير حتى يأتي يومه الموعود فلا يفلته الله من الخزي والعذاب وهي : التقوى والعدل والقوة والرحمة .. 

الرباعية الأخيرة : الرحمة

وهي أن يكون الحاكم برعيته رحيما ودودا .. مراعيا لمشاعرهم .. حريصا على مصالحهم .. أبا ليتيمهم .. مغنيا لعائلهم .. متألما لمصابهم .. يسهر ليله من اجل راحتهم ومنفعتهم .. ويكد نهاره من اجل سعادتهم وأمنهم .. محققا لهم الخير والأفضلية والامن والاستقرار .. قال عز وجل :(( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم))

ــ عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي (صلى الله عليه وسلم) تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني } ... وقوله على عيسى:( إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ). فرفع يديه وقال "اللهم! أمتي أمتي" وبكى .. فقال الله: يا جبريل! اذهب إلى محمد (وربك أعلم) فسله ما يبكيك ؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله. فأخبره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بما قال.. فقال الله: يا جبريل! اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك

ــ أعد قراءة الحديث اخي الحبيب .. ثم اترك العنان لعقلك وقلبك ماذا يقولان لك ... مشاعرك... أحاسيسك ماذا تخبرانك .. مشاعري أنا وكل ذرة في كياني تقول: أتبكي يا رسول الله من أجلنا ؟( فداك روحي وولدي وأمي وأبي ) دموعك الطاهرة تسيل ... ألا ليت لي منها قطرات.. أشم عبيرها ..واستنشق طيبها ... واستشفي بمائها كلما تفشت رائحة نفسي الخطاءة .. وكلما انتشرت نتانة لساني المكثر باللغو وسفاسف الأمور .. أتبكي يا سيد البشر يا خاتم الأنبياء والمرسلين من اجل أمتك شيخها وطفلها .. ذكرها وأنثاها .. أهل التقى ومكثري الذنوب فيها !! ما أرحمك بحالنا .. وألينك معنا .. وأرقك لنا ... أترثي لحالنا .. وتشفق علينا من عذاب الله فترفع يديك إلى السماء ... اللهم أمتي أمتي .. وتبكي ليرق الله لحالك فيرضيك ولا يسوءك فينا..

ــ فلماذا تحجرت عيون حكامنا وقلصت مآقيهم .. لماذا لا يذرفون حتى دموع التماسيح علينا ؟! لماذا ؟! هيا يا حملة أقلام التلوين والتلميع ... هيا يا كتبة الهراء والتخريف ..هيا املئوا أقلامكم بحبر النفاق والتزييف لتقوموا بمهمتكم المعروفة في كتابة التاريخ .. تجعلون العصا النخرة بكتاباتكم كالسيف .. والدنيء شريفا واللص عفيفا .. والبرد كالصيف !! هيا يا كتبة التاريخ .. اكتبوا زيفوا تاريخ واقعنا المعاصر .. قولوا حكامنا ارفق الناس بشعوبهم .. حكامنا الين الناس بمواطنيهم .. حكامنا ارق الناس برعيتهم .. مجدوهم زينوهم .. اجعلوهم في السماء نجومنا وعلى الأرض جبالنا .. هيا اكتبوا ... أكذبوا.. فوالله لقد بان عواركم وانكشفت سؤاتكم .. واني أتحداكم لتثبتوا غير ذلك..أتحداكم أن تأتوني بحاكم مسلم اليوم ... قد رأيتموه يبكي رحمة بحال شعبه شفقة على ما هم فيه من الأذى والقهر ...وضيق الحال والجوع والفقر .. هيا اقبلوا التحدي ..اروني حاكما رئيسا في هذا الزمان .. دمعت عيناه خوفا عليهم وشفقة بهم ... أو قام يوما في جوف ليل او خلوة .. امتي أمتي .. شعبي شعبي .. لن تجدوا ولن تستطيعوا تزييف ذلك .. والنادر لا حكم له ..ما بكوا على العراق .. ولا على افغانستان ولا الشيشان .. وقبلها ما جادت عيونهم بدمع على ابناء البوسنة والهرسك .. ولا على جياع أفريقيا في النيجر والسودان .. لقد شحت مآقيهم وما سالت قطرة على أشلاء اطفال غزة.. فمتى ستجود عيونهم بدمع وقلوبهم بدعاء و أرواحهم بخشوع وسكينة ؟! 

الواقع أنهم ابكوا ولم يبكوا .. أبكوا شعوبهم بظلمهم وجبروتهم وفسادهم... فويل لهم !!أدموا قلوب العباد قهرا وطغيانا ولم تدمى نفوسهم حسرة على مآلهم .. وخلاصة الكلام إن الشعوب تبيت وتصبح وهي تدعوا عليهم بأقسى دعاء ولا تنتظر منهم أدنى رجاء..!

ــ عن أبي هريرة : أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد. ففقدها رسول الله فسأل عنها بعد أيام فقيل له: إنها ماتت قال: ((فهلا آذنتموني)) فأتى قبرها فصلى عليها ـ هذه امرأة سوداء كانت مهتمة بنظافة المسجد تكنسه وترفع عنه النوى والقذى ففقدها الرسول .. فقدها من يحب شعبه وأمته .. سوداء أو بيضاء .. سيدة أوعبده .. غنية أو فقيرة يحبهم ويسأل عنهم .. اين ذهبت ؟!! فردوا عليه ماتت .. فيتأسف ويعاتب أصحابه .. يا رسول الله أتأسى على امرأة سوداء تكنس المسجد .. ليست من وجهاء القوم ولا يؤبه لها إن بانت أو غابت.. يا رسول الله أتلوم أصحابك إذ لم يعلموك بموتها ؟! ثم تأتي قبرها وتقف مستغفرا لها ...وعجز بناني أن يكتب بياني .. فماذا سيقول عن رحمة سيد الأنام ولكنه سيكتب وسيكتب .. وسيكون سيفا قاطعا وحساما لامعا على أولئك الطغاة الجبابرة .. الذين اعتلوا عرش الملك والحكم واعتلوا معه ظهور الأنام ..هذه امرأة سوداء يسأل عنها النبي لما غابت ..فكم فقير في بلدي سألت عنهم أيها المسئول ؟!!

وكم جائع في وطني تفقدت حالهم أيها المدير ؟!!

وكم مظلوم في امتي أنصفتهم أيها الرئيس ؟!!

وكم متسول يجوب الشوارع كفيتهم مذلة السؤال؟!! كم يفترشون الإسفلت الحقير.. ويأكلون بقايا طعامكم الوفير ؟!!

 كم مريض ؟! كم يتيم ؟! كم في السجون ظلما وعدوانا .. كم .. وكم ؟!!

أليس فيكم رحمة ؟! شفقة ؟! عطف ؟! حنان ؟! أو أدنى خوف من الديان ؟!!

اكتب يا قلم وسطر للزمان .. وليعي ذلك أولو الألباب ...اكتب:

( خذ خمس .. خذ عشر .. خذ خمسة عشر .. لا بد لك من خراب ).