الحركة الحوثيّة
بقلم/ سلطان الذيب
نشر منذ: 15 سنة و أسبوع
الإثنين 16 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 05:37 م

في الآونة الأخيرة أخذت الحركة الحوثية حيّزاً هائلاً من الاهتمام الإعلامي، ودار جدل واسع على الصعيدين الداخلي والخارجي بخصوصها، وظهرت كتابات متباينة الوجهة، مؤيدة وأخرى معارضة، وبدوافع مختلفة.

وفي ثنايا هذه السطور سنحاول تسليط الأضواء لنتعرف أكثر على ماهية هذه الحركة التي استطار شرها، واتضح خطرها.

النشأة

في عام 1991م نشأ تنظيم "الشباب المؤمن" في بعض مناطق محافظة صعدة (تبعد عن صنعاء 240كم شمالاً) كمنتدى للأنشطة الثقافية، بعد أن انشق مؤسسه عن حزب الحق الذي تأسس عام 1990، أي بعيد إعلان الوحدة اليمنية والسماح الدستوري للتعدّدية السياسية والثقافية بإيعاز من العلامة بدر الدين الحوثي، بهدف جمع علماء المذهب الزيدي في صعدة وغيرها من مناطق اليمن تحت لوائه! وبالتالي دعم حزب الحق بصفته يمثل المذهب الزيدي.

وبدر الدين بن أمير الدين الحوثي- كما أسلفنا- من كبار علماء الشيعة، جارودي المذهب، يرفض الترضية على الشيخين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ويهاجم الصحيحين والسنن في كثير من مؤلفاته، ويتهم الإمام البخاري ومسلم بالتقول والكذب على رسول الله إرضاءً للسلاطين؛ ومنه ورث ابنه حسين هذا المذهب، وسار عليه أنصارهم وأتباعهم، وكان من ضمن المؤسسين أيضاً محمد يحيى سالم عزان وهو مفكر زيدي معتدل، اختلف مع حسين الحوثي، وانشق عن التنظيم بعد ذلك.

وتفرغ بدر الدين الحوثي وأبناؤه للقيام على تنظيم "الشباب المؤمن"، الذي استمر في ممارسة نشاطه، وتمكن من استقطاب الشباب والقبائل والوجاهات الاجتماعية في صعدة. والمشكلة أن كل ذلك كان يتم برعاية شبه رسمية في حينها وبدعم من الحكومة نفسها، وكان الهدف منها التصعيد ضد حزب التجمع اليمني للإصلاح المعارض ذي الطابع السني المعتدل و السلفية التقليدية بزعامة الراحل مقبل بن هادي الوادعي التي لا يبعد مركزها بدماج سوى بعض الكيلوات عن الحوثي، وكان الغرض منها حدوث التوازن في التركيبة السكانية على زعم الحكومة اليمنية.

التوسع

وبدأ حسين الحوثي توسيع نشاطه خارج منطقة صعدة، ليؤسس مراكز مماثلة لمركزه في عدة محافظات، وبدأت تتجلى ظاهرة حسين الحوثي فيما يطرحه من المسائل والآراء، فظهر تطاوله وتهجمه على علماء الزيدية، وآراء المذهب وكتبه, معتبراً نفسه مصلحاً ومجدداً لعلوم المذهب وتعاليمه، وتجاوز الأمر إلى حد السخرية من كتب الحديث والأصول والصحابة، وهو ما دفع علماء الزيدية لإصدار بيان نشرته صحيفة "الأمة" الناطقة باسم حزب الحق حذّر من ضلالات حسين الحوثي وأتباعه، منكراً أن تمتّ أقواله وأفعاله إلى أهل البيت وإلى المذهب الزيدي بصلة، ومحرّماً الإصغاء إلى تلك البدع والضلالات والتأييد لها أو الرضا بها.

ولم تتوقف أنشطة الحوثي والشباب المؤمن على إقامة المراكز العلمية "المسماة بالحوزات"، والمخيمات الصيفية، والندوات والمحاضرات والدروس؛ ونشر العديد من الملازم والكتب التي تروج لفكره، بل تجاوزها إلى تحريض أتباعه على اقتناء الأسلحة والذخيرة؛ تحسباً لمواجهة الأعداء من "الأمريكيين واليهود"، واقتطاع نسبة من الزكاة لصالح المدافعين عن شرف الإسلام والمذهب. عامدًا إلى الدفع بشبابه الذين تتراوح أعمارهم ما بين (15- 25) عاماً لإظهار ثقله الديني والسياسي بالتظاهر في معظم المساجد، وعقب صلوات الجمعة، وترديد شعاراتهم ضد إسرائيل وأمريكا (الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود, النصر للإسلام)، وقد بلغ الأمر في إحدى المظاهرات بسقوط قتلى أثناء مسيرة نظمها التنظيم باتجاه السفارة الأمريكية إبان الحرب على العراق في 2003م.

ويساعد تعاطف أبناء منطقة صعدة التمرّد الحوثي, ومردّ هذا التعاطف الأوضاع الاجتماعية والأعباء الاقتصادية التي ألقت بظلالها على المواطن اليمني, الأمر الذي استغله الحوثي عبر دفع الرواتب لبعض مؤيديه, وتركيزه على تقديم المساعدات الاجتماعية والخيرية, واستغلاله.

أبدى حسين بدر الدين الحوثي اهتماماً كبيراً بتنظيم الشباب المؤمن، وتفرغ له، عازفاً عن الترشح في مجلس النواب، تاركاً المقعد الذي كان يشغله لأخيه يحيي بدر الدين الحوثي.

فتنظيم الشباب المؤمن هو التنظيم الذي علّق حسين بدر الدين الكثير من آمالة وطموحاته عليه, وسعى لتوفير دعم كبير وهائل له، سواء عن طريق الدعم الإيراني، أو الدعم الذي كان ينصب من قصر الرئاسة في حينها.

كان الصعود المتنامي لتنظيم الشباب المؤمن بقيادة الحوثي يتم على حساب الحجم السياسي والشعبي لحزب الحق، الذي خرج عنه حسين الحوثي من قبل، والذي يمثل الطائفة الزيدية، ويرى بعض المراقبين أن رجحان كفة تيار الحوثي تعود إلى استغلاله الدعم الإيراني المخصص لتصدير الثورة إلى اليمن، والذي كان في بداية الأمر دعماً فكرياً أكثر منه مادياً، مما أدى إلى معارك فكرية عدة بين الشباب والشيوخ أصدرت خلالها بيانات التبرؤ من تنظيم الشباب المؤمن كما أسلفنا سابقاً.

الحوثي والخروج على المذهب الزيدي

عندما نتكلم عن الحركة الحوثية فلا يمكن النظر إلى الفكر الحوثي بمعزل عن الفكر الشيعي الاثني عشري ورؤاه في الحكم والسياسة, والذي تحصر أدبياته أحقية سلالة معينة بالحكم والأمر, باعتبار ذلك قدراً سماوياً لا يمكن تجاوزه أو التقليل من شأنه.

صحيح أن الحوثي ينتمي إلى الطائفة الزيدية نسبة إلى الإمام زيد -رحمه الله- بن علي بن الحسين -الملقب بزين العابدين- بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والتي تشكل أغلب سكان شمال اليمن، والتي حكمها الأئمة الزيود لسنوات طويلة، استمرت إلى قيام الثورة ضدهم عام 1962 م، لكن المذهب الزيدي أيضاً ليس فرقة واحدة وحسب، بل يوجد به أربع فرق، أهمها الهادوية، والتي تشكل الأغلبية، وهي كما يقول البعض سنة الشيعة، بحيث لا تقدح في الصحابة، وإنما تكتفي بتفضيل الإمام علي على باقي الصحابة، وأيضاً لا يؤمنون بالرجعة ونظرية المهدي، كما لا يحللون المتعة، ولا يستخدمون التقية، ولست هنا بصدد الدفاع عنهم، لكن الحقيقة يجب أن تُقال، ومن له اطلاع في المذاهب والفرق يعرف ذلك، والفرقة الأخرى وهي أقرب للشيعة الاثني عشرية منها للزيدية، وهي الجارودية؛ إذ لا يجدون بأساً في التهكم على الشيخين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- والبخاري ومسلم، وهذه الفرقة هي التي ينتمي إليها والد مؤسس الحوثية بدر الدين الحوثي، والذي يعتبر من أكبر مرجعيات هذه الفرقة، هذا ويرى الكثير من أبناء الزيدية أن حسين الحوثي خرج عن أدبيات وأفكار المذهب الزيدي في أمور كثيرة، مما جعل أفكاره أقرب لمذهب الاثني عشرية منها للزيدي المعتدل الذي يصفه الكثير بأنه أقرب المذاهب إلى مذهب أهل السنة. أما الفرقتان الأخريان فلا أعتقد أن لهما وجود باليمن حالياً، وهما السليمانية والصالحية.

وعلى الرغم من أن والد حسين الحوثي كان من أبرز المرجعيات الشيعية للمذهب الزيدي في اليمن فإنه بدا أقرب إلى مذهب الاثني عشرية الإمامية في إيران، خاصة بعد زياراته المتكررة إلي طهران، وهو ما عده البعض خروجاً لحركته عن المذهب الشيعي الزيدي الذي يتبعه نحو‏30‏%من سكان اليمن‏.‏

ويرى الدكتور والباحث الأكاديمي أحمد محمد الدغشي أستاذ أصول التربية وفلسفتها المشارك بكلية التربية بجامعة صنعاء أن الظاهرة الحوثية نتاج فكر جارودي مغالٍ شط عن الزيدية الأعدل والأكثر قرباً من أهل السنة والجماعة, وحسين الحوثي نسخة مستعارة من الفكر الاثني عشري، وانحرافه عن المذهب الزيدي أدى إلى تصدع الشباب المؤمن, واصطدامه بعالم الزيدية الشيخ مجد الدين المؤيدي الذي قال: إن ظاهرة الحوثية غريبة على المجتمع اليمني المسلم في أفكارها, وأطروحاتها، بعيدة كل البعد عن المذهب الزيدي الذي يشكل هو والمذهب الشافعي توأمين رئيسين وفرعين في أصل عقدي واحد هو الإسلام الحنيف.

الدور الإيراني

وفي نهاية حرب عام 1994سافر بدر الدين الحوثي وابنه حسين إلى إيران, التي اختاراها بحكم التقارب الفكري، على الرغم من بعض الاختلافات في قضايا أساسية, الأمر الذي يرجع إليه انتشار بعض الأفكار الغريبة بين أتباع الحوثي, وظهور حسين اليماني الممهد للمهدي, الذي ساهم في تجميع الشباب حول حسين الحوثي، ثم رجع حسين الحوثي وهو مشحون بتلك الأفكار إلى اليمن، في حين مكث والده هناك إلى عام 2002 م.

الأهم من ذلك هو إيفاد الطلاب من اليمن إلى إيران بحجة الدراسة، ولم تكن إيران التي كانت تحوم حول اليمن لنشر مذهبها فيه منذ اندلاع الثورة سنة 1979م والمسماة بالإسلامية لتفوت هذه الفرصة الذهبية، ولذا فقد سهلت لهم الوصول إليها بكل السبل، وراحت تستقبل بحفاوة العشرات من الموفدين نحوها ليس من أجل العلم، وإنما لتقوم بصياغتهم صياغة جديدة وتزويدهم بجرع غسيل الأمخاخ التي تتقنها جيداً، وذلك طبقاً لخطط مسبقة تم الاتفاق عليها.

ثم انفتحت شهية إيران أكثر فأكثر، ففتحت أكثر من قناة إتصال كي تعمل على إيفاد الطلاب اليمنيين إليها، فراحت تستقبلهم من خلال الحوثي صنيعتهم في اليمن.

حسين الحوثي و الخميني والمهدي

نشر مركز الجزيرة العربية للدراسات ملفاً مكتوباً كان يوزعه الحوثي هو وأتباعه على الناس تحت مسمى (لا عذر للجميع أمام الله) حيث يقول الحوثي في ص3: ( كانت إيران بلداً مليئة بالحوزات العلمية ومليئة بالعلماء تحرك واحد منهم) يقصد الخميني عندما ثار وقال في الفتنة في الحرم ص14 (الإمام الخميني الذي عرف الحج بمعناه.. فوجه الإيرانيين إلى أن يرفعوا شعار البراءة من أمريكا، البراءة من المشركين، البراءة من إسرائيل.... فالإمام الخميني عندما أمرهم أن يرفعوا البراءة من المشركين في الحج.. بداية تحول الحج أن يصبح بالصبغة الإسلامية).

وقال في ملزمة: الصرخة في وجه المستكبرين ص2 (الكيان الصهيوني المعتدي المحتل الغدة السرطانية التي شبهها الإمام الخميني -رحمة الله عليه- بأنها غدة سرطانية في جسم الأمة يجب أن تُستأصل).

ويقول في ص12 (مع أن الإمام الخميني قال قبل عشرين سنة أن أمريكا وإسرائيل تخططان للإستيلاء على الحرمين). الشاهد كثرة إعجابه بالخميني واستشهاده بمواقفه وأقواله.

وتذكر وكالة قدس برس أن التقرير الأمني يتهم الحوثي بتوزيع كتاب بعنوان "عصر الظهور" وهو كتاب شيعي لمؤلفه علي الكوراني العاملي الذي أشار في مقدمة طبعته السابعة مطلع العام الهجري 1424هـ إلى أنه بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران؛ ارتفع مؤشر الاهتمام بعقيدة المهدي المنتظر في شعوب العالم الإسلامي بالسؤال عنه، والحديث حوله، والقراءة والتأليف، بل وفي غير المسلمين أيضاً.

ويخصص الكتاب محوراً خاصاً عن اليمن تحت عنوان اليمن ودورها في عصر الظهور يؤكد فيه ورود أحاديث متعددة عن أهل البيت تؤكد حتمية حدوث ما يصفه الكتاب بثورة اليمن الإسلامية الممهدة للمهدي -عليه السلام- وأنها أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق. أما قائدها المعروف في الروايات التي أوردها الكتاب باسم اليماني، فتذكر رواية أن اسمه حسن أو حسين من ذرية زيد بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

ويستشهد الكتاب ببعض الروايات التي تؤكد أن اليماني يخرج من قرية يُقال لها كرعة وهي قرية في منطقة بني خَوْلان قرب صعدة. ثم يثير الكاتب تساؤلاً عن السبب في أن ثورة اليماني ورايته أهدى من ثورة الإيرانيين ورايتهم فيقول: المرجح أن يكون السبب الأساسي في أن ثورة اليماني أهدى أنها تحظى بشرف التوجيه المباشر من الإمام المهدي عليه السلام، وتكون جزءاً مباشراً من خطة حركته، وأنّ اليماني يتشرف بلقائه ويأخذ توجيهه منه.

ويؤيد ذلك -بحسب الكتاب- أن أحاديث ثورة اليمانيين تركز على مدح شخص اليماني قائد الثورة، وأنه يهدي إلى الحق، ويدعو إلى صاحبكم، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو إلى النار.

ويؤكد التقرير الأمني أن الأجهزة قد ضبطت مع أحد أنصار الحوثي ويُدعى فارس مسفر سالم من أهالي ساقين بصعدة وثيقة مبايعة للحوثي باعتباره الإمام والمهدي المنتظر جاء فيها: أُشهد الله على أن سيدي حسين بدر الدين هو حجة الله في أرضه في هذا الزمان، وأُشهد الله على أن أبايعه على السمع والطاعة والتسليم، وأنا مقر بولايته وإني سلم لمن سالمه، وحرب لمن حاربه، وهو المهدي المنتظر القائم الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، أبان لنا طريق النجاة، وأوضح كتاب الله على أوضح بيان، فنسأل الله أن يحشرنا في زمرته.

الخروج المسلح

وهي مرحلة التنظيم المسلّح العلني للشباب المؤمن، أو ما بات يُعرف بجماعة الحوثي، و تبدأ منذ الشهر السادس من عام 2004م، حيث تحوّل التنظيم إلى الميلشيات العسكرية ذات البُعد الأيديولوجي كما يقول الدكتور الدغشي. وقد خاض خمسة حروب مع الجيش اليمني، على مدى يزيد قليلاً عن أربعة أعوام، بدءاً من 18\6\2004م وحتى 17\7\2008م، وإن تخللت كل حرب وأختها استراحة محارب، على الرغم من الإعلان الرسمي من الجانبين الالتزام بإيقاف الحرب، مع ملاحظة أن المبادرة عادة ما تبدأ من قيادة الجيش اليمني، حيناً، أو من الرئيس اليمني شخصياً حيناً آخر.

وحتى بعد أن قُتل حسين الحوثي المؤسس للجماعة إلاّ أنها لا تزال قوية بقيادة أخيه الأصغر عبد الملك الحوثي وقادة ميدانيين آخرين.

ويلفت النظر أن الحرب الخامسة قد توسّع نطاق عملياتها، إذ لم تنحصر في مناطق صعدة، كما حدث في الحروب الأربع السابقة، بل تفجّرت في بعض المناطق ذات الولاء التقليدي للزيدية الهادوية، ومن عُمق تلك المراكز العلمية التي أنشئت في سنوات سابقة، في إطار نشاط جماعة الشباب المؤمن، ومنها مديرية بني حشيش إحدى أقرب مديريات محافظة صنعاء، حيث قامت بعض عناصر الحوثي بفتح جبهة جديدة هنالك، استنزفت الجيش اليمني كثيراً.

ومع ما أعلنه الجيش لاحقاً من القضاء التام عليها. تلك التي لا تجد لها مُناخاً أفضل من مُناخ الأزمات وصناعة الفتن، حيث يثري فيها تجّار الحروب، وتعلو أسهم ذوي المزايدات.

ويتضح من صمود الحوثيين إلى الآن أنهم تسلحوا سرًّا بشكل جيد, واستعدوا لأسوأ الاحتمالات والمواجهات, وتدربوا على استخدام كل أنواع الأسلحة المتطورة, التي جعلتهم يصمدون طيلة هذه السنوات الماضية، خاصة واليمن بلد مفتوح يتم بيع الأسلحة فيه كبيع أية سلعة أخرى.

وأيضاً كما ذكر الدكتور الدغشي مدى التمكّن التربوي الأيديولوجي الذي استطاع حسين الحوثي أن يزرعه في نفوس أتباعه، حتى إن الأخبار التي كانت ترد من أرض المعارك لتفيد بأنهم كانوا في البداية- على وجه التحديد- لايفرّون من المعركة، ويستقبلون الموت بصدر رحب، اعتقاداً منهم بالوعد (المقدّس) والنصر الأكيد.

كما أنهم كانوا يرفضون الموافقة على أيّة رؤية أو فكرة تطرح من بعض المرجعيات الزيدية العليا التي سعت عبر ما عُرف بلجنة الحوار التي قادها القاضي حمود الهتار مع المعتقلين في السجون الأمنية، لثني أولئك الشباب عن أفكارهم (الحوثية)؛ إذ كانت الأيديولوجيا الحوثية قد تغلغلت في أعماقهم، بحيث كان لسان المقال– بحسب بعض رواية أعضاء لجنة الحوار - يردّ على كل تلك المرجعيات بالقول:( لانتراجع حتى يأذن لنا سِيدي حسين) أو نحو ذلك!

هذا مع الإشارة إلى أن جانباً من تلك الحوارات وإجابات الحوثيين قد تمت بعد مقتل زعيمهم حسين الحوثي، غير أن بعضهم كان يشكّك بحقيقة ذلك، والأغرب إن أباه بدر الدين يشارك أولئك المشكّكين شكّكهم، وقد ذكر ذلك خلال مقابلة بجريدة الوسط اليمنية. كما رفض أيّ من المعتقلين الموافقة على الخروج من السجن بناء على تعهّد يضمن للجهات الأمنية، عدم قيامهم بترديد الشعار الحوثي الشهير(الله أكبر... الموت لأمريكا...).

ومن العقبات التي تطيل عمر المواجهات بين الجيش والحوثيين الطبيعة الجبلية لليمن, التي تعيق سيطرة الجيش, حيث وعورة المنطقة وافتقارها للطرق المعبدة, كما أن الجيش اليمني لا يمتلك طائرات حديثة مجهزة بأجهزة لتوجيه قنابلها وصواريخها من مسافات بعيدة, ولا يوجد لديها حلفاء يزودونها بتحركات للعصابات الحوثية عبر الأقمار الصناعية, التي ترصد الحركة بشكل دقيق.

ويضطر الطيارون الحربيون للانخفاض بطائراتهم حتى يشاهدوا الهدف الذي يودون قصفه, وهنا تتعرض الطائرات إما للإصابة بالمقاومات الأرضية أو الصاروخية التي لدى الحوثيين أو الارتطام بالجبال, كما حدث للمقاتلتين اللتين تعرضتا للسقوط.

دخلت الحكومة اليمنية الحرب السادسة مع الحركة في شهر أغسطس عام 2009م بسبب الخروقات و الاعتداءت التي قام بها أنصار الحوثي ضد قوات الجيش وأبناء صعدة.

وأعلن وزير الإعلام في الحكومة اليمنية حسن اللوزي يوم الثلاثاء 25 أغسطس/آب أن اتفاقية الدوحة المبرمة بين الحوثيين والحكومة اليمنية بشأن الوضع في صعدة انتهت، وذلك بسبب إرادة تخريبية لقادة العصابات الحوثية.

وخلال هذه الحرب الأخيرة التي تدور رحاها اليوم أعلن مسؤول أمني في الحكومة اليمنية أن الجيش اكتشف ستة مخازن للأسلحة المملوكة للحوثيين وبعض الأسلحة المصنوعة في إيران، وتشمل المدافع الرشاشة والصواريخ قصيرة المدى والذخائر.

كما أعلن في الفترة القريبة الماضية القبض على سفينة إيرانية في السواحل اليمنية محملة بالأسلحة والذخيرة كانت في طريقها إلى الحوثيين، ولا يزال التحقيق جارياً مع طاقمها لمعرفة الحقيقة.

والآن -ومنذ أشهر- لاتزال الحرب السادسة مستمرة، وأخذت بعداً آخر بعد الاعتداء على الحدود السعودية، والتمركز في أحد الجبال الذي يُسمى "جبل الدخان"، والذي يدخل جزء منه في الأراضي السعودية حسب اتفاقية الطائف.

وفي مؤشر قد يدل على خطورة ومدى جاهزية المتمردين عُثر على مخابئ سلاح قيل إنها خزنت منذ شهرين. في حينها أعلن الجيش السعودي أنه تم تطهير كامل حدود المملكة من المتمردين الحوثيين.

ويرى الكثير من المراقبين أن دخول السعودية بثقلها العربي والإقليمي في مواجهة المتمردين قد يؤدي إلى صراع طائفي في المنطقة.

ومن وجهة نظري -مع إيماننا بخطورة الفتنة ومسعّري الحرب فيها، وبحق المملكة في الدفاع عن أراضيها- إلاّ أن تدويل القضية، وتجاذب الاتهامات، وإذكاء النعرات الطائفية والعرقية قد يؤدي إلى كارثة في المنطقة وتخلخل في المجتمعات العربية التي تتواجد فيها تلك الطوائف، وخاصة الخليجية منها، وهذا ما يخدم العدو المتربص المشترك للمنطقة.

كما نؤمن بضرورة الحوار بين القطبين الكبيرين في المنطقة المملكة وإيران، والتي كلا منهما تمثل طائفة، وتفويت فرصة عدوهما المشترك. كما يجب أن يعلم الجميع -وخاصة إخواننا السنة- أن المناكفات بين الطرفين ليست في صالحنا، وأن معركتنا مع الشيعة هي معركة فكرية ليس إلاّ، بحيث نواجه الفكر المنظم بفكر مماثل.