الحكومة اليمنية تتطلع إلى شراكات استثمارية وتنموية مع الصين حضرموت.. وزير الدفاع يشدد على مسئولية المنطقة الثانية في تأمين السواحل ومكافحة التهريب أوتشا باليمن: نحو 10 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات إنسانية #لا_لتطييف_التعليم.. حملة على مواقع التواصل الإجتماعي تكشف عبث الحوثي بالمناهج وقطاع التعليم حماس توافق على تشكيل لجنة لإدارة غزة بشرط واحد عيدروس الزبيدي يستبعد تحقيق سلام في المنطقة بسبب الحوثيين ويلتقي مسئولين من روسيا وأسبانيا النقد الدولي: قناة السويس تفقد 70% من الإيرادات بسبب هجمات الحوثيين أول رد لتركيا بعد هجوم حوثي استهدف احدى سفنها 49 فيتو أمريكي في مجلس الأمن ضد قرارات تخص الاحتلال مصادر تكشف عن قوات عسكرية في طريقها إلى اليمن
أقدمت وزارة الإعلام مؤخرا على محاولة فرض مذبحة جديدة وبشعة ومشينة ومقيتة بحق وسائل الإعلام المرئي والمسموع إضافة إلى الالكتروني والتليفوني عبر صياغة ما أسمته بـ"مشروع قانون تنظيم الإعلام السمعي والبصري الخاص والإعلام الالكتروني" واعتزامها تقديمه إلى الجهة التشريعية للمصادقة عليه وإقراره, وهو قانون إجرامي لا يمثل إلا عقلية ديكتاتورية راديكالية حاشا الإعلام اليمني أن يتشرف بها أو يقبل حتى في أن تكون مسئولة عنه في حكومة الجمهورية اليمنية.
وبالنظر إلى هذا القانون, نجد فيه ما لا يمكن للخيال تصوره أو توقعه أو حتى طرحه ضمن احتياطات الحسبان في هذا الواقع الغرائبي بحق وحقيقة. ومن ذلك, وبعد الإقدام على أشهر مذبحة يعرفها الإعلام اليمني في تاريخه القديم والمعاصر, نصت المادة الثالثة من الفصل الثاني للمشروع على أن القانون الذي تعتزم وزارة الإعلام تنفيذه, "يهدف إلى كفالة احترام الحق في التعبير عن الرأي بطرق مشروعة وانتشار الثقافة وتفعيل الحوار الثقافي من خلال البث الأرضي والفضائي التلفزيوني والإذاعي والالكتروني والهاتفي بغرض تقديم رسالة إعلامية بمضامين ذات منفعة للمجتمع", ولن يكون لأحد اعتراض أمام مسالة تنظيم الإعلام الجديد بطرق قانونية, لكن أن تكون تلك الطريقة خارجة عن نطاق إدراك العقل البشري, كالذي يحدث في مشروع هذا القانون, فهذا ما لا يرضاه أي ضمير إنساني.
ولم يكتف صائغو هذا القانون, بهذه المهزلة المتضادة ببعضها, لحتى أضافوا في النقاط من الثالثة إلى الخامسة من المادة الرابعة من ذات الفصل ما أسموه بـ"ضرورة الالتزام" بـ"حماية المنافسة الحرة في مجال خدمات البث", و"حماية حقوق ومصالح متلقي خدمات البث", و"احترام كرامة الإنسان وحقوق الآخر في كامل أشكال ومحتويات البرامج والخدمات المعروضة", وفي حين أظهر معدو هذا المشروع حرصهم الشديد على حماية المنافسة الحرة وحقوق متلقي خدمة البث واحترام كرامة الإنسان وحقوق الآخر, كشروا عن أنيابهم في إهانة وسائل الإعلام المحلية, وصحفييها, في مفارقة عجيبة, ففي حين تصر وزارة الإعلام على أن تفرض احترام المنافسة الحرة بين وسائل الإعلام, لم تتح المجال لهذه المنافسة في إقدامها على فرض تلك القيود الرسوم خيالية التي يلين منها الحديد, ويشيب الولدان.
ولعل الفاجعة الكبرى أن ينص الفصل الرابع الخاص بـ"لجنة المنشآت الخاصة بالإذاعة والتلفزيون" على أن تشكل "لجنة المنشآت الخاصة بالإعلام السمعي والبصري" التي سـ"يكون مقرها أمانة العاصمة", من كل من وزارة الإعلام, والمدير العام للمؤسسة العامة اليمنية للإذاعة والتلفزيون, ووكيل وزارة الإعلام, والأهم من ذلك والأمر والأدهى والأنكى والأفظع من "وكيل جهاز الأمن القومي", إضافة لآخرين.. ولا ندري أي أهمية تستوجب تواجد الأمن القومي في هكذا حرص على وسائل إعلام القرن الحادي والعشرين في اليمن؟؟!!!.
وإلى ذلك, يفرض القانون الحظر عن أي شخص طبيعي أو اعتباري امتلاك أو تصنيع أو استيراد أو تركيب أو استعمال أي جهاز بث أو نقل إذاعي أو تلفزيوني أو تلفوني دون ترخيص, في حين سعت وزارة الإعلام بجهدها وجهيدها إلى فرض رسوم تفزع الخيال, حين تحولت إلى وزارة لـ"الجباية", بدليل نص المادة رقم (52) من الفصل السابع الخاص بـ"المعايير والضوابط", حيث نصت على أن "تؤول كافة الرسوم المالية للتراخيص والنسبة المحصلة إلى الخزانة العامة", على أن "يجوز تخصيص نسبة من هذه الإيرادات للمشاركة في تنمية وتطوير مرافق الإذاعة والتلفزيون الوطنية وذلك بالتنسيق بين وزارتي الإعلام والمالية".
وعن الرسوم, فإن القانون يفرض على إنشاء أو امتلاك أي "منشأة تلفزيونية أو إذاعية أو منشأة تبث خدمة إعلامية عن طريق الهاتف الجوال والانترنت أو بواسطة ( SNG ) أو باستخدام الهاتف المرئي" طبقا لما يوضحه في المادة رقم (54).
إن مشروع قانون تنظيم الإعلام السمعي والبصري الخاص والإعلام الالكتروني يمثل كارثة ممنهجة توحي بمزيد من الضيق من الهامش الديمقراطي في الجمهورية الوليدة منذ عشرين عاما, ولعل الإقدام على هذه الخطوة هو إقدام على إعدام ما تبقى من حرية الرأي والتعبير, بل وإنهاء المتنفس الضئيل الذي ما زال يغذي الوسط الإعلامي بأقل مما يحتاجه للبقاء.
ولا تنبئ هذه الخطوة المدروسة والمطبوخة بنية مبيتة, إلا بنذير ووعد ووعيد ضد وسائل الرأي والتعبير التي يعتقد القائمون على وزارة الإعلام أنهم يستطيعون تكميم أفواهها والحكم بإنهائها من الوجود بتفكير ساذج ما زال يعيش, سياسيا, مرحلة القرون البائدة التي عفا عليها الزمن.
فإن كان إعلاميو هذا البلد لديهم تلك الملايين التي تريد وزارة الإعلام جبايتها, فإنهم مستغنون من المكوث في هذا الجو السوداوي الذي حولته هذه الوزارة سيئة الصيت, ومن معها, إلى جحيم في وجه أصحاب السلطة الرابعة, بمحاربتهم لهم وتنكيلهم ومطاردتهم وسجنهم وتعذيبهم بل وحتى قتلهم, إلى أن وصل الأمر أو يريد هؤلاء أن يصلوا به إلى تنفيذ أكبر مذبحة تعرفها المنطقة العربية والعالم بأسره ضد وسائل الإعلام.
إن واجبنا, كصحفيين وأصحاب رأي ومبدأ حرية التعبير, هو رفض مشروع هذا القانون جملة وتفصيلا, وبشكل مطلق, ولا يعنينا بشيء من قريب أو من بعيد, وليعلم جلادو الرأي وسفاحو دماء أصحابه أن خطوتهم هذه لن تخيفنا, ولن تجبرنا على النكوص, وأننا سنكسر كل قيد, مهما كانت صلابته, وكل فرمان مهما كانت عقوبته, ونعلن إشهارنا العداء ضد كل من يسعى لوأد حرية التعبير التي لم نحصل عليها كهبة من حاكم أو فضيلة من وزير, وإنا كذلك مهما كلفتنا التضحيات في سبيل حرية الإعلام والرأي والتعبير, من ثمن باهظ أيا كان قدره ومقداره.
ومن الواجب أن يكون هذا الموقف هو موقف كل صحفي وإعلامي, وإنها لمناسبة أن ندعو كل الصحفيين والإعلاميين وفي مقدمتهم نقابة الصحفيين اليمنيين, ومنظمات المجتمع المدني, وكل المؤسسات والهيئات المدنية, والمثقفين والمفكرين والأدباء وكل قلم وحر ورأي حصيف إلى الوقوف صفا واحدا ضد مشروع هذا القانون, حتى وإن أقر, حيث لا طاعة لأعداء الرأي والتعبير مهما كان الأمر.
وعلى وزارة الإعلام مراجعة النفس, والصلف والغرور وعدم المكابرة والإقدام على هكذا مجزرة مشينة بحق حرية الرأي والتعبير, وأمامها متسع لتحكيم العقل والضمير والنظر للواقع بعين الحكمة والبصيرة, ومن المفترض أن يكون تعاملها على العكس من ذلك تماما, حتى تحسّن السمعة سيئة الصيت التي تحلت بها وفاقت أي وزارة شكلت من قبل, وما زلنا نأمل هذا الدور, فإن تحقق ما نأمل فهو كذلك, وإن لم يكن كذلك فموقفنا, كإعلاميين وصحفيين, واضح كالشمس في رابعة النهار.