باسمك اللهم : سقط الحصار
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و 20 يوماً
الخميس 03 يونيو-حزيران 2010 08:12 م

رب وامـعـتـصماهُ انطلـقــتْ ملءُ أفــواهِ الـبــنـاتِ اليـُـتــَّمِ

لامـــستْ أسـماعـهـمْ لكــنها لم تلامــسْ نخــوة المعـتــصمِ

(الشاعر السوري عمر أبو ريشة)

ــــــ

بعد نجاح قافلة الحرية العالمية لكسر حصار غزة بتحقيق أهدافها تشعر إسرائيل لأول مرة بهزيمة نفسية وانكسار تاريخي لاينبغي لنا كعرب أن نظل متفرجين على الدوام فقد كنا غائبين أصلا عن القافلة باستثناء سفينة جزائرية وكويتية ومشاركات فردية مشكورة .

اليوم نحن بحاجة إلى تجهيز سفن محملة بالاغاثات لإخواننا في غزة ، بوسع كل يمني أن يشارك بمبلغ دولار واحد وهو مساو لزكاة الفطر عن كل نفس، فبعدد سكان اليمن يمكننا جمع 23 مليون دولار وهو مبلغ يستطيع تجهيز اثنا عشر سفينة بواقع سفينة شهرية إضافة إلى مساهمات التجار ورجال المال والأعمال والسلطات. إن السماح لإسرائيل بالتقاط أنفاسها ستعود لتكرس الحصار ولكن إذا ما تحركت سفن وأساطيل عربية وإسلامية بشكل مكثف عبر ميناء غزة الفلسطيني ثم تحريك رحلات طيران مع مطار غزة (وهو صعب حاليا) وما لم نفعل - فلن نكون سوى متفرجين بؤساء لمأساة لا يحتمل الأحرار مشاهدتها دون رد فعل ونحن إما أن نكون أحرار وذلك موضع شك حتى نثبت عكس ذلك أو نظل عبيدا كعادتنا.

إن سقوط هذا الحصار له حضور في الذهنية الإسلامية عندما حاصرت قبائل العرب الرسول محمدا عليه الصلاة والسلام ومعه قلة من المؤمنين لمدة ثلاث سنوات في شعاب بني هاشم وعززت شرعية هذا الحصار بوثيقة علقتها في جدار الكعبة فسقطت هذه الوثيقة بالتآكل ولم يبق منها سوى باسمك اللهم ، وما أشبه الليلة بالبارحة.

كل دولة عربية قادرة على تجهيز سفينتين شهريا لقطاع غزة، أي أن العرب قادرين على تحريك 25 سفينة عربية شهريا فعدد سكان العرب يفوق ثلاثمائة مليون عربي ولو تبرع كل فرد بواقع دولار واحد مرة كل عام سيكون بالإمكان تمويل 25 سفينة شهريا، ومبلغ دولار واحد يستطيع حتى الفقير أن يتبرع به إذا صام الفرد وامتنع عن الأكل وتبرع بما كان سيصرفه لإشباع جوعه يوما واحدا وإخوانه الفلسطينيين محرومين على امتداد أكثر من نصف قرن منذ 1948 .

حان الوقت لنكفر عن صمتنا ثلاث سنوات لحصار بغيض على غزة وصمتنا 62 عاما من التخاذل والنكوص لاسترداد الأرض والمقدسات، نحن بكل حب وامتنان نشكر الأخوة الأتراك نشطاء وشهداء وجرحى وشعبا وحكومة على هذا الإصرار وتحريك المياه الراكدة، وعلى هذا المجهود الهادف الخارق للعادة والكاسر للحصار، ونعترف بأن ما قام به الأتراك ونشطاء العالم من إخواننا أحرار العالم مسيحيين ويهود وعلمانيين ولبراليين وعربا أسقطوا النظام السياسي العربي من حيث لا يقصدون ، يجعلنا نتذكر ونتحسر: كيف يشارك النظامان الأردني والمصري بالحصار المباشر على إخواننا الفلسطينيين ولا لوم بعدئذ على الإسرائيليين لما يقومون به من عدوان وحصار لأنهم ببساطة أعداء ولا نتوقع من العدو أن يكون رحيما بخصومه ، لكننا نحن العرب والمسلمين أن نكون شركاء لأعدائنا في حصار إخوان لنا ذنبهم الوحيد أنهم فلسطينيون فقط ، ماذا لو كان الصهاينة قرروا أن يقيموا كيانهم في دولة عربية أخرى ؟ لن يكون وضع شعبها مختلفا عما يحصل للفلسطينيين الآن .

رسالة نوجهها للشعب المصري أن ينتبه بأن سكوته وإذعانه للنظام المصري المحاصر لغزة استجابة لقرارات العدو هو إساءة بالغة لهم، لا نريد أن يكونوا في وضع ليسوا راضيين عنه ولكن لم يقرروا حتى الآن رفض هذا الخيار، تحية إجلال وإكبار للأستاذ مجدي حسين الذي قرر أن يكسر الحصار بقدميه لقد كان أسطولا بمفرده يفوق أساطيل سابقة حاول أن يهزأ بالحصار على غزة وقد دفع ثمنا لهذه الجرأة وهي جرأة الأحرار فقط أن يسجن لمدة عامين لقرار اتخذه لدخول غزة دون استئذان من أحد. وماذا لو قرر مليون مصري عبور الحدود كما فعل مجدي حسين هل بوسع النظام المصري محاكمة كل هؤلاء ؟؟؟.

هذا يفتح أمام كل عربي مسلم الخيار ذاته، هناك معركة مدنية سلمية ضد إسرائيل دون استخدام أي نوع من السلاح وهي توجه الشعوب العربية إلى فلسطين بالملايين وليس بالأساطيل. ماذا لو قرر الشعب العربي بالتحرك الجماعي بعدد عشرة مليون عربي إلى فلسطين لن يكون بوسع العالم وإسرائيل إلا أن تخضع للأمر الواقع الذي يفوق إستراتيجيتها وتسقط معركة السلاح وقوة السلاح .

السؤال الأخير : مالذي يجعل النظام المصري أشد حرصا على بناء الجدار الفولاذي وغلق حدوده مع قطاع غزة ؟ هل بوسع الصهاينة أن ينجحوا بالحصار لولا استجابة النظام المصري لاستكمال الحصار على غزة ؟؟ كل عاقل يفكر بهذا . لماذا يصر النظام المصري أن يجعل من مواطنيه عبيدا كما كانوا قديما للفرعون حتى وهو يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم باستثناء قلة من الأحرار عبر كل زمان رفضوا أن يكونوا عبيدا فهؤلاء هم أمل الأمة. مايؤلمنا هو اللؤم السياسي للنظام المصري الذي سارع إلى فتح المعبر استجابة للضغط الواقع عليه من جراء ما حصل لأسطول الحرية، بينما تعامل مع الأسطول السابق في العريش بمنع مبطن وتطفيش متعمد، وليس ثمة أمان لنظام أدمن الذل واستمرأ الاستعباد من الصهاينة والأمريكان فإنه عن قريب سيعيد إغلاق المعبر بمجرد انتهاء الضغوط .

نحن كعرب ومسلمين لا نريد من النظام المصري أن يحارب إسرائيل ، إن أراد النظام أن يكون صديقا لإسرائيل فهذا شأنه ، لكننا نريد منه في المقابل إن لا يسقط حق الأخوة والجار مع قطاع غزة ، نريد منه أن يفتح المعابر البرية والبحرية مع قطاع غزة بشكل دائم ، لاينبغي أن يكون كره النظام المصري لحماس سببا لحصار أهل غزة.

نتمنى على تركيا أن تعيدنا سلميا إلى ولايتها السياسية بعدما خرجنا قسرا عن طاعتها ونحن نعتذر عما بدر منا لوصف الأتراك في مناهجنا الدراسية بالمحتلين إنهم فاتحين لا محتلين، ولو خضع هذا الاختيار لإرادة الشعوب لنال السيد رجب طيب اوردوجان شرف الانتصار الكاسح في أي انتخابات أو استفتاء على كل المنافسين المحليين من الديناصورات السياسية في العالم العربي.

أين صوت خادم الحرمين الشريفين في الدفاع عن فلسطين ؟ ألا تعنيه قضية فلسطين ؟ إن مبادرته لعملية السلام في ظل هذا الصمت تصبح دفاعا عن إسرائيل ووقوفا معها ؟ لأن الفلسطينيين ليسو بحاجة إلى مبادرة سلام بل بحاجة إلى تحرير أرضهم ومقدسات المسلمين ، لماذا هذا الصمت السعودي المخزي والإبقاء على مبادرتهم المشؤومة، هناك نظامان عربيان منتفخان لأكبر دولتين عربيتين يوليان وجههما دوما شطر حرم البيت الأبيض جهرا وشطر تل أفيف سرا وهما سبب انتكاسة وانكسار التحرر العربي بنظاميهما وليس بشعبيهما العظيمين، إنها نظم لا تخدم نفسها ولا شعوبها.

hodaifah@yahoo.com