الوطن :حين ينظر إليه من منظار أوسع
بقلم/ كاتب/رداد السلامي
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر
الخميس 24 يونيو-حزيران 2010 10:49 م

العام الفائت 2009م نشر معهد كارنيجي للدراسات تقريرا مفصلا عن أوضاع اليمن أشار إلى ضرورة مساعدة اليمن قبل إن تنهار وأورد التقرير عددا من الأزمات والمشاكل التي قال إنها تواجه اليمن وأنه "ينبغي النظر إلى اليمن على أنه جزء من القرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية حيث علاقات اليمن العميقة مع الدول الواقعة في القرن الأفريقي، ودوره في عقدة التهريب والأمن الأكبر في شرق أفريقيا، يؤكد أكثر على ضرورة النظر إلى اليمن من منظار أوسع، مستقبلاً". ما استوقفني في التقرير هي جملة من منظار أوسع مستقبلا، هكذا تنظر أكبر دولة مهيمنة في العالم إلى اليمن اليوم ، وهكذا تتسع أحداقها وهي تحدق في منابع النفط وخطوطه وطريق التجارة العالمية، ومن ثم حين تجد أن ثمة تغييرات تطرأ على الساحة الدولية وخصوصا في الشرق الأوسط والبلاد العربية تعمل على تأكيد حضورها من خلال العزف على مقطوعة القاعدة، ومصفوفة من المخاوف الحقيقية التي صنعتها سياسة الأنظمة والتي تهدد هذه البلدان وخصوصا اليمن .

ولأن البلاد لم تستقر بعد على نحو جيد، يمكنها من البقاء قيد البناء الداخلي فهي بمثابة أرجوحة تتقاذفها شتى الأزمات ويتناوبها لاعبون كثر مؤتلفون، ومختلفون، تقدميون ،ومتقادمون، متحدون في إطار سياسي ،ومختلفون في أجنداتهم وأيدلوجياتهم وجيل جديد من الورثة والمتنافسون وقوى تحاول أن تجد لها موطئ قدم في وضع تزل فيه أقدام البعض نتيجة انزياحات مستمرة تقذف من لم يستطع المنافسة خارج الملعب الذي لم يستوي بعد على نحو يجعل تأكيد من يحضا بشعبية إبراز حضوره .

ذلك يحدث مع قرب البلاد من استحقاق قادم ربما تشهده إذ لم تتجه المعارضة نحو خيار المقاطعة وقد بدأت سيناريوهات تظهر، أخذت ابتداء منحى إعلاميا واسعا فيه من التناقض ما يؤكد أن ثمة ما يراد تسويقه إعلاميا، واستخدامه كورقة في الانتخابات تماما كما حدث عام 2006م.

لذلك ظهرت حكاية التمويل وظهر أصحاب الصحافة التابعة بشكل غير مباشر للنظام الحاكم الذين يستغلون غطاء الاستقلالية لجلب أكبر قدر من الأموال حين تأتي الانتخابات، كما يلاحظ المتابع كيف أن ذلك يتم وفق ترتيب ذكي فيه من التناسق ما يؤكد على ان متوالية ذلك تؤشر نحو أن تجار الأقلام وتجار حياة الناس وتجار الدعايات المفبركة غالبا لا يفتئون يتحدثون عن ذلك، وسيقدمون مبررات كافية ابتداء لفتح شهية القصر من أجل الدق على معزوفته المعروفة، وحرائقه التي تنبع من عمقه .

سيعزف النظام على وتر ما يسمى بـ"خطر القاعدة" وستتواطأ القوى التي اخترعت هذا الكائن الهلامي مع الأنظمة التابعة لها، وفي بلادنا يجري اليوم وبشكل غريب تسويق تساؤلات دعائية غريبة مفادها من يمول القاعدة؟ وتتبارى الصحافة الرسمية وبعض المستقلة التابعة لأجنحة في النظام في ترويج هذه التساؤلات، وفي ظل انسداد سياسي يشوب الحوار بين السلطة والمعارضة يبدو أن التقرير الذي نشرته مؤسسة كارينجي قبل اسبوع تنسيق مع بعض هذه الصحف التابعة من خلال تلميح ذكي حين قال "أن الأعضاء اليمنيين-من تنظيم القاعدة- موزعون بالتساوي بين القبائل الشمالية والجنوبية" في تلميح لتصالح قبلي بين قبيلة في الشمال وأخرى في الجنوب -حدث قبل أيام- الأمر الذي يؤكد أن القاعدة ما زالت ورقة يتم التلاعب بها سياسيا، بحيث غدا ما يسمى بمكافحة الإرهاب سيناريوه خطير تضرب به السلطة نضالات الشعب السلمية .

ينجح النظام في اجتراح انتصارات وهمية ،وإصدار ديباجة من الفبركة المبالغة ،فما أطلق عليه مصدر رسمي كما أوردت صحيفة أهلية "نجاح مفزع لتنظيم القاعدة في اليمن" هو نوع من المغالاة في الوضع حين يكون ثمة وقت حرج كي يدفع نحو أسوأ خيارته على الإطلاق ليجعل ذاته هو المنتصر في النهاية، لكنه لا يستوعب أن البلاد لا تحتاج إلى مزاج حواري يعيد إنتاج الذات ويفرض شروط لا تمت إلى الحل بصلة بقدر ما تشرعن للذات وتشرع بتأسيس ميراث لن يستقر على أسس ثابتة أو يستند إلى شرعية حقيقية حتى ولو جاء تحت غطاء الديمقراطية الشكلية والانتخابات المزورة سلفا ،والمحسومة دون ابداء أي رفض لنتائجها من قبل المعارضة، خوض الانتخابات إن تم ينبغي ان يتلازم مع نضال سلمي عصي وقوي، وتهيئة الشعب لحماية اختياره المعروف يجب أن يصاغ من الان وفق نضال وممانعة تجعل خيار التزوير أمرا غير ممكنا.

إن الأزمات التي تعتمل في واقعنا الوطني اليوم ستتسع غدا إذ لم تع القوى السياسية دورها في إنعاش الشعب وتجميع نثار نضالاته كي تتحد ليتحد معها وطنا غدا من الانهيار قاب قوسين أو أدنى.