رأس المال...
بقلم/ معاذ الخميسي
نشر منذ: 14 سنة و 4 أشهر و يوم واحد
الجمعة 23 يوليو-تموز 2010 08:03 م

ما أجمل أن يرحل الإنسان عن هذه الحياة خفيفا.. تدمع لفراقه العيون.. وتحزن لوداعه القلوب.. وتلاحقه الدعوات بالرحمة والمغفرة في كل وقت ممن عايشوه.. ومن الفقير قبل الغني.. والبسيط قبل المسئول.. من المحتاج واليتيم والمسكين

وما أفضل أن يغادر مسئول الحياة وهو محاط بكم هائل من الثناء والتقدير.. وسيرته العطرة تحكيه في كل مكان.. ومواقفه الوطنية والإنسانية تقدمه على ألسنة الآخرين

رائع.. أن يغمض صاحب المنصب الرفيع والمسئولية المهمة عينيه للأبد.. وحبه مسكون في قلوب الموظفين الذين عايشوه مخلصا وحريصا وأمينا.. والمواطنين الذين عرفوه شريفا ونزيها لا يعتدي.. ولا يسلب.. ولا ينهب.. ولا يؤذي.. ولا يصادر حق.. ولا يظلم أحد

وكم هي الخسارة فادحة عندما يتوارى عن الحياة إنسانا لم يستغل منصبه في الاتجاه الخاطئ.. ولم يضايق جيرانه بإغلاق الشارع.. ولم يمش في الشوارع بالسيارات المرافقة.. ولم يدخل عزاء أو عرس بالمدججين بالأسلحة.. ولم يبحث طوال عمره عن الفائدة الشخصية.. والمكسب الذاتي.. ولم يصطنع الأهمية.. أو يبحث عن المكان المريح.. والموقع الدسم.. ولم يكن إلا جندياً مجنداً في خدمة الوطن.. ووفيا مخلصا لولي الأمر.

وما أبشعها من حياة حين تبدو في عيون كثيرين مغنما يجب أن لا يفرط به.. فتضيق مساحات النظر إلى أهمية الحياة الحقيقية وتتحول الدار الدنيا إلى ملعب لمن يمتلك لياقة مرتفعة وقدرة عالية في تسجيل الأهداف دون الاهتمام بصحتها أو بما يرتكب من الأخطاء والمخالفات وبعيدا عن أي حساب لحالات التسلل والقفز على القيم والمبادئ والأخلاق.

وما أتعس أن تظل الدنيا في قاموس من يبحثون عن سعادة آنية هي الهم والغم والشغل الشاغل الذي يؤرقهم ليل نهار فيفقدون لذة السعادة وهم يحسون أنهم يعيشونها.. فتذهب أعمارهم سريعا دون أن يشعروا.. ورغم ما جمعوه وما كنزوه وما امتلكوه تجدهم يعيشون في أحوال غير مستقرة وتحاصرهم الهموم من كل اتجاه.. وفجأة يفقدون كل شي.. ولا يجدون ما ينتظرهم ليمنحهم السعادة في الحياة الأبدية.

ومصيبة حين يغادر الإنسان من هذه الحياة دون أن يترك كلمة طيبة على لسان الآخرين.. أو حين يأخذه الموت ومظالمه كثيرة وشاكوه أكثر من شاكروه وما خلفه لا ينفعه ولا يمنع عنه حسابه الوافي الذي سيأخذه كاملاً.

أعرف تاجراً كبيراً يبحث دائما عن المزيد دون أن يتحرى.. وله هواية في السيطرة على أملاك الآخرين وأراضيهم بطرق شتى.. لا يكتفي بما رزقه الله ولا ينظر إلى أن الظلم ظلمات يوم القيامة.. يوسع أملاكه بالقوة.. وبالمال الذي يمتلكه والجاه يبطش بمن يفكر في استرداد حقه.. ورغم مامر به من محن هو وأولاده وما يلفهم من انقسام وخلافات نجده لا يعتبر!

شخص آخر محسوب على الآخرين شيخ.. أصبح يتربص بالمشاكل والخلافات ان لم يكن هو من يشعلها ليدخل (محكما) ثم يشفط من الطرفين الأموال دون وازع.. وفي اتجاه آخر قد يبسط على أرضية مغرية بكل سهولة ليحصل على ما يريد دون أن يؤنبه ضمير!

مسئول كبير.. أو قائد عسكري.. أو قيادي نص نص.. أو أمين صندوق كتيبه أو لواء.. أو حتى محاسب أو مدير مشتروات.. قد نجدهم فجأة بالمرافقين الذين ليس لهم أول ولا آخر.. وبالقصور الفاخرة.. والسيارات الفارهة.. والنخطة تطل من على أنوفهم ومرسومة في تعقيدات حواجبهم.. والكبر يحكيهم في أدق التفاصيل.. ومع ذلك يرحلون عن الدنيا بقطعة قماش صغيرة وحفنة من التراب تغطي وجوههم.. وليس هناك من يقول فيهم خيراً!

في هذه الدنيا المفارقات كثيرة والغرائب عديدة.. ومع ذلك قد تختفي العظة حين تكون مطلوبة.. وقد لا يهتم البعض بالعبرة من الدروس وما أكثرها ومن الأهوال والمصائب والمحن.. وما أشدها.!

يكفي فقط لمن يريد أن يحس.. أن يتذكر أهمية الذكرى الطيبة والعمل الصالح.. وأنهما رأس المال الحقيقي!!