عيدروس الزبيدي يستبعد تحقيق سلام في المنطقة بسبب الحوثيين ويلتقي مسئولين من روسيا وأسبانيا النقد الدولي: قناة السويس تفقد 70% من الإيرادات بسبب هجمات الحوثيين أول رد لتركيا بعد هجوم حوثي استهدف احدى سفنها 49 فيتو أمريكي في مجلس الأمن ضد قرارات تخص الاحتلال مصادر تكشف عن قوات عسكرية في طريقها إلى اليمن إنقلاب موازين الحرب بين روسيا وأوكرانيا .. يشعل أسعار الغاز في أوروبا و تقفز لأعلى مستوياتها هذا العام رجل ينتحل صفة مسؤول أجنبي رفيع ويُستقبل بمراسم رسمية في دولة عربية مفاجأة.. رونالدو يكشف عن ضيفه الذي "سيحطم الإنترنت" فيتو أمريكي يعطل قراراً في مجلس الأمن بشأن غزة.. ما تفاصيله؟ صنعاء.. مليشيا الحوثي تفرض قيود جديدة على طالبات الجامعة.
في عدد مايو (أيار) - يونيو (حزيران) 2010 من مجلة «السياسة الخارجية» الأميركية كتب روبرت غيتس وزير دفاع الولايات المتحدة الأميركية قائلا: «خلال العقود المقبلة من المرجح أن تصدر أكثر التهديدات ضراوة لأمن الولايات المتحدة وسلامتها من الدول التي تفتقد القدرة الكافية للحكم والتي تعجز عن حماية أمن أراضيها. وسيشكل التعامل سواء مع الدول المحطمة ( Fractured States ) أو مع الدول الفاشلة ( Failed States ) التحدي الأكبر لمنظومة الأمن في عصرنا هذا».
وحسب مؤشر الخطورة الذي أعدته هذه المجلة ذائعة الصيت فإن الولايات المتحدة قلقة من الأوضاع في نحو ستين دولة في العالم تشهد اضطرابات أمنية، ولا تحكم السيطرة على أجزاء من ترابها الوطني وتمر بظروف بالغة التعقيد. ومع الأسف فإن أربع دول أعضاء في الجامعة العربية تحتل المراتب الأربع الأولى على شاشة الرادار حسب رؤية المجلة، هذه الدول هي: الصومال والسودان والعراق واليمن.
وهذا ما دفع بالولايات المتحدة - حسب تقارير غربية - إلى القيام بعدد من العمليات السرية في عدد من الدول التي تصنف على أنها تعاني من مشكلات أمنية قد تنعكس سلبا على أمن للولايات المتحدة.
وقد ورد في تقرير أعده جرمي شارب الباحث المختص في شؤون الشرق الأوسط لدائرة الأبحاث في الكونغرس الأميركي أن بعض الخبراء يرون «أن الولايات المتحدة ينبغي أن تعطي اليمن مزيدا من الاهتمام لأن فشل الدولة في اليمن سيكون ذا تأثير مباشر على الأمن القومي الأميركي، في حين يرى آخرون أن عدم الاستقرار في اليمن سيؤثر ليس على مصالح الولايات المتحدة فقط ولكن على أمن إمدادات الطاقة العالمية بسبب الموقع الاستراتيجي لليمن على باب المندب».
اليمن إذن يشكل هاجسا أمنيا للولايات المتحدة ويمتد الاهتمام بالملف الأمني في اليمن إلى تاريخ 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2000 وهو تاريخ الهجوم الدامي على المدمرة الأميركية USS Cole في ميناء عدن الذي قتل فيه 17 وجرح 39 بحارا أميركيا في هجوم يعد الأكثر دموية على الأميركيين منذ عام 1887.
وقد حظي اليمن مؤخرا بتغطية إعلامية كثيفة حتى إن هذا البلد قفز من الخانة التي تسبق موريتانيا إلى الخانة التي تلي العراق مباشرة في ترتيب الدول العربية حسب نصيبها من التغطية في وسائل الإعلام الغربية. بل إن معدل ذكر اليمن في وسائل الإعلام المذكورة قد تضاعف أربع مرات خلال الأشهر التي تلت «غزوة ديترويت» يوم 25 ديسمبر (كانون الأول) 2009 عندما حاول الشاب النيجيري عمر الفاروق تفجير طائرة شركة «خطوط الشمال» فوق سماء ديترويت التي يقال إن منفذها تلقى تدريبات في اليمن.
وفي مؤشر على حساسية شاشة الرادار الأميركي في التقاط صورة الأوضاع الأمنية في اليمن، كتب عضو الكونغرس الأميركي فرانك ولف في 28 من ديسمبر الماضي رسالة إلى الرئيس أوباما يطالبه فيها بعدم ترحيل معتقلي غوانتانامو اليمنيين إلى اليمن وذلك لعدم استقرار الأوضاع في البلد، وقد تردد أوباما في ذلك بادئ الأمر غير أنه - أخيرا - وافق على عدم ترحيلهم.
وعلى الرغم من خطورة الأوضاع الأمنية في اليمن - من وجهة نظر الأميركيين - فإن الاتجاه السائد لدى إدارة الرئيس أوباما هو ما مثلته تصريحات رئيس أركان الجيوش الأميركية المشتركة الأدميرال مايكل مولن من أن الدعم العسكري الأميركي لليمن سيظل محصورا في المراقبة والتدريب دون الإشارة إلى تدخل عسكري مباشر في الملف الأمني اليمني الذي يبدو أن الأميركيين لا يزالون يفضلون التعامل معه عن طريق التنسيق مع الحكومة اليمنية. وذلك لأن «أكبر خطأ يمكن للبيت الأبيض أن يرتكبه هو القيام بإرسال قوات أميركية إلى اليمن، مما سيشكل خطرا على جهود الحرب في أفغانستان، وسيعطي للجهاديين فرصة أخرى للمواجهة. فمن تجارب العراق وأفغانستان يتضح أنه ليس من الصعب تحقيق نصر عسكري، ولكن النصر العسكري شيء وتحويله إلى وسيلة فعالة في مواجهة الإرهاب شيء آخر مختلف تماما». حسبما جاء في تقرير مترجم إلى الإنجليزية لصحيفة «البيس» الإسبانية الشهيرة.
والمشكلة التي تعتري الآلية الأميركية لمقاربة الحالة اليمنية هي أن الولايات المتحدة - بشكل عام - لا ترى أو لا يهمها من الأزمة في اليمن إلا شقها الأمني الذي ترى أنه يمس الأمن في شوارع واشنطن وسماء ديترويت، مع أن البعد الأمني للأزمة في اليمن ليس إلا تجليا للأوضاع الاقتصادية المتردية في هذا البلد الذي احتل الخانة 153 من بين 177 دولة ضمن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بين عامي 2007 و2008 مما يجعله مماثلا لحالة الدول الأفريقية الأكثر فقرا جنوب الصحراء. وإذا كان ذلك هو الوضع في عامي 2007 و2008 فلا بد أن المشكل الاقتصادي قد ازداد تعقيدا في العامين التاليين: 2009 و2010.
المعضلة الأخرى في المقاربة الأميركية للمشكل الأمني في اليمن هي أن الولايات المتحدة في حربها على «تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» الذي يتخذ بعض قيادييه من اليمن مأوى لهم (يقدر بعض الدارسين عدد أعضاء «القاعدة» في اليمن بما بين 300 إلى 500 مقاتل)، ترتكب أخطاء قاتلة فيما يخص جانب التنسيق مع الحكومة اليمنية والتخطيط للضربات الجوية التي غالبا ما تستهدف الأبرياء، والتي وإن أصابت بعض أهدافها فإن عدد الضحايا من المدنيين يفوق بكثير عدد المستهدفين من أعضاء «القاعدة»، كما حدث في عدد من الضربات الجوية الأخيرة التي راح ضحية إحداها مسؤول حكومي بارز هو جابر الشبواني رئيس المجلس المحلي بمحافظة مأرب في خطأ فادح نشأ عن ضربة جوية ذهبت بعض التقارير الغربية إلى أنها أميركية. هذه الأخطاء المشار إليها تكون نتائجها مزيدا من الالتفاف حول هذا التنظيم من قبل بعض القطاعات القبلية المتضررة من الطلعات الجوية العشوائية، كما تكون نتائجها إظهار الحكومة في صنعاء على أنها تعمل مع الأميركيين «أعداء العرب والمسلمين» مما يسهل تصنيف «القاعدة» للحكومة على أنها عميلة لـ«التحالف اليهودي الصليبي» المعادي للإسلام والمسلمين، ناهيك عن الحرج الشديد الذي تجد الحكومة اليمنية نفسها فيه جراء أحاديث انتهاك السيادة الوطنية.
ومن ضمن الأخطاء التي يقع فيها الأميركيون في تعاملهم مع المشكل الأمني في اليمن، أنهم لا يرون فيه إلا الشق المتعلق بـ«القاعدة» مع أن الأخيرة لم تكن لتحظى بما حظيت به من ملاذات آمنة في بعض المناطق في الجنوب أو الشمال إلا لانشغال الجيش والقوى الأمنية في مواجهة المتمردين الحوثيين الذين يخوضون حربهم ضد الدولة تحت الشعار الإيراني «الموت لأميركا، الموت لإسرائيل»، ناهيك عن الفراغ الأمني الناشئ بفعل أعمال العنف التي يشنها الانفصاليون في بعض المناطق في الجنوب والتي وفرت أيضا ملاذات آمنة لبعض العناصر من «القاعدة» في بعض الجبال والمغارات.
أخيرا يقول توماس فريدمان كاتب «نيويورك تايمز» في «بطاقة بريدية» بعث بها من صنعاء إلى نيويورك بعد زيارة لليمن أعقبت «غزوة ديترويت»: «لحسن الحظ أن صنعاء ليست كابل، واليمن ليست أفغانستان، ليس بعد»، غير أن عبارة «ليس بعد» تبعث على القلق فيما يخص التطورات المستقبلية، كما أن فريدمان المقرب من دوائر صنع القرار الأميركي يعود فيقول «ولكن اليمن ليست الدنمارك كذلك».
وبين المسافة التي تفصل اليمن عن أفغانستان والأخرى التي تفصله عن الدنمارك يبدو أن راسمي القرار في الخارجية الأميركية يلزمهم مزيد من الجهد للتوصل إلى الطريقة المثلى للتعامل مع البلد الذي يطل على الممر المائي الذي يمر خلاله السائل الأسود الذي يعد عصب الحياة الاقتصادية الأميركية.
* كاتب يمني مقيم - في بريطانيا