الإعلام والمعلومات.. مزاولة (المتاعب) في بيئة متخمة بالأشواك
بقلم/ رشاد علي الشرعبي
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 25 يوماً
الأربعاء 29 ديسمبر-كانون الأول 2010 10:41 م

ورقة عمل قدمها الاستاذ رشاد علي الشرعبي في مؤتمر حرية الوصول الى المعلومات الذي نظمته منظمة هود 29/12/ م2010.

عُرفت الصحافة والإعلام بـ"مهنة المتاعب", غير أن مزاولتها باليمن, تتجاوز ذلك بكثير, كبيئة تشريعية وثقافية وإجتماعية و سياسية يعمل فيها الصحفيين, أو كبنية إقتصادية ضعيفة جداً تؤثر على إمكانيات وقدرات وسائل الإعلام والمردود المادي للعاملين فيها ومهاراتهم وقدراتهم المهنية.

فليس موضوعياً, الحديث عن الوصول للمعلومات كحق دستوري مكفول لكل يمني وفرضته مواثيق دولية صادقت عليها اليمن, دون التطرق لبيئة البلد التشريعية والسياسية والثقافة الإجتماعية, ووضع الصحف ووسائل الإعلام والصحفيين مادياً ومهنياً, في ظل بُنية إقتصادية ضعيفة, و رأس المال يمنعه الخوف والجبن عن الإستثمار في مجال الاعلام.

فالحقوق متشابكة وهي منظومة متكاملة لا تتجزأ, ومن المغالطة القول بممارسة حق الوصول للمعلومات أو المعرفة, مع إحتكار ملكية وسائل الإعلام المرئية والمسموعة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون, وإحتكار التزويد بخدمة الأنترنت عبر شركتين حكوميتين, ووضع قيود على إصدار صحف لا زالت مجرد مشاريع لأفراد وصحفيين من غير رأس المال, لا أمل بإرتقائها للمؤسسات.

والوصول للمعلومات كحق يستحيل ممارسته بوجود منظومة تشريعية تقيد حرية الرأي والتعبير, تبدأ بمصدر المعلومة ثم محررها وناشرها وطابعها وتنتهي بتقييد كافة أشكال التعبير السلمي التي تواجه بقمع وتضييق أشد مما تواجه به جماعات مسلحة. 

وفي المقابل, ليس منطقياً الحديث عن ممارسة المواطنين لحقوق أخرى فيما يتم حرمانهم من الوصول للمعلومات والمعرفة, فإستمرار الخلل يعني حرمانهم من المشاركة السياسية والإقتصادية وتكوين المنظمات والنقابات والتعبير عبر المسيرات والمظاهرات والانتماء للكيانات... إلخ. 

إضافة لذلك, يعاني المجتمع اليمني حالة تخلف ثقافي وقيود قبلية, وأمية روافدها نشطة ومتجددة, مع تخلف اداري وتقني للدولة اليمنية عموماً, خاصة ما يتعلق بالمعلومات والوثائق – إن كان لنا وثائق أساساً- وأنظمتها وأرشفتها وتصنيفها وتحديد المحظور تداوله, ويتساوى في ذلك مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني مع وجود إستثناءات قليلة, لازالت دون المستوى المواكب للعصر وتقنياته.

• البيئة التشريعية والقانونية

ينص الدستور على ان "لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية, وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون", وهو نص صريح يكفل للمواطنين حق الإسهام, دون تحديد الوسائل والآليات اللازمة ليكون إسهامهم هذا ممكناً وفاعلاً. 

وكمن يحرث في بحر يبدو الحديث عن مواطنين سيمارسون حقوقهم هذه بتكفلهم بمهمة البحث عن معلومات ووثائق يهمهم أو يرغبون بإلإطلاع عليها, لدى مصادرها الأساسية في المؤسسات العامة والخاصة والمدنية أو بالوصول إلى مواقع الأحداث, رغم أنه حق لهم حال رغبوا به أو تفرغوا له.

لكن يفترض ان هذه المهمة وهذا الحق هو واجب تتحمل مسئولية القيام به المؤسسات نفسها, حيث تتكفل بنشرها وبثها وتوزيعها وتوفيرها كإصدارات (مطبوعة وإلكترونية وسمعية وبصرية), و تسهيل وصول الصحفيين والباحثين إليها في مقرات المؤسسات أو في المكتبات العامة ومراكز الدراسات وشبكة (الأنترنت).

وهنا تبدو صورة الحرمان المتعمد (وغير المتعمد إذا أحسنا الظن) لغالبية الشعب من ممارسة حقوقه جراء غياب التشريعات المنظمة للوصول للمعلومات والوثائق بسهولة ويسر, أو بسبب التشريعات المقيدة للمعلومات وملكية الاعلام والانترنت وحرية التعبير, والإجراءات الواقعية التي تسلب ما تبقى من هامش حقوقي أتاحته النصوص.

وبإعتراف المحامية فتحية عبدالواسع, وكيل وزارة الإعلام, فلا توجد "نصوص قانونية تستوعب المستجدات والمتغيرات والتطورات التكنولوجية في حقل الصحافة والمعلوماتية ممايؤدي الى عدم وضوح العلاقة بين الشركاء الذين يستخدمونها", بالإضافة الى عدم وجود نصوص خاصة بالمعلومات على إعتبار ان "تدفق المعلومات الموثوق بها المتصفة بالشمولية والملائمة والجودة والمصداقية يسمح بالشفافية وتحسين أداء الحكومة وتقليص قوى الفساد".

وبصورة عامة أكد قانون الصحافة والمطبوعات لعام 1990 ولائحته التنفيذية على " حق المواطنين في الحصول على المعلومات والثقافة والمعرفة " وعلى " تسهيل" حصولهم على المعلومات, وأكد حق الصحفي في "الحصول على المعلومات والأنباء والبيانات والإحصائيات من مصادرها" وفي "الاحتفاظ بسرية مصادر معلوماته", وفي "الإطلاع على التقارير الرسمية والمعلومات والبيانات" لدى الجهات التي تملكها, إلا أن نصوص أخرى في ذات القانون ولائحته أفرغت كل تلك النصوص من محتواها.

حيث أن هناك نص يلزم الصحفي بالحصول على المعلومات من "مصادرها الموثوقة" وآخر يلزم الصحفي بالامتناع عن "نشر الوثائق والمعلومات السرية وإفشاء أسرار الأمن والدفاع عن الوطن", ونصوص تعرض الصحفي للعقاب, كسحب بطاقة التسهيلات الصحفية بصورة مؤقتة في حال استخدامها في غير الأغراض المخصصة لها, ويحتوي شروط مغلظة لإصدار الصحف ونشر المعلومات, ونصوص تقول بـ"حظر طباعة ونشر وتداول وإذاعة المواد التي تستهدف: النظام الجمهوري, أو الوحدة الوطنية, أو المصلحة العليا للبلاد, أو تتعرض بالنقد المباشر والشخصي لرئيس الجمهورية, أو تمس ملوك ورؤساء الدول الشقيقة والصديقة... الخ", وهي نصوص فضفاضة وضبابية من السهل تفسيرها بطريقة الحاكم وموظفيه.

الأمر لا يقف عند قانون الصحافة والمطبوعات, فهناك طابور من القوانين السالبة للحقوق, فقانون المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون ينص على انه ليس لأي جهة حكومية او غير حكومية او افراد الحق في انشاء محطات تلفزيونية او اذاعية غير المؤسسة, وكذلك الاحتكار قائم بالنسبة لتزويد خدمة الانترنت وهناك نصوص تقضم من الحقوق المتعلقة بالمعلومات والنشر والتعبير في قوانين العقوبات والوثائق والخدمة العسكرية وغيرها وتتضمن عقوبات تصل حد الاعدام والسجن لعقود. 

إضافة الى ذلك, هناك مصفوفة مشاريع قوانين وتعديلات لقوانين, تضاعف القيود وتحكم الخناق على المعلومات وتمنع تدفقها لما فيه مصلحة النظام الحاكم وتحرم المواطنين منها, كقوانين المعلومات, والصحافة والمطبوعات, والاعلام السمعي والمرئي والالكتروني, والجمعيات والمؤسسات الاهلية, والاتصالات, والوحدة الوطنية, وغيرها. 

• البيئة الثقافية والإجتماعية

يغلب على المجتمع اليمني التركيبة القبلية المتشددة, تحكمه ثقافة الحروب والصراعات, وتسيطر عليه قيم الغارات والثأرات, وسلوكيات الحذر والتدابير الأمنية والتكتم, وماعُرف عن أبناء مدينة صنعاء كضحية للصراعات السياسية وغارات الحزام القبلي المحيط بمدينتهم على مر التاريخ هو صوره ترسم حقيقة التركيبة اليمنية, حيث أنهم لا يدلون أي غريب يسأل عن عنوان أو شخص ما إلى مبتغاه الصحيح.

هذه البيئة القبلية الغالب عليها الطابع العسكري والأمني, كان يفترض ان تخفف من حدته حالة التطور التي شهدتها البلاد عقب ثورتي سبتمبر62 وأكتوبر1963م, لكن الأنظمة الشمولية والعسكرية والبوليسية التي تعاقبت على حكم الشطرين حتى مايو1990 أو النظام الذي ورث التركة السيئة تلك وأدار بها دولة الوحدة حتى اللحظة, وعزز ذلك الطابع بصورة أسوأ مماكان.

وكمثال, فرغم التطور الجمعي في ثقافة سكان مدينة عدن والأقل منه تعز وربما الحديدة والمكلا بفعل ضعف وتراخي قبضة القبيلة والتحول البطيء نحو المدنية وإرتفاع مستوى التعليم والثقافة, إلا أن العقلية الحاكمة وأدائها القمعي والتنظيمات السرية خلال الصراع الشطري أو ما بعد الوحدة, اوقف تطور الوعي في تلك المدن وللأسف عمم عليها وعزز ثقافته المضادة لثقافة الشفافية وتدفق المعلومات.

ولذلك تجد اغلب من يشغلون مناصب حكومية أو تجارية أو حزبية أو حتى تشريعية ورقابية وحقوقية, والكثير من الموظفين يحرصون على التكتم وحجب المعلومات وعرقلة الوصول إليها وتسريب القليل فقط مما يرغب فيه وقد يكون ورائه تضليل او دعاية وترويج أو إستهداف أشخاص أو مصالح شخصية وما شابه, بل حتى الموظف البسيط والجندي يقف في طريقك وكأنه هو صاحب الأمر والنهي ليمارس الإضطهاد والتسلط عليك الأسوأ مما يتعرض له من مرؤوسيه والأعلى منه مرتبه. 

• البيئة السياسية والإدارية

يحكم اليمن نظام شمولي بوليسي قمعي وإن تدثر بقمصان الديمقراطية وحقوق الإنسان والتي فرضتها إشتراطات وحدة 22مايو 1990, ومواكبةً للعصر وتقنياته وتلبيةً المطالب الخارجية كشرط لمنحه مزيداً من القروض والمساعدات, قبل الإهتمام بمكافحة الإرهاب على حساب الديمقراطية وحقوق الإنسان المفترى عليها.

وعمل النظام على إنشاء جدار حجب وممانعة ضد شفافية المعلومات عبر منظومة تشريعية متخلفة وأداء سياسي قمعي وخطاب إعلامي شمولي وإجراءات إدارية وأمنية في بيئة خصبة ومتخمة بثقافة قبلية عسكرية وأبوية تسلطية, وأثر بذلك بصورة أسوأ حتى على القادمين من مجتمعات منفتحة في مدن (عدن, المكلا, تعز, والحديدة).

ولذلك نجد ان خطاب النظام إعلامياً وسياسياً, مهما تحدث عن الديمقراطية وحقوق الانسان والحوار والتسامح ومكافحة الفساد وترشيد الحكم, إلا أنه ينعكس واقعاً بصورة سلبية أشد. حيث ان إتهامه المستمر للصحفيين بالإساءة لبلدهم وتشويه سمعتها خارجياً, وجلد معارضيه وخصومه السياسيين (أحزاب شرعية) بتهم الخيانة والسعي لإشعال الفتن وتدمير البلد, يعود بتسلط أكبر من قبل المسئولين المحليين والموظفين وحراس المؤسسات في وجه الصحفيين الباحثين عن معلومات ولا يسلم من ذلك حتى العاملين بصحف الحكومة و(الموالاة). 

ولذلك نجد ان محامي قدير كالأستاذ احمد الوادعي يُشدد بإستمرار على ضرورة إعادة بناء النظام السياسي والإداري كأساس لإيجاد وإزدهار حرية الرأي في اليمن, لما من شأنه توفير "مستوى من الشفافية يسمح بتدفق المعلومات الى المجتمع والأفراد بدون عوائق", على إعتبار ان "الدولة بأجهزتها المختلفة بحكم مالها من سلطة ومن إمكانيات, هي بمثابة بنك المعلومات في اليمن تستوجب إزالة حُجب موضوعة على هذه المعلومات, ولا مبرر للإبقاء عليها, إلا حرمان المواطنين من معرفة حقائق الأمور ووعيها, فكل شيء في اليمن مكشوف معروف للخارج, ولكنه مضنون به على أهله فقط وهم المواطنون". 

وكمثال طازج, فماورد في الوثائق الامريكية المنشورة بموقع ويكليكس الخاصة باليمن هي صورة واضحة للواقع, فمن السهل معرفة الخارج بتعرض رئيس الدولة لحادث تسبب له بجروح وخدوش, وصعب بل وممنوع معرفة المواطنين لحدث يهمهم جداً, ولو نشر صحفياً خبراً كهذا لن يسلم من الاخفاء القسري والاعتداء الوحشي وليس فقط الاعتقال والمحاكمة.

وكذلك معلومة تقديم جهات رسمية يمنية إحداثيات خاطئة للطيران السعودي كادت ان تودي بحياة قائد عسكري كبير, مقتله سيؤثر على البلد ومواطنيه.

 معلومات كثيرة لوقائع حقيقية تضمنتها تلك الوثائق تُحجب عن المواطنين وما يتسرب منها (وهو قليل ونادر) يجعل الصحفيين عرضة للخطر, وأيضاً مصادرهم, وكثيراً ماتصدر بيانات صحفية وتصريحات للمصدر المسئول (المجهول) تنفيها, وتوجه التهم والتهديد والوعيد للخونة والعملاء ناشريها او متداوليها إن ظلت إشاعات لم تتناولها أو لم تتجرأ على تناولها الصحافة.

وبالتأكيد فإن أداء النظام السياسي ينسحب على الأداء الإداري للدولة اليمنية بمختلف مؤسساتها العامة والخاصة والمدنية.

 بل أن حال القبيلة أفضل, فكثيراً ما يرتبط الصحفيين بمشائخ قبليين (قبائل شمال الشمال والشمال الشرقي), فيمدونهم بالمعلومات والأخبار أولاً بأول ولا يترددون عن إجراء اللقاءات الصحفية معهم وأحياناً يطلبونها هم, بصورة مختلفة عن مشائخ الوسط في تعز واب ولحج والضالع وغيرها, الذين يرتعدون خوفاً من الحديث للصحافة كشأن مسئولي الدولة وموظفيها.

 حتى سلطات الدولة التي يُفترض أنها مستقلة كالسلطتين التشريعية والقضائية, تعاني الحجب والقمع, فمؤخراً صدر تعميم من مجلس القضاء الأعلى يمنع منتسبي القضاء من الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام أياً كانت, وحصر ذلك بشخص رئيس المجلس أو ناطقه الرسمي وهو عضو في السلطة التنفيذية (وزير العدل).

 وحتى الأخبار المنشورة في الصحف الخاصة بالسلطة القضائيه وموقعها الإلكتروني هي ذات الأخبار القادمة من وكالة الأنباء الرسمية والخاضعة لرقابة حكومية صارمة.

ومن تجربتي الميدانية خلال 6 أشهر مضت, فقد عجزت عن إجراء مقابلات تلفزيونية قصيرة مع قضاة مختصين ومسئولي محاكم ونيابات في المحافظات والمديريات, وفي العاصمة صنعاء رفض ذلك رئيس مجلس القضاء والنائب العام والمحامي العام الاول والناطق الرسمي بمبرر أنه موضوع حساس (السجون الخاصة).

 السلطة التشريعية ممثلة بمجلسي (النواب والشورى) الأمر لا يختلف فيها, فالأعضاء غالبيتهم ليسوا فقط لا يجرؤون على الإفصاح عن معلومات لديهم تتعلق بقضايا فساد ومخالفات, لكن تحجب عنهم الكثير من المعلومات ويتم تضليلهم بمعلومات وتقارير ويهتم الاعلام الرسمي خاصة (التلفزيون) ببث جلساتهم التي تحضرها الحكومة, وتمارس الرقابة على أحاديثهم تحت قبة البرلمان.

وأخبار المجلسين وانشطتهما ومسئوليهما ولجانهما تنشر في وسائل الإعلام الرسمية معتمدة على خبر وحيد من وكالة الأنباء الرسمية بعد خضوعه للإجراءات وحذف كل مايمس بالسلطة التنفيذية (رئاسة الدولة او مجلس الوزراء) والسلطات المحلية.

ومجلس النواب كإدارة يحجب المعلومات عن أعضائه والصحفيين والباحثين, خاصة مايتعلق بتقارير جهاز الرقابة والمحاسبة ولجان المجلس, حيث يعجز الأعضاء عن سحب أكثر من نسخة رغم تراكمها لكثرة الغائبين, وتمنع عن الصحفيين ويحصلون على القليل منها عبر علاقاتهم الشخصية بنواب ينسخونها أو يتنازلون عن نسختهم الوحيدة, بل ويتم حجب تقارير لجان برلمانية مهمة عن المجلس ومنع وصولها بين يدي الاعضاء أو يحدث تغيير لمحتواها.

والحال كذلك في المجالس المنتخبة (المجالس المحلية بالمحافظات والمديريات), وهيئات رسمية وشعبية عامة او رقابية كمجلس الوزراء وهيئة مكافحة الفساد وجهاز الرقابة والمحاسبة ومجلس شفافية الإستخراجات النفطية وهيئة المواصفات والمقاييس, والمجالس العليا (الخدمة المدنية, تخطيط التعليم, والتعليم, والجامعات, والاستثمار, والدفاع الوطني) واللجنة الامنية العليا ومختلف الوزارات ومؤسسات الدولة, وحتى بعض الهيئات المدنية كإتحادات (الغرف التجارية والصناعية, والنساء, والمعاقين, والجمعيات السمكية, والزراعية وغيرها).

حيث يتم التحكم بمحتوى إجتماعاتها ونقاشاتها عبر إستثناء مندوب الوكالة الرسمية ومنع حضورها وتغطيتها من قبل الصحفيين الآخرين بمافيهم العاملين في صحف عامة, وحتى في التلفزيون والإذاعات, فهناك تعميم يمنع بث أي أخبار لم تصل أخبارها من الوكالة الرسمية حتى ولو حضر مندوبين عن الإذاعة وطواقم تلفزيونية.

• أبرز معوقات الوصول إلى المعلومات:

- إفتقاد النظام السياسي الحاكم, للإيمان الصادق والقناعة الحقيقية بالديمقراطية وحقوق الإنسان, وبالتالي غياب الإرادة بتعزيز قيم الشفافية والمشاركة المجتمعية التي ستؤدي لمكافحة الفساد وترشيد الحكم وهو ما سيهد اركان النظام.

- غياب رؤية وطنية شاملة تتيح للمواطنين حق الوصول للمعلومات والمعرفة, تبدأ من تعديل التشريعات الموجودة او سن تشريعات جديدة تؤكد حقهم بذلك وتقدم آليات واضحة ودقيقة للوصول إلى المعلومات والوثائق بسهولة ويسر.

- لا يقف الامر عند غياب التوعية للمواطنين وللمسئولين والموظفين بحق المواطنين بالوصول للمعلومات وأهمية ذلك في تحقيق التنمية المفترى عليها, لكن هناك خطاب سياسي وإعلامي سلبي, يزيد الطين بله كما يقال, ينتقص من هذا الحق ويوزع صكوك الوطنية والخيانة والعمالة.

- تحكم اليمن سلطة واحدة ذات عقلية شمولية قمعية تسيطر على بقية السلطات (القضائية والتشريعية والمحلية) وهيئات الرقابة والمحاسبة, والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والصحافة العامة وكثيراً من الصحافة الأهلية (الموالاة).

- تعاني مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني من تخلف اداري وتقني وبشري وتسلط صاحب المرتبة الاعلى وظيفياً, خاصة المسئول الأول في كل مؤسسة عامة او مدنية أومالك المؤسسة الخاصة. 

- يبدو الوضع ان كل المعلومات محظورة وممنوعة, وان الأصل هو الحظر, والمسموح هو الإستثناء, وليس كما يفترض, الأصل هو الإباحة والحظر هو الإستثناء, ويسود إعتقاد عام بأن من لديه المعلومة بحكم منصبه او وظيفته فإنه يمتلكها وليس المجتمع, ويبقى هو الوحيد من يحق له تقرير متى تُحجب ومتى تُسرب ولمن؟.

- يوجد مركزان وطنيان احدهما للمعلومات والاخر للوثائق, إلا ان دورهما لا يزال غائباً, ويخضعان لذات النظام الاداري ولا يقدمان خدمة حقيقية لطالبي المعلومات والوثائق, ومن خلال تجربتي الشخصية, بعد حديث لمختصين بمركز المعلومات في ندوة سابقة لـ(هود), تقدمت بطلب معلومات (أخبار المحكمة الجزائية المتخصصة الخاصة بمتهمي الإرهاب) عبر الموقع الإلكتروني للمركز وبخل القائمين عليه حتى عن الرد بالإعتذار.

- تسيطر ثقافة الترويج على كل المسئولين والمختصين في القطاعات الثلاثة (ممن يهتمون بالصحافة والاعلام), دون الإهتمام بالمحتوى والمعلومة, حيث يهتمون بإخبار الناس , بـ"نظم, عقد, أقام, دشن, وغيرها", وليس لديهم إهتمام -وربما وعي- بأهمية المحتوى كمعلومة وارقام ونتائج....إلخ, وهي مشكلة يعانيها كثيراً من القائمين على وسائل الإعلام المحلية والعاملين فيها, عكس مراسلي الإعلام الخارجي. 

- ترفض السلطات إعتماد مندوبين لوسائل الإعلام (بإستثناء وكالة سبأ), لدى الهيئات والمؤسسات العامة (المركزية والمحلية) لتغطية أنشطتها وإجتماعاتها, كمجالس الوزراء والخدمة المدنية والاستثمار والتعليم والمجالس المحلية, وحتى هيئات الرقابة والمحاسبة والانتخابات, وغيرها.

- يعجز الصحفيين والباحثين (خاصة من غير الموالاة) في الحصول على التقارير الدورية والسنوية والمناسباتية والتخصصية وغيرها كتقارير جهاز الرقابة ومجلس النواب ولجانه والقضاء والاحصائيات الامنية وجهاز الاحصاء وتقارير المجالس المحلية ومجلس تخطيط التعليم وغيرها. 

- تنشر أخبار تلك الهيئات العامة في الاعلام العام عبر محررين خاضعين للضغوط الوظيفية والاجراءات العقابية, ما يؤدي للإحتكار المطلق للمعلومات وإنتقائية لما ينشر ويصل للمواطنين, بصورة تمنع كشف الفساد ومكافحته وفضح الإختلالات والتجاوزات بهدف ترشيد الحكم, وتحرم المواطنين من ممارسة حقهم بالوصول للمعلومات من مصادر متنوعة ومتنافسة.

- تفتقد غالبية الإصدارات (المطبوعة والمرئية والسمعية) التابعة للهيئات العامة والمؤسسات المدنية والخاصة, للمعايير المهنية ويقوم عليها موظفين غير متخصصين ولا تهتم بنشر معلومات يحتاجها المواطنين, فقط تركز على تغطية أخبار مسئولي الهيئات وأنشطتهم واسفارهم, ثم أخبار وانشطة الهيئات ذاتها, والمعلومة هي آخر مايتم الإهتمام به.

- أنشأت كثيراً من الهيئات مواقع الكترونية لها, بدت أشبه بموضة, ولا تحقق الهدف الاساسي من إنشائها, فقليل من الهيئات تهتم بتغذيتها وتحديثها بالأخبار والأنشطة مع ضعف في الأداء المهني والإهتمام بالمعلومة, والغالب لا يتم تحديثها وتغذيتها باستمرار, بل ان بعضها لم يتم اضافة أخبار او معلومات إليها منذ 3سنوات.

- يرفض المسئولين الحكوميين (حتى من خارج القضاء والأمن, أما العسكريين فيستحيل التفكير بهم) إجراء لقاءات صحفية أو الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام اليمنية, وأحياناً مراسلي وسائل الإعلام الخارجية, وعلى العكس حينما توفد وسائل الاعلام الخارجية صحفيين من خارج اليمن.

- تبدو بعض المؤسسات العامة المدنية والخدمية أشبه بمنشئات عسكرية, حيث يصعب دخولها ويخضع طالبي المعلومات, وإن أبرزوا بطائقهم المهنية, لإجراءات مشددة وأحياناً (إستفزازية) وسط سحابة من الشكوك والتعبيرات التخوينية للصحافة ومنتسبيها, ويتضاعف الأمر لو كان الصحفي يعمل في صحيفة مستقلة أو معارضة أو مراسلاً لوسيلة إعلام خارجية.

• أنواع القيود المفروضة على المعلومة:

- قيود تحتكر الإعلام المرئي والمسموع

- قيود تحتكر خدمة الانترنت وبالتالي تضيق الخناق على الاعلام الالكتروني

- قيود ترافق إجراءات الترخيص للصحف

- قيود تضيق الخناق على حرية الرأي والتعبير في الصحف وتطول المحرر والناشر والمطبعة وقد تتخذ اجراءات تطول حتى الموزع والبائع

- قيود تفرضها تعميمات (مكتوبة أو شفوية) من الوزارات والهيئات في المركز للأدنى ومروراً بالمحافظات وإنتهاءاً بالمديريات.

- قيود قانونية ووظيفية وإجراءات عقابية لمصادر المعلومات

- قيود للصحافة المطبوعة القادمة من خارج اليمن ولمكاتب وسائل الإعلام الخارجية ومراسليها وأي مطبوعات وإصدارات فلمية ورقمية وغيرها. 

• توصيات:

- توفر الايمان والقناعة بالديمقراطية وحقوق الإنسان كمفهوم وقيم وسلوك وممارسة لدى النظام الحاكم في اليمن, وتحقيق مبدأ فصل السلطات بما من شأنه إنهاء سيطرة السلطة التنفيذية على بقية سلطات الدولة الأخرى (القضائية والتشريعية) أو القطاع الخاص والمجتمع المدني والإعلام والصحافة. 

- إصدار تشريعات وإجراء تعديلات قانونية تكفل الحق بالوصول للمعلومات والوثائق والمعرفة وامتلاك وسائل إعلام بمختلف أنواعها وإنهاء الإحتكار لخدمة الأنترنت ورفع القيود عن حرية الرأي والتعبير, وتتضمن نصوصها آليات واضحة وصريحة ودقيقة بشأن قيام الهيئات بتوفير المعلومات والوثائق وسهولة وصول المواطنين إليها والإطلاع عليها.

- تحديد طبيعة المعلومات السرية والمحظور تداولها بصورة دقيقة.

- تبني إستراتيجية وطنية للمعلومات تنظم العلاقة بين القطاعات الثلاثة (العام والخاص والمدني), وآليات تدفقها إلى الجهات المختصة والمواطنين عموماً, مع التحديث التقني والبشري والاداري للأنظمة المعلوماتية وتوعية المواطنين وكافة فئات الشعب بحقهم بالمعلومات وطرق وآليات الوصول إليها.

- إيجاد نصوص قانونية تحمي مصادر المعلومات المتعلقة بقضايا الفساد والإختلالات والتجاوزات وتحمي ناقليها وناشريها, وتفرض عقوبات على من يسعون للإضرار بهم أو من يمتنعون عن تقديم المعلومات لطالبيها دون مبررات قانونية.