مصر ما بعد رحيل مبارك
بقلم/ الحامد عوض الحامد
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و يوم واحد
الإثنين 21 فبراير-شباط 2011 04:50 م

أخيرا سقط نظام مبارك وتنفس المصريون الصعداء بعد فوران ثورة الشباب, سقط نظام مبارك الذي اعتقد أنه ببياناته الساذجة يمكنه الصمود أمام إرادة الشعب وثورة الشباب الذي ضاق ذرعا من سياسات حزبه الوطني, أولئك الشباب الذين ومنذ أن أبصروا النور لم يعرفوا رئيسا سواه طوال العقود الثلاثة الماضية.

اليوم نعيش لحظات يمكن وصفها بالتاريخية في تاريخ الأمة أجمع, تلك اللحظات التي جعلت مبارك يصبح في عداد الرؤساء السابقين لمصر, لكن ماذا بعد هذا التغيير التاريخي الذي حدث أمامنا.. هل سنشهد مصر غير مصر التي عرفناها في الفترة الأخيرة؟ هل سنشهد رئيسا مدنيا يحكم مصر بعد سلسة الحكام العسكريين الذين حكموا مصر منذ ثورة يوليو.

حتى اللحظة لا تزال ملامح شخصية الرئيس القادم لمصر مجهولة المعالم, تلك الشخصية التي لا ينتظرها شعب مصر العظيم فحسب, بل تنتظرها كل شعوب وحكام العالم العربي والخارجي؛ نظرا لما تحمله مصر من ثقل تاريخي وحضاري وسياسي في الشرق الأوسط والعالم.. والرئيس القادم أيا كان, سيأتي للقصر الرئاسي بالقاهرة وأمامه العديد من الملفات المثقلة على الصعيدين الداخلي والخارجي.

ففي الداخل سيجد الرئيس الاقتصاد الوطني ضعيفا وديونا خارجية على بلاده بمليارات الدولارات, بالإضافة إلى نسبة كبيرة من الشباب العاطلين عن العمل, واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء الذين وصلوا إلى نسبة 40% من مجموع السكان, وأيضا إجراء التعديلات الدستورية التي يمكن ترضي طرفا وتغضب آخر.

وخارجيا هناك ملفات عدة, وهي الملفات التي لمصر دور كبير ومؤثر فيها, كالقضية الفلسطينية, والموقف المصري من التعامل مع حركتي حماس وحزب الله اللبناني, وأيضا الأزمة اللبنانية التي تأزمت مؤخرا, إضافة إلى السودان ما بعد الانفصال, وأيضا العلاقات العربية العربية؛ لكون نظام مبارك كانت لدية خلافات مع أنظمة عربية مثل سوريا وقطر والعراق وإيران, وسيكون أمام الرئيس القادم خيارين: تأزيم تلك العلاقات, أو ترميمها وإصلاحها, وهناك الأهم وهو وجود السفير الإسرائيلي في القاهرة وبقاء معاهدة اتفاقية ومعاهدة كامب ديفيد كما هي بعد سقوط مبارك الذي يعد أحد أبطال تلك الاتفاقية.. وباعتقادي فإن هذه المسالة ستظل كما هي عليه, وما يدعم اعتقادي هذه هو التصريحات التي أعلن عنها الجيش حينما قال إن مصر ستحترم كافة الاتفاقيات والمعاهدات الإقليمية والدولية كما هي, وهذا يعني اتفاقية كامب ديفيد ستبقى كما هي, وهناك شي آخر هو إعلان ثورة 25 يناير الذي أعلن بأن المتظاهرين لن يتركوا الشارع حتى تنفذ بقية مطالبهم بعد رحيل مبارك, كانت تلك المطالب عبارة عن عشر نقاط لم نر منها شي يتعلق بطرد السفير الإسرائيلي أو إلغاء معاهدة كامب ديفيد, وحتى أثناء المظاهرات لم نشهد أي شعارات تندد بالعلاقة مع إسرائيل أو بإلغاء معاهدة كامب ديفيد.. وهذا ما يطرح علامات استفهام حول ما ينوي أن يفعله المصريون حكومة وشعبا خلال الفترة المقبلة!!

اعتبر الكثيرون أن 25 يناير يعد ميلادا للدولة المصرية الجديدة, هذه الدولة التي لا أحد يتكهن عن كيف سيكون مستقبلها خاصة وأنها جاءت عن طريق ثورة شعب وليس عن طريق انقلاب عسكري.. وبالعودة للوراء يقر الكثير من زعماء العالم حاليين وسابقين بأن عهد الزعيم جمال عبد الناصر يعد من أعظم العهود التي مرت بها المنطقة العربية ككل وليس مصر فحسب..

الحياة تسير إلى الأمام, لكن هل يمكن أن نرى مصر الجديدة وهي تعود للوراء لتستعيد عهد ومجد الزعيم عبد الناصر وتعيد القومية والعروبة إلى دماء أبناء الأمة العربية؟..

منذ إطلاق شرارة الثورة كنا نتمنى أن نرى المتظاهرين يرفعون صور عبد الناصر بأعداد كبيرة وأن يرفعوا شعارات القومية العربية, التي حافظت على كرامة المواطن العربي أينما حل وارتحل, وأيضا لترسل رسالة للنظام القادم وللعالم أجمع بأن شعب مصر الحرة يريد استعادة عهد وعصر عبد الناصر ذلك العصر الذي أعطى لمصر وللأمة المكانة التي تليق بها.

ما أعظم شعب مصر, بالأمس خرج بالآلاف مطالبا ببقاء عبد الناصر في حكم مصر بعد أن قدم استقالته إثر هزيمة يونيو, وفعلا حقق ما أراد وبقي ناصر في منصبة.. واليوم خرج من أجل أن يسقط نظام مبارك الذي تشبث بالسلطة وفعلا استطاع إسقاط مبارك من الحكم.

وختاما, أتمنى على الرئيس القادم أن يعيد لمصر مكانتها وللمواطن المصري كرامته التي سلبت منه جراء سياسات نظام مبارك.. كما نتمنى على الشباب العربي أن يكملوا المسيرة التي بدأها شباب تونس ومصر وأتت ثمارها.. عليهم أن يكملوا تلك المسيرة الثورية حتى نشهد عصرا وعهدا جديدا ينبض بالحياة والكرامة والحرية والهيبة والمكانة والتقدم والتطور لكل شعوب الأمة من الخليج الهادر إلى المحيط الثائر.