من تونس إلى اليمن.. أنظمة الأتاري في زمن الحاسوب
بقلم/ ياسين الزكري
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر
الثلاثاء 22 مارس - آذار 2011 02:47 ص

للتجول العابر في آفاق الثورات الشعبية الشبابية السلمية ابتداء من تونس مرورا بمصر ثم ليبيا وصولا إلى اليمن سرعان ما يكتشف وبشكل ما حالة من التشابه بين تكوينات الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة العربية وبين لعبة "اكتشف الاختلاف بين الصورتين" تلك اللعبة التي كنا نلتقيها كل أسبوع على صفحة الألعاب في مجلة ماجد للأطفال.. مع فارق بسيط للغاية يتمثل في كون الرسام في حال لعبة الدكتاتوريات أكثر كسلا من رسام مجلة ماجد ذلك أن رسام المجلة كان يبذل قدرا من الجهد في جعل إحدى الصورتين تزيد أو تنقص شيئا واحدا عن الأخرى فيما رسام لعبة الدكتاتوريات العربية رسم صورة واحدة ثم وضعها على آلة النسخ ذات الحبر المتهالك فضغط على زر التصوير وترك للحبر القليل المتبقي في آلة النسخ مهمة صياغة الفرق بين الصورتين..

حين فكر العم سام في صناعة هذه الدمى التي حكمت لعقود في هذه المنطقة من العالم كان يعلم كما يبدو أنه اختار شخصيات لاتزيد مساحة الاستيعاب لديها عن سعة فلاش قديم "يو اس بي"256 ميجابايت فقط ماجعله مضطرا لتحميلها برنامج الاتاري نفسه غير القابل للإضافة أو التعديل أو التحديث..

البرنامج الذي تم تحميله لهؤلاء وأمثالهم يتلخص في ابسط عدد من الأوامر البرمجية البسيطة ..تبدأ من ..كن نرجسيا "التطبيق يمكن ملاحظته من خلال انتشار الصور العملاقة في كل الشوارع والواجهات وهو مايمكن قراءته من جانب نفسي بان هذه الأنظمة تحتاج إلى عقود من تكريس صورها وألقابها الحسنى الكثيرة لتكتشف أنها وبعد تلك العقود الطويلة ماتزال مجرد شخصيات افتراضية غير مؤهلة لشغل حيز من الفراغ في ذاكرة شعوبها..

الأمر الثاني يتلخص في عبارة "اقمع لكن لاتقاوم" فالحقيقة ان الدكتاتور يشبه في ممارسة القمع وحش فيجا حين يغيب جرندايزر..اما حين يجد نفسه في المواجهة فليس أمامه سوى استخدام الأمر "دمر نفسك" ولذلك على الدكتاتور اينما كان الاَّيحاول المقاومة لان أوامر المقاومة بدأت في زمن البوكيمون وليس الاتاري على كل حال ..استنادا إلى خبرة بائع لعب في شارع هائل..

مشكلة الاتاري أن عداد الزمن لديه هو اول من يخرج عن الخدمة واذا كان النظام الحالي في اليمن مثلاً يعتبر نفسه الاتاري الاحدث في العام 1978 فمن الطبيعي ان لايدرك بعد عطب عداد الزمن اننا لم نعد اليوم نعيش في العام 1978..وتلك آفة الاتاري التايوان حتى لوتم تحميله برنامجا امريكيا..

الأمر الثالث يتلخص في جملة من الأوامر الصغيرة الخاصة بمواجهة الثورات الشعبية .. "اطلق يد البلطجية لقتل خيرة شباب البلد ..اسحب البلطجية واستبقي ملابسهم ليرتديها قناصة حرسك الجمهوري وقواتك الخاصة..تورط في القتل..اتخذ قرارا بإقالة الحكومة وربما البرلمان ثم فحّححححط غير مأسوف عليك"..

مثل هؤلاء يستفزونك بقوة حين تجد الواحد منهم بعد عقود من السنين العجاف لايملك مؤسسة تشريعية شرعية ولا حكومة تربطها بالشعب وشائج قربى بل ولا شرطة قادرة على حماية الناس ثم بكل تناحة يأتي ليسألك لماذا تطلب مني أن أتنحى.."مليون علامة تعجب"..

في زمن الطفولة كنا نتنافس في لعبة المشي على اليدين لكننا لم نكن ندرك حينها كما يبدو اننا نحاكي حال العلاقة بين الشعوب العربية وانظمتها بل كنا بحاجة لحوالى نصف قرن لندرك هذا النوع من العلاقة فالدولة المرسومة على الورق لم تكن في وضعها الطبيعي بل كان رأسها متجها نحو الأسفل..ولأننا نسير على اليدين ظللنا نراها طبيعية لكن حين بدأنا الوقوف على أقدامنا تبينت لنا حقيقة المشهد..شعوب تتقدم على النخب ونخب تقبع في الأعلى تبعا لقانون الطفو وليس سواه..

المشكلة الآن يمكن تلخيصها في كوننا نحتاج فقط الى طريقة نشرح من خلالها لأنظمة الاتاري هذه ان الشعب حين يقف على قدميه فإن قانون الصورة المقلوبة يقتضي أن يسير النظام على يديه وعندها يكون من الطبيعي أن تنتقل أسئلة التعجب والإنكار إليه ..مالذي جرى لماذا يطالبونني بالرحيل ..

باختصار شديد حين كان الشعب يمشي بالمقلوب كان الأمر يبدو طبيعيا لأنك لايمكنك أن تصف شعبا بكامله بالجنون أما حين تستوي وضعية الشعب فإنه يغدو من السهل إدراك كم أن النظام نشاز وكم انه بات يشوه الصورة..

الأمر ببساطة انك حين تكون في زمن الحاسوب يصير من العيب عليك الحديث عن قدرات ومهارات الاتاري..تلك هي المسألة ببساطة أو هذا ماتبدو عليه الصورة على الأقل..

yazn11@hotmail.com