الإعلام الأمني يكشف عن إحصائيات الحوادث المرورية في المناطق المحررة «تيك توك» يبدأ تحركا لمواجهة محتوى الذكاء الاصطناعي.. تعزيز الشفافية رئيس هيئة الأركان يناقش مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر أوضاع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلات مليشيا الحوثي الموت يفجع السلطات الإماراتية.. أبو ظبي تعلن وفاة احد شيوخ آل نهيان اكبر عرض استثماري في مجال الطيران .. السعودية تكشف عن فرص استثمارية بقيمة 100 مليار دولار بريطانية تكشف عن محاولة اختطاف فاشلة لسفينة في السواحل اليمنية الإدارة الأمريكية تستعد لحرب جديدة مع الصين بسبب السيارات الكهربائية الصينية الحوثيون يعتقلون العشرات من قيادات وعناصر حزب المؤتمر الشعبي.. ويفرضون إقامة جبرية على هؤلاء زيارة ''خاطفة'' لأول وزير خارخية خليجي يصل العاصمة عدن العليمي يدعو المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات اكثر ردعاً لمليشيات الحوثي وواشنطن تعلن دعمها لمجلس القيادة
في ٢٠١٤، أسقط الحوثيون البلاد. انقلبوا على مخرجات ثورة الشعب، اعتقلوا رجال السلطة الشرعية، اغتالوا وأخفوا رجال السياسة والرأي، أغلقوا مقار الأحزاب ونهبوا مؤسسات الإعلام والصحافة والتهموا المال العام. بضربة واحدة، وإن استغرق الإعداد لها زمناً امتد لسنوات وشهور، صادروا كل مكتسبات ثورة الآباء والأجداد.
من ما كان يفترض أنه صار ماضياً بائداً، مدّت الإمامة يدها المبرثنة وأمسكت بشريط التاريخ اليمني المعاصر لتقتطع منه، بمقص الحقد المتأصل الدفين، العقود الخمسة للجمهورية.
على أن هذه الخطوط العريضة لسيناريو جحيمنا المتصاعد الحالي، التي يعرفها الجميع، لا تثير فيّ ولا حتى عُشر الألم والثورة اللّذَين يجتاحانني كلّما التمع في خيالي بيتي الذي غادرته، مكرهاً، في ٢٠١٥، متوجهاً، من ريف إب، إلى مأرب..
بيتي الذي لم أتمكن من العودة إليه حتى اللحظة، والذي لن أتمكن من العودة إليه ما بقي الواقع على صورته الحالية. يا له من خطأ كبير ذاك الذي نقع فيه عادةً في حديثنا عن الأحداث الكبرى التي تشملنا مفاعيلها، إذ سرعان ما
نتورط في حمّى خطابية موغلة في التجريد، فتتزاحم على ألسنتنا المفاهيم الكبرى من طراز: الحرية، الكرامة، المساواة، الوطن، السيادة، الاستقلال، النضال، إلخ، دون أن ننتبه إلى التأثير البارد الذي يضفيه هذا التناول العمومي على حماستنا الفردية، وهو يجرّد الحدث الكبير من بعده الشخصي الحسي الواقعي المباشر، محلقاً به في فضاء التنظير العام، جاعلاً منه أقرب إلى موضوع نقاش في حصة فلسفة باردة.
. إنني أحس الأمر وأفهمه على هذا النحو: إن انقلاب المليشيا الحوثية هو الذي أجبرني على مغادرة بيتي، وحيث أن هذا الانقلاب هو، في واقعه العملي، انقلاب على "٢٦ سبتمبر"، فيمكنني القول إذن، بيقين رياضي، إن بيتي لم يكن سوى "٢٦" سبتمبر،الذي حين فقده الجميع فقدت معه بيتي.
وإذا كانت المعركة الوطنية هي معركة الشعب ضد هذه العودة الإمامية، فإن صورتها الحسية المباشرة بالنسبة لي هي في الخطى التي يمكنني أن أقطعها في طريق عودتي إلى البيت، والتي هي بالضرورة خطى لا يمكنها أن تمضي إلا وفق الإيقاع الكلي لخطى اليمنيين جميعاً في طريق عودتهم إلى بيتهم الكبير متمثلاً في "٢٦ سبتمبر".
لا حاجة لي إذن لسيل التوصيفات والمفاهيم المتدفق من أفواه الساسة والإعلاميين وحتى الكثر من الثوار المناضلين، لأسبغ على نفسي الفهم الضروري والحماسة اللازمة للانخراط الفاعل في هذه المعركة..
لا حاجة لي لغابة التنظير المتشابكة هذه، فالأمر لديّ في غاية الوضوح والحسيّة والمباشرة: لديّ بيتي الذي أتحرّق كل ثانية للعودة إليه، إلى مراياه التي لا يمكنني رؤية وجهي في سواها، وإلى أفراده الذين لا يمكنني الشعور بالدفء بعيداً عنهم، وإلى داخل جدرانه التي لا يمكن لضحكاتي التصادي والتناسل خارجها، بيتي الذي تقف بيني وبينه المليشيا الحوثية منذ تسع سنوات. لا أحتاج، كي أحمل بندقيّتي بحماس، أكثر من هذه الصورة الذاتية جداً، الحسيّة جداً، المياشرة جداً.
وهذه الصورة، صورة البيت البعيد، المحجوب بعصابة من المجرمين، هي الصورة الواقعية، الحسية والمباشرة، لكل يمني أصيل الانتماء إلى بيته.
فحتى من آثر البقاء بين جدران بيته تحت سلطة هذه العصابة، يدرك تماماً حقيقة أن البيت قد فاته من حينها، فالبيت بنيان معنوي كما هو بنيان مادي، ويفقد كينونته ومعناه ما أن نفقد فيه كرامتنا وكرامة من نعول. لذلك كله، فإن الحديث عن "٢٦ سبتمبر" ليس مجرد حديث عن يوم تاريخي، وليس إبحاراً في سديم من التجريد، بل هو التعبير المباشر عن الحاجة الأصيلة والمبدئية لكل يمني في أن يعود إلى بيته.