ما هو مطلوب من شباب الثورة
أ.د  سيف العسلي
أ.د سيف العسلي

 لسوء الحظ ان هناك من يعمل على ان يحمل شباب الثورة دورا اكبر مما هو مطلوب منهم او يفوق قدرتهم سواء بسوء او حسن نية. فعلى الرغم من ان شباب الثورة قد انجزوا المهمة الاساسية في ثورتهم و المتمثلة في انهم كسروا حالة الاحتكار و الاحتقان السياسي. فخلال الخمس السنوات الماضية لم يستطع النظام الحاكم (سلطة و معارضة) الوفاء بواجباته الدستورية و السياسية و الاقتصادية الا ان هناك من يحاول او يراهن على افشالهم من خلال الهروب الى مبادرات لا علاقة لها بمطالب الثورة و لا بالأوضاع السائدة في البلاد.

 فلو كانت السلطة قادرة على القيام بواجباتها على الوجه المطلوب ما كانت هناك ثورة. انها نتيجة حتمية لتوسع الاختلالات الامنية و الصراعات المناطقية و تدهور الخدمات العامة ( التعليم و الصحة) و غاب العدالة ( الاستيلاء على الاراضي و الممتلكات الخاصة و العامة) و تدهور الاوضاع الاقتصادية ( بطالة و تضخم و تدهور في قيمة الريال و ضعف الدخل الحقيقي و هروب رؤوس الاموال) و انتشر الفساد بشكل مخيف ( الرشوة و تقاسم الضرائب و احتكار الوظائف العامة و الاستثمارات العامة و غياب المواصفات و المعاير و غياب التخطيط).

 فلو كانت احزاب المعارضة قادرة على ان تحل محل السلطة و بالتالي قادرة على اصلاح الاوضاع لما كان هنا حاجة الى اي ثورة. و لكنها بدلا عن ذلك ظلت تسعى فقط الى تقاسم السطلة بكل ما فيها من ضعف و فساد. و الدليل على ذلك انها لم تطرح مشروع اصلاح حقيقي لا على السلطة و على الراي العام. و كان همها الاول هو كيف تصل مع السلطة الى اتفاق حول تقاسم نتائج الانتخابات و بما يجعلها شريكا حقيقيا للسلطة في كل من الثورة و السلطة. اما ما يعانيه الشعب فلم يوقظ لهم مضجعا.

 فلو كانت السلطة و المعارضة معا قادرة على تقاسم السلطة بطريقة تعمل على تحسين الاوضاع لما كان هناك حاجة لقيام ثورة الشباب. و الدليل على ذلك ان الحوار بين السلطة و احزاب المعارضة كان يتجاهل الاوضاع الاقتصادية و الامنية و يركز فقط على اللجنة العليا للانتخابات و قانون الانتخابات و على وجه التحديد نظام القائمة النسبية. و لا شك ان حوارا حول هذه الموضوعات في ظل الاوضاع التي تعيشها اليمن يعد ترفا. و مع ذلك فانهم ينجحوا في الاتفاق على ذلك لان المطالب الحقيقية لهم جميعا هو احتكار احدهما للسلطة و الثورة و اقصاء الاخر و اقصاء بقية فئات الشعب غير الممثلة في مجلس النواب.

 لقد ثار الشعب على هذه الممارسات بهدف تصحيح الاوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية. و المقصود بذلك هو تمكين الشعب من تحديد كيف يحكم و من سيحكمه. و لا شك ان ذلك سيجعل اي حزب او شخصيات ستتولى الحكم سيكون ولائها و التزامها للشعب كل الشعب. و الدليل على ذلك ان من خرج الى الاعتصامات يمثلون كل الشعب بمن فيهم المنتمين للحزب الحاكم و احزاب المعارضة و غيرهم.

 لقد حقق شباب الثورة ذلك. و بالتالي فليس المطلوب منهم شباب ان يقترحوا من سيتولى المسئولية خلال المرحلة الانتقالية. فقط عليهم ان يختاروا من بين الشخصيات الوطنية. و ليس المطلوب منهم ان يحددوا من سيحكم البلاد بعد انتهاء الفترة الانتقالية لان ذلك ليس في صالح الديمقراطية. الشعب هو الذي سيحدد ذلك من خلال الانتخابات الحرة و النزيه. المطلوب منهم فقط ان يسعوا و يتأكدوا ان الانتخابات القادمة ستكون فعلا شكلا و مضمونا حرة و نزيهة. و لذلك فان الدور المطلوب منهم هو ان يكون محايدين تجاه القوى السياسية التي ستتولى المسئولية في المرحلة الانتقالية و ان يضمنوا ان تكون هذه القوى محايدة فيما يخص الانتخابات القادمة. و بعد تحقيق ذلك فان الشعب هو الذي سيختار من يحكمه و سيحاسبه ان احسن او اساء من خلال الاليات الديمقراطية المعروفة.

 لسوء حظ شباب الثورة انه قد تم التعامل معهم اما من خلال التجاهل و الاستغلال و اما من خلال مطالبتهم بمطالب لا تدخل ضمن مسئولياتهم او قدراتهم. فبدلا من ترحب كل من السلطة و المعرضة بذلك على اعتبار انها تتدعي انها تمثل الشعب. و ما دام ان الشعب قد خرج فانه لم يعد يحتاج الى من يمثله. فمن المؤسف ان كلا من السلطة و المعارضة تعمل على افشال شباب الثورة. فالسلطة ظلت تشكك في نوايا و حجم الشباب الثائر. و تدعي انها ترغب في تسليم السلطة و لكنها تشترط ان يتم ذلك في حال وجود ايد امينه. و هل هناك ايد امنيه من هؤلاء الشباب؟

 اما احزاب المعارضة فقد جارت الشباب الثائر و تبنت مطالبه ظاهريا و لكن في الواقع فإنها تمارس الاستغلال الرخيص و الابتزاز المقيت للثوار. و الدليل انها تقدمت و قبلت مبادرات لا تلبي سقف مطالب الثوار. و الاكثر مقتا انها تدعي انها مع مطالب الشباب و لكنها تستمر في التفاوض على اتفاقيات يرفضها الشباب. لو كانت صادقة لتحاورت معهم فان اقنعتهم مضت و ان لم توقفت. فلا معنى لأي اتفاقية تتم و الشباب يرفضها و الادعاء انه سيتم اقناعهم بها فيما بعد. ان ذلك يمثل وقاحة اكبر من وقاحة السلطة. ان ذلك يعني اما ان احزاب اللقاء المشترك لا تهتم براي الشباب و اما انها تنوي التنصل من الاتفاق. و في كلا الحالين فان اللقاء المشترك يحتقر الديمقراطية و يحتقر الثورة و يحتقر كل المبادئ النبيلة.

 اما العالم الخارجي فانه يشترط لتايد شباب الثورة ان ينظموا انفسهم في احزاب و ان يختاروا قيادة تمثلهم و ان يتصرفوا كأحزاب سياسية. ان هذه المطالب فوق قدرات شباب الثورة بل انه يمكن القول ان قيامهم بذلك سيجعلهم قوى سياسية منافسة و ليس قوى ثائرة. و في هذه الحالة فان ذلك سيعمل على تعقيد الاوضاع في البلاد بدلا من حلها.

 و من الواضح ان احزاب المعارضة و السلطة و العالم الخارجي قد اختزل دور شباب الثورة في كونه ورقة للضغط ليس الا. انني اعتقد ان ذلك ظلما لشباب الثورة و للشعب اليمني. فقد كان عليهم ان يدركوا ان الشباب يدفعون ثمنا غاليا من اجل هدف رخيص و هو التمسك بالسلطة. و ان فرض المبادرات الحالية لم يجدي نفعا في تحسين الاوضاع السبئية للبلاد. و مع ايماني بان الشباب قد وصلوا الى درجة من الوعي لن يسمحوا بذلك ابدا. فاني اعتقد ان ذلك سيزيد التكاليف غير الضروري لكل كم شباب الثورة و الشعب اليمني.

 فقد كان على السلطة ان تدرك فشلها و ان تغتنم الفرصة التي وفرتها ثورة الشباب فتعمل على التفاوض معهم حول ترتيبات الانتقال السلمي للسلطة. و كان كذلك على ان احزاب المعارضة ان تعترف بفشلها في الوصول الى السلطة عن طريق التداول السلمي للسلطة فتعمل على دعم الشباب في تحقيق ذلك. و قد كان على العالم الخارجي ان يدرك شرعية مطالب الثورة و بالتالي المسارعة في حمايتهم و دعمهم.

 فلا زال الوقت يسمح بذلك و من ثم فاني اتنمى ان يتدارك هذه الاطراف اخطائها فتعمل على تلافيها فان ذلك في صالحها و في صالح الشباب و في صالح الشعب اليمني و في صالح السلام و الاستقرار الداخلي و الاقليمي و الدولي.

 
في السبت 07 مايو 2011 10:34:11 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=10161