عهد جديد و لو كره الكارهون
زيد علي باشا
زيد علي باشا

اشتد الطرق على أبواب التغيير و علت من خارجها الأصوات، لعمري قد سمعتها ملائكة السماء، و تخللتها الأنغام العذبة، و تسارع من ورائها قرع مخيف لطبول فتنة عمياء حول عازف مزمار شؤم، و اهتزت الأرض و مالت فما عاد ليستوي عليها عرش، و تصدع سقف بنيان تلك الدولة المدنية الموعودة الذي أسس على كثير من الكذب و الخداع و خيانة الأمانة و الجشع و الجهل. و ستبقى أعمدة. فعمود هاو لا محالة، و لو بعد حين، و آخر تعلوه من حوله أعمدة جديدة شامخة يربط المرء حوله حماره.

ألا إن في الحشا غضب ضرمه مر السنين. غضب من نفس ترضى الذل و الهوان. غضب من نفس تحيا بالأماني. غضب من نفس يملؤها الكبرياء و العجب و الغرور. غضب من نفس تهوي إلى كل متاع لا يدوم.

إنما الأيام دول و الحياة أدوار، فها هو رب غفور رحيم يكل لهذا الشعب أدوارا تطهيرا و تكريما. تطهيرا من أدران التقاعس و الخذلان الطويل، و تكريما لكل من عمل فأحسن و صبر. و لله رجال، تعرفهم بإسراعهم للخيرات دون استعجال، و التفافهم حول الحق أينما كان، و إقبالهم على الحياة بهمة عالية و رباطة جأش و إصرار، و عدم انشغالهم بالصغار، و قليل تذمرهم، و كثير عفوهم، و حسن قولهم، و بظنك أنهم صادقين مع الله و مع أنفسهم. فبوركتم يا رجال الله بوركتم.

هذا عهد جديد و لو كره الكارهون. و الله ما سئمت الحكم بل اشربت حبه في قلبك فلا بارك الله في شعب أنت قائده. شعب يريد لك الحياة و تريد له الموت. ما عاد لحسن الظن فيك مكان و أنت لا تفتأ تحتال لتبلغ غايات في نفسك، و تهزأ بشعب هو مهد العروبة بكل أصالتها و كرامتها. هذا شعب طيب. هذه أرض طيبة. دع عنك حديث الشرعية الدستورية و دولة القانون و بيت الطاعة و يمن الوحدة و ما شاكله فهو حديث هراء، و كلمة حق يراد بها باطل، فلا دولة لدينا و ما طاعتك مطلقة أو مستقلة، فليس ذلك إلا للرسول، بل هي مرهونة بطاعتك لله فينا و اتباعك لهدي نبيه. هي طاعة مشروطة و مقرونة. تالله قد بت فتنة للناس برعونتك و تخليك عن المصلحة العامة.

ألا إن نفوسا تواقة قد طربت للأنغام رغم ما استوحشته من المستقبل المجهول. قد ميز الله الخبيث من الطيب، و قضى أمرا قد كان مفعولا، و لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. في وطني رجال تأبى المهانة، و رجال تأبى الكرامة. رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، و رجال لا عهد لهم و لا ذمة.

اليوم أهرع إلى قلمي لأعزف مع كل حر أبي أنغاما يطيب بها لحن الحياة. و لكل وتر نغمه، و لكل عازف عزفه. و العاقبة للمتقين. اليوم نضع تاريخ اليمن الحزين وراء ظهورنا لنصنع لنا مجدا جديدا. ذلك أن "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم و لا تسئلون عما كانوا يعملون". اليوم نلتف جميعا حول الحق و نثبت لننصر أخانا ظالما أو مظلوما أو ننتظر أمر الله.

اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، يا أرحم الراحمين. أنت رب المستضعفين، و أنت ربنا. إلى من تكلنا؟ إلى بعيد يتجهمنا أم إلى عدو ملكته أمرنا؟ إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي، غير أنّ عافيتك هي أوسع لنا. نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصــلح عـليه أمـر الـدنيا والآخـرة، أن يحل علينا غضبك، أو أن ينزل بنا سخطك. لك العتبى حتى ترضى، و لا حول ولا قوة إلا بك.


في الإثنين 30 مايو 2011 05:53:26 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=10426