خيارات الرئيس صالح بين سلمية الشباب وقوة القبائل
د. عبد الملك الضرعي
د. عبد الملك الضرعي

لقد أكدت الأشهر الماضية على الدور الذي لعبته القبيلة في دعم الثورة الشبابية الشعبية السلمية ، والزائر لساحات التغيير والحرية ، يلاحظ وبما لا يدع مجالاً للشك أن شباب القبائل يشكلون نواة الكثير الائتلافات والمجالس داخل الساحات ، شباب القبائل يقرون بمطلب بقية شباب الثورة المحدد بقيام دولة مدنية يتساوى فيها الناس في الحقوق والواجبات ، بل أن القبائل لعبت دوراً محورياً في منع قوات الحرس الجمهوري من الحركة من مناطقها في اتجاه المحافظات الأخرى بهدف قمع شباب الثورة وهو ما حدث في أرحب ونهم والحيمتين والمحويت ، ونعتقد يقيناً أن القبائل اليمنية ستكون محورا هاماً في المشهد السياسي اليمني خلال السنوات القادمة.

لقد أكدت الأشهر الماضية من الاحتجاجات والاعتصامات على مبدأ سلمية الثورة الشبابية الشعبية ، على الرغم من المحاولات العديدة التي قامت بها السلطة الحاكمة سواء عبر قواتها الأمنية أو أنصارها من المعروفين (بالبلاطجة) ، وكانت أبرز الأحداث والمحاولات للاستدراج تمثلت ببعض المواجهات وعلى وجه الخصوص (جمعة الكرامة ، أحداث جولة عمران ، ثم ماجرى جوار مدينة الثورة الرياضية) وغير ذلك، ولكن شباب الثورة بمن فيهم شباب القبائل قدموا الضحايا وأصروا على سلمية ثورتهم الشبابية على الرغم من وجود أشد وأشرس أبناء القبائل في تلك الساحات.

لقد شهدت العاصمة صنعاء وبالتحديد يوم (الثاني والعشرين من مايو) أحداث لم يكن أحد يتوقعها والمتمثلة بنصب نقاط التفتيش في العديد من شوارع أمانة العاصمة صنعاء ، ومحاصرة السفارة الإماراتية بمجموعة من أنصار الحزب الحاكم ، وبعد ذلك بيوم واحد انتشر الرعب والخوف في منطقة الحصبة شمال الأمانة نتيجة ما قيل أنه اشتباك بين حراسة الشيخ صادق الأحمر وقوات أمنية ،إن تلك الأحداث تدخل اليمن في مرحلة جديدة من تأزم الأوضاع تشكل المليشيات أحد عناصرها الفاعلة.

إن ما نود الإشارة إليه هنا إن تلك الأساليب الإسفزازية التي تحاول جر شباب التغيير إلى مربع العنف شديدة الخطورة ، لأن سلمية الثورة لا يمكن أن تستمر إلى مالا نهاية ، خاصة وأن نسبة كبيرة من الضحايا هم من أبناء القبائل ، ولا يمكن لهذه القبائل أن تتجرع الظلم وهي صامتة .

إن رهان الحزب الحاكم على تفجير الوضع أمنياً كخيار لاستمراره في الحكم ليس مضمون النتائج ، بل أن تلك الطريق قد تكون أقرب الطرق لخسائره الغير محدودة ، قد يقول البعض أن الحزب يهيمن على عدد من الوحدات العسكرية والأمنية الضاربة والتي دربت منذ سنوات على أعلى مستوى وأبعدت عن أي مواجهة عسكرية كبرى ، إضافة إلى الدعم الشعبي المتمثل في مجاميع التحرير ومدينة الثورة الرياضية وبعض المجاميع الأخرى على مداخل أمانة العاصمة ، وبالتالي تلك القوات عسكرية ومدنية قادرة على حسم الموقف بشكل سريع ، وما حدث يوم الثاني والعشرين من مايو كان بروفة لطبيعة القبضة التي يمكن أن تجري على أمانة العاصمة، إن تلك الرؤية لا تتوافق مع واقع التركيبة الاجتماعية والسياسية في اليمن ، حيث يصطف أفراد القبائل ومنهم العسكريين في كثير من الأحيان مع قبائلهم عند المواجهة مع السلطة ، وبالتالي رهان الحزب الحاكم على قواته العسكرية ، قد يكون رهان خاسر وغير موفق.  

إن تصرفات المغامرين في الحزب الحاكم لا تنظر إلى العواقب ، ولا إلى ردود الأفعال التي يمكن أن تنجم عن تلك التصرفات من داخل وخارج أمانة العاصمة ، وربما ماجرى في نهم والحيمتين والمحويت وأرحب ، هي أيضاً بروفات لما يمكن أن تقوم به القبيلة كدفاع عن أبنائها السلميين في ساحات التغيير والحرية ، ومن ثم يمكن القول أن تأييد كبار مشائخ اليمن مثل آل الأحمر وغالبية مشائخ بكيل ، وعدد من مشائخ المحافظات الوسطى والجنوبية، إن تلك المعادلة تؤكد أن الخيار القبلي لن يكون في صالح المؤتمر الشعبي العام .

إن المتابع للمشهد السياسي اليمني يجد أن عدد كبير من الرموز القبلية المنظوية ضمن المؤتمر الشعبي العام تتقاطر بأعداد كبيرة كل يوم إلى ساحات التغيير والحرية على مستوى الجمهورية معلنة استقالتها من الحزب الحاكم وتأييدها لثورة الشباب الشعبية السلمية ، كما أن عدد من مشائخ القبائل على مستوى الجمهورية أكدوا مراراً على القيام بدورهم الوطني في حماية تلك الساحات من الاعتداءات التي تطالها ، ومن المؤكد أن تصريحات مشائخ القبائل تلك تضع الحزب الحاكم أمام خيارات صعبة ، لأن تدخل القبائل بشكل فعلي في المشهد السياسي سيغير المعادلة بدرجة كبيرة ، كون القبائل اليمنية كانت محوراً هاماً في العديد الثورات والحركات اليمنية المعاصرة.

أخيراً ندعو المغامرين من قادة المليشيات المسلحة التي قامت بقطع شوارع أمانة العاصمة يوم(22مايو) ، إلى وقف الأعمال التي تؤجج الوضع ، أن تلك الأفعال تقدم صورة مزرية عن الحزب الحاكم الذي لا يمل رئيسه في كل الجمع عن وصف معارضيه بقطاع الطرق ، ثم ياترى ماذا سيقول في الجمعة القادمة بعد أن قطعت الطرق وسقط الضحايا ، وماذا بعدما قيل ما قامت به تلك العناصر ( عيب أسود ) في العرف القبلي وخاصة أنه مس ضيوف اليمن عرب وأجانب ووسطاء في منزل شيخ مشائخ اليمن ، نأمل أن لا تستمر السلطة في استعداء القبائل على وجه الخصوص لأن عواقب ذلك وخيمة ، وأن يُغلب العقل لا المصلحة وأن نصل إلى كلمة سواء تحمي اليمن من الفتن والحروب والصراعات ، ثم أن الخيار السلمي هو الأفضل والأسلم للرئيس نفسه ، بينما خيار مواجهة القبائل سيشكل بداية لصراع دون شك سيكون الرئيس صالح أول الخاسرين فيه ، وتشكل طبيعة المواجهة في الحصبة مؤشراً لما يمكن أن يؤل إليه حال السلطة الحاكمة على وجه الخصوص ، ثم أن قبول الرئيس بسلمية شباب الثورة هو الخيار الأفضل لمخرج آمن للمأزق الحالي للرئيس صالح ، ثم ختاماً ندعو الله تعالى أن يحمي اليمن من كل شر ومكروه ، ويوفق أبناءه لكل خير وصلاح وسلام .


في الأربعاء 01 يونيو-حزيران 2011 09:53:37 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=10467