بروتوكولات هندسة الثورة
د. أحمد الدبعي
د. أحمد الدبعي

أحد عوامل نجاح وكفاءة أنظمة الشبكات والاتصالات يكمن في تصميم بروتوكولات الضبط والتنسيق الجماعي بين وحدات النظام وقبول هذه الوحدات لنظام تشغيلي يتفق عليه الجميع. هنا يكمن السر في الكفاءة العالية لهذه الشبكات. ما استدعاني للبدء بهذه المقدمة التقنية هو الوضع الحالي للمسرح الثوري اليمني .

ترى هل وصلت مكونات الثورة إلى العمل وفق بروتوكول يضمن التنسيق والتواصل الفعّال فيما بينها؟ ..

إن ثورتنا بحاجة إلى مهندسي ثورات أكفاء بقدرات الشهيدين علي عبد المغني وراجح لبوزة. الساحة اليمنية لديها من الكفاءات الكثير, لكنها تفتقد هندسة ثورية توظف هذه الكفاءات ضمن منظومة ثورية وطنية شاملة ..

لن تصل الثورة إلى مبتغاها دون تنسيق واحترام متبادل بين كل مكونات العمل الثوري والفاعلين في الساحة اليمنية..استمعت قبل يومين للقاء المفكر الدكتور ياسين سعيد نعمان, القامة الوطنية السياسية السامقة, وتطرق في حديثه إلى تلفزيون بي بي سي إلى نقطة في غاية الأهمية, ألا وهي تكوين ائتلاف وطني واسع يضم المكونات الفاعلة في الساحة اليمنية لترتيب البيت اليمني من الداخل بشكل جديد يرضي كافة الأطراف وينطلق بالثورة نحو تحقيق أهدافها العادلة دون هضم أو حيف لأي طرف... هذا الائتلاف لا يقتصر عمله على حسم الثورة, بل يتعدى إلى وضع حلولً ناجعة لكل مشاكل البلاد الكبرى كالقضية الجنوبية, وصعدة, وبسط سيطرة وهيبة الدولة على كل التراب اليمن .

جب الاعتراف بالقوى الفاعلة الحديثة, كشباب الساحات الأبطال, الحراك الجنوبي والحوثيين..هؤلاء بحاجة إلى فضاء أوسع بجانب اللقاء المشترك, وجيشنا الباسل-الذي أصدر البيان رقم ١ .

للأسف الشديد ما زالت جهود هذه الأطراف مبعثرة داخليا وخارجياً.. رغم إيمان الجميع بالثورة وأهدافها النبيلة.. هذا التبعثر ساهم في تباطؤ الزخم الثوري وفي إطالة عمر هذه الثورة. الشعب اليمني برمته يعاني من عدم توفر أساسيات الحياة ويعيش ظروفاً خانقة لا تُحتمل .. وهذا ما يسعى له النظام وما تبقى له من مكونات ..

الحاجة إلى ائتلاف وطني واسع :

المجتمع اليمني بحاجة إلى تمثيل أوسع في هذه الظروف الفاصلة وذلك للانطلاق بالثورة إلى مربع الحسم ومن ثم الشروع في تأسيس مداميك الدولة اليمنية الحديثة ..

دعونا نستعرض مكونات هذا الائتلاف المنشود ..

- شباب الثورة ..هؤلاء هم عماد الثورة ومستقبل اليمن الواعد..أناشدكم بالله أن تواصلوا إبداعكم الثوري وتتجردوا للوطن والثورة وتنسقوا بشكل أفضل فيما بينكم بهدف التواصل مع بقية الأطراف والمكونات بصوت وتمثيل موحد.. الشباب فئتان, مستقلون ومنظمون حزبياً. هنا نتحدث عن آليتين مختلفتين- وعن برتوكولين مختلفين بلغة الاتصالات- .. فالمستقل متحرر من الضوابط والالتزامات التنظيمية ما يجعله أسرع في اتخاذ قراره, بينما المتحزب يعمل ضمن إطار من الضوابط والقواعد التنظيمية..لهذا يجب على الطرفين تفهم بعضهما البعض باحترام متبادل .

اللقاء المشترك ..يجب الاعتراف هنا بالنضج السياسي الذي يتمتع به هذا الكيان السياسي الفريد على مستوى الساحة العربية. رحم الله أبا قيس المفكر العربي الكبير جار الله عمر, الذي دفع دمه ثمناً لفكرة اللقاء المشترك.  فأعضاؤه قد أسسوا بيئة متقدمة من التعايش الخلاق رغم اختلاف الرؤى والمشارب. هنا أريد بالذات من المكون الأكبر للقاء المشترك, حزب التجمع اليمني للإصلاح أن يمد يده إلى كل أيادي الشباب في الساحات دون أي تهميش أو إقصاء لأحد .. هذه فرصة حقيقية للإصلاح كي يثبت قدرته على التعامل مع كل مكونات الشعب اليمني بصدر رحب وتواضع جم. الإصلاح حزب منظم ويستطيع القيام بدور إيجابي أكبر في هذه المرحلة.. والشباب المستقلون عليهم أيضاً احترام جهود الآخرين فالجميع بحاجة بعضهم البعض .

الحراك الجنوبي .. هذا هو من أوقد شرارة الثورات العربية بنضاله السلمي المدني الراقي ضد سالبي حقوقهم..لهم كل التحية والتقدير على انضمامهم لثورة الشعب السلمية ..

الحوثيون .. لقد أثبتوا أنهم رقم لا يستهان به ومطلوب منهم التنسيق مع بقية المكونات الوطنية تحت مظلة الدولة الديمقراطية الحديثة. لقد أثبت أبناء صعده أنهم يتمتعون بحس ثوري رائع يشكرون عليه رغم خروجهم من حروب ستة دموية طاحنة. تحية إكبار لأهلنا في صعده ..

جيشنا الباسل ..وأخص بالذكر القادة العسكريين الذين تجردوا للوطن والشعب وأصدروا البيان رقم ١. هؤلاء بحاجة إلى التنسيق مع كل المكونات أعلاه والانضمام إلى الائتلاف الوطني المنشود..العقيدة العسكرية وقودها الدعم والغطاء الشعبي .. 

و هناك شخصيات وطنية مميزة  من المؤتمر الشعبي اختاروا الانحياز إلى الوطن والشعب, كجباري والمعمري وشوقي شمسان والدغيش وأبو لحوم ورفاقهم, والمستقلون كالشخصية الوطنية صخر الوجيه. كل هؤلاء مدعوون للتواصل مع كل الأطراف سالفة الذكر بهدف الوصول إلى إجماع وطني حول تحقيق أهداف الثورة .  

أهمية الائتلاف الوطني ..

بات جلياً أن مكوناً واحداً من هذه المكونات سالفة الذكر ليس بمقدوره بمفرده حسم الثورة وتحقيق كل أهدافها.. المجتمع الدولي عندما يرى الشعب اليمني بكل مكوناته قد تجانس وتوصل لتمثيل مشترك سوف يقف احتراماً له ولثورته..وهذا سيدحض كل افتراءات النظام وتخرصاته التي تسوق الوطن ككيان غير راشد ماضٍ إلى المجهول والتمزق والتحول إلى غولٍ يهدد الأمن الإقليمي والدولي على السواء .. 

يتألم الوطن عندما يرى استفراد النظام بمكونات الثورة, كلٌ عل حده, وتعامل المجتمع الدولي مع الثوار كمجموعات مبعثرة ذات رؤى مختلفة تعطي فرصة للنظام لتشويه صورة الثورة وتبقي الثورة في مربعات السكون لفترة لا يتحملها الشعب اليمني العظيم ..

هناك أطراف خارجية تعمل على تعزيز مستوى التبعثر لمكونات الثورة, لكن من الأجدى أن نلوم أنفسنا قبل لوم الآخرين .

أتمنى أن نسمع البيان الأخير لهذه الثورة بصوت كل المكونات الوطنية الثورية الفاعلة وهي تعلن للعالم ,في القريب العاجل, نجاح ثورة الشعب اليمني العظيم

 .. والله من وراء القصد .. 

  *أستاذ الشبكات والأنظمة الموزعة عالية الكفاءة.. جامعة أدنبرة نابير - بريطانيا


في الخميس 23 يونيو-حزيران 2011 03:55:56 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=10776