المجلس الوطني - الجنوب أولاً
بكر احمد
بكر احمد

حين اعترضت وكثيرون مثلي على المجلس الانتقالي الذي شكله فصيل واحد من الفصائل المتعددة في الثورة اليمنية كان الاعتراض قائما على أسس مبدئية قامت عليها الثورة وتأتي في مقدمة هذه الأسس هي أنه ليس من حق أحد أن يختطف البلاد مهما أدعى أن له من شرعية، وأن اليمن الجديد يجب أن لا يشبه يمن علي عبدالله صالح بأي ناحية من نواحيه، لذا بدا لي بأن المجلس الانتقالي مارس شيء من طباع الدولة الاستبدادية من حيث مصادرة حق الجميع في تشكيل مثل هذا المجلس الذي يعتبر لبنة أساسية ومهمة وعنوان كبير وواضح لليمن القادم ومنح نفسه عبر القائمين عليه حق التعيين وتوزيع المهام والمناصب، وان كنا نكن الكثير من الاحترام للأشخاص الذين تم اختيارهم إلا أن هذا الاختيار كان يجب أن يتشارك فيه الجميع ويتفق عليه الكل بدون استثناء، كما أن المجلس الانتقالي تجاهل فئات وتيارات لها وجودها المعلن والقوي والفعال في هذه الثورة بدون سبب مقنع مما يفتح الباب على مصراعيه حول الأسباب التي أدت إلى هذا التجاهل.

الرفض الواسع والعريض لهذا المجلس كان بمثابة الثلجة التي وضعت على صدر محترق لأنها رسالة واضحة ولا لبس فيها بأن مثل هذه التصرفات غير مسموح بها ولا يجب تكرارها مهما كانت الذرائع والحجج، وكفانا استهتارا ولا مبالاة.

الآن تم الإعلان عن الإعداد لمجلس وطني جديد،وهذا الإعلان جاء من داخل مقرات أحزاب اللقاء المشترك الذي أصبح كالمشجب الذي يتم تعليق كل الإخفاقات الحالية والماضية عليه، وأن كانت تلك التهم لا تخلوا من الموضوعية ولديها مسوغاتها المحسوسة إلا أن هذا اللقاء المشترك هو في النهاية أحد أهم اللاعبين في الساحة السياسية وهو الأكثر مقدرة على التواصل مع الخارج الذي وللأسف الشديد بات يمتلك الكثير من الأوراق الهامة في اليمن، لذا صدور إعلان تشكل مجلس وطني من داخله له من الأهمية الكبيرة والوقع الأكثر تأثيرا وفعالية من سواه، وحتى لا يقع هذا المجلس المزمع إنشائه بأخطاء سابقه عليه أن يضع في الاعتبار أولا مشكلة اليمن الأساسية وتفكيك مكوناتها وأسباب نشوئها ثم إعادة تركيبها كرؤية تأخذ إبعادا مختلفة حسب المشاركين فيها، فمثلا الرجل في صعدة ينظر إلى مشكلة اليمن بعين تختلف كثيرا عن الرجل في الجنوب، وان كانوا يشتركون في الإطار العام لهذه الرؤية إلا أنه لكل واحد منهم حل يختلف بشكل تام عن الآخر، وهذا الأمر وأن كان يصعب من مهمة القائمين على المجلس الوطني إلا أنه سيساعدها كثيرا في وضع أساس قوي ومتين أن استطاعت أن تتفهم تلك الوضعية، لتنطلق حينها كيكان واحد يحمل في داخله مكونات وشرائح تشكل في نهايتها هم وطني مشترك، لأنه دون الاعتراف بالآخر داخل الوطن ودون النظر بعين الحصيف لما يريده سيعيدنا من جديد إلى نفس المشكلة التي عانيننا منها ثلاثة وثلاثون عاما ألا وهي الإقصاء والتهميش مما يعني بان هذه الثورة لم تأتي بجديد.

في مقدمة كل القضايا اليمنية في المجلس الوطني القادم تأتي قضية الجنوب والتي يجب أن ينظر إليها عبر أدواتها الأساسية ألتي خرجت منها ألا وهي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بمعنى النظر إلي القضية الجنوبية باعتبارها دولة وشعب وأرض وثروة دخلت الوحدة بمحض إرادتها وفق دستور تم الاستفتاء عليه ثم الاعتراف بأن حرب 1994م كانت انقلابا دمويا على مواثيق واتفاقيات الوحدة اليمنية وعلى دستور البلاد مما أدخل البلاد في نفق الحكم الأسري المستبد وألغى عمليا مفهوم الوحدة التي قامت عليه، مما يتوجب إعادة النظر في الوضع الحالي ومحاولة تركيبه من جديد أما على ما كان قائما عليه في بداية الوحدة أو وضع القرار تحت يد الشعب عن طريق استفتاء يحدد مستقبل البلاد، فالجميع متفق بأن وضعية الحكم الحالية هي وضعية فريدة في العالم حيث أنها لا تستند إلى أية مقومات دستورية أو قانونية أو نظامية بل هي حالة من الفوضى والغوغائية، وتحت هذه الأمور لا يمكن أن تقوم دولة ناهيك عن الادعاء بأن اليمن موحد، لذا من الوجاهة القول بأن نسبة الجنوبيين في المجلس الوطني القادم يجب أن تتساوى مع الشماليين كون أنهم يشكلون نصف الوطن وربما أكثر، بمعنى أنه من معطيات الاعتراف بقضية الجنوب و الإقرار بالإجحاف الذي مورس ضد شعب بأكمله يجب أن يترجم هذا الأعتراف ألي واقع ملموس وفعال بعيدا عن الشعارات الجانبية التي ترفعها بعض الأحزاب السياسية كنوع من الأفيون الدبلوماسي الذي يراد به أن يخدر ويدغدغ أهواء الجماهير، بدون قضية الجنوب وبدون تمثيل يعبر عن حجمها الحقيقي في هذا المجلس فأخشى ما أخشاه من فشله.

قضية الجنوب هي قضية محورية وأساسية وهي مرتكز حقيقي لغد أكثر أمنا واستقرارا وتنمية وبدونها وبدون التمثيل الحقيقي لحجمها ستبقى الأمور رخوة وهشة وليست ذات معنى، وهذا ينطبق على تقدير باقي القضايا الحساسة في اليمن مثل موضوع صعدة الذي يجب أن ينظر إليه من زاوية تختلف عن زاوية علي عبدالله لها الذي جعل منها بجوار موضوع القاعدة بؤرة لابتزاز دول الجوار راهنا بذلك وطن ودماءً للعبة قذرة ظل يمارسها معنا طوال فترة حكمه.

هذا المجلس يجب أن يؤخذ العمل به بجديه تستحق الموقف الحالي والتي تمر فيه اليمن، وان توضع آليات تعامله وأهدافه والغرض من تشكيله بشكل معلن وشفاف، و نحن نعرف أن هذا المجلس لا يمكن له أن يمارس أية مهام على أرض الواقع وعدم مقدرته على تدبير أو تصريف الأمور بقدر ما سيقوم بتوحيد القوى الثورية ويقرب من وجهات نظرها ويشكل وحدة واحدة متماسكة تتمتع بالتنوع الثقافي والسياسي ويشكل كل أطياف اليمن التي و من خلاله سيتمكن من التعامل مع الخارج ويطمئنه ويعطي رسالة واضحة لا غبار عليها بأن كل الشعب اليمني ومكوناته قد حسم أمره على شيئان أولها التخلص من نظام علي صالح والثاني عدم دخول حرب أهلية وعدم السماح للإرهاب بالعمل أكثر داخل اليمن، فالدول الإقليمية والكبرى تبحث عن مصالحها ولا تريد فتح بؤر قد تشكل لها قلقا في المستقبل وهذا ما لم تستطيع أن تقدمه وحتى اللحظة المعارضة اليمنية حيث مازال علي صالح يمثل ورقة تتمسك بها خوفا من الأسوأ، ومتى ما تأكدت بأن علي صالح بات يشكل عائقا أمام يمن أفضل لها طبعا وللشعب اليمني فهي حتما ستتخلى عليه.

التعجيل بتشكيل هذا المجلس يجب أن لا يكون على حساب الاتفاق عليه بين الجميع، فهذه فرصة وعمل يجب أن يتقن وهو كفيل بتحريك الوضع الجامد نحو تفاعل سياسي قد يعود بالنفع على هذا الشعب الذي أنٌهك أكثر مما ينبغي .


في الأربعاء 20 يوليو-تموز 2011 10:11:53 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=11077