رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية
كاتب عراقي/محمد العرب
كاتب عراقي/محمد العرب

مأرب برس – محمد العرب – خاص

بلد الحضارات يبحث عن معالم حضارته ، آلاف القطع الأثرية سرقت من متاحف العراق أبان الغزو الأمريكي وحليفاتها لبلاد الرافدين ، تلك الآثار لا تزال تجوب أرجاء المسكونة تتناقلها مافيا تجارة الآثار لتستقر في يد من يدفع أكثر ، رغم أنها لا تقدر بثمن عند أصحابها الشرعيين !!

حضارة بلا أبواب

لا زلت احتفظ بين طيات ذاكرتي بصور وصور عن تلك السفرات المدرسية إلى المتحف العراقي في بغداد التي كنا نضيق بها ذرعا لأننا القائمين على قاعات عرض روائع وشواهد حضارات العراق كانوا يخافون على تلك الآثار من (الهواء الطاير) كما يقول المثل العراقي الشهير ولهذا فأنهم لا يغلقون عيونهم خوفا من عبثنا الصبياني مما يخلق في داخلنا ذلك الاستياء الصبياني اللذيذ الطعم عندما تغادرنا أيام الصبا لذا أثرت أن يكون بداية موضوعي من قاعات عرض الآثار العراقية في المتحف العراق تجاوزت أروقت المتحف على عجل ممتطيا خيالي علني استرجع أيام الصبا وتسلحت بواقع الحال تحسبا لما قد أراه من دمار رغم مضي نحو ثلاث سنوات عجاف على يوم الاحتلال المشؤوم ألا أن ما رأيته يفوق تصوراتي التي كانت تهيمن على أفكاري لقد أصبحت قاعة الحضارة بلا أبواب تحسبا من عملية سطو جديدة رغم ألاف الدبابات والمدرعات والهمرات والدوريات الأمنية العراقية والأجنبية التي تجوب أرجاء بغداد ليل نهار ورغم غلق أبواب القاعة ألا أن أبواب علامات الاستفهام لا تزال مفتوحة على مصراعيها لعل الدكتور دوني جورج رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية يغلق بعضها ... 

أثار بلا عنوان

* أين وصلت عملية استرجاع الآثار المسروقة من المتحف العراقي ؟

ـــ أن مسروقات المتحف العراق تقدر ب (15000) قطعة أثرية تم استعادة (4000) قطعة أثرية تقريبا ولدينا أثار محفوظة لدى الدول المجاورة (الكويت والسعودية والأردن وسوريا ) وبعض الدول الأوربية (ايطاليا وهولندا واسبانيا ) وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية وهي موثقه لدينا ولدى الانتربول واليونسكو ألا أن الوضع الأمني المتردي يعيق عملية استعادتها

* هذا يعني أنكم تعرفون مكان اغلب المسروقات وماذا عن القطع الأثرية التي لم يبلغ عنها رسميا ؟

ــ هناك أثار مسروقة من المتحف العراقي في كل من تركيا وإيران لم تبلغ عنها رسميا بل وتنفي السلطات الأثرية في البلدين وجودها لكننا نملك معلومات دقيقه تؤكد وجودها وبعلم حكومتا البلدين

* لماذا تنفي إيران وتركيا وجود الآثار العراقية ؟

ــ أنها أثار ثمينة لا تقدر بثمن وترسم معالم أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية لذا ربما يحتفظون بها لأسباب مادية أو سياسية لكني أتمنى أن تعود تلك الآثار إلى موطنها الأصلي لقيمتها الإنسانية والتاريخية الكبيرة

ملك بلا بلاط

* ما حكاية تمثال الملك السومري الذي قبضت عليه السلطات الكمركية في مدينة نيويورك وكيف وصل إلى هناك وهل سيتم استعادته ؟

ـــ انه تمثال سومري مهم جدا ومن القطع الأثرية المميزة وهو بحجم الإنسان البالغ ويدعى (انتمينا) وهو ثقيل الوزن مما يدعم نظرية أن من يقوم بعمليات المتاجرة في الآثار العراقية هم شبكات مافيا دولية متخصصة

* وهل تم مفاتحتكم لغرض استلامه ؟

ــ نعم لكنني شخصيا أفضل بقائه في أمريكا لان الوضع في العراق غير امن لان السرقات المنظمة لا زالت تحث وكان أخرها سرقة موجودات متحف اربيل في شمال العراق قبل أشهر ؟!

* لكننا نعلم جميعا أن المحافظات الثلاثة في شمال العراق أو ما يعرف بإقليم كردستان تتمتع بالأمان والاستقرار فكيف حدثت عملية السرقة ؟

ــ هل تصدق أننا عرفنا ذلك من خلال وسائل الإعلام ولم يتم تبليغنا رسميا ليتسنى لنا القيام بالإجراءات الرسمية المتبعة بل وحتى لم يتم تزويدنا بقائمة بأسماء المسروقات لغرض تبليغ الانتربول الدولي ؟

* يعني هذا أنهم غير تابعين لكم أداريا أم ما هو تفسيركم لذلك ؟

ــ قانونا كل متاحف العراق تابعة للهيئة العامة للآثار والتراث التي أترئسها لكن لا مجيب لكتبنا الرسمية وحتى أن عدد من الآثار المسروقة تم ألقاء القبض عليها من قبل السلطات الأمنية في إقليم كردستان ألا انه لم يتم أبلاغنا عنا وتم أدراجها في متاحف الشمال بدون أعلامنا كما أن هناك عامل الروتين الادراي السياسي حيث أن المخاطبات الرسمية بين الهيئة ومتاحفها في شمال العراق لا بد أن يمر بحلقات المخاطبات الوزاري بين وزارة الدولة العراقية ووزارة الإقليم مما يتسبب في تأخير الحصول على إجابات سريعة كما أن وضع الهيئة مربك من الناحية الإدارية حيث أنها ترتبط بوزارتين مما يخلق نوع من الروتين المعقد فالأمور المالية تتم من خلال وزارة الثقافة والمسائل الإدارية تتم من خلال وزارة السياحة وهذا الوضع يعرقل الكثير من مشاريع الهيئة

* هل تدفع الهيئة أموال لمن يعيد بعض الآثار ؟

 ــ بطبيعة الحال هناك مكافئات مجزية لمن يعيد الآثار المسروقة أو من يسلم الآثار غير المسجلة التي تم استخراجها بطرق غير مشروعة وقد ساهمت هذه الطريقة بعودة الكثير من الآثار كما ان الهيئة ستدون للتاريخ اسم الشخص الذي يعيد أي قطعة إلى جوار المعلومات التاريخية لتلك القطعة

* هل المال الدافع الوحيد لرجوع الآثار أم أن هناك أناس يعيدون المال لدوافع وطنية ؟

ـــ هناك الكثير من العراقيين أعادوه الآثار المسروقة بدون تمن بل وهناك بعض الشخصيات العراقية اشترت الآثار من مالها الخاص وإعادتها من دون أن يأخذوا ما دفعوه للحصول على الآثار واذكر لكم حادثة شخص يدعى (ح) من منطقة الرفاعي الجنوبية الذي أعاد أكثر من 1460 قطعة غير مسجلة بدون مقابل وكان يستطيع أن يصبح من الأغنياء لو فكر ببيعها ألا أن الدافع الوطني تغلب على حب المال الفطري لدى الإنسان والشواهد كثيرة بينما في الجانب الأخر هناك أناس آخرون ساهموا بخروج حاوية مليئة بالآثار والنقوش المسمارية النادرة لتجمع في دول مجاورة وتصدر إلى إسرائيل عبر مافيا تجارة الآثار وتنكر السلطات الكمركية في تل أبيب وجود تلك الآثار رغم علمنا وتأكدنا من وجودها حيث نشر على الانترنيت انه تم القبض على حاوية مليئة بالآثار العراقية في مطار بنكورل بون جمعت في أحدى دول الجوار وانتقلت إلى لندن ومن ثم إلى تل أبيب

* هل تتوقع إرجاعها إلى العراق ؟

ـــ أتمنى ذلك لكن لم يتم أبلاغنا حتى ألان عنها أو إرسال قائمة بما تحتويه تلك الحاوية ؟!!

* لقد كنت مدير عام للمتاحف بالعراق أكثر قطعة تتألم لعد معرفة مصيرها حتى هذه اللحظة ؟

ـــ نحن كأثريين لدينا تعلق بالآثار لأننا نعرف تاريخها وأكثر قطعة أثرت في نفسي لعدم معرفة مصيرها تدعى ( اللبوة التي تفترس نوبي ) وهي قطعة محفورة ومطعمة بالأحجار الكريمة اكتشفت في مدينة النمرود من قبل فريق عمل عراقي وتعود إلى 750 سنة قبل الميلاد والنوبي يرجع إلى جنوب مصر 

حفر بلا أستاذان

* من يقف وراء عمليات الحفر العشوائي التي تنتشر في المواقع الأثرية في جنوب العراق وهل هو حفر يتسم بالجهل أم حفر منظم يشرف عليه مختصون ؟

ــ أن الحفر العشوائي والسرقات التي حدثت بالمواقع الأثرية الجنوبية كان ورائها عصابات دولية منظمة تهدف إلى تحقيق عمليات غسيل أموال كبيرة تديرها مافيا دولية لان التحقيقات الأولية تشير أن دول مثل إيران وتركيا تجند أناس أهل اختصاص للتنقيب في مواقع معينه والشيء بالشيء يذكر هل تعلم أن أكثر من (17000) قطعة غير مسجلة في المتحف العراقي تم الاستيلاء عليها قبل تهريبها خارج العراق من قبل أجهزة الدولة المختلفة يعني أن عمليات تنقيب غير مشروعة تحدث في العراق وربما الرقم الذي افلت من قبضة السلطان الأمنية العراقية أكثر من هذا بكثير 

* المعلومات الصحفية التي لدي تشير إلى عمليات الحفر العشوائي بقصد السرقة تصاحبها عمليات هدم وتدمير للمواقع الأثرية ؟

ـــ كلامك للأسف صحيح وخطورة عمليات الهدم والتدمير تكمن في أن تجار الآثار لا يكتفون بتحطيم الآثار التي لا يرغبون فيها وإنما يحطمون الموقع الأثري بالكامل مما يتسبب في فقدان أحدى الحلقات الأثرية المهمة التي ربما تساهم مستقبلا في العثور على اكتشافات أثرية مهمة لان عمليات التنقيب العلمية أشبه ما يكون بالكتاب الذي يفقد قيمته كلما كثرت الصفحات المنتزعة والممزقة منه

* لا يزال الحديث حول مصير مدينة بابل الأثرية يلفه الغموض فأين وصلت مساعي الهيئة لأدراج المدينة ضمن قائمة التراث العالمي ؟

ـــ لم تدخل بابل قائمة التراث العالمية والتي يصدرها مجلس التراث العالمي التابع لمنظمة اليونسكو بسبب عمليات الصيانة المبالغ فيها وإضافة مباني وفنادق حديثة مما غير شكل ومعالم المدينة الأثرية وذلك في عهد نظام صدام وكذلك بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمدينة جراء دخول القوات الأمريكية بالياتها العسكرية الضخمة داخل أسوار المدينة حيث حولت القوات الأمريكية مدينة بابل الأثرية بكل تاريخها إلى معسكر لها يزخر بالدبابات والمدرعات كما أصبح جزء من المدينة مطار لطائرات الهليكوبتر ألا أن مساعينا مع اليونسكو ومجلس التراث العالمي لا تزال مستمرة لإدراج مدينة بابل ومواقع أثرية أخرى كمدينة سامراء الأثرية إلى قائمة التراث العالمي رغم كل هذا وربما تسفر تلك المحاولات عن شيء في مصلحة العراق قريبا أن شاء الله 

* وما هي إجراءات الهيئة حيال تجاوز القوات المحتلة على مدينة بابل الأثرية ؟ 

ـــ تم مفاتحة وزارة الثقافة لغرض أخراج القوات الأمريكية في كانون الأول عام 2004 وتم أنشاء لجنة دولية تضم في عضويتها خبراء من كل من ألمانيا وايطاليا واليابان وفرنسا وأمريكا وبريطانيا وبولونيا والعراق وسيتم ترجمة التقرير وإرساله لليونسكو لاتخاذ ما يلزم ؟!!

جيوش بلا أخلاق

* هل تعقد أن ما قامت به القوات الأمريكية تعمد أم غباء ؟

ــ اعتقد انه تعمد وعدم مبالاة بتاريخ العراق

*هناك من يشير ألا أن تسلم القوات البولونية مدينة بابل يرجع إلى كون أن عدد كبير من جنود تلك القوات يدينون بالديانة اليهودية ويربطون وجود جنود يهود بقضايا تاريخية ما تعليقكم ؟

ــ ربما هذا صحيح فقد أرسلت القوات البولونية بطلب بعثة أثرية بولونية من جامعة وارشو للتنقيب ألا أننا رفضنا ذلك وقلنا للقوات البولونية أن هذا العمل يقع ضمن أطار الأعمال الاستعمارية وان أي عملية تنقيب يجب أن تكون من خلالنا لأننا نحن أصحاب الأرض

* كونك خبير أثار هل تعتقد أن هناك دوافع تاريخية تتعلق بنبو خذ نصر والغزو البابلي الأول والثاني لتقوم القوات البولونية بعملية تنقيب في الخفاء وبدون اخذ موافقتكم ؟

ــ لا اعرف لكن ما اعرفه انه لا يحق لأحد أي كان أن ينقب في العراق دون اخذ موافقة الهيئة وبإشراف الهيئة ؟

هناك من يؤكد أن اختيار القوات البولونية لمدينة بابل يرجع لدوافع تاريخية ودينية يهودية ويذهبون إلى أكثر من ذلك معللين السبب بالبحث عن نقوش مسمارية لم تكتشف بعد فيها تفاصيل تاريخية عن الغزو البابلي الأول والثاني ولقد التقيت بعدد من الباحثين الذين أكدوا ذلك الرأي لكنهم تحفظوا عن ذكر أسمائهم لدواعي أمنية 

* هل سرقة كنوز النمرود من خزانات البنك المركزي يوم 9/4/2003 أم لا؟

ــ الكنوز موجودة وليطمئن كل العراقيين وقد حدثت محاولات للسرقة بواسطة تفجير باب الخزانة بقذائف ال ار بي جي سفن ألا أن ضيق المكان وصلابة الخزانة أدى إلى ارتداد القذائف ومقتل اللصوص وهناك حالة لابد أن اذكرها وهي أن تاريخ العراق وأثمن كنوزه وممتلكاته كان بيد رجلين يملك كل منهم مفتاح للخزانة الرئيسة ورقم سري والباب لا يفتح ألا باجتماع الرجلين فلم شاهدوا أن سقوط النظام أصبح وشيك ودخول القوات الأمريكية بدا مؤكدا هربا إلى جهتين مجهولتين مختلفتين بدون ان يعلم احدهم الأخر بمكان وجوده بالاتفاق المسبق حتى يفوتوا على أعداء العراق أمكانية الظفر بتاريخ وممتلكات كل العراقيين وأنا ادعوا كل المختصين إلى تكريم هذين الموظفين المخلصين لأمانتهم العالية 

* أخير هل من رسالة إلى كل من يحتفظ بقطعة أثرية عراقية ولم يعيدها ؟

ـــ أود أولا أن اطلب مساعدة كل المنظمات العربية المهتمة بتاريخ العراق لإنقاذ تاريخ العراق الذي هو جزء من تاريخ البشرية وإعانة الهيئة على أداء مهمتها بشكل يتناسب والمهمة الملقاة على عاتقها وأوجه رسالة إلى كل من يمتلك جزء من تاريخ العراق بأن أي قطعة أثرية هي ملك للعالم كله وكل قطعة هي اكبر من أن تبقى ملك لشخص واحد بل يجب أن تكون ملك للجميع لذا أقول رفقا بحضارة بلاد الرافدين ...... انتهى

محمد العرب

Journalist_1975@hotmail.com

Alshamarimohamad@yahoo.com       


في الإثنين 05 فبراير-شباط 2007 08:37:26 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=1109