عندما لا تستقيم الدبلوماسية السعودية ؟
كاتب/مهدي الهجر
كاتب/مهدي الهجر

قبل هذه الفضائيات والفضاء العنكبوتي المفتوح أي عند عقود من الآن وفي فترة تاريخية تندر فيها المعلومة ومصادر التلقي كانت تسكننا قناعات وتنمو معنا بأن النظام العائلي في العربية السعودية لا يحمل الا الكيد وسموم المكر في أحشائه تجاه اليمن أرضا وإنسانا .

لكن ضابطا كان يرد مشاعرنا فلا ننفعل بمقولة ( أنها حساسيات لسلوك تفاعلي طبيعي بين أي دولتين على حدود متداخلة ، وتاريخ مشترك يحوي الوفاق والتغاير ، كما هو شأن القبيلة والقبيلة ، ولدى الجار مع الجار ) .

وكنا على وحي ما سبق نرسل لوعينا الجمعي رسالة نكررها ( ان تفاعل النظام في العربية السعودية تجاه اليمن إن جاءت به شائبة وما يعكر الصفو فالأمر لا يعدو ما يجري بين الشقيقين لا يلبث ان يزول لثابت الوشيجة والارض والانتماء العقدي ) .

بيد أن مشاعرا أخرى ظلت تنمو معنا في السياق الآخر ويتكون معها في الشعور موقفا رافضا كنا بالظن الحسن نقمعه ، لكنه كان يتجه رغم عنا الى اللاشعور وهناك يستقر ثم يتضخم بفعل ما نراه ونحسه جراء تعاطي النظام الحاكم في العربية السعودية تجاه اليمن ليس في حالة او ثلاث إنما في سلسلة ممتدة ومترابطة ومتواترة .

وعندما حلّت العولمة ، وقرّبت المسافات ، وتوفرت المعلومة كالسيل ، وأصبحت مصادر التلقي مفتوحة وليست أحادية محتكرة ، وبتنا نشاهد على الهواء مباشرة ومن غير وسيط التحديات والتهديدات والقواصم على ظهر امتنا أصبنا بالدهشة والخيبة والهول ، فليست اليمن لوحدها ــ وإن كان حظها أكبر ــ من تقع في مرمى الكيد والتآمر السعودي .

كثافة القضايا المصيرية وتواصلها في سجل امتنا الحديث والمعاصر والحي الذي يظهر لنظام العربية السعودية فيه حظ الوسيط الخادم أو المساهم أو المتفرد في مضمار الخيانة والمؤامرة أسقطت الانطباع الايجابي النسبي الضئيل تجاه لافتة خدمة الحرمين الشرفين .

النظام السعودي مع الاسف لا زال خارج عصره بقرون ، ويمضي بالعقلية السياسية لزمن المأمون والمعتصم وبمصاحبة علماء فقه تجمدوا في تلك المرحلة ولم يتزحزحوا قيد انملة عن فقه الطاعة لولي الامر وبغلة السلطان .

وإن كان قُدر للنظام السعودي أن يمضي ويستمر ويظل حتى الآن في الواجهة فلأسباب لا تتعلق بفن الادارة وابداع السياسة ، إنما للوفرة المالية التي حطوا انفسهم عليها ، والرعاية الدولية التي لم يبارحوا حضنها كما السمك والماء ، وبيع المواقف والرشى الدولية لبعض او اشخاص النخبة ومراكز القرار، ثم وهذا الاهم للاعتبار الديني لهذه البلاد الطيبة عند جمهور الامة .

غير أن هذه المرحلة جاءت بما لم يره أو يتوقعه الاوائل ، فما عادت تلك المنظومة نافعة وماضية ، وما عادت الشعوب تهرع وتسابق الى تقبيل الايادي خافضة الراس والعين .

لقد تسارع الحدث وتغير الانسان العربي بعد ما دفعت به حاجته ولم يتطور هذا الحاكم ومعه منظومته في الحكم .

الدور السعودي والثورة اليمنية:

مع أول إطلالة للمبادرة الخليجية ، كانت للعبد لله تناولة بعنوان ( الريبة في المبادرة السعودية ) ولامني الكثير وقد حملت لهم ذلك في السياق الايجابي والظن الحسن وأنه حدبا منهم على الثورة بمنطق أن خطب الود مع الآخر أكيس في مرحلة يُكاد فيها للثورة من أكثر من طرف وفي أكثر من سبيل .

وقد صدقني الواقع ، ولم يُكذّب الاحبة في كياستهم ، ولم يكن تنجيما أو تذاكي وفهلوة ، بقدرما قرأت التاريخ ، واستعادت ذاكرتي ما عقلته في ايام خطوت ، فإذا بالعربية السعودية بالنسبة لنا ومع أخواتها الأخرى ـــ تعاملها مع الدول العربية ـــ أسوء من الساحرة الشريرة عند وعي ووجدان الصغار .

ـــ والعربية السعودية تعتبر نفسها هي القائدة للسرب والوكيل الاوحد للغرب وأمريكا في تسويق السياسات وجر القطيع بعد سقوط مبارك وإعلان مصر خطا آخر ، وعنوانا مغايرأ .

وعند اليمن بالنسبة لها فالأمر له خصوصية واهتمام اكبر ، بل ربما مصيري .

ففي ظن العقل الحاكم هناك ان نجاح ثورة التغيير في اليمن يعني تباعا ولا مناص السقوط المدوي لطويل العمر ، قضية حتمية مصيرية ولا فكاك ، ومن المؤكد ان مما زاد هذا اليقين والتصور هي ايحاءات صالح ونظامه منذ اول انطلاقة لكلمة ارحل .

ولسنا هنا في مقام تفنيد هذا التصور أو الوهم عند من يحسب أن كل صيحة هي عليه , لكن الوقفة عند ماذا تريد السعودية في اليمن مع حصول هذا الفراغ ودوي صيحة ارحل ..

•تهدف العربية السعودية الى إبقاء اليمن في منزلة بين منزلتين ، فلا نظام صالح يتعافى ويعود ، ولا ثورة التغيير تنجح وتصوغ يمننا جديدا خالصا من الفردية والفساد والتبعية .

•يهدف النظام السعودي الى ان يتقي نفسه بنا من السقوط أو حتى مجرد الخدوش بحيث يستبق شعبه من خلال تقديم صورة مشوهة في اليمن هو من يصنعها الآن تتداخل فيها كل أدوات الفتنة تفرز واقعا الكل يستعيذ بالله منه وتكون النتيجة ان يهتف الشعب السعودي (الحمد لله الذي عافانا الله بمليكنا وولاة أمرنا من الذي ابتلاكم به ، وتوبه من التفكير بالديمقراطية ، ولعنة الله على كل امرأة تفكر بقيادة السيارة )

•يهدف النظام السعودي الى تدمير الجيش اليمني بمعية صالح وتحديدا أهم القوات فيه والتي تتمثل بالحرس الجمهوري وذلك عبر إطالة أمد الثورة وإدخال الفرق مع بعضها ومع القبائل في اشتباكات ومواجهات فعلية تنتهي بقتل كفاءاته وتدمير آلياته الثقيلة ، ونهب وسرقة ما يمكن جره وحمله ، ومن لم يمت أو تطاله الاعاقة من الضباط والافراد فإنه سيخرج قطعا عن الجاهزية بجروح نفسية وحاله من الضيق والاختناق جراء ما حصل ، إذ كان يعيش ولم يزل حالة من الصراع بين قوتين تسكنه ، الاولى تتمثل في انتماءه الوطني والاخلاقي وتلك رسالته التي صبها فيه الاحرار من قياداته ، وأخرى تتمثل في (مالنا الا علي ) ترسخت فعلا مع التكرار وطول الهتاف ..

•يهدف النظام السعودي من إطالته أمد الثورة الى التدمير النوعي والواسع للبنية الاقتصادية والخدمية ، بحيث تكون النتيجة مخاضا تأتي به الثورة هزيلا يرتعش لا يلتفت اليه الناس الا بالنبز واللعنات فهو في ظنهم أم الجوع والفقر والمصائب ، يتولد هذا الوعي بطبيعة الحال عبر البرمجة العصبية الجمعية بالحدث في سياقه السلبي تقوم به العربية السعودية .

•وترتيبا على ما سبق ــ حسب التفكير السعودي ــ فإن يمنا آخر قادما سيعطي كل الطاعة والولاء والخنوع للجار الشقيق الذي سيتولى وعبره غيره إعادة إعماره وتأهيله ، ومن ثم فقيادات الثورة سيجدون انفسهم أشد انضباطا وانصياعا وتذللا من صالح ــــــــــــ الهاجس هنا طبعا لطويل العمر وليس من بنيات الواقع ـــــــــــــــ في مفارقة عجيبة بين ما كان وما سيكون ، وهي رسالة ايضا تستهدف الشارع السعودي وغيره في الجوار .

لكن ......

قد قطعت جهيزة قول كل خطيب ، وصح أن السيف أصدق إنباء من الكتب ، ثم إن قواعد اللعبة قد تغيرت تماما .

ويبدو أن آل سعود لم يفهموا بعد أننا في عصر وبيئة ما عادت تؤطره وتستوعبه منظومة الحكم السياسية لبني مروان ، فالحدث في جريان ، والعمل السياسي رمال متحركة .

فبعد بولعزيز اصبحت الشعوب العربية يقينا هي الفاعل الاساس والطرف في أي فعل فوري او مرتقب مع الآخر في إطار العلاقات الدولية ..

ما يعود به الموقف السعودي السلبي تجاه الثورات والشعوب العربية هو الرفض والكراهية لنظامه الحاكم .

وهذا ما يتراكم لدى شعبنا اليمني بصورة أكثر وأعمق ، ولا يغرنّ آل سعود أنصار صالح أو من يطلق عليهم في الشارع اليمني البلاطجة فهؤلاء بطبيعة الحال وبكل تلقائية واريحية سيتبعون في الهتاف والفعل قيادات الراي العام اليمني الذين على اكتافهم قامت ثورة التغير عقب أفول نجم صالح مباشرة .

كان على العربية السعودية أن تقرأ بعمق وتحليل مكونات الشارع اليمني اليوم الذي يصطف اغلبه مع الثورة وجزء منه مع صالح ، فإنها ان فعلت لوجدت أن هذا الجزء الاخير يتشكل من العوام والاميين ووسطاء الناس ــــــ الخدم كالمرافق والطباخ والسائق ــــــ فان وجدت بين القوم عُتل فإنما هو مفسد لا يعول عليه ، وهذا النوع متغير تابع بطبيعته ، ويذوب كما لم يكن .

أما مكون الثورة فهم الشباب العلمي المؤهل والواعد ، ومعهم المهندس والمعلم والطبيب والاكاديمي ، والمحامي ، والنقابي ، والصحفي ، والمسرحي والفنان ، ، وشيخ القبيلة الحر بن الحر ، والجيش الوطني .. وغيرهم على هذا الكم والكيف .

كما أن شعبا يقطن أهم موقع جغرافي ، تملؤه الكوادر والوفرة ، والتنوع والتخصصات والقابليات، وسيشارف الثلاثين مليونا في بضع سنين ، والاهم أنه استعاد نفسه وحريته ووطنه بعد أن حملته إرادة يقهر بها المستحيل ...حري بمن كان يُحسن الف باء سياسة وعلاقات دولية أن يقدر له قدره ويضعه في الاهتمامات حيث نظرته في العوائد والمصلحة الاستراتيجية لبلده .

ولا يغرنّ آل سعود إن قيل عنا فقراء وفي وضع لا نملك فيه أدوات أن نرد ، أو أن ذاكرتنا مثقوبة لا تحفظ .

وما منعنا في اكثر من حين ومناسبة الاّ وشائج القربى ، وقيم الدين ، وصبر الحليم ، وتآمر وخيانة العتل الزنيم منا .

على أنه ما زال شعبنا يحمل الاخوة والحب والصفح وخلق التغافل وعلى استعداد دائم في توطين نفسه الظهر والسند والمدد ونسيان ما مضى ولكن على أن يستوي خُلق وسريرة وأداء الآخر ، أما إن ظلت حليمة هي حليمة ، فإن لغيرها أسنان ومخالب وحيل وأوراق

ووعدنا الايام ، والاجيال ، والحوادث ، والسنن ، وكما تدين تدان .

تنويه ...

كي لا يلتبس على البعض ، فإن الفصل في مخيلة القارئ يجب كما هو عند الكاتب أن يكون بين من هو المعني ..

فشعب واقليم العربية السعودية هو منا حيث الجلد والعظم ، ونعلم اننا عندهم حيث هم منا .. لكنها للملأ الاعلى وربان السفينة .......

Alhager2007@yahoo.com


في السبت 23 يوليو-تموز 2011 04:58:41 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=11098