آه.. كم نحن خونة
أحمد طارش خرصان
أحمد طارش خرصان

أعترف أن المقدمات مشكلتي ويربكني دائماً البحث عن منطلق يليق بالقضية أو الفكرة التي سأتناولها, ويحضرني بطل رواية ذاكرة الجسد أثناء عودته لقسنطينه وهو يرى كيف أن الثوار يحاكمون باسم الثورة,- ولا يختلف الحال في اليمن - كنذير شؤم لمستقبل أكثر إيلاماً, وإعلان صارخ بغية الاستسلام ورفع الرايات البيض أمام واقع لا يزال يحلم بإعادة نفسه في تحدٍ معلن لكل المحاولات الجادة لذوات نفضت عن كاهلها غبار الاستسلام والرضا بأقل مستوى من الحرية فشقت هذه الذوات طريقها في الفضاء كخيال شاعر علَّق نقوشه المائية على ذراع الظل, وراح يرسم بفرشاة التحدي آخر لوحة لم ينجزها هاشم علي قبل ترجله عن صهوة المآلات الجارحة.

لعله تفسير منطقي وإجابة شافية تقافزت إلى الذهن وأنا أحاول إعادة قراءة الحياة من زاوية ليس لي فيها سوى ذات تاقت – ذات مأزق ما – مع الذوات الأخرى لخلق حالة جديدة, لن تكون سوى مقدمة فاضحة لكل أشكال التعري - المدفوع الأجر سلفاً – ورافضة لفوضى التناسل القميء لمصفوفة كاملة من الإرهاب المنظم كخيار متاح في مواجهة الفوضى المستغلقة تماماً.

لم أصل بعد إلى اتخاذ قرارات غير صائبة – قد تفضي بي إلى الألفة والتلذذ على نحو أن استسيغ هذا الوجود المتداول – وإنجاز صياغات لا مقبولة أثناء ممارسة هذا الوجود الممتلئ وبما يكفي بالكائنات الضحلة على حد قول الزميل فتحي أبو النصر.

لا أدري كيف ستفهم مقالتي هذه – مع وضوحها – عند الحرس الثوري المرابط في المواقع الإلكترونية واللذين شكلوا جيشاً واصطفافاً أمام كل نقطة ضوء, ما يشير إلى أننا ولجنا مرحلة العنف الثوري والإرهاب المنظم, ولعل ما تعرض له الكاتب محمود ياسين من هجمة شرسة من أولئك النكرات في المصدر أونلاين. يطرح عدداً من التساؤلات حول مستقبل الحقوق والحريات في مرحلة ما بعد الثورة.

لقد دخل ماركيز على زوجته بعد إكماله لرواية مائة عام من العزلة قائلاً (لقد قتلت العقيد) ذلك أن ماركيز أراد مجتمعاً خالياً من الشرور الذي كان يمثله العقيد. وعلى العكس كان الشر في أولئك النكرات هو من يريد القضاء على مساحة الضوء التي بدأت تتسع أكثر من ما يظنه من في المصدر أونلاين.

لم تكن الهجمة المنظمة ضد محمود ياسين سوى رسالة لمن لا زال يفكر في الكتابة عن مثل تلك موضوعات, مع أن محمود ياسين لم يرتكب جرماً وهو يكتب عن الابتذال ويحلم بالمثالية التي يجب أن تكون عليها الثورة, ومع إيماني بأن محمود ياسين لم ولن يكون بحاجة لأن أدافع عنه كقارئ وجد نفسه في محمود ياسين, لكنه التضامن الإنساني إزاء ما يتعرض له من أولئك المبتذلين كي لا أصرخ في العتمة ( آه كم نحن خونة ).

ربما علينا أن نتحاشى اسم أحمد علي أثناء الكتابة أو أن نكون أكثر ابتذالاً معه كي لا نقع تحت طائلة المستوى الأخلاقي المتدني لأولئك المبتذلين, وعلينا أيضاً التسليم بأن ( قيادي المشترك العتيق ) وهو يلاصق ويجاور المحافظ الحجري في مقيله اليومي – ونحن في الساحات – لم يكن إلا تكتيكاً يخدم الثورة. إذ لا يجب أن نفهم غير ذلك.

لا أود الانزلاق وأقول من قبيل الاستسلام. أنه كان يجب على محمود ياسين أن يقول كذا ويكتب كذا........... ذلك أن لمحمود ياسين الحق والحرية في أن يكتب ما يشاء, ولمعارضيه الحق أيضاً في تناول مقالته وبأسلوب مؤدب يظهر الرقي في التعامل والإيمان بالرأي والرأي الآخر.

أجزم أن محمود ياسين في مقالته عن الابتذال وعن أحمد علي, لم يكن يراهن على شيء سوى قوة المثال ووجوب حضوره الفاعل في الفعل الثوري, وضرورة حضور اللغة الملهمة والخطاب القادر على إقناع الآخرين بسمو الثورة ونبل أهدافها...... هل هذا كثير على محمود ياسين ومن يرون أنفسهم فيه؟.

أخيراً لن نقف مكتوفي الأيدي إزاء الممارسات الخاطئة أياً كانت, وسنقف بقوة مع الداعين إلى دولة مدنية حديثة, قوامها الحقوق والحريات من صحفيين ومثقفين وكتاب وأدباء, هم وحدهم من أشعلوا شرارة الثورة عقب انتخابات 2006م. لأولئك فقط ( نحن معكم ) ولمحمود ياسين ( الحياة ............. ).


في السبت 27 أغسطس-آب 2011 03:06:18 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=11428