هيكل وغيابه عن المشهد اليمني
عبد الله عبد المؤمن التميمي
عبد الله عبد المؤمن التميمي

تابعت كغيري من المهتمين بلقاءات وحوارات الأستاذ / محمد حسنين هيكل اللقاء الأخير الذي أجرته قناة الجزيرة في حلقاته الثلاث ، وخاصة الحلقة التي تحدث فيها عن الثورة اليمنية والثورة الليبية .ومما يؤسف كثيراً أن نستمع للأستاذ هيكل ابن القومية العربية وأحد منظريها وهو يصف المشهد اليمني بهذه السطحية والاختزال .. وأن الثورة اليمنية ليست بثورة ولكنها قبيلة تريد أن تستولي على دولة.

إن المتتبع لحديث هيكل يصاب بالدهشة خاصة حينما يقرءا مفردات الحوار الذي قاله شخص بحجم الأستاذ هيكل .. حيث يعطي انطباعاً للرجل العادي أن هيكل لم يكلف نفسه المتابعة أو الاستماع لما يدور في الداخل اليمني وهو المؤرخ والراصد والمتابع والمحلل كما عرفناه وعرفه الآخرون . وقد ظهر كلامه وكأنه مبنياً على مخزونه الفكري القديم والذي يرجع إلى فترة الستينات .. وهذه انتكاسه خطيرة في عقلية شخصية بحجم هيكل .

ما لم يعرفه الأستاذ / هيكل هو أن الثورة اليمنية والشارع اليمني حينما انتفض على نظامه الفاشل انتفض وهو يحمل لافته كبيره عرفها القاصي والداني هذه اللافتة حملتها كل مكونات المجتمع اليمني من شباب وقبائل وسياسيين ومثقفين وعسكريين ودبلوماسيين أمنوا بضرورة هذه الثورة التي اتفقوا على سلميتها .

لا ادري لماذا اختزل الأستاذ/ هيكل هذه الملايين التي خرجت وتخرج كل يوم في مدن اليمن وقراها إلى أنها ثورة قبيلة تريد أن تحكم .. ألم ينظر الأستاذ / هيكل إلى أن الغالبية العظمى ممن يقودون هذه الثورة هم من الشباب المثقف المسلح بالعلم الطامح إلى دولة مدنية تحترم الحقوق والحريات !! ألم يشاهد المئات من الشباب وهم يسقطون في ميادين التغيير أمام قوة وجبروت السلطة بصدورهم العارية وبإيمانهم بعدالة مطالبهم .. في الوقت الذي ينتمي كل فرد فيهم إلى قبيلة قادرة على حمايته لكنها سلمية الثورة التي رفعها الشباب واحترمتها القبيلة التي يتحدث عنها الأستاذ/ هيكل .

كم تمنيت لو أن الأستاذ هيكل شاهد قبائل اليمن ورجالاتها الذين انظموا إلى هذه الثورة وتركوا أسلحتهم بعيدة .. الم يسمع الأستاذ هيكل التصريح الذي أدلى به الشيخ صادق الأحمر وهو شيخ مشايخ حاشد كبرى القبائل اليمنية حينما قال : لقد سئمنا حمل السلاح ونحن تواقون لأن نعيش في دولة يسودها العدل والقانون وتحفظ للناس حقوقهم وكرامتهم .. أليس هذا تحول كبير في ثقافة القبيلة اليوم .

أنا لا أريد من خلال هذه المقالة أن أدخل في خلاف في الرأي مع الأستاذ هيكل حول ثورة وانتفاضة شهد لها الجميع ممن لم يسمعهم هيكل شهدوا جميعاً بعدالتها ونزاهتها ونقائها وسموها . لقد فجر هيكل بقراءته للمشهد اليمني كثيراً من التساؤلات حول الدور الذي لعبه ويلعبه المثقف العربي في ظل هذه الهزات الثورية التي تفجرت في عالمنا العربي الأمر الذي يحتم على المثقفين العرب الذي كان دورهم باهتاً في هذا المشهد الرائع للشعوب العربية أن يعيدوا التفكير في مسلماتهم الفكرية ويعيدوا صياغة معرفتهم بما يتسق مع الأوضاع الجديدة .

أنا أدرك جيداً أن الأنظمة الديكتاتورية ومنها النظام اليمني سعت إلى فصل المثقف وتغييبه عن قضايا أمته من خلال ضغوطات متنوعة أدت إلى عزل المثقف العربي عن متابعة ما يدور في داخل هذه الشعوب وهذا ما حدث للأسف مع الأستاذ هيكل الذي أدعوه إلى إعادة قراءته للتحول الكبير الذي أحدثته هذه الثورة في التركيبة القبلية اليمنية والتحول ألتأريخي الذي تمر به والحراك الحزبي المتنامي والمتعقل في إدارة الأزمة اليمنية .

إن ما يصنعه الثوار الشباب في ربيعهم العربي اليوم أحرج الكثير من المثقفين العرب الذين لم نشاهد لهم مسيرة ترفع شعار التغيير ، وتنادي بمنح الشعوب حريتها .. وفي ذلك دلاله واضحة إلى أن المثقف العربي يعيش حالة من الارتباك الفكري العنيف بين مبادئه القديمة والتي تعود إلى عشرات السنين وبين متطلبات الحراك الشعبي المتدفق في الشارع العربي . إن الثورة اليمنية بكل مكوناتها توقعت أن تحظى بمساندة واضحة من المؤرخ والكاتب العربي محمد حسنين هيكل .. إلا أن الجميع تفاجأ بأن الأستاذ هيكل تواري برائه خلف الزخم الثوري والحراك المتسارع في الشارع اليمني .. الأمر الذي أبعده كثيرا من مشاهدة يوميات الثورة اليمنية بكل تفاصيلها .


في الأربعاء 02 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 04:37:06 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=12167