ثنائية الحراك والثورة
د. عيدروس نصر ناصر
د. عيدروس نصر ناصر

لا أستطيع أن أفهم ما يبدو هنا وهناك من المماحكات والتقاطعات والتصادمات بين قطبي الحراك الجنوبي وتجمعات شباب الثورة في إطار الفعاليات السلمية من احتفالات واعتصامات وغيرها من مظاهر الاحتجاج ضد النظام المتهاوي لعلي عبد الله صالح وأسرته.

من غير الممكن هنا أتهام طرف من الطرفين في افتعال مشكلة لا أساس لها إذا ما أدرك الطرفان أنهما يناضلان من أجل قضية عادلة واحدة وضد غريم واحد ما يجمعهما في النضال ضده أكثر مما يفرقهما في الموقف منه، وهو الأمر الذي يقتضي أن يعملا معا وفي جبهة واحدة وعلى أساس برنامج واحد يؤمن بالاختلاف ويقبل بالتفاوت والتباين بين الشركاء فيه.

وليس بمقدور أحد أن ينكر أن الحراك السلمي في محافظات الجنوب قد مثل تدشينا لثورات الربيع العربي السلمية، منذ انطلاقه في العام 2007م وجاء تمسك فعاليات الحراك بالخيار السلمي ليعبر عن مستوى من النضج والمدنية التي لم تشهد لها اليمن مثيلا، بغض النظر عن العفوية والعشوائية والشطحات الفردية لبعض المحسوبين عليه التي رافقت بعض فعالياته وهي أمور تحصل في جميع الثورات حتى تلك التي تتقيد بأعلى مستويات الانضباط والصرامة.

وعندما انطلقت فعاليات الثورة السلمية في بقية المحافظات الشمالية وانظم إليها عدد من المحافظات الجنوبية كان من المفترض أن يكون الحراك السلمي رافدا من روافد الثورة وأن تكون الثورة الشبابية مكملا لمسيرة الحراك وداعما لنضاله.

ويبدو أن أجهزة السلطة قد تمكنت من اختراق الصف الثوري لتوهم الطرفين (شباب الثورة ونشطاء الحراك) بأنهما خصمان لبعضهما، بينما الصواب جدا إنهما جناحان لجسد واحد لا يمكن له أن يطير بجناح واحد دون الآخر.

للأسف الشديد لقد تلقف بعض نشطاء الحراك المقولة التي ترى بأن الثورة قامت للمؤامرة على الحراك، أو أقلها أن الثورة شمالية ولا تعني الجنوبيين في شيء، والمقولتان خاطئتان خطأ فادحا في منطلقاتهما ومخرجاتهما، ولربما لعبت الأجهزة دورا في ترويجهما ونشرهما من خلال بعض أنصارها في الحراك، كما وقع بعض شباب الثورة في مطب الاعتقاد بأن الحراك هو من يسبب الانفصال ونسي هذا البعض بأن الانفصال الحقيقي قد بدأ يوم أن تحول الجنوب إلى غنيمة حرب يتقاسمه المنتصرون في حرب 1994م فيما بينهم، كما يتقاسم اللصوص مسروقاتهم، وبالتالي فإن العدو الرئيسي للحراك ليس شباب الثورة حتى وأن اعتقدوا أن الوحدة التي يدافعون عنها ما تزال قائمة، كما إن العدو الرئيسي لشباب الثورة ليس الحراك، حتى وإن دعا بعض المنتميين إليه إلى فك الارتباط لأن العدو الرئيسي للجميع هو النظام الذي دمر الوحدة وألغى المواطنة وسلب الحقوق وقمع الحريات وعبث بالثروة وبكل مقدرات البلد، والأولى بكل دعاة التغيير أن يتحدوا معا من أجل تغيير هذا النظام ثم بعد ذلك لنختلف اختلاف الشركاء المتحضرين حول تفاصيل عملية التغيير

لقد صدمني الخبر الذي أذاعته قناة سهيل عن لقاء شباب الثورة في عدن مع جمال بن عمر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، اللقاء الذي قالت القناة أن الشباب قدموا فيه بيانا بجرائم صالح ضد شباب الثورة منذ مطلع العام 2011، ولست متأكدا أن هذا ما فعله الشباب لأنني على يقين أن هؤلاء الشباب يعلمون أن هناك أكثر من ألفي شهيد وأكثر من خمسة آلاف جريح من نشطاء الحراك سقطوا على يد قوات السلطة منذ مطلع العام 2007م ناهيك عن ضحايا التسعينات في المكلا والضالع وغيرهما، ومهما كان الاختلاف بين مطالب الحراك ومطالب شباب الثورة إلا إن هذا لا يمنع الحديث عن الضحايا باعتبارهم مواطنون يمنيون سقطوا بأيدي رجال السلطة التي ثرنا ضدها جميعا.

بقاء حالة القطيعة بين شباب الثورة ونشطاء الحراك، ناهيك عن تخاصمهم واصطدامهم ببعضهم لا يخدم إلا بقايا النظام الذي ما يزال يحتفظ بجذور العودة ويحلم بالانقضاض ليس فقط على الثورة والحراك معا بل حتى على الاتفاقات والمواثيق التي وقعها مع الجميع، ولهذا فإن المنطق يقتضي أن تتحد كل القوى الرافضة لنظام علي صالح وأسرته وعصابته.

إنه سيكون من الحماقة الاعتقاد أن الثورة تهدد الحراك وتعيق عملهن أو أن الحراك يهدد الثورة ويلحق بها الضرر فالجميع يلتقي عند نقطة التضرر من هذا النظام الذي ألحق كل أشكال الأذى والضرر بالجميع فهل سنعي أهمية توحيد الطاقات ومواصلة التصدي المشترك لمجابهة التحديات التي تنتصب أمام اليمن كل اليمن شمالها وجنوبها، شرقها وغربها؟ . . . . .أرجو ذلك.

برقيات

* الأخبار عن منح علي عبد الله صالح وأركان حكمه حصانة من المساءلة عما ارتكبوه من جرائم، غير دقيقة لأن بند الحصانة في المبادرة الخليجية مرتبطة ببند التنحي وحيث أن علي عبد الله رفض التنحي وأبناؤه وأقرباؤه وأركان حكمه ما يزالون في مناصبهم، فلا معنى للحصانة لأن هذا سيمنحهم حق ارتكاب ما شاءوا من الموبقات تحت هذا البند؟

* يتحدث الكثيرون عن تقاسم كراسي السلطة بين المؤتمر والمعارضة، والحقيقة ما هو قائم ليس تقاسما لأن التقاسم لا يكون إلا للغنائم، والوصول إلى كرسي الوزارة ليس فيه أي مغنم بالنسبة للشرفاء ورواد النزاهة، بل هو تحدي وفيه ممن التضحية أكثر مما فيه من الفوائد.

* قال الشاعر الكبير لطفي جعفر أمان:

أخي كبلوني

وغل لساني واتهموني

بأني تعاليت في عفتي

ووزعت روحي على تربتي

فتخنق أنفاسهم قبضتي

لأني أقدس حريتي

لذا كبلوني وغل لساني

واتهموني.


في الخميس 15 ديسمبر-كانون الأول 2011 07:28:32 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=12842