الربيع العربي .. ثورات استعادة الإرادة
وليد تاج الدين
وليد تاج الدين

عاشت شعوبنا العربية لفترة من الزمن منزوعة الإرادة مكبلة اليدين مغمضة العينين تبحث عن الأمل الذي حطمه حفنه من المتسلطين هنا وهناك فصنعوا إرادة مزيفة توافق أهوائهم وترضي أمزجتهم وأحاطوا أنفسهم بواقع افتراضي أدى بهم إلى الاسترخاء الطويل الذي لم يصحو منه إلا على إيقاعات ثورات الإرادة وربيعها المؤرق الذي جاء كنتيجة طبيعية لرؤية أجيال لم تجد إرادتها في الحياة وليس كما يعتقد البعض أن غرض ربيع الثورات إزالة رموز معينة ملّت الشعوب من رؤيتها وتنصيب رموز أخرى وانتهى الأمر.

استهان بعض ساستنا بحقيقة تأثير الإرادة الشعبية التي تستطيع قلب الطاولة بأكملها حالما تصبح الأنظمة والأطر السياسية مجرد قوالب شكلية تتلاعب بها إرادة الأفراد على حساب إرادة الشعوب, وكان ذلك الاستهتار يبدو لنا جليّا من خلال العبارات التي استخدمها هؤلاء الساسة في خطاباتهم وحواراتهم مع الآخر وكذا اللهجة الاستفزازية لأتباعهم في المراحل المختلفة ناهيك عن الممارسات التي كانت تنم عن ثقة زائدة وعنجهية الانتصار والشعور بالقوة.

ومن المضحك المبكي أن تم في فترات سابقة تزوير تلك الإرادة بل ومحاولة توجيهها نحو جهة ما واستخدم لهذا الغرض عدة وسائل منها الإعلام والدين والقبيلة والمال والنفوذ وغيرها, كما تم اختيار أسوأ النماذج لتمثيل تلك الإرادة, وأصبح العامة مخيّر ما بين أمرين إما السير وفق هذه القواعد بحثا عن الذات عبر الالتحاق بركب التبعية أو البقاء في دائرة الحقيقة المرّة الحياة بلا إرادة.

ومن البديهي أن الشعوب حينما تقرر استعادة حق من حقوقها فان أي قوة في الأرض لن تستطيع إيقاف طوفانها أو حرفه عن مساره وهذا ما فهمه بعض الزعماء وكانت استجابتهم سريعة دون أي مناورة أو محاولات بائسة بعكس البعض, قليل من الساسة هم من يدركون حقيقة إرادة الشعوب ويؤمنون بها فيتمسكون بخياراتها ويرسمون مساراتهم وفقا لتلك الإرادة ومن وحي قدسيتها يصنعون قرارات تحولية ويحققون انجازات تحسبها لهم الشعوب وتتفاخر بها وتعدها من صنع يدها بكل فخر واعتزاز مما يزيد من مستوى الرضا وحجم الإنتاج ومدى التقدم بشكل عام.

إرادة الشعوب لها عدة خصائص من أهمها قابلية تحقيق كل الأهداف المستوحاة من هذه الإرادة حيث يشارك الجميع ويشعر بالمسئولية تجاه تنفيذها وإنجاحها بعكس الإرادة الفردية ولأنها كذلك فهي العروة التي تبقي الممسك بها في دائرة التأثير وتحفظ له مكانا في الضمير العام وهي البوابة الواسعة للتاريخ المشرق الذي لا يمكن تلفيقه أو شراء صياغته.

من طرائف الزعماء وحبهم لدخول التاريخ من نافذته وليس من بابه المعروف استجداء احد الزعماء للمؤرخين ومناداتهم للكتابة حول انجازاته التي يراها بعينه الصغيرة وأُفقه الضيق يراها عملاقة وينتظر من الجميع أن يراها كذلك , هناك حقيقة لم يدركها أخونا الزعيم مفادها أن التاريخ ليس وسيلة إعلام مرئية أو مكتوبة يمكنه شراء صفحاتها أو برامجها وليست أيضا سجلا انتخابيا أو صندوقا يمكن التلاعب بنتائجه ولا هي حزب سياسي يمكن تفريخه.

ومع أن الربيع العربي جاء ليستعيد هذه الإرادة المنزوعة فإن أفول أنظمة تسلطية أزاح أفرادا لكن الإرادة لم تستعاد ولا زالت تتجاذبها قوى تعتقد أن لها حق الوصاية وأنها الوريث المفترض وتحاول ممارسة الدور السابق للأنظمة الراحلة بامتلاك الإرادة وتوزيع الرضا والسخط بحسب مفاهيمها وهذا ما ينذر باستمرارية الثورة التي لن تنتهي إلا بعودة الإرادة إلى مالكها الشرعي, ومن المؤسف أن يجعل البعض الدين كإحدى الوسائل للسيطرة على إرادة الناس وحينها فلن يكون هناك فرق بين نظام اعتمد على الولاء القبلي والفردي وأهمل العامة وبين نظام يعتمد على التوجه الحزبي أو الديني والعقائدي ولكن مخاطر الأخير اكبر لأن الدين ورقة لا يجب أبدا اللعب بها مع أي طرف أو ضد أي طرف واستخدام قدسية الدين في وحل السياسة والحزبية أمر مرفوض أخلاقيا.
في السبت 11 فبراير-شباط 2012 03:25:28 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=13692