21 فبراير.. يوم أن بكى الشهيد
صالح السندي
صالح السندي

انتفضت صنعاء وبقية المحافظات عن بكرة أبيها , وتوافدت الجموع من كل حدب وصوب للمشاركة في الانتخابات الرئاسية , وكل يدلو بدلوه رغم عدم توافر القناعات التامة والمطلقة لدى الأغلبية العظمى للمشاركة في الانتخابات والتصويت , ولكنها ذهبت ربما أملا في ان ينزاح ذلك الكابوس المرعب الذي جثم على صدور اليمنيين عقودا من الزمن , او ربما خلاصا من الأوضاع المأساوية الاقتصادية والمعيشية الكارثية التي وصلت اليها اليمن , في ظل وطأة سياسة العقاب الجماعي وتدهور الأوضاع , او ربما أملا في غد أفضل يحلم به المواطن بعد عام مرير من الصراع والاقتتال والتنافس والاختلاف بين أقطاب القوى السياسية والشعبية , ولم تحقق الثورة الشبابية أي شئ يذكر في هذا المضمار من النصر والمبالغة بالاحتفالات والتغطية الاعلامية المبالغ فيها , التي انحصرت فقط على محافظات بعينها مثل صنعاء وتعز والمناطق الاكثر أمنا متجاهلة الجنوب وعدن والمناطق الساخنه الملتهبة والرافضه للانتخابات كليا , وان كانت هناك تغطيات جزئية وبسيطة للمحافظات الجنوبية في ظل التوتر الأمني القائم والتواجد العسكري الكثيف والمسيطر على جميع مداخل وطرقات عواصم المحافظات والمديريات , يوحي بأن ورآء الأمر ما ورآءه مما يجري فعليا في المناطق الرافضه كليا للانتخابات كمحافظة صعدة شمالا والضالع وأبين جنوبا .

وفي هذا اليوم تجاهل الإعلام الرسمي والحكومي والخاص ما يجري فعليا على ارض الواقع من تجاوزرات وقتل وتخريب وأعمال فوضى وإجرام بحق المواطنين وصلت لرصد حالات قتل وجرحى في أكثر المحافظات الجنوبيه , وتوترات أمنية في شمال الشمال صعدة ومأرب وهذا مالم نسمعه في الأخبار ولم نشاهده إطلاقا , ربما انها سياسية متبعه وقوية ومتعمدة للتجاهل الإعلامي بسبق الإصرار لتمرير الانتخابات والرأي الشعبي وايصال رساله للعالم وللخارج مفادها ان الامور مستقرة , وان سير العملية الانتخابيه تسير على أتم وجه مطلوب , متجاهلة بصورة متعمدة أسر الشهدآء التي اكتظت بهم المقابر لزيارة ذويهم واقاربهم الشهدآء , وقرآءة الفاتحة على موتاهم والدعآء لهم , الذين ذهبت ارواحهم فدآءا للوطن , والذين ضحوا بزهور شبابهم وحياتهم لينعم اليمن في غد أفضل , وقد تحقق مرادهم بإسقاط النظام كليا وتحقيق العدالة المنشودة والقصاص العادل ممن تسبب في قتلهم , وبينما كانت القنوات الاعلامية تحتفل بالأغاني الوطنية والأناشيد الحماسيه الغنائية والموسيقي الصاخبة والرقصات الشعبيه كانت اسر الشهدآء وذويهم يذرفون الدموع على ضحاياهم في المقابر ولا عزآء ولا بواكي لهم , صورة متناقضه ويوم غريب جدا في التأريخ اليمني المعاصر.

 فمن ضحوا بأنفسهم اكراما لهذا الوطن يموتون الف مره في مقابرهم وحسرتهم على الصفقات السياسية التآمرية , وما نتج عنها من إفرازات حيوية وتحولات في الحياة اليمنية أنجبت حكومات واصناما جديدة وديكتاتوريات مستمرة منبثقة من النظام السابق , وما زاد الأمر تناقضا ذهاب الأغلبيه للانتخابات مسيرة او مخيرة , فالجنود والقادة التي تلطخت أياديهم بالأمس بدمآء الشهدآء اليوم أياديهم ممهورة بحبر الانتخابات الشرعية , وقوات الأمن المركزي والحرس الجمهوري والجيش خرجت للتصويت وبأوامر قيادية عليا , لسنا ندري على ماذا هذه البهرجة الإعلامية الزائفة , هل على الدماء التي سفكت بدون وجه حق في شتى ربوع الوطن , ام على الشهدآء الذين ضحوا بأنفسهم فدآءا لهذا الوطن , ليروا اليوم بأعينهم وأرواحهم وطنا يصوت لحصانه كامله ومطلقة للقتلة والمجرمين ,ام على الخيانات الوطنية المتتالية والمتكررة , في المسلسل الوطني الدرامي المهول .

وطغت مظاهر الفرحه والابتهاج العارم , والمرشح وحيد فحسب وشئ من الأمور والواقع لم يتغير ابدا , والأوضاع المعيشية والاقتصادية كماهي عليه لم تتغير وتلك الوعود والأحلام والأماني العملاقة بالتغيير والأفضل لم تتحقق بعد , فلماذا اذن مظاهر الفرحة والابتهاج والسرور , فالقصاص والمحاكمة العادلة ممن سفكوا دماء الابريآء والشهدآء لم تتم او تتحقق أيضا, فالقتله وناهبي المال العام مازالوا احرارا طلقاء وبحصانات وضمانات دولية , والرئيس السابق مازال ينعم بالحصانه والأموال الطائلة التي لم تجمد بعد او تعود للشعب والخزينة العامة , وقيادات الجيش والامن كماهي علية في مواقعهم لم تتغير او تتبدل فعليا , والاوضاع الاقتصادية من سئ الى أسوأ , فلماذا الابتهاج والمبالغه بالاحتفالات والزغاريد الثورية والإعلامية واطلاق بشائر النصر.

كان الأولى لمن صوتوا اليوم الذهاب الى أسر الشهداء ومواساتهم والوقوف معهم في محنتهم وإطلاق الوعود بملاحقة المجرمين والقتلة ومحاكمتهم وتحقيق الأهداف الثورية واستمرار الثورة حتى تقديم الجناة للعدالة , ليس في هذا الأمر والنداء مزايدة بدماء الشهدآء والوطن كما يقال لكل من عارض الانتخابات ويعزف على انغام هذا الوتر ويروج له , فالمزايدة الرخيصه حقا لمن يجني ثمرات سياسية ومناصب مرموقة ومكاسب حزبيه ضيقه متسلقا دمآء الشهدآء وتضحياتهم دون أدنى شعور بالمسؤولية والواجب الوطني , اما من يدعو الى الوقوف معهم في محنتهم ومصابهم ورفع الظلم عنهم والاقتصاص لهم فماهو الا داع لحق مشروع وواجب إنساني وأخلاقي ووطني وديني , فالثورة لم تكتمل والنصر المؤزر و الأمن والاستقرار للوطن ككل لم يتحقق بعد , ولسنا ندري اية تغييرات منتظرة خارجة مأمولة من رحم نظام فاسد , وايه تحولات متوخاه آتية من شرعية زائفة مكتسبة خارجيا , وديموقراطية عقيمة مفروضة فرضا , لم يتحقق فيها ابسط مقومات العملية الديموقراطية السياسية والانتخابية لتحقيقها .

هناك فاجعة حقيقية حدثت اليوم لأسر الشهدآء بدون مواساة من أحد لإزالة كدر النفوس والحزن وألم الضمائر المتوجعة الضائعة في أتون السياسة وأنفاقها المظلمة المتشعبة , شاهدنا مقاطع بسيطه وجريئه تدمي القلب وتحرق الفؤاد بثتها مواقع الانترنت واليوتيوب منتقاه من أسر الشهدآء وهم يزورون المقابر في هذا اليوم بالذات معبرين عن رفضهم لهكذا مهزلة انتخابية , رافضين وبشكل قاطع بيع دماء وتضحيات شهدآئهم في مزاد السياسة وأسواق المتاجرة الحزبية الرخصية , رافضين رفضا قاطعا المبادرة والحصانة الكامله والمطلقه لمن قتلوا وسفكوا دماء ابنائهم بدون وجه حق , فهل حق لهم اليوم ان يحتفلوا بهذه الدراما الهزليه او يشاركون بها , وان يرقصوا ويغنوا على الأنغام والأمجاد الوطنية .

انه لمن الهرآء والإدعاء بمكان ان يصور اليوم انه انتصارا لأسر الشهدآء والجرحى وللثورة الشبابية, وانه انتصار عظيم للديموقراطية البحته وانه التحرر من النظام الأسري , كان الأحرى بمن صوُت اليوم ان يسأل نفسه الف مره لماذا أصوت وماذا حققت الثورة الشعبية , وماهو الأمل المرجو والمنتظر من الانتخابات الرئاسيه القادمة , وكان يجب قبلها أيضا التفكير الف مره بأسر الشهدآء والجرحى وضحاياهم , وكان يجب إعادة النظر في السلوكيات العامه والخاصه المصاحبة لعملية الاقتراع من التهميش والاقصآء لاكثر المكونات والقوى والشرائح السياسية والاجتماعية والمستقلة , وكان يجب الوقوف بنظرة جدية ومنطقيه عن حال اليمن , وما ستؤول الية الأوضاع كليا بعد عجلة التغيير وسير العملية الانتخابية , فهذه الانتخابات او النصر الديموقراطي -كما يحلو للبعض ان يسميها- لم تحقق ابسط أهداف الثورة الشبابيه , ولم تعوض اسر الشهدآء عن مصابهم الجلل في فقدان فلذات اكبادهم وذويهم , ولم تحقق العدالة الكاملة والمرجوة من انقاذا الوطن وتحرره كليا من الحكم الاسري والنظام الفاسد .

إننا نقف أمام تناقضات عويصه ومستعصيه يمر بها المجتمع اليمني , لم تترك مجالا لصحوة الضمير الوطني , أو اي شئ نقدمه لأسر الشهدآء سوى الصمت والمكابرة والتجاهل والنظر بعين الرحمة لضحايا الثورة , والحملة الإعلامية المصاحبة يومها للثورة الشبابيه , قدمت من الشباب وقودا لتحقيق مطامعها الحزبية والسياسية , وفي هذا اليوم بكى الشهيد ولم يصمت أنينة في قبرة, ولم ترتاح روحة بعد , بل ستظل لعنة تلاحق المجرمين وكل من شارك في بقآء النظام واستمراره وإعطاءه الحصانة , فانتخابات فبراير لم تخفف ألم اسر الشهدآء ولم تطفئ حرقة القلوب بل زادتها الما ووجعا وحسرة ,الفاتحة الى روح الشهداء الأبرار , فهذا اقل ما يمكن ان نقدمه لهم , ودمت يا وطني بخير وعز ورفاه


في الأربعاء 22 فبراير-شباط 2012 03:54:24 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=13980