|
لقد حزّ في نفسي ما قرأته في مقال الدكتور مروان الغفوري والذي عنونه بـ "متاهة الإصلاحي الجديد" متغافلاً كان أو متعمدا بأسلوب تهكمي يترجم ما يكنه في خلجاته ويفصح عن الأنا وادعاء المعرفة والفطنة التي يفتقرها غيره وأكاد أجزم عدم قدرته على التفرقة بين الثقافة الدينية.. والثقافة الأدبية .. وما هية الثقافة العليا والثقافة المتخصصة .. ويفتقر في مقاله إلى منهجية النقد البناء في الحديث عن القشور الضارة التي نأمل جميعاً استئصالها من مكامنها في كل الأطياف ولا أعتب عليه إن عجز عن فهم كتاب المفكر ياسين عبدالعزيز الذي تحدث حول "نظرية الإسلام في الحرية" نظراً لاستخدامه لغة تفوق وإمكانيات الغفوري إلا أن تلك الرسائل لمن يفهمها ولربما كانت أكبر دليل على النضج الفكري لهذا الحزب الذي أصبح شبابه يجتاز بفهمه للواقع والحداثة المتزنة التي تعدت في استيعابها لنظرية التلقي ومقترحات الألماني هانز روبرت ياوس في فهم الأدب وتفسيره وجاء بها في نهاية الستينات في نظرته للنصوص الأدبية.. أما الحاجة إلى الرواية المفتوحة والإيمان بشعر التفعيلة فذاك يتطلب منا استحداث نظريات جديدة لما بعد الحداثة تتناسب والعقل الجمعي للمجتمع وتنمو معه بعيداً عن "الأنا" والتعالي التي تخلق الاستبداد والنظرة الدونية للآخر ..
لا شك أن ثورات الربيع العربي كان لها الدور الفاعل والمباشر في استعادة الحرية المسلوبة منذ زمن بعيد صادرها حكم العسكر بدكتاتورية موشومة مشؤومة خلفت وراءها شعوبا ذوي إرادة مسلوبة وحرية مكبوتة حتى صارت شريحة كبيرة من تلك الشعوب تهفو وتلهث وراء لقمة العيش بصمت مؤلم .. كما خلفت شعوبا ًلا تجرؤ إلى النظر إلى ما خلف الأسوار مأخوذة تارة بالترهيب وأخرى بالترغيب المصحوب بمذلة ومصلحة دونية مهددة بلقمة العيش .. بعيداً عن الطموح وبناء المجتمع باقتصاده وثرواته وثقافته .. ومقصلة كل مجالات الحياة واختصار الوطن الكبير إلى أسرة وعائلة.. فقد أنجبت تلك الممارسات التطرف الفكري والجهل والإرهاب بسبب الكبت والإقصاء والتهميش وتوالي الأزمات وما إلى ذلك من النكبات التي توالت على هذه الشعب العظيم .. كانت سياط تلك الحكومات بالدرجة الأولى لحركة الإخوان المسلمين التي كانت ولا تزال تقارع الظلم والطغيان بشتى الوسائل .. ولم تكل ولم تتوانى لحظة عن واجبها في ذلك بعيداً عن نظرة الآخرين لادعاء المصالح أو الرغبة في السلطة فالوطن أكبر من الجميع.. رفضت الإخضاع وشقت طريقها رغم كل الظروف العصيبة التي واجهتها والحصار والحروب من الداخل والخارج حتى حفلت السجون بكوادرها البشرية .. واحتضن المهجر لعدد كبير من قياداتها التي أصبحت مطاردة من كل الأنظمة المستبدة .. لتأتي رياح الربيع العربي محملة بنسائم الحرية تنفض كل ذلك الغبار وتعيد هيكلة العقل العربي المتزن بين الأصالة والمعاصرة .. فقد اقتلعت الثورات تلك الأنظمة المستبدة من جذورها تدريجياً منهم من تطاير كالرماد ومنها ما هو آيل إلى نفس الطريق .. لتفصح الشعوب عن رغبتها الحقيقة في استعادة سلطتها المسلوبة .. وقد تمكنت في ذلك .. ولا غرابة إن برزت حركة الإخوان المسلمين بقوة تنظيمها وتماسكها باستراتيجيتها -التي لم تبتعد عن الشعوب واحتياجاتهم ومعاناتهم يوما- لتعمل بمبدأ الشراكة والمساواة جنباً إلى جنب مع أطياف المجتمع المختلفة سعيًا إلى تبديد الهواجس التي تنتاب الليبراليين واليسارين منها، وإدراكاً منهم إلى مدى الحاجة إلى العودة إلى الاستقرار وإعادة النهوض بأعباء الاقتصاد المنهار، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل الاستقرار والأمن، حيث لا يحتاج الإصلاحي الجديد اليوم لطمأنة الجميع، فالواقع والثورات غيرت كل العقول بشكل إيجابي يتناسب والحدث وظروف الواقع ومتطلبات المستقبل للوطن الذي يستظل به الجميع إذ أصبح من الواجب عليهم اليوم التفرغ للعمل بجهد مضاعف لإنجاز نجاحات اقتصادية تمهد لبناء الدولة المدنية الحديثة، والعمل في نفس الوقت على تثقيف المجتمع بمتطلبات المرحلة ومقتضياته وإن تسنى للإصلاح الحكم فلن يتفرد بل أصبح مؤمنا بضررة الشراكة بطريقة ناعمة، بعيدا عن العنف والاستبداد، لتحقيق نجاحات اقتصادية يتسنى من خلالها مواكبة الدول في مناخ ديمقراطي يكفل التعايش والتسامح.. ويسعى الإصلاحي اليوم إلى نشر ثقافة الديمقراطية التي وحدها تؤسس لنظام دولة مدنية حقا، تكفل الحقوق وتحترم الحريات، مُقَدّساً لدماء الشهداء التي عطرت ثرى الوطن الغالي لنيل الحرية ..
في الخميس 08 مارس - آذار 2012 07:19:54 م