جمعة الدم ...أين القتلة!!
إلهام محمد الحدابي
إلهام محمد الحدابي
عام على الثورة، وذاكرة اليمن المثخنة لم تعرف العدالة بعد، عام على الدم البريء الذي صبغ أحداقنا بالذهول، عام على القهر والمرارة التي تلوكها قلوب أهالي الشهداء، عام على الحزن المتدفق في عروق الثورة، وعام على المرارة التي تكتسحنا ونحن نرى خطوات القتلة ترافق ظلنا ، وكأنهم من ذوي الضحايا! عام على القبور التي جف بعضها من دمه ولا يزال البعض الآخر ينتظر عدالة السماء بعد أن خانته عدالة الأرض.

لماذا لم يعرف القضاء طريقه بعد للبت في أمر القتلة! وهل ثمة حصانة ستبقى بعد أن فقدنا حياءنا وإيماننا باسم الوطن، أقصد باسم الدين! ترى أي خيوط تلك التي تجبر البعض على الإبقاء على الجريمة طي الكتمان! القضية التي ندركها جميعاً، أن جريمة تمت في وضح النهار ، وعرفنا مرتكبيها، وأدركنا ملامحهم، وطالبنا بالقصاص منهم، ثم...لم ينتهي المشهد إلا بألسن طويلة تجتز أي فكرة تخرج عن المألوف الذي يريدوه، وأي مألوف!! أن نشارك القتلة عشاءنا ونتقاسم دم الشهداء! أم نقبل بانتهاك سيادتنا تحت مسمى حماية المزيد من الأرواح.أو..أو، لا يهم فجمعة الدم لن تمحى بحصانة ولا خيانة، جمعة الدم لعنة في جبين كل من يعرف القتلة ويشد على أيديهم من أجل بناء الوطن.

الثورة جزء لا يتجزأ من دم الكرامة الذي سفك عقب الله أكبر، والثورة عندما أينعت روحها غذت كل الأطياف بقوة الحق، وكل من قفز فوق حائط الحجارة المحترق ليتلقى رصاصة ، قفز من أجل نفسه، لأنه يريد أن يعيش بكرامة، لأنه يريد لوطنه البقاء عالياً فوق خارطة الأيام، وليس مجرد تضاريس جوفاء تُقتل الإنسانية فيه كل يوم ألف مرة، شهداؤنا عندما ضحوا، ضحوا لأنهم يدركون أن من شاركهم قيض الشمس لن ينكث بالعهد بمجرد طول المدة، ولن ينسحب بمجرد أن تأتيه أوامر حزبية، ولن يفر إذا ما عاد الرصاص باسم الله والوطن، شهداؤنا يمموا وجوههم للسماء قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة ، ليُشهدوا الله على ظلم البشر، شهداؤنا عندما سكنوا الخيام والتحفوا البرد كانوا ينشدون دفء وطن اغتصب منذ زمن، وقرروا أن يعيدوا كرامته من خلال كرامتهم، شهداؤنا لم يدركوا أن ثمة فصول أخرى ستخرج من النص لتجعلهم بمرور الأيام مجرد صور يزج بها من أجل حملة انتخابية، أو تمرير صفقة لبيع الوطن بشعبه، شهداؤنا..وشهداؤنا، لن تفي كلماتنا نقطة من أرواحهم...، فابتسامتهم العالقة في جُدر الذاكرة جُمعٌ من ألم وذكرى وشوق وخوف وصمود.

الثورة قامت ليسود العدل وغيره من القيم، لكننا نرى أنه ليس ثمة عدل نتشدق به، فهاهو القاتل الأكبر يبتسم ويعد للإحتفال بميلاده ، وجمعة الكرامة تنحشر في زوايا أحداقنا لنتذكر لون الدم الذي سفكه ، ثم اعلن الحداد عليه، وأي عدل نبتغيه لشهداءنا ونحن نرفس العدل بأقدامنا من أجل الإبقاء على المصالح الوطنية، والسؤال أي مصالح وطنية نبتغيها ونحن لم نعرف بعد الوطن الذي نريد! قد يقول أحدهم حققنا أول مطلب للشهداء(إرحل) أي إرحل والقاتل يملاء صباحاتنا بضجيجه! وبقايا دماءنا معلقة في عينيه وهو يبتسم لنا بالحصانة، ولا يزال يقتلنا باسم الثورة التي ركبها بعد أن سارت في المنحنى الخاطيء!! العدل الذي تريده الثورة أن نعرف ما يدور بالضبط للقتلة، ولماذا تم الإفراج عن أكثرهم؟ وأي محكمة عادلة التي قضت بذلك، أم أن مبدأ العدالة الانتقالية قد طُبق قبل أن تحد ملامحه؟

مالجديد في ثورتنا؟!!

خيام بالية من الألم، وكثير من القات ينحشر في أفواه الذين يريدون أن يفروا من التفكير إلى التفكير، وشوارع مقطعة، وثمة موت يوزع باسم الحرب على الإرهاب، ودول صديقة مشفقة تغذي كل الأطراف لتشبع غرورها، ودول بعيدة تقرأ مصالحها بتريث، ومد وجزر ، وأسى وألم، وأناس عاودت الحياة بشكل طبيعي...وقبور تعتلي شرفات أحداقنا لتذكرنا بالدم البريء الذي يرقد تحتها.

صالح ينفذ ثورته التي هدد بها منذ زمن، ويؤكد بأنه سيفضح الأوراق، نتمنى أن يفضح تلك الورقة المفضوحة، والتي تخبرنا والعالم أن القاتل الحقيقي ليس إلا هو وإن لم يضغط الزناد، أما السياسين وإن كانوا في وضع حرج إلا ان عليهم أن يدركوا أن الدم لم يكن في أي يوم من الأيام مجرد ماء أو توقيع، عليهم أن يعرفوا أن دولة ستبنى على القهر لن تتعامل إلا بالقهر، وعليهم أن يضعوا في حسبانهم إن رجال المرحلة هم أولئك الذين يسعون لتوضيح الحقائق ليكسبوا ثقة الشعب أولاً، وليبنوا الوطن ثانياً، وليؤدوا واجبهم بالشكل الذي يُراد منهم.

لو كنت شهيد لقلت:

أنا لم أفارقكم، ولم أودع ظلي في الرصيف إلا من أجل أن تمتد قامتكم جذلة في وطن جديد، أنا ما أحببت الموت إلا من أجل شعب يريد أن يعيش بكرامة، أنا ما حملت روحي على كفي ونزعت بقايا الخوف مني إلا لتستمر ثورتي، أنا لم أهتف معكم إرحل إلا ليرحل قاتلي، أنا ما فزعت من لون دمي لأنه فاتورة مقدمة لبناء يمني، أنا ما تركت بيتي واعتليت خيمتي إلا من أجل أن يحصل كل اليمنين على منازل، أنا ما تحملت ألم الرصاص ووجه القناص إلا ليسود العدل، أنا حتى لم أودع من أحب لأني أدرك أن اللقاء قريب، أنا ما تركت ابتسامتي حاضرة بينكم إلا لتقفوا صفاً واحداً من أجل الثورة التي خرجنا لها معاً....أنا معكم حتى اللحظة إلا أني شهيد.


في الأحد 18 مارس - آذار 2012 04:02:04 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=14608