من ذاكرة الكرامة
محمد المقبلي
محمد المقبلي

لابد من رصد الظاهر السيكيولوجية والديمغرافية كمدخل علمي للحديث عن مقدمات جمعة الكرامة.

يتعلق الأمر بالأدوات المدمرة اجتماعية والحالة المعيشية المسحوقة إضافة الى تجهيل الشعب وإفقاره لتحقيق فائض إجرامي وفق برنامج "المال مقابل البلطجة".لإطالة بقاء صناع القهر والاستبداد، وعلى اعتبار أن النسق المجتمعي اليمني العام ،لم يكن بكل فئاته على مقربة من تخوم البلطجة، وكان على قدر جيد من الوعي بالثورة وأهدافه.

غير أن النظام عمد على تدعيم مغذيات العنف المجتمعي ...المدرة للجريمة من ذوي ألتركيبه النفسية الإجرامية بعد أن حذف الوجدان وحب الإنسان والوطن وتحولت أعماقه إلى أدغال متوحشة مخازن كراهية لمن أراد أن يجلب من خلال قتلهم المال.

شاهدت أحد عينات الجريمة ظهر"مبحشم "" وظجنته" المقعرة بارزة من تحت اللثام كان ملثما بالسماطة وعلى وجنته مايعادل كرة تنس على كل جانب ربما أراد ان يمارس القتل وهو ""مكيف ""

 لرصد ظاهرة العنف ديمغرافيا وفسيولوجيا ففي العاصمة قبل سنوات عرفت صنعاء عصابة الحارات مثل عصابة قريش وعصابة مسيك و....الخ ، وانخرط فيه فلول شبابية مابات يعرف "بالشلة."

كان يعرف زعيمهم بلقب "السُّمعة" بضم السين كانوا مدججين بالخناجر والسلاسل وبأشياء لها علاقة بالأكشن وفي مُسيك" تحللت تلك العصابات وتحول بعضها إلى خلايا "تنظيم القاعدة" ،علق أحدهم قائلاً :"أن الشباب انتقلوا من أكشن قناة 2 إلى أكشن القاعدة" ، كان الأمر يريح النظام فذلك أفضل من انخراطهم في المجال التعليمي والسياسي والثقافي أيضا، وهو الذي اعدم فرص حق الحصول على الحياة الكريمة للإنسان اليمني كأي إنسان في العالم،في الريف مثلاً الحروب القبلية كانت كفيلة بتهيئة العنف وبالتالي تتحلل قيم التعايش الحب والعنف والسلام في مستنقعات القتل والانتقام كما تكون أدوات النفسية للعنف قد اكتملت إذا مافترضنا أن تلك الحالات وفرت سيولة للعنف ابتكر الشباب خيارات اللاعنف كمدخل نضالي عميق وحضاري ..وكانوا يدركون أن السلمية هي الشفرة التي لايستطيع نظام العنف فكها او التعامل معها.

جمع صالح كائناته الى التحرير واشتغل على العنف وعلى الشحن المناطقي والتعبئه وكامل العلل باعتباره نظام غارق في البوليسيه ومستنقع النفوذيه أيضا ،وهو الراعي الذهبي لمزاج العنف المجتمعي منذ نعومة أظافر نظامه وهو الذي يتباهى بصعوده الى الحكم بخنجر.

إذاً النظام كان الراعي لمغذيات العنف المجتمعي في المدينة والريف وكانت مخابراته هي من تغذي شرايين الجريمة في المدينة عبر العصابات التي تحللت إلى خلايا عنف فيما بعد، والصراعات الأقلية في الريف.

جاء اليوم الذي تشتغل فيه أدوات الجريمة التي هيئها صالح طويلاً ووفرت سلطة العائلة العديد من"أغطية الجريمة".

الغطاء الثقافي كـ "عبده الجندي" أو عبر الفتوى كـ "القليصي" ،أو ذلك الذي كان يوعز إليه رؤية هلال رمضان،وقرأ بيان فتوى قتل الشباب ،كانت الثوره مساجلة طبيعيه بين أسوأ مافي اليمن وأنبل مافي اليمن.

 كان الصراع أيضاً بين السلم والحياة والمستقبل وأدواتهما، وبين العنف والماضي والموت وأدواتهما، وثمة فرق كبير جداً بين أيادي الشباب الملتصقة بالكيبورد والحاسوب والورد والقلم من أجل حياة الإنسان والوطن.

وتلك الأيادي الملتصقة بأدوات الموت من القناصة إلى قاذف الأر بي جي إلى أجهزة التنصت التي ترصد أنفاس الأحرار من هذا الشعب.

قبيل جمعة الكرامة كان النظام قد بدأ في تدشين مايمكن أن نطلق عليه عربون ""الجريمه """ففي صبيحة يوم السبت ال12 من مارس تقدمت أرتال من مكافحة الشغب بالأمن المركزي في محاولة لاجتثاث ساحة التغيير..أظهر شباب الثورة استبسالاً واستماتوا في الدفاع عن الساحة.

سقط الشهيد عبد الله الدحان في ذلك اليوم، وتراجعت أرتال الأمن وأظهرت الفضائيات صور لشباب يتصدون لمصفحات الأمن وقاذف الغازات الخانقة بأياديهم وصدورهم العارية، ظهر شاب يصد المصفحة بكلتا يديه كان ذلك الشاب أنيس أحمد عبده سعيد القدسي الحقوقي الذي استشهد في إحدى مظاهرات الثورة السلمية فيما بعد.

كان أسبوعاً مرعبا بكل تأكيد، نُصبت فيه الجدران في محيط الساحة وفي كل المنافذ وحولها النظام إلى مايشبه ساحة إعدام مفتوحة وحولها الشباب إلى شعلة ثورية ثقافية وفكرية وربما اجتماعية.

حملت القناصة كانوا يتمركزون في العمائر المتاخمة للساحات في منازل كان بؤر للبلطجة، وكانت تتبع مسؤولين في نظام صالح والبعض منها تتبع المُخبرين والعسس.

في ذلك الأسبوع كانت طلبة المدارس يتوافدون كل صباح إلى الساحة كلما ألمّ بها حصار خانق، أحدهم طالب في ثانوية الكويت كتب في حائطه ذات مساء: "صبيحة 12مارس أدينا طابور الصباح في ساحة التغيير كان طابوراً رائعاً بالفعل..

ليلة جمعة الكرامة مشوبة بالقلق والإرهاب النفسي..قبلها بأيام كان خالد الحزمي قد وزع سلال صغيرة ذات شبك بلاستيكي لتجميع النفايات حرصاً على نظافة الساحة، جمعتنا ليلة مع خالد نقاش ثوري في خيمة 15يناير مع الدكتور محمد الظاهري والصحفي غمدان اليوسفي كان خالد يطرح رؤى لتوحيد الفعل الثوري ولكنه غادر الحياة في ظهيرة جمعة الكرامة.

بدأت الصلاة في ساحة التغيير وامتدت الساحة إلى قرب جولة الشهداء (المركز الإيراني سابقاً) حيث الجدار الملفوف بالإطارات منذ الصباح، بعد الصلاة ظهرت أيادي من خلف الجدار وهي تصب البترول على الإطارات خلف الجدار، اندلع الحريق وغطى الدخان سماء المكان، كان الدخان كغطاء لحملة القناصة على أسطح المنازل الذين باشروا بإطلاق الرصاص فيما ألسنة اللهب تتصاعد مثل حبات البرد على رؤوس الشباب وصدورهم، كان القنص مركزاً للغاية وكان يستهدف بشكل أدق ذوي الكوافي البلاستيكية الملونة، سقط دفعة من الشهداء منهم خالد الحزمي وحامد اليوسفي والشاجع من أبناء وصاب.

كما سقط شهيدا آخر بالقرب من المركز الإيراني يدعى ماهر من المحويت.

دك الشباب الجدار وأطفئوا حريق الإطارات تماماً وتقافزوا صوب العمائر التي كان ينطلق منها رصاص القناصة، كان أحدهم ينادي من على منصة الساحة عبر مكبرات الصوت ..بعض القناصة يتمركزون في منزل محافظ المحويت كان منزلاً من الطوب الأحمر وفي منزل المحافظ صعد أنور الماعطي من على الباب فتح أنور الباب قبل أن تباغته رصاصات القناصة وتقضي عليه.

وضع يده على صدره وكان يتلوى بالقرب من الباب..كان هناك شباب يعتمرون الكوافي البلاستيكية الملونة (صفراء..وحمراء) كان أولئك هم شباب لجنة النظام كانوا يتساقطون بين قتيل وجريح.

بعد أن سقط الجدار رأينا أرتالاً من الأمن المركزي ومن جهتم يأتي رصاص وكان أمامهم ثلاثة شباب سقطوا شهداء بالقرب من مركز الأصبحي للتجارة وكانت بقع الدم مستطيلة ودائرية تملأ الأرصفة والإسفلت.

من على فتحة الشارع المؤدي باتجاه هائل والرقاص ظهر من خلف جنود الأمن المركزي رجل ملثم أطلق الرصاص على مجموعة شبابية بالقرب من أحد استديوهات التصوير سقط أربعة شباب بين شهيد وجريح، ثم لاذ بالفرار دون أن يحرك الأمن ساكناً.

وعلى مقربة من عمارة الخولاني ظهرت امرأة يزيد عمرها عن الأربعين ترتدي حجاب فقط كانت تقبل رؤوس الشباب وتبكي وتمنحهم قطع البصل والماء، وفيما الشباب يتساقطون بين شهيد وجريح، كانت مصفحات الأمن المركزي تصب الماء الساخن والغازات الخانقة أيضاً وكان رشاش الماء يتعمد إزالة بقع الدم لإزالة معالم الجريمة.

أربع ساعات من القتل المتواصل ..كان يوماً دامياً سقط فيه 53شهيداً كان كل شهيد يحمل فكرة لأبناء اليمن، كان منهم الصحفي والمفكر والطالب الجامعي.

فمثلاً عبد الباسط المشولي كان رأسه يحمل أفكار لبناء الوطن والإنسان خلف كتاباً ضخماً لم يُعرف إلا بعد موته، كان عنوانه: "أفكار مثالية لبناء اليمن".

ومن المؤلم أيضاً أن جريمة جمعة الكرامة كانت في 18 مارس قبل عيد الأم بثلاثة أيام, ارتجت اليمن على بكرة أبيها وصرخت كل أم: قلبي مفطور على ولدي، ومن المفترض أن يكون يوم18 مارس هو يوم تجهيز الزهور للأمهات في عيدهن، لكن الزهور كانت تنزف ذلك اليوم فيما تنزف الأمهات دمعاً.

توقف القتل تقريبا في الساعة الخامسة تقريباً، وفي المساء أطل صالح ووزير داخليته من على شاشات التلفزة ليعقدوا مؤتمراً صحفياً ركيكاً كان جريمة مضافة وألم مضافاً كذلك.

تعامل صالح مع الجريمة بشيء من الاستخفاف و"الدعممة الدموية" وألصق التهمة بسكان الحي دون أن يستند إلى أدلة واضحة.

ثم إذا كانت عملية القتل توقفت يوم المغرب وإذا كان الزلزلال ضرب "هايتي" احتاج لتحقيق ثلاثة أيام فماذا عن التحقيق عن جريمة منظمة، هل يُعقل أن تكون ثلاث ساعات كافية ليخرج صالح في مؤتمر صحفي يعلن فيه أن سكان الحي هم من ارتكب الجريمة دون حالة اعتراف وهذا يطرح علامة استفهام بحجم جامع "الصالح" في السبعين؟!

إذا أردت أن تعرف من القاتل فاسأل من المستفيد من عملية القتل ومن أسرع الناس في التغطية على جريمة القتل أيضاً،ثم جاءت فكرة الإلحاح على الحصانة لتكشف عن المجرم الحقيقي .

استيقظ الشارع اليمني صباح اليوم التالي وعلامة الذهول على وجوه الجميع فيما استهتر الشارع اليمني من مفرقعات إعلان الحداد الذي أعلنها صالح وبدأت ساحة التغيير بالتوسع وظهر شباب الثورة غضبهم العارم وطرحوا فكرة دفن الشهداء في دار الرئاسة ليكون زحفاً سلميا نحو القصر، غير أن صوت الشباب لم يلبى إلا أن الثورة دخلت مرحلة الوطيس واللاعودة أيضاً عقبها انشقاقات من داخل النظام وإلتفاف فئات الشعب التي حزمت أمتعتها باتجاه ساحة الثورة والحرية لتظل جمعة الكرامة ذاكرة كرامة لتفسير حالة نظام إجرامي مارس الإذلال بحق الإنسان.

كما أن القتلة الذين تم القبض عليهم من قبل الشباب في ساحة التغيير كان البعض منهم يحمل قناصات الحرس الخاص الذي يتم صرفها خصيصا لمكافحة الإرهاب على أساس التعاون الأمني بين واشنطن وصنعاء والبعض منهم حرس خاص بثياب مدنيه ومن الواضح أن الحرس الخاص يتبع نجل صالح كما المدشن الميداني لأي عمليه أمنيه هو الأمن القومي الذي يتبع عمار محمد عبد الله صالح واللبدوز علي الآنسي احد صناع البؤر الإجراميه في البلد

ولابد من أن تفتح إلى الآن حالات الاعتراف وخيوط الجريمة موثقة على قنوات التلفزة وهذا يضع علامة استفهام غريبة أيضاً.إلى الآن لم يتم بث حالة اعتراف واحده مع ان عشرات ألقتله من جمعة الكرامة تم إلقاء القبض عليهم وتسليمهم للفرقه وقيادتها.

وبحسب مقابلة علاو للجمهورية قال علاو وان علي محسن أعاد ألقتله الى من أرسلهم للقتل ومثل هذه التشابكات لايمكن لا أن تمر بهدوء على أهل الضحايا ورفاق دربهم إطلاقاً ،كل مايُمكن التأكيد عليه أن جمعة الكرامة صفحة غير قابلة للطي ثم إنها ظاهرة تتطلب دراسات معمقة ومطولة على أسس سيكيولوجية وفسيولوجية باعتبارها الجريمة المنظمة بحق المدنيين السلميين وهي أبشع جريمة في التاريخ اليمني المعاصر.

*كاتب وناشط في الثورة الشبابية السلمية


في الأحد 18 مارس - آذار 2012 08:36:28 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=14623