الوحدة اليمنية من المهم إلى الأهم
مها عوض
مها عوض

اندفع الشباب بحماس عفوي وجسارة لا تقهر في أولى خطوات ثورتهم سعياً نحو التغيير والحرية حددت غايتها في إسقاط النظام ورحيل أركان ورموز حكمه لضمان عدم العودة إلى النظام المركزي والعائلي ذات الحكم الشمولي الاستبدادي المستأثر بالسلطة، وكذلك القضاء على الفساد الذي يتفشى في بنية هذا النظام ومؤسساته، الا أن ما شهدته الثورة من مجريات للأحداث وفيما طوقت من كافة الاتجاهات والأطراف حتى أضحت وسيلة حديثة للألاعيب السياسية والتمكين من خلالها بالعمل على إعادة انتاج وتحقيق غايات التغيير على هيئة تغيير شكلي مع الحفاظ على المضمون مع السماح ببعض الإضافات لزوم التعديل المضلل، وبدعم مادي وتقني وفني داخلي وخارجي يضمن تهيئة وتوفير الاجواء، الامدادت والمهارات اللازمة لذلك، بل وبمساندة في المشاركة والمراقبة الحثيثة لآليات التنفيذ. ومع هكذا وضع من العبث السياسي، تبقى القضية الجنوبية وستظل محكمة في أبعادها الوطنية والسياسية باعتبارها وثيقة الصلة في مشروع وطني تمثل بانجاز الوحدة اليمنية، شهدت من الخروقات التشريعية القانونية والسياسية وانتهاكات حقوق الانسان على مدار حكم هذا النظام الذي نصب قائده نفسه بأنه الصانع التاريخي الوحيد والمنفرد في تحقيق هذا المنجز الوطني وأنه هو من يحرص للحفاظ عليه، لاغياً بذلك كل الأسس الوطنية والاعتبارات الإنسانية للاتفاق على الوحدة، ومن دون أدنى مراعاة واعتراف للشركاء والمعنيين بها سواء ممن وجد طرف أولي معه في صياغة معالم تحقيقها أومن واصل متمسكاً بها وسخر جهوده للحفاظ والاستمرار فيها على المستوى العام المؤسسي والمجتمعي والشعبي.

تتوفر الدلائل على أن القضية الجنوبية ذات أولوية أساسية للتغيير والحرية تستدعي معالجتها حيث تشكل بدرجة رئيسية ضرورة في طريق إعادة البناء الصحيح والسليم لحاضر ومستقبل الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة (مطلب التغيير) في سياق نظام دولة الوحدة اليمنية، فإذا أردنا أن نتقدم خطوة إلى الأمام في مسار عملية تصحيح بناء اليمن الموحد ينبغي إعادة إرساء مبادئ ووضع أسس للنهج الاتحادي التعددي وفيما يتوجب معه تنظيم علاقة بنية الدولتين(عدن عاصمة الجنوب وصنعاء عاصمة الشمال) كشركاء رئيسين معتمدين في إبرام اتفاق وطني على الوحدة باعتبار أطرافها ممثلة عن أقاليم سيادية تتمتع بكافة الامتيازات والسلطات والصلاحيات، وينظم علاقتها دستور دائم يضمن حقوق المواطنة الكاملة التي لم يوفرها النظام الإداري للحكم المركزي القائم والمتبع على أساس المحافظات، ومما لا شك فيه فإن هذه المقومات تكمن في مقترح الوحدة الفيدرالية كبديل لإعادة صياغة مسار الوحدة، من منطلق ان الفيدرالية تعتبر أرضية صلبة وأساسا قويا لنظام الحكم الديمقراطي في بناء صحيح للدولة الموحدة تعتمد توزيع السلطات والصلاحيات بما يمكن الأقاليم والمحافظات من إدارة شئونها في مستويات الحكومات المحلية. وبالمقابل الحكومة المركزية تتفرغ للاهتمام بالقضايا الوطنية المتعلقة بالشؤون الكبرى السيادية والسياسات الخارجية للدولة الأمر الذي قد ينعكس ايجابيا في تطوير العملية السياسية ومواكبة الأنظمة المتطورة عالميا.

كما تأتي أهمية ترسيخ فيدرالية الأقاليم في نظام إدارة الحكم في الدولة الموحدة لما يضمن بنيانه ونهضته وثقله لاستثمار موارده الغنية لصالح شعبه مع ضمان الرفاه الاجتماعي لجميع أبناء المجتمع، ويمكننا هنا تسليط الضوء على أهمية إتباع هذا النظام من خلال المزايا وبما يتسم بها من منطلق الفائدة الاعتبارية العامة بامتداد وتوسع شامل، والتي قد سبق ذكر منها* وذلك على النحو الآتي:

·تقرير المصير الوطني الشامل في انجاز الوحدة اليمنية من منظور اتفاق يستند على الشراكة المتساوية في اتحاد الدولتين على نفس القدر من الأهمية مع احترام التاريخ والهوية.

·الحفاظ على السيادة والنفوذ للدولة الفيدرالية والأقاليم وطبيعة العلاقة بينهم.

·ترسيخ اعتبارات تعدد المستويات الحكومية وسلطاتها، حيث يمارس كل منها سلطة مباشرة على مواطنيها، مع توزيع رسمي للسلطات التّشريعية والتنفيذية.

·التوافق والانسجام مع الوضع المحلي والداخلي والإقليمي والدولي.

·دعم القوة الصارمة للدستور باعتباره السلطة العليا للدولة وسلطاتها. حيث يضمن المبادئ الأساسية لنظام إدارة الحكم في الدولة الفيدرالية/أقاليمها المستقلة ذات السيادة, مثال على ذلك إتباع نظام الحكم في نسق جمهوري برلماني ديمقراطي تعددي.

·ضمان استقلال سلطة القضاء وتحديد نوعية واختصاصات المحاكم وتوزيعها فيما بين الدولة الفيدرالية والأقاليم.

·تعزيز الديمقراطية وضمان المواطنة المتساوية للجميع بالمشاركة في بناء نظام ديمقراطي للدولة الحديثة.

·تشكيل مجالس تشريعية برلمان- شورى وسلطة تنفيذية ورئاسة منتخبة بموجب إرادة المواطنين والمواطنات في كافة أقاليم الدولة الفيدرالية.

·ضمان حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وتطبيقها على أسس واضحة من المساواة التامة في الحقوق والواجبات ضمن أجواء ديمقراطية حقيقية.

· التشريع وسن القوانين التي تضمن حماية حقوق المواطنين والمواطنات في الأقاليم حسب مصالحهم وخصوصياتهم.

·دعم حقوق المواطنين والمواطنات في الوحدات الإدارية الصغيرة وضمان مشاركتهم في وضع السياسات واتخاذ القرارات.

·خلق التوازن بين مصلحة الدولة ومصالح الأقاليم والوحدات الإدارية من خلال تنشيط المحافظات والمناطق النائية المهمشة لاستثمار مواردها.

· ضمان الاستقلالية للأقاليم في التصرف بمواردها واستحقاقاتها المالية من والى الخزانة الفيدرالية.

· الاستغلال الأمثل للموارد المحلية (البشرية والطبيعية والمادية) لصالح التنمية المتوازنة بين مختلف المناطق في الأقاليم.

·خلق فرص الاستغلال الأمثل للموارد لغرض تلبية حاجات السكان المحليين وإيجاد تنمية شاملة مستدامة حقيقية.

·توفير القدرة والسرعة والمرونة في اتخاذ القرارات وتلبية الحاجات للأقاليم والوحدات الإدارية وحل الصعوبات والمشاكل المحلية ومتابعة نتائجها.

·احترام وتوطيد روابط علاقات الأخوة والتعايش السلمي الحر فيما بين سكان أقاليم الدولة الفيدرالية بما يضمن التنوع والاختلاف المجتمعي ويحافظ على الأصالة الاجتماعية والثقافية.

· دعم دور منظمات المجتمع المدني بتوسعية نطاق نشاطها في مختلف ميادين عملها، والتنسيق في علاقاتها.

· تخفيض حدة التوتر والنزاعات التي تنشأ للأسباب السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية.

· إبقاء تأثير المشاكل والأزمات السياسية في العاصمة الاتحادية دون أن تنعكس على بقية المناطق في الأقاليم.

·تعزيز الأمن والاستقرار بشكل عام بعيدا عن أي تأثيرات قد تنشئ في أي من المحافظات والمناطق الأخرى.

وأكيد عند التطبيق سوف تظهر غيرها الكثير، ولكن مع بيان تلك المزايا الهامة التي يتسم بها نظام الدولة الفيدرالية ومقارنة علاقته بالواقع اليمني المعاش في ظل نظام دولة الوحدة الاندماجية المتخمة بالمشاكل والعيوب والتي أصبحت مهددة بالتمزق والانفصال، فإن عملية إرساء هذا النظام السياسي والإداري المرن لإدارة دولة اتحادية من الأقاليم والمحافظات يعتبر ضرورة حتمية لتفادي مخاطر تجدر الدعوة إلى الانفصال وفك الارتباط كحل للقضية الجنوبية وكذا معالجة الأضرار الجسيمة المرتبطة بها منذ قيام الوحدة واستمرارها مع الخوف على مستقبل الجنوب وأبنائه وبناته من بقائها على نفس الشكل، كما أن من شأنه تدعيم العدالة للوحدة بما يلبي الاعتبارات الوطنية والانسانية وينسجم مع مطالب القوى السياسية والشبابية والشعبية والأطراف التي لديها مصلحة حقيقية في تصحيح نهج ومسار الوحدة والحفاظ عليها في إطار الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة (هدف وحلم الثورة) والعمل على تحقيق التنمية التي تعتمد على أسس حديثة.

والآن وفي هذه المرحلة للبناء تتوفر لدينا الفرصة التاريخية للتغيير والقيام بتحول نوعي جاد في معالجة الآثار السيئة والمتخلفة عن الإدارة السلبية لحكم النظام السابق دون رجعة، وفي إثبات صدق النوايا والمساعي لمعالجة القضية الجنوبية بإعادة إرساء نهج جديد وحديث للوحدة اليمنية انطلاقا من اعتراف وتأييد الجميع بأولوية ومحورية القضية الجنوبية ولزوم معالجتها، وبما يمكن القول فيه إنه بإرساء هذا النموذج المنشود والجديد لإدارة دولة مدنية ديمقراطية حديثة سيؤهل اليمن لأن تكون قادرة على النهوض وتأمين مستقبل مشرق زاهر للجميع

أيضاً تعتبر هذه الفرصة السانحة أمام اليمنيين مهمة ومصيرية لاتخاذ القرار المناسب والحاسم لتشكيل نظام الدولة الفيدرالية، وبغية تحقيق هذا الأمر يمكن الاستفادة بجدية من تجارب الدول المماثلة الذي حققت نموا مزدهرا في جميع مجالات الحياة.

ونأمل أن تكون التجارب المريرة التي مرت بها دولة الوحدة اليمنية على مر عقدين زمنيين وأكثر دافعا قويا للوصول إلى قناعة تامة بان نظام الدولة الفيدرالية مكمل للديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية والدستورية كأركان أساسية ستبنى عليها دعائم الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة في نطاق "الوحدة الوطنية والسياسية ".

كما إنها ستهيئ مجال التنافس الايجابي لإقامة الأقاليم الفيدرالية اليمنية في المستقبل المنظور حيث سيكون انطلاقة جديدة وبادرة محفزة لبقية المحافظات لإعلان الفيدراليات الدستورية وبناء البلاد على أسس جديدة وحديثة للجمهورية اليمنية الاتحادية.

Maden_753@hotmail.com


في الإثنين 21 مايو 2012 07:28:28 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=15657