قراءة متأنية .. في مفاهيم ’’الحوار الوطني
صالح السندي
صالح السندي
الحوار لغة العصر والتفاهم بين الأمم والشعوب المتحضرة , وينمّ عن ثقافة وطنية عالية ومتقدمة ومتجذرة في الأوساط السياسية والثقافية اليمنية , ويدل على صحوة كبيرة وافدة في الروح الوطنية , ونابع عن عقائد وطنية عالية بالدعوة الى التوافق والحوار لتحقيق سبل الأمن والإستقرار وتوفير أسس ودعائم التقدم والرخاء , التوجة الوطني مؤخرا في هذا الإتجاه يصب في مصلحة الوطن و يؤكد ان لا بديل لليمن غير الحوار والجلوس على طاولة واحدة -على الأقل من الناحية السياسية - سيخدم بقية المكونات الشعبية وربما يساهم نوعا ما في إحلال الأمن والسلم الإجتماعي ويخلق أجواء مناسبة لإستئصال بقايا النظام السابق وتوحيد الصفوف السياسية من جديد كما كانت في عهد بدايات الثورة الشبابية .

فتأطير الحوار الوطني كقاعدة أساسية وجوهرية للتغيير وغرسه في النفوس كثقافة واعدة بالخير والنماء يخدم جميع التوجهات والتطلعات السياسية في احداث نقلة نوعية وجوهرية في العمل الثوري والشعبي , الذي افتقد الكثير من رونقة وأداءه الفعلي والعملي بسبب انشقاق الصف واختلاف الأراء لما سببته المبادرة الخليجية والانتخابات الرئاسية والتدخل الخارجي من انقسام في الصف الوطني , خلقت تباعا لها اجواء من الفوضى الأمنية والثورية على حد سواء , ذاق الوطن منها الأمرّين وعانى من تبعاتها ونتائجها اشد انواع القهر والحرمان , وترك الباب مفتوحا امام فلول النظام السابق من بسط السيطرة والنفوذ والتوحد في مجابهة الإرادة الشعبية وتفريق الصف الوطني متبعة سياسة ’’فرق تسد’’ .

ربما الدعوة مؤخراً الى الحوار الوطني الشامل فيه الكثير من الحكمة والتعقل -مع التحفظ الشديد- على حوار الساحات الداعية الى فض الإعتصامات وإخلاء الساحات من شباب الثورة , الإتفاق على أطر الحوار الوطنية مع الساحات يجب ان تكون مرهونة تحت سقف الثورة ومنسجمة كليا مع الثوابت الوطنية والدستور اليمني , اما ما يخص الجانب السياسي فالإستمرار والدعوة الى تأطير ثقافة الحوار وتقريب وجهات النظر وخلق أجواء وطنية مناسبة للمّ الشمل ووحدة الصف فهذا هو جوهر التغيير الفعلي والحقيقي والخطوة الأولى لمواجهة نفوذ الاسرة الحاكمة , وفرض اجندة واهداف الثورة كحقيقة معاشة في الواقع اليمني , وتفويت الفرصة على اطراف معادية معينة تابعة للنظام السابق من الإمعان في سلب الحقوق وامتهان الحريات والتلاعب بمصير الوطن والسير على نهج الولاء والطاعة للاسرة الحاكمة .

إن الدعوة الى الحوار لا تعني البتة.. التنازل عن الثوابت الوطنية بالمحاكمة والقصاص العادل وتطهير الوطن من براثن الشر والفساد ومحاكمة المتهمين بقتل الشباب والفساد المالي والإداري , الحوار لا يعني ..التوافق على اغلاق ملفات الماضي والإفلات من مبدأ العقاب والحساب والمحاسبة ضمن القوانين الدولية , الحوار لا يعني البتة ..الإعتراف بالمبادرة الخليجية والعدالة الإنتقالية والحصانة الكاملة و التسليم الكلي للخارج والإنصياع لتدخلاتع ومؤامراته , الحوار لايعني الإعتراف بنتائج الإنتخابات الرئاسية وإغفال القضية الجنوبية مثلا , الحوار لا يعني ..اطلاقا فض الساحات والإعتصامات والإعتراف مثلا بشرعية حكومة الوفاق الوطني , الحوار ايضا لا يعني ..الإذعان والقبول باستمرار حكم الفلول واتباع النظام السابق والتسليم لأوامرهم والمضي في سياساتهم المتبعة ضد الوطن , الحوار لا يعني اطلاقا المساس بالثوابت الوطنية والتنازل عن السيادة الوطنية والاستقلال والتفريط بالحفاظ وصون اراضي الجمهورية اليمنية من انتهاكات الخارج والجوار من البحر العربي الى أقاصي الشمال , الحوار الوطني العادل والصادق لايعني مطلقا التسليم للتدخل الامريكي والأجنبي في اليمن والقبول به في انتهاج سياسة التدخلات في السياسة الوطنية ,و لا يعني الذهاب للحوار اطلاقا ..فتح الباب مفتوحا على مصراعيه امام فرض آراء الغير والتنازل عن أسس وثوابت القيم الوطنية والإنسانية والأخلاقية , فلا يعني الحوار مع الأطراف المختلفة والاحزاب الحاكمة منها والمعارضة التواطؤ في كل ما يمس الوطن اليمني الكبير ويستنقص من سياسته وإستقلاله وإستفراد اليمن بقراراته وخياراته المصيرية .

الحوار الجاد الذي ندعو اليه جميعا هو الحوار العادل الشامل , حوار القوة والعدل لا حوار الضعف والإنهزام , حوار العزة والكبرياء لا حوار الاستسلام والتنازل والإرتهان لآراء وسياسات الغير و إملآءات الخارج , الحوار الذي نريده حوارا وطنيا شاملا لحل كافة مشاكل اليمن ومعضلاته العالقة وأزماته المتراكمة والمتفاقمة , الحوار الذي نريده حوار التوحد والإتفاق والإلتقاء في منتصف الطريق لجميع الآراء والتوجهات لما فيه خدمة الوطن وتدعيم الثورة الشعبية واحداث جوهر التغيير والاقتصاص العادل من قتلة الشباب في الساحات وتجميد الاموال المنهوبة وإعادتها للوطن لإستثمارها في تقوية الاقتصاد والمشاريع التنموية , ووقف التطرف والارهاب ومحاكمة جميع المتورطين في العلاقات المشبوهه والمنحدرة من اصول العمالة والخيانة والتآمر , والتي جرّت الوطن الى الكوارث والإحتضار والإنتكاس , الحوار الذي نريده حوار القوة والصمود والمضي قدما لإنجاح أهداف الثورة الشعبية .

ومع بدء تحرك تروس ودفة عجلة الحوار بصورة تلقائية وعفوية كمطلب شعبي ملّح , ومع تنامي المد الداعي و توسع الترويض لها برزت قوى معارضة للحوار - سواء داخلية او خارجية- سبب لها الإجماع الوطني الكثير من القلق والرعب من نتائج الاتفاق ومخاوف من الاتحاد تذوب معه أهدافها ويتلاشى وجودها , لن نستغرب حينها أن تلجأ الى السلاح وتفجير بؤر الصراعات شمالا وجنوبا وبدعم أطراف خارجية , لايروق لها رؤية اليمن موحدا عزيزا , رغم التحفظات الكثيرة لبعض الأطراف المشاركة في الحوار على وجود اطراف معينة غير مرغوب بها وطنيا -ان صح التعبير- تخدم النظام السابق , ولكن بنظره عامة وشاملة ومتفحصة نجد ان دعائم التوحد والحوار ستكون منافعها اكثر من مضارها وايجابياتها اكثر من سلبياتها , وستخدم الصف واللحمة الوطنية والثورة بقوة اكثر في مواجهة فساد النظام السابق , وحصرة في الخندق الوطني وتحت مرمى عين المحاسبة والمسآئلة , وخنقه في سردايب وزنازين المحاكمة ووضعه تحت مجهر الرقابة الوطنية.

القبول بالحوار كخيار وحيد جاء مؤخرا نتيجة لوصول قناعات وطنية مفادها ان ما وصلت إليه الأوضاع اليمنية المتأزمة والمعقدة لا حل ولا مخرج لها الا بالحوار الوطني الشامل و العادل , وان دلّ على شئ فإنما يدل على صفاء النفوس اليمنية التوّاقة للسلام والتغيير , ويدل ايضا ان التوحد والانصهار في البوتقة الوطنية الواحدة نتيجة متلازمة للوقوف ضد سياسات وألاعيب النظام السابق وايقاف سياسات استنساخ الفساد والمؤامرة , والذي سعى وعلى مدى عقود من الضرب على وتر الطائفية والمذهبية والمناطقية والتفريق بين ابناء الوطن الواحد تحت مسميات عدة , وزرعها في الثقافة الوطنية تحت بنود المؤامرة والعمالة , فالحوار دلالة مؤكدة ان انقسام الوطن بالأمس كان نتيجة خاطئة لعبث الرئيس السابق ونظامه بأبناء الوطن وبالوحدة الوطنية, وهنا تكمن المشكلة والخطر الحقيقي في التوجه الى رصد مواطن واسباب الإختلاف ومصدرها , والتوجه الى النزعة الحقيقة بالاتحاد بدلا من الاختلاف لمواجهة خطر الماضي وثقافات الأمس الدخيلة والمتمردة على الطقوس الشعبية التواقة للوحدة والاتفاق.

إن صهر المبادئ الوطنية في إطار الحوار الشامل قد تعيد التوجه الشعبي الى المسار الصحيح , والاتجاه قدما الى توفير القوة الممكنة والارادة العصيّة لإحداث جوهر التغيير , وربما يكمن هنا اساس وجوهر التغيير في خلق القوة المكتسبة والارادة القوية لكسر حواجز الأمس وغرس ثقافة جديدة تلبي طموحات الشعب اليمني في احداث نقلة نوعية وعظيمة في جميع مستويات الحياة الإجتماعية والتنموية وحتى السياسية والثقافية , وإن كنا مع الحوار الشامل حتى مع تنظيم القاعدة لحساسية هذه النقطة بالذات لما يمس السيادة الوطنية من التدخل الأجنبي , فالحوار مع التنظيم سيجني ثمارا بعيدة المدى من خنق التنظيم وعزلة اجتماعيا وثقافيا وإيقاف توسعه وتمددة في الاراضي والعقول كفكرة ناشئة ومتمردة على كل ما هو حضاري ومتمدن, رغم ان الدعوة الى الحوار مع التنظيم لا تلاقي ترحيبا كبيرا من اكثر الاوساط السياسية و-ربما لاسباب دولية خارجه عن ارادتها - بالتوجة الى الخيار والحسم العسكري لإنتشال التنظيم من محافظات الجمهورية , ولكن هذه النظرة ينقصها الكثير من العقل والحكمة وتركت المجال مفتوحا لانتهاك السيادة الوطنية من قبل الخارج , الحوار مع التنظيم الذي بدورة لاقى رواجا كبيرا وانتشارا واسعا في مناطق الجنوب والشمال على حد سواء , وتعاطف كبير من قبل اكثر المواطنبين بسبب الغارات الامريكية وقتل الابرياء , وعليه اتجهت اكثر القبائل ورموز القبيلة في الجنوب الى التعاطف معة وحمايته , اذن ايديولوجية البقاء للتنظيم قائمة على كسب التعاطف واستنفار الهمم والمشاعر ضد التدخل الخارجي , وبالرغم من ان اكثر المنضمين مؤخرا لا توجد لديهم القناعات بالانضمام او الاعتقاد بافكار التطرف وبالحوار وحدة سيتم التغلب على قوة السلاح وبسلاح العلم والمعرفة والمواجهه الفكرية فقط سنستطيع الإنتصار للإرادة الوطنية وتجنيب اليمن مخاطر الكوارث والحروب وبما يساهم في تقويض التدخل الأجنبي بكافة صورة وإشكاله , ان استثناء القاعدة من الحوار سيجر كوارث عديدة وجمّة , وربما امام ما سيتفق علية الأطراف المتحاورة جميعا ستبقى القاعدة شوكة في حلق الحوار والاتفاق , وحجرا عثرة امام احلال السلام العام , وسدا منيعا أمام اية تسويات مستقبلية وستبقى الحلقة الحوارية الناقصة وستصبح حينها نتائج الحوار عقيمة و بلا فائدة , حتى وان اتفقت جميع الاطراف على مبادئ وثوابت معينة مستقبلا .

إذن الجلوس على طاولة واحدة يحمل دلالات عديدة من مستوى الحس الوطني الرفيع لدى اغلب القوى السياسية والشعبية ومن ناحية اخرى يحمل مفهومات عديدة عن الخيارات الشعبية التي تعكس مدى رغبتها الحقيقية في احداث التغيير والسلام , ويثبت بان الشعب اليمني مهما قيل ومهما تقلب الزمان علية شعب حضاري اصيل حكيم ذو عادات واعراف سامية , وما نتمناه فعلا هو ان تنسجم مفاهيم الحوار الوطني مع الأهداف والخيارات الشعبية وتسير بصورة متوازية مع تطلعات الشباب واهداف الثورة الشعبية من احقاق العدالة الثورية واسقاط النظام كليا , وتحدث التقدم المرجو والتغيير المنشود للسير قدما الى آفاق الحرية والتطور .


في السبت 02 يونيو-حزيران 2012 04:58:07 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=15854