شعب لا ينتصر لفتاة .. لا يستحق الحياة !!
صالح السندي
صالح السندي

فتاة عصر تستغيث وتصرخ صرخات مدوية في وجة الوطن , و تنادي بحسرة متناهية وبأعلى صوتها من أعماق الذل والمرارة و الإنهزام , ولا مجيب ..فحينما توالت الأخبار بسرعة متزايدة بما حدث , تمهل الكثيرون في الإنتظار حتى يتسنى لهم التأكد من ملابسات القضية وحيثياتها لتحري الحقيقة , وحتى يتم تنفيذ حكم الله في الجناه , و لسان حالهم يقول ’’لعلّ وعسى’’ و حتما ستأخذ العدالة مجراها ويأخذ الجناه الحكم العادل قريبا, وطالت الفترة ..وطال الإنتظار , وتاجر الإعلام والمتاجرون بالقضية إعلامياً وسياسياً , وكل يكيل التهم وكل الأطراف تمعن في نشر ما يحلو لها من الإشاعات وترديد الأقاويل , واستغلال الموضوع كمادة اعلامية خصبة , والفتاه هي الضحية الوحيدة صاحبة الحق الضائع في خضّم هذه المعمعة والجدل الكبير , ولم نتصور بتاتا ان يتعذر القبض على الجناة , ولم نتوقع مطلقا ان الجناة طلقاء يسرحون ويمرحون في طرقات صنعاء واحيائها وربما يبحثون عن ضحايا جدد .

ولهول الحادثة والصدمة المروعة التي تعد كونها اكبر من حادثة اغتصاب عابرة نفذها مجموعة من الذئاب البشرية الجائعة عديمي الإحساس والضمير , لتشبع شبقها الجنسي وتغتال برآءة طفولة , الآن اصبحت القضية قضية رأي عام وقضية مجتمع ووطن باكمله , والسبب ضعف وإهمال الأجهزة الأمنية والقضائية في تنفيذ واجباتها الدستورية والقانونية بملاحقة الجناة وحماية المواطن , و لما تم التداول بها من ردود افعال صادمة و باردة جدا من قبل البعض والتي لاترقى لمستوى الحدث الكبير , الحادثة تدق ناقوس الخطر في مجتمع صامت مقيد ومكبل في مهاترات سياسية عقيمة , وغارق حتى أذنية في وحل الفساد والجريمة , وغير مبال بكل القيم والأعراف والعادات والتقاليد الأصيلة , التي تربى ونشأ عليها , وبعيدا كل البعد عن تعاليم الدين الاسلامي الحنيف , المطالب بمحاكمة ومعاقبة الجناه وتقديمهم للعدالة , ويعد إنذاراً مبكراً لخطر إنهيار منظمومة القيم الاجتماعية والانسانية والمبادئ الأخلاقية الرفيعة في المجتمع اليمني, الذي طالما تغنى بها لعقود طويلة وكانت مصدر الهام حضاري كبير , يرقى باليمن ويضعها في مقدمة الشعوب الحضارية الأصيلة والمتمدنة .

وحينما نادى العلماء و أغلب الكتاب وأعلام الفكر والأدب بالوقوف جميعا مع الحادثة الأليمة وقفة جادة ومحاكمة الجناة والقبض عليهم في اسرع وقت ممكن , تباينت ردود الأفعال بين مشككة ومصدقة , وبين متقبلة ورافضة للحقيقة , بل وصل الحد الى التدخل الحكومي والرئاسي بقرارات رئاسية وحكومية نافذة بالقبض على الجناة فورا , الصمت الذي قوبلت به القضية والحدث تحمل معان ودلالات عديدة عن مدى الهوه الإجتماعية السحيقة التي وصل اليها الوطن , من تردي المفهوم الأخلاقي وانحطاط المعيار الأدبي بدرجات نسبية كبيرة ومتفاوتة, وعن مدى العمق و الفتور في شحذ الهمم واستنفار العزائم ومواجهة شبح الإنهيار الأخلاقي والحتمي القريب لمجتمع بأكمله , بما تعيد المجتمع اليمني الى الحياة البدائية و زمن العصر الحجري وقانون الغاب في التعامل مع مختلف القضايا والهموم , البقاء فيها للأقوى , بما يساهم بصورة مباشرة في وأد روح التسامح والألفة بين ابناء الوطن الواحد, لأن المجتمع الآن اصبح ملوثا بالجريمة مع سبق الإصرار والترصد , ومع التعنت والإستكبار والتمادي والإنكار من قبل الجناه ومع الصمت المفرط واللامبالاه من قبل المجتمع بجميع مكوناتة السياسية والشعبية .

فهنا لم تصرخ فتاة اليمن ’’وا إسلاماه.. وا معتصماه ’’ طلبا للنجدة من عدو مجهول قادم من ورآء الحدود , ولم تشكو وتستغيث من غزو محتل , أو تتظاهر طلبا للحرية والكرامة من افعال مستعمر غاصب او نظام مستبد , الفتاة اليمنية اليوم تصرخ مستنجدة من اخوانها ومن ابناء وطنها ومن سكان حارتها , حين ذهبت مع ساعات الصباح الأولى لتأخذ مستحقات اسرتها من رغيف الصباح لتسد به رمق أخوتها الصغار , فتلقفتها ضباع الطريق وكلاب الليل بلا رحمة , لتنهش في عذريتها وانوثتها وكرامتها بلا شفقة .

 التأني والتردد في طرح القضية والحكم فيها و حسمها بصورة عاجلة , والبحث عن اعذار واهية وعن حجج متناقضة للتأجيل والتستر على الجناه , واللجوء الى المصالحة والمساومة والتهديد أحيانا أخرى , تدفع المجتمع اليمني وتسوقة الى حافة الهاوية والأنهيار والتصدع , والكل هنا مسؤولون بلا استثناء , والكل هنا سواسية في تحمل الجرم وتبعات الصمت المريع , فما حصل اليوم في منزل الفتاة الضحية سيحدث غدا في أحياء متفرقة ومناطق عديدة , ولن ننتظر كثيرا اذا تم السكوت عليها وغض الطرف عنها ان نراها ظاهرة وبائية مجتمعية خطيرة , ونقرأ عنها في الصحف ونسمع عن حوادث مشابهة ومثيلة , اذا لم يتم مواجهتها بحزم وقوة ورفع الظلم عن الفتاه واهلها , والاقتصاص للحق العام , وحق المجتمع في الحياة الكريمة الآمنة في ظل حماية الدستور والقانون , مع قانون نافذ يحمية وقضاء عادل يقتص له ويدافع عن حقوقة المشروعة , بعيدا عن هيمنة الشر والفساد واستفحال الجريمة والظلم وتفشي وباء التحرش والإغتصاب.

هذا ما يعيد الى الأذهان لجريمة مشابهة حدثت في بدايات عهد الشهيد الرئيس الحمدي وان كان الجناة اقل عددا , حين تم إعدامهم في ميدان عام على مرأى ومسمع من الجميع, ليكونوا عظة وعبرة لغيرهم , لتنعم اليمن بعدها لعقود طويلة في أمن وسلام , القضية الشائكة تستدعي توحيد الطاقات والأمكانات والجهود لمواجهة الجريمة المنكرة بكل السبل الممكنة والدفاع عن مقومات الوطن ودعائمه الإنسانية والأخلاقية والذود عنه من انتشار إخطبوط الفساد الأخلاقي في المجتمع , بما يستدعي دراسة القضية من جميع الجوانب والبحث عن اسبابها دوافعها ومآلاتها , والإهتمام اكثر بطبقة الشباب وتوفير الإمكانيات المتاحة وفرص العمل وبنآء الأماكن والحدائق العامة والصالات الرياضية وغيرها لسد اوقات الفراغ وتوجية الطاقات الشبابية الهائلة في الإتجاة الصحيح والبنّاء لخدمة الوطن , بدلا من البحث عن بدائل شيطانية عدوانية شاذة تثير الرعب والهلع في النفوس وتقلق السلم والأمن الاجتماعي , بل و يتوجب على الجهات المسؤولة والمعنية بالتعاون المستمر مع الأسرة والعمل كمنظومة وطنية واحدة و المساهمة الصحيحة والفعالة في تعميد أصول التربية الحسنة و نشر روح العلم والمعرفة والثقافة بين الأوساط الشبابية , واعادة تاطيرها مجددا في جذور المجتمع بما يساهم في اعادة تأهيل الشباب اليمني التأهيل الوطني والعلمي الصحيح .

اللامبالاه وعدم الإكتراث بهكذا قضايا لن تؤدي إلا الى طريق مسدود ونفق مظلم , حينها لن يجني المجتمع الا المزيد من الأحداث والظواهر الغريبة والدخيلة على مجتمعنا اليمني المحافظ , يبدو ان الفساد لم يتوقف عند حدود الدولة والنظام وبدأ كطاعون ينتشر بسرعة وسوس ينخر في عظم البيئة اليمنية المسالمة , واصبحنا بحاجة لآلاف الثورات لإجتثاث الفساد وبؤر الشر والجريمة , فمدرسة أسماء في تعز بحاجة لثورة , وتجاوزات المدير الفلاني بحاجة لثورة , وفتاة عصر بحاجة لثورة , وفساد الوزير الفلاني بحاجة لثورة , وبقايا النظام بحاجة لثورة , واعادة هيكلة الجيش بحاجة لثورة , فحين لا تقوم الحكومة القيام الصحيح بواجبها , يأتي دور الشارع والثورة مكملا لإصلاح اعوجاج المجتمع والسياسة معاً.

فمع الإحجام الكبير و رفض الحديث والتداول عن مثل هذه المواضيع الحساسة نظرا للخصوصية الإجتماعية والثقافية للمجتمع اليمني, التي ترى في الحديث عن مثل هذه القضايا مدعاة للخزي والعار , فلجأ اكثر الناس الى الصمت حيال هذه القضية , و كما قيل رفض والد الفتاة تحت وطأة التهديدات تقديم بلاغ للجهات المعنية ورفض الاعتراف بالحادثة وانكرها جملة وتفصيلا , فالحق المدني والخاص يخولة ان يتنازل كيفما شاء و حسب رغبتة ولكن الحق العام لا يسقط بالتقادم , ويوجب الإنصاف من قبل القضاء ويعاقب الجناة على فعلتهم النكراء وإن كانت المواقف الثورية التصحيحية من قبل أغلب الشباب وهي تغرق الميادين العامة بمظاهرات عارمة نصرة للفتاه , ومع رفقة الكثير من الفتيات ومنظمات المجتمع المدني , تحيي الآمال وتضع صورة مبشره عن وجود صحوة مجتمعية كبيرة ترفض الفساد والجريمة وتحارب الشر بكل صورة واشكالة واساطيره , وتعبر عن ضمير المجتمع الحي , وتعكس صورة العادات والتقاليد اليمنية السمحة المتجذرة في النفوس , والتي كانت وعلى مدى التأريخ الإسلامي عنوانا رئيسيا للمواطن اليمني من الغيرة والرجولة والكرامة والدفاع عن الارض والعرض بكل قوة واستبسال وشجاعة متناهية.

نتمنى ان يغلق ملف القضية نهائيا بعدالة ويأخذ الجناة حقهم من القصاص العادل , كما نتمنى ان يفيق المجتمع اليمني من سباته العميق ويواجه جميع المخاطر التي تحيق به من كل جانب بروح وطنية عالية ومسؤولة , كما نتمنى ألا نسمع يوما ما عن مثل هذه الحادثة مجددا ..


في الخميس 07 يونيو-حزيران 2012 07:49:20 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=15947