إلى الخييرين في المؤتمر والإصلاح
د. محمد البنا
د. محمد البنا

جميعنا يمنيين نعيش في اليمن, بعضنا استفاد من السلطة السابقة وغيرهم يستفيدوا من السلطة الحالية وآخرون قد يستفيدوا من السلطة اللاحقة. لكن هل يمتلك الخاسر الحق في تدمير الوطن وتعذيب الشعب ليثبت بان غيره ليس جديرا بأخذ موقعه؟ بالطبع لا, لأنه بذلك ينهي كل ايجابية قد تكون تحققت عندما كان يدير الدفة, ويعطي لخصومه فرصة نادرة في تدميره اذا لم يجدوا له سلبيات.

كل الناس خطاءون وخير الخطاءين التوابين, ولا يوجد خطأ لايمكن إصلاحه, فالرجوع الى الصواب يمحو جميع الأخطاء. فإذا كان المؤتمر قد اخطأ عند قيادته للبلاد, فقد اخطأ الاشتراكي قبله, وليس الإصلاح بمعصوم. طالما والأمر كذلك, فلماذا يتنافس المؤتمر والإصلاح على تحميل بعضهم أحمال الماضي والحاضر على حساب الشعب؟

اذا كان المؤتمر قد اخطأ سابقا, فقد كان الإصلاح شريكه في كل الأخطاء. وحاليا عادا الشريكان السابقان الى الشراكة مجددا لكن بروح الانتقام من بعضهم. في حين ان المنطقي والمعقول والممكن هو ان يتعظ الطرفان من أخطاء الماضي ويبدآن بالإقرار بتلك الأخطاء والعمل على تصحيحها دون تعذيب للمواطن.

مشكلة الحزبين السياسيين المؤتمر والإصلاح هي في القيادات غير الكفؤة وغير المؤهلة والمصلحية, الملطخة بالعار والفساد والظلم. هذه القيادات تقوم حاليا باستغلال قلة الخبرة السياسية لقواعدها الحزبية الناشئة وتحريضها ضد بعضها باستجرار الماضي والملفات المشتركة لتحطيم شركائها, واضعة القواعد الشابة في مواجهة مستمرة دون ان تكون شريكة في مآسي الماضي وأخطائه وفساده.

كان الأجدر بأحزاب التوافق اخذ العبرة والاستفادة من التجارب عبر منح القيادات الملوثة وغير الجديرة والأكثر إثارة للازمات, فرصة للتقاعد المشرف, وإعطاء الفرصة لدماء جديدة شابة بالظهور وتبؤ المناصب القيادية في أحزابها وفي المناصب الحكومية. إضافة الى إشراك الشباب غير المتحزب فعليا وليس شكليا في مواقع قيادية حكومية بين الطرفين, ليكونوا حكما وبوصلة وجهة تلطيف للمماحكات السياسية بينهما.

ان انعدام الثقة بالشباب في إطار أحزابها, يمكن اعتباره شهادة واقعية على ترهل تلك الأحزاب وشيخوخة قيادتها المتمسكة بالماضي الرافض مطلقا لفكرة التغيير بدونها. فلو بادر حزبا من الأحزاب السياسية التي يزخر بها وطننا اليمني الى القيام بخطوة جريئة تبرز الى السطح قيادات شابة مثل تلك التي شاهدناها في الساحات, لإحداث ذلك صدمة سياسية في المجتمع قد تقلب المفاهيم والأحداث, وستكون تلك الخطوة بالتأكيد عنصرا أساسيا في رفع مكانة ذلك الحزب وتقبله شعبيا.

من الغريب حقا ان نرى أحزابا عريقة بتاريخها وخبرتها السياسية العملية وتجاربها, تتمسك بأفراد لم يحققوا لها سوى التشويه والإرباك وانتشار الفساد والإفساد وتواصل المواجهات الشوارعية غير المجدية مع الخصوم. على سبيل المثال شخص مثل البركاني جعل منه المؤتمر شيخا ورفعه الى مواقع لم يحلم بها ومنحه إمكانات لإدارة دولة, فماذا كسب منه المؤتمر؟ هنجمات أولاد الشوارع – نزع العدادات – إفشال تفاهمات كان يمكن لها ان تجنب البلاد والعباد كثيرا من المآسي – إظهار ممثلي المؤتمر في البرلمان وكأنهم عصابة فوضوية لا تنصاع لأي أوامر او توجيهات وتخالف كل شيئ. كذلك الأمر بالنسبة لاراجوز اليمن مهزلة المثقفين ومضحكة الصحفيين عبده الجندي, الذي خان رفاقه وذهب بهم الى ساحة الإعدام, هل يعتبره المؤتمر انجازا تاريخيا له؟ انظروا اليه لا يتوقف عن الكذب الذي يفرح بعض المؤتمريين الباحثين عن شيئ يكيدون به خصومهم, حتى أصبح مثارا للسخرية والاستهزاء والتمثيل الأهوج, ونشر عنه مؤخرا نفيه لصحة الأنباء عن فوز الرئيس المصري الجديد.

لتعود قواعد المؤتمر الى تاريخها وتستكشفه بحثا عن انجازا ما للبركاني والجندي في حقل السياسة او الاقتصاد او الثقافة او الإعلام او غيرها, فلن تجد شيئا. واذا افترضنا بأنها كانت موضوعة اصلا بتلك الإمكانيات الهائلة لكسب ابناء تعز وتطويعهم, فان ما حدث في عام 2011م قد اظهر بوضوح الفشل الذريع لأولئك الفاشلين, بل والنتائج العكسية لأفعالهم. لقد أظهرت تعز وأبنائها بأنهم شعلة الثورة ووقودها مفاجئين العالم بصمودهم الأسطوري وتحملهم لاقسى الضربات الأليمة دون تراجع, الأدهى من ذلك هو الحدث الاستثنائي على مستوى اليمن باحراق منزل البركاني في تعز ومنعه من دخول مديرياتها, وهو ما لم يحصل لاي من اقوى او اضعف عناصر النظام السابق على الإطلاق. اما الجندي فقد خسر اقرب المقربين منه زوجته وأولاده وكسب استهزاء وسخرية كل أبناء الشعب اليمني. فهل ان المؤتمر لا يمتلك من قواعده الشابة غير اولئك المعتوهين.

لقد أفسدت تلك العناصر السيئة وشوهت قواعد المؤتمر, بل ووضعت عناصر قيادية مؤتمرية في موضع الشبهات. فالمؤتمر يمتلك قيادات ذات صفحات ناصعة لم يلوثها الزمن ويشهد لها القاصي والداني دون تحفظ أمثال الارياني والشعيبي وعبد القادر هلال وكثيرون آخرون غيرهم. كذلك الأمر في حزب الإصلاح المتخفي تحت عباءة الدين الطاهرة.

إننا نتمنى على كل الخييرين في المؤتمر والإصلاح قيادة وقواعد بإخراج المواطن الذي لا ذنب له في خلافاتهم, من الألاعيب الخبيثة للسياسيين, وبغض النظر عمن يقود ويوجه المخربين الجهلة المغرر بهم ممن يقومون بتدمير شبكة الكهرباء والمياه والنفط لإظهار فشل الخصوم في إدارة الدولة. إننا نطالب كل الخيرين في وطننا الحبيب للجلوس مع بعض ووضع حد لتلك الأفعال الصبيانية التي تضر جميع المواطنين دون تمييز لانتماءاتهم الحزبية والقبلية والمناطقية وغيرها, والتوجه الى إصلاح ما خربته تلك الأيادي الآثمة, لينعم الجميع بالاستقرار والسكينة والهدوء. فتدمير البنية التحتية للبلاد ستأتي على كل شيئ فيه ولن ينجو منها من يحمل بطاقة مؤتمر او إصلاح, بل قد يكون أولئك اول المتضررين والخاسرين, يلعنهم التاريخ والشعب والأجيال القادمة. فهل نتعظ؟


في الأربعاء 27 يونيو-حزيران 2012 04:30:00 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=16238