أسباب تَعطيل مَفَاعِيل الثورة الشبابية!!
د.علي مهيوب العسلي
د.علي مهيوب العسلي

بمتابعة بسيطة منذ انطلاق ثورة الشباب في الحادي عشر من فبراير 2011م ،يدرك المتابع أن العقلية الجمعية قد تغيرت إلى حد كبير غير أن الكثير من النخب وخصوصا السياسية مازالت على حالها لم تتغير بل مشدودة إلى ماضيها الذي لم ينتج سوى التعصب والتشدد والانغلاق ومحاربة كل جديد!

هذه القوى بالفعل سعت إلى أعاقت الثوار في تحقيق أهدافهم بالسرعة الممكنة مثل بقية الثورات العربية ،وذلك من خلال حواراتها العقيمة التي أتاحت للقوى الإقليمية والدولية التدخل السافر والمحاولة المستمرة من تحويل الثورة التي أُعجب بها العالم الحر إلى أزمة ،وبالتالي احتواء هذه الثورة تدريجيا من خلال المبادرة الخليجية في نسخها الخمس وتعديلاتها والياتها التنفيذية والتي أخذت فترة زمنية ليست بالقصيرة من الجهد والإرهاق عند شباب الثورة نتيجة للتصدي لهذه المبادرة وتنبيه الأحزاب اكثر من مرة عبر التصعيد الثوري من مغبة ما أقدمت عليه الأحزاب الموالية والمعارضة للثورة ،ولكن لا حياة لمن تنادي !

تحوّلت المبادرة إلى آلية عبر مجلس الآمن وهكذا استطاعت الأحزاب أن تدوِّل الثورة اليمنية باعتبارها أزمة ثقة بين السلطة والمعارضة ،ولإظهار جديتها بالحوار فهي على أتم الاستعداد والرغبة بأن تكون القوى الإقليمية والدولية كضامنة وشاهدة على تنفيذ المبادرة وآلياتها المزمنة .ولقد راهنت تلك القوى على عامل الوقت من اجل امتصاص الفوران لدى الشباب كل الشباب ، واستطاعت إلى حد ما أن تمتص تلك الثورة العارمة والإرادة الفولاذية التي كانت متوفرة لدى شباب الثورة لإسقاط النظام بفترة قياسية "وطرحت شعارات مثل صالح الثالث ،أي ثالث بن علي وحسني مبارك ،ثم الرابع .,ثم الخامس .." ،وبمرور الزمن كانت القوى المنضمة للثورة والمتحاورة مع الطرف الآخر الذي كان يفعل الأفاعيل والأحزاب المنضمة تهدد وتتوعد ثم تشتكي إلى الدول التي اخترتها كضامنة وشاهدة ،فيأتي الزياني ويتفق مع صالح على تعديل معين فيبلغه للمشترك فيوافق كي لا يعطي الفرصة لصالح بأن يظفر بحب ومكرمة تلك الدول فيتغير صالح ويثقل مطالبه فيوصف بأنه اكبر كذاب في العالم ..وهكذا كما كلكم تدركون المراوغات إلى نال ما يريد وهي الضمانة التي هي ظاهرة للعيان بما تمتع به من حصانة ومن حرية الدخول والخروج ،ومن البقاء حاضرا في المشهد السياسي اليمني دون انتقاص إلا من كونه رئيسا فقد وافق على تنحيه وبشروطه هو أي بالانتخاب ولنائبه دون منافس فيما عرف بالانتقال السلمي والى أياد أمينة عبر صناديق الانتخابات كما أُذيع صيتها هذه المقولة .نعم لقد تمت الانتخابات الاستفتاء كما أراده صالح ، ونتيجة كما يبدوا للالتزامات غير المعلنة من قبل الأحزاب المنضمة للثورة للدول الراعية ،ونتيجة كذلك للإيحاءات التي كانت تُخدر الشباب بها من أن ثورتكم قد نجحت ،وما تبقى إلا النذر اليسير من غرور صالح وان المجتمع الدولي قد أعطى ضمانات كافية للأحزاب لكي يتم التغيير وان أسرة صالح إلى زوال ، ونحن واثقين من تعاملنا الجاد والصادق في الإيفاء بتحقيق مطالب وأهداف الثورة الشبابية ،فامنحونا قليلا من الوقت لتحقيق أهدافكم مقابل فاتورة الدماء التي يمكن أن تدفعونها انتم الشباب لو تمسكتم بالتصعيد الثوري،ولأن صالح ونظامه سيسفك الدماء الغزيرة دون وازع من دين ،وسيحدث الخراب في الحرث والنسل ،وان الجيش الموالي للثورة هو الوحيد الذي يعرفه ويستطيع أن يتعامل معه ويُحدث فيه الهزائم بإسقاط المعسكرات التابعة له ، لان هذه المعسكرات هي ملك الشعب وليست ملك العائلة ،وهذا فيه من الحقيقة الشيء الكثير ،ولكن الأحزاب السياسية لم تُطمئن القوى التي استعانت بها لإسقاط نظام صالح ، وبالتالي لم تعطيها الضمانات الحقيقية بدليل أن لاشيء تحقق لها سوى الإحراج أمام قواعدها والتشكيك ، بل والتخوين من بعض مكونات الثورة غير الموالية لها. اجل لقد قامت الأحزاب بما يسمى بعقلنة الثورة ، وبالتالي السيطرة على ملفها الإعلامي الذي كان يصل إلى أطراف المعمورة وتحوّل موافقة الأحزاب على المبادرة إلى انجاز ، ثم سُوِّقت كنموذج للدول التي تشهد ثورات عارمة أو التي في طريقها إلى الثورة !

تعالوا معي لندلل على أن المبادرة والياتها التنفيذية لم تأتي من دول تؤمن بالتغيير ،ولكنها جاءت كمحاولة للقضاء على الثورة وتحويلها إلى أزمة عبر قوى يمنية سوءاً كانت معارضة أو حاكمة وعلى النحو الأتي:

-النسخة الأولية للمبادرة هي من إنتاج وصنع صالح ونظامه.

-دخول دول الخليج لتجميلها وتبنيها وإعطاء الصبغة الخليجية عليها فخ لجلب الأحزاب السياسية المعارضة للتعامل الايجابي معها ،ويمكن التدليل على انها فخ هو تميز دولة قطر من الانسحاب منها في نسختها الثانية تقريبا وذلك عند امتلاكها معلومات عن عدم رغبة بقية الدول الخليجية الوقوف مع الشعب اليمني ومساعدته في تحقيق ثورته.

-بعد إعلان قطر موقفها كان على المشترك أن ينسحب من الحوار ويعلن موقفه بوضوح تام انه منحاز إلى شباب الثورة ولكن قوى داخل المشترك هي التي سحبت المشترك كمؤسسة إلى السير قدما بالحوارات حتى تم التوقيع على المبادرة في الرياض.

- بعد التوقيع على المبادرة عاد الجميع إلى صنعاء ،وكان على المشترك كما يبدوا أن يبطئ وهج الثورة ويقوم بتبريدها كلما تجرأ الثوار على إشعالها من جديد بحسب متطلباته هو في الضغط على الدول الراعية عند ميلانها لصالح وهو ميلان مازال كما هو حتى الآن ،واتبعت إستراتيجية جديدة من بعد التوقيع على المبادرة تجاه الساحات بالقيام بتوظيفها كضامن حقيقي للتأثير على الدول التي تنحاز دوماً إلى صالح فيتم التصعيد حينا والتهدئة في معظم الأوقات .

-رافق كل ما سبق اصطناع أزمات جديدة وتوترات أمنية مفتعلة وخلط للأوراق في مسألة القاعدة وازدياد نشاطها بشكل ملحوظ وبدأ تسليم آبين للقاعدة ولأول مرة في اليمن بدأت التفجيرات الانتحارية وبخاصة بعد تشكيل الحكومة الوفاقية وانتخاب الرئيس هادي الذي صوت له شباب الثورة إيذاناً بتحوّل الثورة لتساير العملية السياسية التي انتهجها المشترك والمؤتمر وكذلك بدأ يمارس الرئيس مسؤولياته بتغيير بعض القيادات العسكرية ،فتلكأت ثم سلمت فتم مهاجمة الجيش في ثكناته واستشهد المئات .

- لم تتخذ الدول التي الراعية للمبادرة أي إجراء بحق من عاق ويعيق تنفيذ المبادرة ،ولم يتم حتى كشفه للرأي العام لكي يكون على بينة من الأمر ويحسم موقفه ضد من يعيق المبادرة والياتها التنفيذية .

- قرارات مجلس الآمن أيضا هي الأخرى مطاطة ولم تتخذ قرار ضد أي من الأطراف أو الأفراد الذين يعرقلون المبادرة ،بل حذرت من أن من يعرقل المبادرة سيُتخذ ضده عقوبات، ولم تتخذ حتى كتابة هذا المقال بل أن المجلس سيجتمع بعد ستين يوما من تاريخ صدور القرار الأخير 2051م. وهكذا سارت العملية السياسية دون تطور يذكر في المجال الأمني والسياسي والاقتصادي.

بعد ما ذكرنا من بعض الأدلة نصل إلى النتائج الآتية:

-إن القوى الحزبية المنخرطة في الثورة الشبابية الشعبية هي احد القوى المحلية التي عطلت مفاعيل استمرار الثورة بالوهج الثوري الخالص التي بدأت به، من خلال اتصالها برموز السلطة السابقة والتحاور معها في قضايا لا تقترب من مطالب الشباب . وان هذه الأحزاب استخدمت المد الثوري بكل أسف بما يخدم أجندتها في المفاوضات التي تحقق إشراكهم في السلطة ،أي أن سقف الأحزاب كان ولا يزال هو إصلاح النظام جزئيا وليس تغييره.

-توافقت مصالح الدول الخليجية مع رغبة الأحزاب السياسية اليمنية في إصلاح النظام وبالتالي جاءت المبادرة الخليجية لتستوعب هذه الأحزاب في منظومة الحكم ولم تشير المبادرة في نسخها الخمس إلى الشباب باعتبارهم هم المعنيون في التغير وعلى الأحزاب السياسية الخضوع لرغبة الشعب اليمني في تغيير نظامه بل قبلت تلك الدول عدا قطر أن تكون غطاءاً لما يريده صالح ونظامه وكان له ما أراد حتى الآن ،لان دول الخليج وبخاصة السعودية عندها حساسية جدا من صحوة الشعوب، ويتملكها الخوف كذلك من أن تصل الثورات العربية إلى عروشها .إن ما عملته السعودية والإمارات حتى الآن لا يشير بصدق إلى أن هاتين الدولتين على الأقل لا تريد خيرا لليمن ،فالسعودية تقدم المساعدات التي تحافظ على النظام التي صنعته دون السماح بانهياره فكلما شعرت انه سينهار تقدم مكرمة"خادم الحرمين الشريفين" للحكومة بالقطارة ،وكان ينبغي على المملكة وهي الراعية الأولى للمبادرة وكون استقرار اليمن وتقدمه هو مصلحة سعودية بامتياز فلماذا الحفاظ على أطراف الأزمة يمارسون أزماتهم التي قد تؤدي إلى انهيار الوضع اليمني والذي سيُلحق الضرر بالشقيقة الكبر بدون أدنى شك. فيا خادم الحرمين الشريفين كيف تعترف بالثورة السورية وهي بالفعل ثورة من الطراز الأول وتعتبر الثورة اليمنية أزمة ، ما هي معايير حكم المملكة؟ ؛ثم لماذا تقبل أن تحرم شعب بأكمله من الدخول والخروج إلى المملكة لأداء مناسك العمرة وأنت المُلقب بخادم الحرمين الشريفين ونحن قادمون إلى شهر الصوم ، شهر التوبة والغفران ، واعتاد اليمانيون الحرص على زيارة الأماكن المقدسة في الشهر الكريم فليس من العدل أن يعاقب شعب بجريرة معتوه !

-أما الإمارات فنقدر شعبها وقيادتها في كل فعل طيب تقوم به سواء في اليمن أو في أية دولة عربية أخرى ،فهذا هو الدور المؤمل من اجل تحقيق التكامل الاقتصادي ،ولكن غير المقبول على الإطلاق أن تُحوّل المساعدات إلى مادة إعلامية مكثفة قد يساء فهمها ومقصدها الإنساني ، وتفسر كمقصد ، أي أن الرسالة التي تحملها قد تكون موجهه للداخل الخليجي مفادها أن في اليمن مجاعة وان ثورتهم ليست ثورة حرية وكرامة ضد نظام مستبد ، وهي التي تدرك اكثر من غيرها ومصارفها مُشَّرعة أبوابها لاستقبال الأموال المسرُوقة من عَرَقِ هذا الشعب الصبور المكافح ،وبدلا من كشف حسابات العائلة ومقاديرها بل وتجميدها أو الضغط على الدول الراعية باستصدار قرارات بالإفراج عنها لصالح هذا الشعب المنهوب والمستثمرة في بنوك الإمارات العربية المتحدة!

-إن مقدرة الولايات المتحدة الأمريكية السياسية قد مكنها من خلط الأوراق فقد استخدمت القاعدة فزاعة لطرفي الأزمة اليمنية المشترك والمؤتمر فجعلت من أولوية الرئيس محاربة القاعدة فحرك المعسكرات قبل أن يهيكل ويوحد قيادة الجيش والعمليات الحربية فاستغل من استغل انقسام الجيش أسفر عن استشهاد المئات في عملية واحدة ، وكذلك سُلمت معسكرات لما يسمى بالقاعدة ونتيجة لخبرة الرئيس العسكرية استطاع أن ينظم صفوف الجيش واللجان الشعبية بقيادة الشهيد سالم القطن ويحرز نصرا مؤزراً على القاعدة ودحرها من آبين وبدلا من يحسب للقيادة السياسية والعسكرية هذا الانتصار قام بخطفه السفير الأمريكي (بريمر اليمن) وزار مواقع تمركز الجيش في المواقع التي كانت تحتلها القاعدة في آبين بعد انتصار قواتنا المسلحة الباسلة واللجان الشعبية عليها،وهو بهذا الصلف والتدخل السافر قد أوقع أمريكا ودول الخليج في خانة التأمر على الشعب اليمني وان أولوياتهم الوحيدة هو قتالهم القاعدة وليس المساعدة في تحقيق التسوية السياسية والانتقال السلمي للسلطة ،إضافة إلى الأحزاب السياسية الموقعة على المبادرة التي لم تمارس احتجاجها على تلك الزيارة المستفزة لمشاعر الشعب اليمني التي يدعون تمثيلها ، حتى أنها لم تستنكر هذا التدخل السافر من سفير الولايات المتحدة الأمريكية وقواتها التي تصول وتجول في البر والجو والبحر فأين الكرامة والسيادة يا أحزابنا السياسية! 

-الوصول الأخير للسيد جمال بن عمر باعتقادي هو خلاصة دبلوماسيته عن كل الفترة السابقة ، فلم يعد من الأخ بن عمر السكوت عن واجبه الأممي والإنساني في تقديم القتلة إلى العدالة وفي إطلاق السجناء ومعالجة الجرحى، والعزل السياسي لرموز النظام السابق .إننا مازلنا نعتبر أن السيد بن عمر مناضلا جسورا ولم يتورط في التأمر على الثوار بل في اعتقادنا انه كان الممثل الوحيد والمدافع عن مطالب الشباب في كافة المحافل المحلية والإقليمية والدولية،نتيجة للتغييب المتعمد من أطراف المبادرة الخليجية للثوار في ساحات الحرية والتغيير ،وعليه نطالبه وهو المتفهم ان يعيد النظر في لجنة الاتصال الرئاسية والوزارية وعدم الاعتماد على نتائج اتصالاتها مع القوى والمكونات التي تمت الاتصال معها بسبب عدم الشفافية وإحداث إشكالات كانت غير ضرورية لو كانت اللجنة الوزارية محايدة في عملها سواءً على المستوى الإجرائي أو على مستوى المضمون . وان تتولى أنت بنفسك عملية الاتصال واختيار الممثلين الحقيقيين المعبرين عن الثورة الشبابية التي انطلقت في الحادي عشر من فبراير 2011م ،كونهم الأقدر على تمثيل مطالب الثورة المباركة. 

وخلاصة الأمر أيها الرئيس ان كنت بحق تريد أن تنقذ اليمن وتؤمن باليمن الجديد وبناء الدولة المدنية الحديثة فعليك أن لا تحابي القوى السياسية في التعيينات ، وان تقنع الدول الراعية بحتمية التغيير ، وان تتعهد لهم إذا لزم الأمر أن التغيير في اليمن لن يُصِّدر إلى أي بلد وإنما هو مصلحة وطنية خالصة ، وان تقضي على الاستقطاب الحاصل بين طرفين بتوحيد الجيش وتشكيل حكومة وحدة وطنية من التكنوقراط تساعدك في تحقيق ما يتوصل إليه المتحاورون . وان تصدر قرارات حاسمة في المواقع القيادية العليا في مؤسسة الجيش والآمن ما لم فإن التاريخ سيكتب انه أتيحت لك فرصة تاريخية لم تتاح لأحد من قبلك في بناء الدولة المدنية وأنت ضيعتها بتأنيك وتأخرك في القرارات المصيرية وتسببت في حروب أهلية نشم رائحتها من خلال الاختطافات المتبادلة بين سنحان وخولان والتي قد تتسع وتعرض وحدة البلاد للخطر!

فالثورة الشبابية الشعبية وان كانت تسير ببطء فإنها ستصل إلى غايتها نتمنى أن تكون بك ، ولن يستطيع أن يُعطل مفاعلها كائن من كان من الداخل او من الخارج .وعندها فقط سيندم كل من حاول أن يقف حجرة في سبيل الوصول بها إلى مطالبها وأهدافها!!

  alasaliali@yahoo.com


في الإثنين 02 يوليو-تموز 2012 05:14:10 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=16311