من مهازل الترويج لفصل حضرموت. وتهنئة لمصر
نجيب قحطان الشعبي
نجيب قحطان الشعبي

أفادني منذ أيام صديق عزيز بأن أحدهم ويدعى باحاج كتب مقالا بموقع "عدن الغد" يصف الاستقلال بـ "استقلال الغفلة"، وبما أنني قاطعت منذ شهور الموقع المذكور لعدم صحة معظم ما ينشره من أخبار ولبذاءة ما ينشره من تعليقات على الكتاب ولعدنيته المصطنعة والمتكلفة، لذا طلبت من صديقي أن يوافيني بالمقال، فوافاني به وعنوانه "قراءة سريعة لاتفاقية جنيف واستقلال الغفلة" وكاتبه يدعى محمد سعيد باحاج ويتضح بأنه من دعاة الانفصالية الحضرمية ويتخبط في سبيل إثبات انفصال حضرموت عن اليمن والجنوب، .

وبداية يحاول الإساءة لاستقلال الجنوب في 1967 فيسرق المواقف المشرفة لوفد الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل أمام الوفد الحكومي البريطاني أثناء مفاوضات استقلال الجنوب (جنيف/ نوفمبر1967) لينسبها لنفسه ويدين وفد الجبهة بزعم أن الوفد لم يتبن تلك المواقف! فمثلاً يكتب "خلال مباحثات جنيف فاجأ وفد المملكة المتحدة وفد الجبهة القومية بقرار بريطانيا العظمى بإعادة جزر كوريا موريا إلى سلطنة عمان لأن هذه الجزر منحت كهدية من سلطنة عمان إلى الملكة فكتوريا بمناسبة عيد ميلادها في عام 1854م" والفقرة السابقة ليست من معلوماته الشخصية ولا من استنتاجاته فهي منشورة في كثير من المراجع حول مباحثات استقلال الجنوب فقام بنقلها وكأنه مثقف في تاريخ جزر كوريا موريا (كتبت أنا حول قضية جزر كوريا موريا قبله بنحو 30 سنة وذلك في رسالتي العلمية التي نلت بها درجة الماجستير في 1983م)، ثم يواصل "لقد كانت هذه الجزر تدار من قبل السلطة البريطانية في عدن وعندما قرب موعد الاستقلال سلمتها إلى سلطنة عمان" ومع ذلك يفاجئنا بعدها بسطور بالقول "أي استقلال هذا ناقص السيادة على جزر كوريا موريا؟" فأين هو التنازل؟ فالجزر أصلا عمانية ومع ذلك تمسك بها وفد الجبهة القومية في مفاوضات الاستقلال بجنيف وكانت حجة رئيس الوفد أنها كانت تدار من عدن فهذه ليست حجتك لتدين الوفد بل هي حجة رئيس الوفد التي سرقتها أنت من محاضر الجلسات المنشورة بعدة مراجع لتظهر بمظهر الشخص الذكي ولتحاول الانتقاص من قدرات وفد الجبهة.

لم يكن هناك أي تنازل فالجزر أصلا عمانية ومع ذلك تمسك وفد الجبهة بها من منطلق أنها كانت تدار من عدن ولكن الوفد البريطاني قال بأن حكومته استفتت سكانها فقرروا الانضمام لسلطنة مسقط وعمان، ولم يقبل وفد الجبهة بذلك الإجراء البريطاني (ومحاضر الجلسات تشهد بهذا)، وكدليل آخر على عدم التنازل عنها صدر في 1 ديسمبر 1967 أي اليوم التالي للاستقلال المرسوم الجمهوري رقم 4 بتعيين "السيد علي ناصر محمد حسني محافظاً لجزر كوريا موريا وميون وكمران".. لكن الله ابتلى جنوب اليمن بأناس ليس لديهم ذرة من الوطنية فيحاولون بلا خجل تزوير حقائق ثورة 14 أكتوبر والاستقلال الوطني لبلادهم.

وبعدما يسرق حجة وفد الجبهة ليدينها يذكر بأن اتفاقية الاستقلال نصت (يحصل الجنوب العربي على الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م ويشار إلى هذا اليوم فيما يلي بيوم الاستقلال) لتبدأ "تخاريفه" فيزعم الآتي "إذاً الاستقلال فقط للجنوب العربي لأنه لم يذكر اسم محمية الجنوب العربي والتي تعترف بها بريطانيا قبل الاستقلال وهي حضرموت"!! فما هذا التلفيق وهذا السخف؟ فتسمية "محمية الجنوب العربي" لا وجود لها مطلقاً في تاريخ الجنوب، والجنوب العربي المذكور في الاتفاقية يقصد به كل الجنوب وبضمنه حضرموت فلا تخترع لنا تسميات من دماغك لتدعي أن اتفاقية الاستقلال لا تشمل حضرموت!

ثم يواصل "تحليلاته واستنتاجاته" على نحو مضحك إذ ينقل نص البند 17 من اتفاقية الاستقلال القائل (نظراً لضيق الوقت تؤجل المباحثات الخاصة بالديون المستحقة لحكومة صاحبة الجلالة والديون العامة المستحقة على مناطق الجمهورية والباقية حتى يوم الاستقلال وتنظر في مفاوضات مستقلة في تاريخ مبكر بعد الاستقلال) فيفسر ذلك تفسيراً يستحيل أن يقوله شخص عاقل إذ قال إن كلمة (الباقية) تعني حضرموت!! لقد أصبح اسم حضرموت هو "الباقية" وبالتالي تكون اتفاقية الاستقلال تحدثت عن "الجمهورية" أي الجمهورية الجنوبية و"الباقية" أي حضرموت!! فما شاء الله! وهكذا هم كل أعداء وخصوم الجبهة القومية الذين يحاولون منذ الاستقلال قبل نحو 45 عاماً تشويه الجبهة ونضالاتها وتحقيقها لجنوب اليمن المحتل استقلالاَ كاملاًَ يتصفون بالكذب والتفاهة، وأكرر لهم ما كتبته مراراً من قبل بأنه لم تنل أي دولة بالعالم استقلالاً أعظم من استقلال جنوب اليمن في 30 نوفمبر 1967 والعبرة بالحقائق والوثائق.

فحتى كلمة "الباقية" التي يفهم تلميذ الابتدائية بأن المقصود بها هو الديون جعلها باحاج اسماً لحضرموت ليثبت بأن الاتفاقية تحدثت عن حضرموت باعتبارها كياناً منفصلاً عن الجمهورية الجنوبية التي ستنشأ في يوم الاستقلال!! ولست فاضياً لتفنيد بقية تخاريفه وأنصح ذويه أن يذهبوا به إلى "مستشفى العباسية" بمصر أو "العصفورية" بلبنان ولو إمكاناتهم المالية لا تسمح فليذهبوا به إلى ما يعرف بـ "مصحة السلام" بالشيخ عثمان بعدن!

وهناك من أبناء حضرموت نفر قليل (لذا لا يشكلون أهمية) ظهروا علينا في السنين الثلاث الفائتة يتحدثون عما يسمى بدولة حضرموت السابقة إما عن جهل أو ليخدعوا البسطاء من أبناء حضرموت فتلك دولة مزعومة لم يكن لها وجود إلا في عقولهم المأزومة، ويطالبون بفصل حضرموت لإقامة دولتها من جديد! وبعضهم "يشطح" بعيداً فيعتبر الجنوب جزءاً من حضرموت! والأفضل لهم أن يفيقوا قليلاً لينظروا بجدية إلى حقائق التاريخ وحقائق الواقع فهي حقائق لن تسمح لهم إلا بأن يعودوا ليواصلوا الأحلام الرومانسية بدولة حضرموت، لا أزايد بموضوع الوحدة اليمنية فأنا أعترف بحق أي شخص أو جهة في المطالبة بانفصال الجنوب أو حضرموت أو حتى قرية "الحسوة" بعدن فكل واحد حر في أن يغني على ليلاه ولكن سيكون من دواعي احتقاره أن يملأ الدنيا صياحاً مطالباً بالانفصال وهو يعجز تماماً عن تنفيذ ذلك بل يكون مثيراً للسخرية أن تكون وسائله هي استجداء الخارج والنضال "الشاق" عبر "الكيبورد" بالبيانات والتعليقات وشتم جزء من شعب الدولة والزعم بأن شعب الجنوب قد قرر مصيره وأن "الاستقلال الثاني" على الأبواب وهي جعجعات نسمعها منذ 3 سنين ولم نر أي طحين! ولا يحز في نفسي غير إهدار دماء الشهداء والجرحى من الشباب المتحمس بينما القادة الكبار للحراك الجنوبي ينعمون وأبناؤهم بالأمان وحياة الرفاهية وتلقي العلاج بأفخر المشافي بالخارج واستثمار ملايين الدولارات الامريكية التي جنوها باسم قضية الجنوب!

وقد كتبت مراراً بأن الوحدة ليست ثابتاً وطنياً ولا خطاً أحمر أو أزرق فهي وسيلة لا هدف.. ولكن حضرموت أرض الثقافة والتاريخ والتجارة والفن في اليمن كانت جزءاً من الجنوب وستبقى إلى ما شاء الله جزءاً منه ويمنية.

دعوة الأوطان .. حين يدعيك ضبضب أو جبل شمسان

استجب في الآن .. يا فؤادي المعذب سيبك النسيان

حب في القلب راسخ .. للجبال الشوامخ

لي تربيت فيها وانقضى لك بها شان

حان الوفاء حان

* "ضبضب" جبل بشمال شرق مدينة الشحر بحضرموت, و"شمسان" جبل بعدن, والقصيدة رائعة وتعبر عن ارتباط حضرموت بعدن، كتبها ولحنها الشاعر الكبير حسين أبوبكر المحضار وتغنى بها كثير من المطربين وبألحان مختلفة ولكن اكتسحهم جميعاً الموسيقار والملحن والمطرب الكبير محمد محسن عطروش بلحن للقصيدة أكثر من رائع كعادة هذا الموسيقار الذي لم يأخذ حقه من التكريم والاهتمام.

مبروك لمصر ثورة "حقيقية" ورئيس لديه مبادئ

أجريت في مصر إنتخابات رئاسية وفاز فيها المناضل (مناضل بحق وليس مناضلاً فقط في الخطاب والإعلام الرسمي للدولةً!) محمد مرسي على منافسه بفارق ضئيل مما يثبت سلامة العملية الانتخابية (ولم يفز في عملية تصويت لا هي بانتخاب ولا هي باستفتاء جرى خلالها فرض مرشح وحيد واسميت انتخابات!).

يهنأ لكم يا شعب مصر ثورتكم الحقيقية .. ويهنأ لكم الرئيس مرسي فهو رجل متعلم ومحترم ومناضل حقيقي جاء من خارج النظام الذي اسقطته الثورة بل كان عدواً له ولم يكن من صلب ذلك النظام مثلما حدث في بلد عربي تعيس أعادت فيه إنتفاضة شبابه إنتاج وجوه عفا عليها الزمن لتقود البلاد إلى التهلكة .. يهنأ لك يا شعب مصر رئيس جمهورية سيأتي لكم برئيس حكومة من خارج النظام السابق وليس ممن كانوا من أعمدته 30 سنة .. يهنأ لكم رئيس شجاع .. يهنأ لكم رئيس نزيه ولا تتناثر في أرجاء البلاد القصور التي يمتلكها .. يهنأ لكم رئيس سيكون عادلاَ لأنه يخشى الله .. يهنأ لكم رئيس لديه مبادئ .. يهنأ لكم مستقبل مشرق بزغت أنواره مع "رئيس لديه مبادئ" .

إن ما تقدم تمهيد لمقال سأكتبه بإذن الله لأقارن بين رئيس مصر الجديد ونظيره في اليمن، وما فاز به شعب مصر وما نكب به شعب اليمن.


في الجمعة 20 يوليو-تموز 2012 11:44:57 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=16579