من يعرقل التسوية السياسية في اليمن
د. محمد البنا
د. محمد البنا

خلال لقائه بأعضاء مجلس النواب في قاعة المؤتمرات، هاجم الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي, الجهات المعرقلة للتسوية السياسية الجارية في اليمن قائلاً "للأسف البعض ما زال لا يفهم المبادرة او يتظاهر بأنه لا يفهمها ولا يزالون على النهج السابق، ويمارسون التحريض والعرقلة ومنافسة إرادة الشعب اليمني". داعيا تلك الفئة إلى استيعاب المرحلة الجديدة وسيسجل التاريخ كل المواقف والتاريخ لا يرحم, وطالبها بالكف عن التسريبات الإعلامية والصحفية المغلوطة في مختلف وسائل الإعلام. وكان الرئيس عبد ربه منصور هادي في لقائه مع اللجنة الفنية للتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل, قد وصف النقاط الـ 20 المقترحة من تحضيرية الحوار, بأنها جيدة وواقعية ومقبولة, وأكد ان في حزب المؤتمر الشعبي العام فريقين أحدهم مؤيد للمبادرة الخليجية وأخر معرقل لها.

مما سبق ذكره يتضح للجميع ان هناك فئةً مصدومة في المؤتمر الشعبي خسرت مصالحها التي كانت تجنيها عبر وضعها في حزب السلطة, عندما فقد حزبهم ميزة السيطرة على كل موارد الدولة والتحكم فيها وفي كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية. ذلك هو ما قصده رئيس الجمهورية بالقول (لا يزالون على النهج السابق) مخاطباً بعض من كانوا يحكمون ويريدون الآن أن يستمروا على نفس النهج السلطوي السابق بعرقلة خصومهم. كما طالب الرئيس أولئك الخاسرين إلى الكف عن التلاعب المتعمد بالمعلومات, وهو ما يعايشه الجميع على الصفحات الالكترونية الإعلامية لتلك الفئة اليائسة من المستقبل التي ما فتئت تنشر الأخبار المغلوطة والتحريض خصوصاً ما يتعلق منها برئيس الجمهورية ذاته.

للتدليل على أفعال تلك الفئة المتمردة على إرادة الشعب, نأخذ مؤسسة البيت القانوني التابع لتلك الفئة فيما نشرته على موقعها الالكتروني من هجوم على رئيس الجمهورية واتهامه بخرق المبادرة الخليجية بسبب تأكيده بأنه سيتم إصدار قانون انتخابات جديد وتشكيل لجنة عليا للانتخابات وتصحيح السجل الانتخابي. 

تقول تلك المؤسسة رداً على رئيس الجمهورية (أن ذلك التأكيد لم يكن اعتباطا وإنما تقديراً لحقيقة أن إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات يستوجب ان يسبقه أولاً صدور قانون جديد لانتخابات والاستفتاء وأن المبادرة والآلية المزمنة حددتا الفترة الزمنية لإصداره عقب الاستفتاء على دستور الجمهورية اليمنية الجديد باعتبار ان قانون الانتخابات والاستفتاء سيصدر من البرلمان الحالي وسيكون خاضعاً للعرض وللتعديل من البرلمان الجديد, وكون الثابت والواضح أن المبادرة وآليتها المزمنة أكدتا على استمرار اللجنة العليا للانتخابات الحالية حتى أكتوبر 2013م. بذلك فإن مجرد القول بأنه سيتم إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات أو إصدار قانون الانتخابات في الفترة الحالية, يمثل خرقاً واضحاً للمبادرة الخليجية وآليتها, كمن يقوم بوضع العربة قبل الحصان). وتبرر تلك المؤسسة موقفها الرافض, باستحالة مجرد التفكير في إصدار قانون الانتخابات والاستفتاء وقانون العدالة الانتقالية قبل الحسم الدستوري الذي من المفترض أن يكون من ثمار مؤتمر الحوار الوطني الذي لم ينعقد حتى الآن. وبحكم الصفة القانونية التي منحتها لنفسها توبخ تلك المؤسسة بقوة رئيس الجمهورية مذكرة إياه بما يمثله تصريحه من سابقة مخالفة للمبادرة الخليجية وخروجا عن الواجب, مطالبةً من رئيس الجمهورية التراجع والعدول عن إجراءاته منعاً لأي توسع او قبول لخروقات مستقبلية.

ورداً على تلك الاتهامات غير المقبولة لرئيس الجمهورية نذكر تلك المؤسسة التي تدعي علاقتها بالقانون, أن تصرفها غير اللائق تجاه رئيس الجمهورية يخالف القوانين اليمنية النافذة والعرف القانوني والأخلاقي, بتوجيه الاتهام لرئيس الجمهورية في وسيلة إعلامية. فإذا كانت هناك جريمة او مخالفة للقانون او خرقا له, فان الطريق الوحيد لرجال القانون للإبلاغ عنها هي القضاء الذي يشترط الإثبات او تحمل تبعات البلاغ الكاذب والأضرار الناجمة عنه, فما بالنا باتهام رئيس الجمهورية التي خص بها الدستور مجلس النواب بشروط مشددة.

في الجانب الأخر, فان الادعاء بارتباط تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وإصدار قانون الانتخابات وقانون العدالة الانتقالية والسجل الانتخابي بالحسم الدستوري لشكل الدولة لمؤتمر الحوار الوطني, إدعاء باطل. فالحسم الدستوري لا يمنع من الاستعداد الجيد والمنظم مسبقاً للعملية الانتخابية القادمة, بل انه يستوجب إضافة الى الإجراءات التي تم الإعلان عنها, ان يتم منذ الآن تشكيل لجنة تخصصية للإعداد وصياغة الدستور او في اقل الأحوال وضع النقاط الرئيسية المطلوب مناقشتها في مؤتمر الحوار الوطني بدلا من تركه يناقش أفكار ومقترحات لمئات المتحاورين دون ان يكونوا متخصصين في المسائل الدستورية.

إن ما يثير الدهشة والاستغراب في أطروحات تلك المؤسسة هو ربطها بين مناقشة مشروع الدستور والقيام بتصحيح السجل الانتخابي لمواطني الجمهورية اليمنية, الأدهى من ذلك ربطها لمناقشة الدستور بإصدار قانون العدالة الانتقالية المتوقف تحت قبة البرلمان.

ان أول ما يبرز الى السطح بوضوح في أطروحات تلك المؤسسة هو سعيها الحثيث لدعم العناصر البرلمانية المعرقلة لتنفيذ متطلبات المرحلة الثانية للانتقال السلمي للسلطة والتي قصدها رئيس الجمهورية في خطابه الأخير. فاذا كنا سنترك الإجراءات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية الى ما بعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني الذي لم ينعقد إلى الآن, فمن المؤكد بان المرحلة الثانية لن تنتهي بسبب عيوب السجل الانتخابي الحالي وقصور قانون الانتخابات والانحياز السياسي الكامل للجنة الانتخاب الحالية, وكأننا ما زلنا نعيش العهد البائد بكل شخوصه ووسائله وأدواته. هذا الواقع غير السوي سيفرض بالتأكيد على اللاعبين السياسيين التوصل الى توافق جديد لتمديد المرحلة الثانية وهو ما يتمناه المعرقلين لإجراءات الانتقال السلمي للسلطة في اليمن, حتى يستمروا في مواقعهم التي ضمنتها لهم المبادرة الخليجية أطول فترة ممكنة.

اخيراً نتوجه إلى أولئك المعرقلين بان يراعوا مصلحة الشعب والوطن والمواطن, ونذكرهم بتحذير رئيس الجمهورية لهم "لا تنافسوا إرادة الشعب فالتاريخ لا يرحم.


في الثلاثاء 04 سبتمبر-أيلول 2012 03:18:43 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=17126