تحولات القوى السياسية في اليمن الجديد
د. عبد الله أبو الغيث
د. عبد الله أبو الغيث

سنحاول من خلال هذه القراءة السريعة والمختصرة استعراض التحولات التي تشهدها القوي السياسية الفاعلة على مسرح الأحداث في اليمن الجديد الناتج عن ثورة فبراير الشعبية العظيمة. وكل ما نأمله من جميع القوى السياسية اليمنية بمختلف توجهاتها وأحجامها أن تجعل من المصلحة العلياء للوطن اليمني خط أحمر لا يجوز لها تجاوزه، وأن تجعل خلافاتها ومصالحها الخاصة تدور تحت ذلك السقف، بحيث نحافظ عليه من السقوط، لأنه إذا سقط سينزل فوق رؤوس الجميع، ولن يستثني أحد منا.. وساعتها لن يفيد الندم.

المؤتمر الشعبي

لم يعد بخافٍ أن المؤتمر الشعبي العام بات يعاني الانقسام بين جناحين رئيسيين: جناح الرئيس السابق صالح، وجناح الرئيس الحالي هادي، ورغم البوادر الداخلية والخارجية التي توحي بقرب رحيل صالح عن رئاسة الحزب إلا أن التيار الذي يمثله داخل المؤتمر لا يبدو أنه سيتكيف مع الوضع الجديد بسهولة، مالم تضمن له القيادة الجديدة مصالحه التي كان يوفرها له صالح، تجدر الإشارة أن بقاء الدور المحوري لحزب المؤتمر في مستقبل الدولة اليمنية بات يرتبط إلى حد كبير بنقل قيادته إلى التيار المعتدل بزعامة هادي والإرياني، وهو ما تحرص عليه كثير من القوى المحلية والإقليمية والدولية، لكون ذلك سيجعل من المؤتمر شوكة الميزان التي تمنع اليمن من الانتقال نحو تحالفات متناقضة ومتصادمة؛ بعكس ما لو استمر صالح في رئاسة الحزب. دعونا نقول بأن التطورات التنظيمية التي سيشهدها حزب المؤتمر في قادم الأيام ستحدد بشكل كبير طبيعة التحالفات السياسية التي ستشهدها الساحة اليمنية، وكذلك الدور الذي سيلعبه المؤتمر في اليمن الجديد.

تجمع الإصلاح

كانت ولادة الإصلاح بعد الوحدة ولادة قوية، واستطاع منذ تأسيسه من رحم جماعة الإخوان المسلمين أن يكون لاعباً أساسياً وفاعلاً على الساحة اليمنية، ورغم أن كثير من التحليلات كانت تذهب إلى رغبة الإصلاح في تفكيك تحالف اللقاء المشترك بعد الثورة الشعبية رغبة منه في الانفراد بالسيطرة على مفاصل الدولة اليمنية، مستغلاً سعة وتوازن انتشاره في الساحة اليمنية وتماسكه التنظيمي، لكن الإصلاح أعلن تأييده لبقاء تحالف المشترك لفترات انتخابية قادمة مع فتحه أمام القوى الجديدة الراغبة بالانضمام إليه. وسواء استمر المشترك أو لم يستمر سيتحتم على قيادات الإصلاح تطوير أدائه السياسي، استجابة لدعوت الكثير من أعضائه الذين باتوا يتحدثون عن حاجة التجمع للتغيير والتشبيب وتكريس الديمقراطية في أطره التنظيمية؛ أسوة بالتغيرات التي شهدتها أحزاب الإخوان المسلمين في الأقطار العربية ألأخرى، خصوصاً حركة النهضة التونسية وحزب الحرية والعدالة المصري، وذلك ما يجعلنا ننتظر تطورات إستراتيجية مهمة في المؤتمر العام المؤجل لتجمع الإصلاح.

الحزب الاشتراكي

استطاع الحزب الاشتراكي في اللحظة الراهنة أن يصبح بمثابة النقطة التي تلتقي عندها الأطراف السياسية اليمنية، ويعود الفضل في ذلك لعوامل عدة؛ تتمثل أبرزها بالشخصية الكاريزمية لأمينه العام الدكتور ياسين سعيد نعمان، وذلك يؤهل الحزب الاشتراكي للعب دور محوري في إنجاح عملية الحوار الوطني وإخراج اليمن من أزمتها الخانقة التي تمر بها. لكن الملاحظ بروز تيار في إطار الاشتراكي يضغط باتجاه تفكيك المشترك، مصحوب برغبة جامحة لإعادة العلاقة مع حزب الإصلاح الإسلامي إلى مربع الشحن الإيديولوجي الذي كانت عليه قبل قيام اللقاء المشترك، ولا يخفى الأثر السلبي الذي سيتركه ذلك – في حال تمكنوا من فرضه في إطار تحالفهم مع بعض القوى خارج الحزب- على الدور الوطني للحزب؛ وبالتالي على الحياة السياسية اليمنية وتحالفاتها، ودفعها صوب اتخاذ مواقف حادة ومتطرفة من مختلف القوى.

الحراك الجنوبي

لا نبالغ إن قلنا بأن حال القضية الجنوبية مع الحراك الناتج عنها تنطبق عليه العبارة القائلة \"قضية عادلة بيد محامٍ فاشل\"، حيث طغت المصالح الخاصة لقياداته على المظالم العامة للناس التي كانت العامل الأساسي لنشوئه، فجماعة فك الارتباط أصبحوا منقسمين بين تيار البيض الموالي لإيران وتيار باعوم الموالي للسعودية، وكلاهما لا يقبلون صوتاً لغيرهم؛ بمن فيهم جماعة الفدرالية بإقليمين، المنقسمون بدورهم بين من ينظر لخيار الفدرالية بكونه خياراً استراتيجياً دائماً وبين من يعتبره وسيلة آمنة للانفصال، ورغم شكوى جماعة الفدرالية من الإقصاء الذي تمارسه ضدهم جماعة فك الارتباط إلا أنهم يشاركونهم نفس النظرة الإقصائية تجاه جماعة الوحدة وأتباع الأحزاب السياسية. والحل لن يكون إلا بتقبل الآخر وإفساح المجال أمامه ليطرح رؤاه بحرية كاملة، ومن ثم الاحتكام إلى عامة أبناء الجنوب ليختاروا ما فيه مصلحتهم بعيداً عن وصاية أي طرف من الأطراف.

جماعة الحوثي

شغلت جماعة الحوثي نفسها وشغلت الناس معها بشعارها الذي تحرص على طلائه أينما حلت، حتى بات الناس يتساءلون: هل الشعار وسيلة لهم أم غاية؟ وبغض النظر عن التشكيكات التي يبديها البعض بخصوص جدية الحوثيين في تنفيذ ما يحتويه شعارهم إلى واقع عملي، إلا أنه سيكون من غير الحنكة اعتبار انتشار الشعار دليلاً على تعاظم شعبيتهم، لكون الأمر لا يتطلب أكثر من علبة رنج وعامل طلاء، ولعل الجماعة بحاجة إلى السير صوب خطوات واقعية وعملية تتناسب مع احتياجات المجتمع اليمني. وكان لافتاً تصريحات الناطق الرسمي للحركة بعدم رغبة الحوثيين في التخلي عن سلاحهم تماشياً مع ثقافة المجتمع اليمني التي تمجد السلاح، والسؤال المطروح كيف نوفق ذلك مع أحاديث الجماعة عن تأييدهم للدولة المدنية؟ التي تتناقض مع تلك الثقافة. وحقاً نحن في شوق لليوم الذي يعلن فيه الحوثيين تحول جماعتهم إلى حزب سياسي يناضل بصورة سلمية من أجل تحقيق أهدافه، والمتوقع له أن يكون حزباً رئيسياً وفاعلاً، وأن يكون له دور مهم في مستقبل الدولة اليمنية.

الجماعات السلفية

التيار السلفي يعد تياراً رئيسياً على الساحة اليمنية؛ بما فيها الساحة الجنوبية، ومن بداهة القول أنهم لو تمكنوا من تجميع أنفسهم في حزب سياسي واحد سيكون لهم دور ملموس على الساحة السياسية لليمن، لذلك فقد كان غريباً اعتراض بعض الأطراف على تمثيل حزبهم المعلن (اتحاد الرشاد) في اللجنة الفنية للحوار، وكان الأكثر غرابةً اعتباره من الأشخاص المحسوبين على حزب الإصلاح، رغم معرفة المعترضين بأن خلافات السلفيين مع الإصلاح لا تقل عن خلافاتهم مع الحوثيين والتيار المحسوب عليهم. ومع ذلك يدرك السلفيون قبل غيرهم بأن دورهم السياسي الفاعل يرتبط بدرجة كبيرة بقدرتهم على الفصل بين السياسي والدعوي، وسعة صدرهم لتقبل المخالفين لهم بعيداً عن التشدد والتعصب.

التنظيم الناصري

رغم وجود أكثر من حزب ناصري في اليمن إلا أن التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري يظل بمثابة العمود الفقري للتيار الناصري فيها، ويمكنه من خلال التحولات التي يمر بها المؤتمر الشعبي العام استعادة كثير من طيوره المهاجرة التي قد تفضل العودة إلى عشها القديم، ومن المعلوم بأن التنظيم يمثل مع الإصلاح والاشتراكي القوى الرئيسية لتكتل اللقاء المشترك. تجدر الإشارة أن تسريبات تحدثت مؤخراً عن رغبة أربعة أحزاب لترك المشترك وإقامة تحالف جديد برعاية إيرانية، حيث فُهم من تلك التسريبات أن التنظيم الناصري واحد منها، وكان غريباً حشر التنظيم الناصري ذي التوجه العروبي الوحدوي في مجموعة تعمل برعاية القومية إلإيرانية؛ لكن الأغرب من ذلك سكوت التنظيم عن تلك التسريبات وعدم نفيه لها، أما إن ثبتت فيبدو أننا سنحتاج لتعريف جديد للقومية العربية وتيارها العروبي.

حزب الرابطة

دعونا نقول بأن دور حزب رابطة أبناء اليمن يرتبط بطريقة أو بأخرى برئيسه عبدالرحمن الجفري وتنظيراته المتعددة أكثر من ارتباطه بأطره التنظيمية، ورغم حرص الجفري على بقاء الرابطة بعيداً عن التحالفات السياسية إلا أن شعبية الرابطة لم تمكنها من تشكيل تياراً موازياً لتلك التحالفات، ولعل ذلك ما جعل مواقف الحزب ورئيسه تبدو متناقضة، فهو في البداية كان صاحب مقترح الدولة اللامركزية ذات الأقاليم المتعددة، ثم انتقل إلى تأييد الفدرالية بإقليمين، ولن نستغرب كثيراً إن وجدناه يساند خيار فك الارتباط. ولعل هذه التناقضات هي التي جعلت رحمة حجيرة مذيعة قناة اليمن اليوم تذّكر المشاهدين بها في بداية مقابلتها مع الجفري، والغريب أن الجفري لم ينفي عن نفسه ذلك لكنه اكتفى بتذكير المذيعة بأنها هي أيضاً انتقلت من النقيض للنقيض. ومع ذلك نستطيع القول أن حزب الرابطة يتوقع أن يكون له دور في إخراج اليمن من أزمتها الراهنة خصوصاً فيما يتعلق بالقضية الجنوبية.

التجمع الوحدوي

ارتبطت مكانة حزب التجمع الوحدوي اليمني بشخصية مؤسسه الأديب والمفكر عمر الجاوي، لذلك فقد اهتزت تلك المكانة برحيله، ثم عاد للحزب بعض بريقه بعد تحالفه مع أحزاب اللقاء المشترك، وعلى الرغم من عدم عضويته في اللقاء المشترك رسمياً واعتباره من شركائه إلا أنه بات يحضر اجتماعاته، وتماهى مع سياساته، حتى أننا بتنا نفتقد مواقفه الخاصة، ولم نعد نسمع عن التجمع إلا من خلال كون أمينه العام عبدالله عوبل صار وزيراً ضمن حكومة الوفاق، وإذا كنا نسمع لأحزاب المشترك الصغيرة جعجعة من غير أن نرى طحناً، فالتجمع الوحدوي قد كفانا جعجعته وطحينه، ويبدو أنه قد قرر بذلك أن يريح ويستريح.

حزب البعث

اهتزت في الفترة الأخيرة مكانة حزب البعث اليمني (جناح سوريا) بعد المرض الذي ألم بأمين سره الدكتور عبدالوهاب محمود وتغيبه خارج اليمن بغرض العلاج، وقد أدت الثورة السورية إلى انقسامه إلى جناحين مؤيد ومعارض لها، وما زال الصراع بين جناحيه قائم على أشده، ويجهد الجناح المعارض لثورة سوريا بقيادة القانص على جر الحزب للخروج من المشترك والدخول في تحالفات جديدة مع جماعة الحوثي، ويتوقع أن تزيد تلك الانقسامات في ضعف الحزب خلال مستقبله المنظور. أما البعث (العراقي) بقيادة قاسم سلام فقد تلقى ضربته الموجعة الأولى برحيل صدام حسين، وتمثلت الضربة الثانية برحيل صالح عن كرسي الرئاسة، وستتمثل الضربة الأخيرة له وللأحزاب الهامشية المتحالفة مع المؤتمر الشعبي برحيل صالح عن رئاسة الحزب، حيث ستتوقف حاجة المؤتمر إليها ولدور الكمبارس الذي كانت تؤديه؛ ما سيعني توقيف الميزانية المخصصة لها، وذلك سيعني موتها لافتقادها للقاعدة الجماهيرية التي تسندها.

اتحاد القوى

يمر اتحاد القوى الشعبية بمرحلة حرجة في تاريخه، فرئيسه ومموله الأساسي يعيش خارج البلاد، وأمينه العام لم تعد صحته تساعده لممارسة مهامه، وكان قد تخلى عن معظمها لمساعده الدكتور المتوكل، الذي بدأ منذ حادثة (الموتر السياسي) المعروفة في انتهاج سياسة اضطرت هيئات حزبه للتصريح أكثر من مرة بأنها تعبر عن مواقفه ورؤاه الخاصة وليس عن سياسة الاتحاد الرسمية، مثل زيارته للرئيس السابق، ودعوته لتفكيك المشترك وخروج الاتحاد منه، وقد عجل ذلك في اتخاذ قيادة الاتحاد قرارها يوم أمس بإعفائه من منصبه؛ خصوصاً بعد رسالة الدكتور ياسين نعمان التي أتهمه فيها بتشويه مواقفه وممارسة الكذب ضده، ويبدو أن الأيام القادمة ستحمل لنا كثير من المستجدات بخصوص وضع الاتحاد. ولا يخفى بأن تأسيس جماعة الحوثي لحزب جديد سيحجم كثيراً من دور الأحزاب الي تنتمي إلى نفس تياره مثل الاتحاد والحق والأمة وسيطغى على دورها، ما سيجعلها تفضل التحالف معه إن لم تنضوي فيه.

حزب الحق

رغم الولادة شبه القوية لحزب الحق الذي كان ينظر له كتيار موازي فكرياً لحزب الإصلاح، إلا أن الخلافات التي شابت مسيرته أدت إلى إضعاف دوره، خصوصاً بعد عجزه عن عقد مؤتمراته العامة منذ تأسيسه، وزاد الطين بلة انقسامه مؤخراً بين أمينين عامين كل يدعي أنه القائد الشرعي (حسن زيد ومحمد المنصور) مع انتظارهم للحكم الذي سيصدره الحوثي في صعدة لكونه المحكم بينهما، بينما قائد فرعه في الجنوب حسين زيد بن يحي صار جزءاً من تيار البيض الانفصالي. وأمنياتنا أن يتمكن الحزب من توحيد شمله بقيادة أمين عام جديد ينتخبه المؤتمر العام المعطل، ولا أدري هل سنشطح في الأمنية إن أضفنا بأن يكون غير هاشمي، ولا يعني ذلك أننا نصادر على الهاشميين حقهم؛ بقدر رغبتنا في أن يقدم الحزب نفسه كتيار مفتوح لكل اليمنيين الذين يتوافقون مع توجهه الفكري وعدم اقتصاره على فئة اجتماعية محددة.

الأحزاب الجديدة

هناك العديد من الأحزاب الجديدة التي ظهرت في اليمن بعد الثورة الشعبية، لكن أدوارها وحضورها الشعبي لم تتضح بعد. يأتي في مقدمتها حزب العدالة والبناء الذي احتوى على العديد من النخب التي كان معظمها منضوٍ في إطار المؤتمر الشعبي العام، ومع ذلك ما زال الاتجاه الفكري للحزب وتحالفاته السياسية غير واضحة المعالم. يقف إلى جواره حزب الأمة الذي توقفت أخبارنا عنه عند حفل الإشهار، ويبدو أن دوره المستقبلي سيرتبط بشكل كبير بالتطورات السياسية لجماعة الحوثي حسبما ذكرنا أعلاه. أما الحزب اللبرالي اليمني فهو حزب يحمل فكرة جميلة لكن ينقصها الإمكانيات المادية. وربما ينطبق ذلك أيضاً على حزب الربيع العربي الذي أسسه مجموعة من الشباب.


في السبت 29 سبتمبر-أيلول 2012 05:47:27 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=17500