ليبيا واليمن .. فصل جديد من أزمات العرب :
علي عبد العال

يصف المحللون الأزمة الدائرة بين طرابلس وصنعاء بأنها حلقة جديدة، ضمن ما يمكن أن نسميه ملف الأزمات العربية العربية، وهو ملف مثقل بما فيه من قضايا استعصت على الحل، ولم يجد التاريخ من سبيل إلا أن ينحيها عن طريقه ويرجئها للمستقبل كلما أمكن ذلك .

 فعلى خلفية ملفات شائكة داخلياً وإقليمياً ودولياً، وفي خطوة اعتبر ت مؤشرا على قطع العلاقات بين البلدين، بادرت اليمن باستدعاء سفيريها في طرابلس وطهران للتشاور، عقب معلومات ترددت بشأن تدخل ليبي إيراني في الشئون الداخلية اليمنية، ودعم الدولتين للشيعة الزيديين، أتباع عبد الملك الحوثي، الذين يخوضون صراعاً مسلحاً ضد ‏الدولة .

 وفي ذلك تشير مصادر سياسية في صنعاء ــ حسبما نقلته مصادر صحفية ــ إلى تدخل أطراف إقليمية ودولية في القضية، من خلال الضغط على اليمن من أجل اتخاذ قرار سحب السفراء، في إطار حسابات إقليمية بالمنطقة. وأبدت المصادر خشيتها من أن تكون حرب صعده امتداداً لأجندة دولية في المنطقة، بعيداً عن الاعتبارات والمصالح الوطنية، رابطة بين زيارة الرئيس علي عبد الله صالح الأخيرة لواشنطن وهذا التصعيد اليمني مع دول عربية وإسلامية (ليبيا وإيران).

 وتقول هذه المصادر : إنه لو كانت صنعاء تمتلك أدلة حقيقية على تورط هاتين الدولتين في تمرد الحوثي عليها، لأعلنت تلك الأدلة بشكل مباشر، وقدمتها للرأي العام والمجتمع الدولي، بل وتقدمت بشكوى إلى الجامعة العربية .

 على الصعيد الرسمي والإعلامي، اتهم علي محمد مجور ــ رئيس الوزراء اليمني ــ إيران وليبيا صراحة بدعم المتمردين في محافظة صعدة، الذين تقول ‏السلطات ‏اليمنية : إنهم يريدون فرض التشيع الإثنا عشري ‏في بلاد ليس فيها شيعة إثنا عشرية. وعما إذا كانت الحكومة اليمنية تملك أدلة تثبت هذا التورط (الليبي الإيراني)، قال مجور للصحفيين : "ليس ‏‏بالضبط أدلة، وإنما مؤشرات" .‏
 

 من جانبها وإزاء هذه الاتهامات، سارعت طرابلس ــ التي أعلنت قبل أكثر من شهر أنها تعمل على قيام الدولة الفاطمية ‏الشيعية ‏الثانية ــ إلى النفي. وقال عبد الرحمن شلقم، ‏أمين اللجنة ‏الشعبية العامة ‏للاتصال الخارجي : إن "ليبيا ليس لها علاقة بما يسمى الحوثي (...) ‏وهي تحرص على السلام ‏والاستقرار في اليمن". وأضاف أن "السفير اليمني لم يغادر ليبيا ‏‏وتحدثت معه بالهاتف ومع وزير ‏الخارجية اليمني" أبو بكر القربي .‏

‏ وأوضح شلقم أن طرابلس كانت قد تدخلت ‏في ملف التمرد (باليمن) وسيطاً عندما طلب منها ذلك، ‏وأنها انسحبت من تلك الوساطة. ‏واتهم أطرافاً خارجية ــ لم يسمها ــ بالسعي "لتسميم" العلاقات ‏بين ليبيا واليمن, واصفاً العلاقة ‏بين الزعيم معمر القذافي والرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، ‏‏"بالحميمة" .‏‏‏

 وتقول المعطيات : إن يحيى الحوثي ــ شقيق عبد الملك ‏و‏المسئول السياسي للحوثيين، الذي ‏لا يزال عضواً في البرلمان اليمني رغم ‏محاولات الحكومة رفع ‏الحصانة البرلمانية عنه ــ أقام في ‏العاصمة الليبية طرابلس لبعض الوقت، ‏أواخر العام الماضي. وأنه لا يزال يتردد ‏عليها كثيراً منذ ‏أن أعلن أنه ذهب إلى طرابلس كجزء من مساعي الزعيم الليبي، معمر القذافي، ‏للتوسط لوضع ‏حد ‏للمواجهات في اليمن. وطلبت اليمن رسمياً من ليبيا، في 16 فبراير، تسليمه ‏لإحالته أمام ‏القضاء، إلا ‏أن طرابلس لم تفعل. وزار عبد الرحمن شلقم صنعاء في السادس ‏عشر من شهر ‏مارس الماضي، ‏كجزء من عملية وساطة وحوار بهذا الشأن

‏‏ وفي إطار ضراوة المواجهات في الجبال بين القوات الحكومية والمتمردين، قال الرئيس اليمني ‏علي عبد الله صالح : إن بعض الدول تمد جماعة الحوثي بالأسلحة ‏‏والدعم المالي، لكنه لم يذكر ‏هذه الدول بالاسم.بينما قال وزير الخارجية، أبو بكر القربي : إن "الدعم الخارجي هو ‏الوسيلة الوحيدة المتاحة للحوثيين، وإنهم ‏ما كانوا ليحصلوا على ‏الأسلحة وأجهزة ‏الاتصال التي بحوزتهم لولا هذا الدعم"،

 مشيراً إلى أن الحكومة تعتقد أن هذا الدعم ‏‏‏"جاء من عدة مصادر شيعية" ليس بينها ‏بالضرورة الحكومة الإيرانية، وقال: إن ‏‏"زيارات الحوثي ‏لليبيا تعطي انطباعاً بأن ‏طرابلس ضالعة في الأمر" . ‏

 أما طارق الشامي رئيس الدائرة الإعلامية بحزب ‏‏المؤتمر، الذي يتزعمه ‏صالح، فقد قال : إن مسئولي أمن إيرانيين أبلغوا اليمن أن مؤسسات ‏‏دينية إيرانية تدعم المتمردين، لكنهم ‏أضافوا أن طهران لا تدعم هذه الجماعات. وأضاف الشامي : "مؤسسات دينية إيرانية هي من ‏تدعم" .‏

 وفي إقحام للخلافات بين ليبيا والسعودية في الأزمة، رأت صنعاء أن الدعم ‏الليبي غرضه ‏بالأساس، زرع القلاقل ‏مع السعودية، الجارة العربية التي تقترب حدودها ‏كثيراً من مناطق القتال ‏في صعدة. وحول الدور السعودي في الأحداث، تحدثت مصادر صحفية أن المملكة تدفع عشرة ‏ملايين ‏دولار شهرياً ‏كمساعدة للدولة، في حربها على الحوثيين تصرف تحت اسم دعم الموازنة .‏

 أما المصادر الغربية، فمن جهتها تتحدث كثيراً عن الدعم الإيراني، وتشير أجهزة استخباراتها ‏إلى أنها لم ‏ترصد أدلة على التورط الليبي في دعم الحوثيين، غير ‏أنها رصدت تورطًا إيرانيًا على ‏نحو غير ‏مباشر، لافتة إلى أن أنصار إيران في الكويت والبحرين ‏يقدمون دعمًا ماليًا للمتمردين، ‏على الرغم ‏من اختلافهم المذهبي. فالحوثيون يعتنقون المذهب الزيدي، ‏بينما شيعة إيران والخليج ‏هم من الشيعة ‏الأثنى عشرية، غير أن ذات المصادر أشارت إلى ما وصفته ‏بأن هذا الصراع ‏يستند إلى الخلافات ‏العميقة بين السنة والشيعة المرشحة للتصاعد إقليميًا، خاصة في ‏ظل الأحداث ‏الجارية في العراق ‏على خلفية طائفية .‏

 وينفي الحوثيون حصولهم على أي تمويل سواء من إيران أو ليبيا، إلا أن تقارير تشير إلى أن ‏قيادات ‏كبيرة في جماعتهم تلقت تدريبات عسكرية في إيران .‏

‏ وتسعى عائلة الحوثي لاستعادة الإمامة الزيدية التي حكمت صنعاء حتى عام 1962. ولايعترف ‏‏‏المتمردون الشيعة بشرعية النظام الجمهوري الحالي، لأنه جاء إلى السلطة بإنقلاب عسكري ضد ‏سلطة الإمام ‏‏الزيدي في البلاد. ويعد الزيديون أقلية شيعية في اليمن، بينما غالبية السكان من ‏السنة، إلا أن الزيديين ‏‏يشكلون أغلبية نسبية في مناطق الشمال .‏

‏ ويدور التمرد الذي يعرف باسم تمرد "الشباب المؤمن" في مناطق جبلية وعرة وفقيرة، ويرفض ‏‏‏الحوثيون تسليم أسلحتهم الثقيلة مقابل فتح الحوار مع السلطات، وقد تسبب هذا التمرد في نزوح ‏‏‏أكثر من 30 ألف شخص من القرى اليمنية التي تشهد المواجهات .‏‏ ‏

 وفي حين يؤكد مراقبون على حرص الطرفين (الحكومة والمتمردين) على تسوية سلمية لإنهاء ‏هذا ‏‏الصراع، يشيرون أيضاً إلى حرص بعض الأطراف على جعل الحسم العسكري حل وحيد لهذه ‏‏‏الأزمة. وفي تصريحات له، أكد رئيس الوزراء اليمني علي محمد مجور : أن حكومته لن ‏تتفاوض ‏مع الزيديين. مضيفاً: "بالتأكيد.. ليس هناك أي حل سوى الحل العسكري".‏ ومن ثم ‏يتحدث المراقبون بشأن أطراف داخل أجهزة ‏السلطة مستفيدة من تعليق الأزمة وتصعيدها، وأن ‏هذه ‏الأطراف كان لها دورها في عدم الوفاء ‏بالوعود التي تمت من قبل، خاصة ما تعلق منها ‏بإطلاق ‏سراح الحوثيين المعتقلين في صنعاء، حيث ‏أفرج عن البعض فقط في حين تم احتجاز ‏الأغلبية، الأمر ‏الذي كان له دوره في استمرار التوتر ‏والغضب .‏

 وتقول مصادر توصف بالعليمة : إن الشيخ عبد الله الأحمر، كان قد عرض على الرئيس، عبد الله صالح، "لملمة" الموقف حين كان في بدايته، إلا أن الأخير رفض مجيباً أنه قادر على حسم الموقف في ثلاثة أيام وأن الشيخ بعد ذلك لم يتدخل حتى طلب الرئيس منه التدخل قبل أيام، مشيرة إلى أنه وقبل مقتل حسين الحوثي في 10 "سبتمبر" العام 2004م كانوا قد طلبوا من الشيخ مجاهد أبو شوارب ــ رحمه الله ــ التوسط إلا أن الرئيس رفض الوساطة .

‏ وأكد عبد الملك الحوثي في تصريحات للإعلاميين إن الحكومة ‏‏اليمنية تشن ‏هذه الحرب وفقاً لأجندة أمريكية، وكشف الحوثي عن توجيهه رسالة بعث بها إلى أحزاب ‏‏اللقاء ‏المشترك (المعارضة اليمنية) طالبهم فيها باتخاذ موقف إزاء هذا الحرب التي تشنها ما يسميها ‏‏‏بالسلطة الفاسدة والمدمرة لمستقبل الشعب اليمني. واتهم الحوثي السلطة بالخيانة والولاء ‏للخارج على حساب الداخل، وأنها تقوم بتنفيذ هذه ‏‏الحرب إرضاءً للولايات المتحدة، داعياً الجيش ‏اليمني إلى عدم توريط نفسه في هذه ‏‏المواجهات، قائلا إن السلطة هي من بدأت بشن الحرب ‏بإيعاز خارجي، وأنها تواصلها ‏‏لأسباب بعضها تتعلق بمصالح أطراف رئيسة في الحكم مستفيدون ‏من هذه الحرب .‏

 وفي تصريحات أخرى قال الحوثي : إن محاولة السلطة إطالة أمد ‏الحرب ‏ورفض كل دعوات المصالحة تأتي أساساً في إطار توزيع مشاكلها ‏على ‏العواصم العربية، وغير ‏العربية، ومن ذلك محاولة قطع العلاقات مع ليبيا أو إيران .


في الأحد 20 مايو 2007 08:17:27 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=1789