فمتى يفيق بعض العرب؟!
أ.د  سيف العسلي
أ.د سيف العسلي

من غير المبالغة القول بأن الأوضاع في العالم العربي قد وصلت الى مستويات من السوء لا تسر صديقاً ولا تغيض عدواً، لكن للأسف فأن هناك من العرب من لم يرغب في أدراك ذلك أو لا يرغب في فعل أي شيء أزاء ذلك.

أذ أنهم لو أدركوا ذلك ما كانون ليقتلوا بعضهم بعضاً وما كانوا ليشعلوا الحروب وما كانوا ليتعمدوا تدمير بنيتهم التحتية وما كانوا ليصروا على إهدار مواردهم النادرة وما كانوا ليشعلوا الحرائق ويصبوا الزيت عليها.

إنهم لم يدركوا حتى انزعاج أصدقائهم ورضا أعدائهم بسبب سوء أوضاعهم، لا شك أن ذلك يعبر عن ظاهرة غريبة جداً فمن غير الممكن أن يكون الصديق أكثر حرصاً على مصلحة صديقه من نفسه .. ومن غير الممكن أن يفرح العدو عندما يكون عدوه في خير، لقد كان على بعض العرب أن يدرك ذلك إن لم يكن قادراً على إدراك سوء الأوضاع التي يعيشون فيها، لا شك أن ظاهرة كهذه تناقض المنطق والمعقول و بالتالي فإنه لا يمكن فهمها الا في إطار الجهل أو المرض.

فالجاهل يمكن أن يتصرف على هذا النحو لأنه لا يستطيع أن يميِّز بين ما ينفعه وما يضره والمريض قد يرفض العلاج لأنه غير قادر على حساب الفائدة منه.

كذلك فإن المريض قد يقوده تأزمه لأن يتصرف على هذا النحو، إن تأزمهم هذا نابع من اعتقادهم بأنهم وحدهم يحتكرون الحقيقة وإذا كان الأمر على هذا النحو فإن تسامحهم مع من يخالفه هو إقرار بالباطل. إن ذلك هو ما ضيق مساحة التسامح ووسع مساحة التطرف لديهم.

ولذلك فإنهم لا يترددون في إطلاق الكفر والخيانة والجهل على كل من يخالفهم، ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد فإنهم يهدرون دم كل من يطلقون عليهم هذه الأوصاف، إنهم يلجأون الى القتال كوسيلة لتسوية خلافاتهم مع غيرهم بدلاً من الحوار.

أنهم بتصرفاتهم هذه قد حولوا مقدسات الأمة من عامل توحيد إلى عامل تفرقة، إنهم يشنون الحروب ويقتلون الأبرياء إما بحجة الدفاع عن الدين أو بحجة تحرير وحماية الوطن وحماية مصالحه العليا أو بحجة محاربة الفقر أو بحجة تحقيق العدل لكنهم بعملهم هذا يسيئون للدين وللوطن وللعدالة .

إنهم يستمرئون القتل بشكل كبير والأكثر أهمية من ذلك أنهم قد نجحوا في إقناع أنفسهم بأن القتل فضيلة في حد ذاته فقد أصبح القتل حلماً للعديد منهم، ولذلك فإنهم لا يتورعون عن قتل أنفسهم وقتل الآلاف من الأبرياء بدون أي مبرر ونتيجة لذلك فقد أصبح القتل عند هؤلاء هو الحياة والحياة هي القتل.

لقد وقف البعض أمام تصرفات هؤلاء مكتوفي الأيدي، فقد كان عليهم لوقف تدهور الأوضاع أن يعملوا على وقف هذه الممارسات بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد كان عليهم أن يسعوا لإصلاح أوضاعهم وأن يتعاونوا فيما بينهم وأن يحسنوا الظن ببعضهم البعض وأن يعين غنيهم فقيرهم وأن يعلم عالمهم جاهلهم وأن يحترم صغيرهم كبيرهم وأن يرحم كبيرهم صغيرهم.

لقد كان عليهم أن لا يقبلوا بهذا الواقع وأن يغتاظوا مما يجري حولهم لأن من يغتاظ لا يستطيع أن يخفي قلقه من ذلك على الأقل حتى لو كان غير قادر على فعل أي شيء آخر، أنه لو كان لديهم شيء من ذلك لفكروا حتى في البحث عن الأسباب وعن معالجات لأي من الازمات التي يعاني منها العالم العربي.

إن العديد من هؤلاء ليسوا جهالاً لأنهم ينتمون إلى أمة قد سادت العالم وساهمت بشكل كبير في الحضارة الإنسانية، ولقد كان لديهم من الإمكانات المادية والبشرية مما يمكنهم من إقامة أعداد لا تحصى من مراكز الأبحاث المتقدمة القادرة على تحليل الأوضاع العربية وتحديد ماينفعهم وما يضرهم وما يجب عليهم القيام به لتغير أوضاعهم الى الأفضل .

حتى في حالة عدم وجود مثل هذه المراكز العربية فإن في ما كتبه أعداؤهم عنهم الشيء الكثير مما يكمن الاستفادة منه، وإن كان هؤلاء لا يرغبون في الاطلاع على ما يقوله عنهم أعداؤهم فإن هناك مراكز أبحاث أخرى صديقة أو محايدة تحتوي على كم هائل من الدراسات حول حقيقة الأوضاع في العالم العربي وما ينبغي على هؤلاء عملة للخروج من هذه الأوضاع المزرية.

إن كان هؤلاء لا يثقون بهذه المراكز فإنه بإمكانهم الاستفادة من التجارب المريرة التي مروا بها فالعديد من الأخطاء التي ارتكبها هؤلاء ليست جديدة، فقد اقترفوها ليس مرة أو مرتين بل عدد كبيراً من المرات، ربما كان ذلك كافياً لإيفاف طوفان القتل.

فإذا لم تعمل هذه الأحداث الكبيرة على جعل العرب يفيقون من غفوتهم هذه فإنهم لن يستطعوا فعل ذلك في المستقبل، إن عليهم أن يسعوا لعلاج جهل ومرض دعاة الفتن، صحيح أن ذلك يتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة، لكن لا يوجد أي خيار آخر.. إن بداية ذلك هي الاعتراف بالأخطاء وتوجيه الأصابع إلى من يستمر في اقترافها.. بهذه الطريقة فقط يمكن منع تكراراها.

إن عليهم تجريم وتشنيع اللجوء الى القتل كوسيلة لحسم الخلافات تحت أي ظرف من الظروف، عليهم يجعلوا الحوار الطريقة الوحيدة للتعامل مع أي اختلافات بينهم، إن ذلك يعني الاحتكام الى الحجج بدلاً من الرصاص، إن ذلك يعني ترك الغوغائية لصالح المنطق، إن ذلك يعني الإقرار بأن طريق الوصول الى الحقيقة هو فحص كل الآراء، عليهم القبول بتساوي حق الجميع في التفكير والتعبير عن رؤاهم .

إن عليهم أن ينصتوا لبعضهم البعض وأن يفهموا ما يقوله بعضهم البعض، بذلك فقط سينجحون في حل معظم خلافاتهم سليماً وسيشعرون بالأمن والطمأنينة، فبدون ذلك سيظل السلام وتحقيق التنمية والاستقلال وتذوق طعم الحياة بعيد المنال.


في الأحد 24 يونيو-حزيران 2007 05:36:58 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=2017