حوار عن بعد مع مؤسس سنغافورة الأول
احمد عبد الله مثنى
احمد عبد الله مثنى

في مذكراته التي كتبها بعنوان (قصة سنغافورة من العالم الثالث غلى العالم الأول ..) يتحدث مؤسس سنغافورة (لي كوان يو) أول رئيس وزراء لها، يتحدث حول نشأة هذا البلد الصغير ومراحل نهضته والتحديات التي واجهته في مسيرته النهضوية ، ونظرا لأهمية ما أورده من أفكار في مذكراته حيث وجود الرؤية الواضحة والأفكار الناضجة ،تشعر معها أن هذا الرجل لم يكن مُلْهَما فحسب بل ملهِما ، وهذه هي صفة العظماء ، الذين يرحلون وقد تركوا أثرا في الحياة ينير درب الحائرين ويزيد همة العاملين ، فنظرا لأهمية تلك المذكرات فقد أحببت أن أقتطف بعضا من أفكار هذا القائد الكبير،لأجعل القارئ العربي يضع مقارنة سريعة بين حكام حكماء وآخرين سفهاء..

واعلم أخي القارئ أني لست من أولئك المهتمين بقراءة مذكرات السياسيين ، لأن طابع الملل يكون غالبا على أسلوب كاتبي المذكرات لعدم امتلاكهم ولو القليل من ...وأيضا لأن الكثير منها لا يسلم من المبالغة والمجاملة ، أما مذكرات الزعماء العرب فلا أعيرها أي اهتمام لأنها كلها من أولها غلى آخرها محض افتراء لاشك فيه ..

إلا إن هذه المذكرات تعد – بحق- منجما للأفكار الإبداعية في مواجهة التحديات ومعيناً لا ينضب يرتاده طالبو التغيير وصانعو النجاح ، ولقد أحسن القول رئيس وزراء استراليا بوب هوك ، عن هذه المذكرات (هذا الكتاب ضرورة لا غنى عنها لكل من يريد فهم طريقة التفكير المعتادة في آسيا)

أما هنري كيسنجر فقد كتب مقدمة ماتعة للكتاب متحدثا عن رؤية صاحب المذكرات قائلا : ( وكانت رؤيته تتمثل في إقامة دولة لا تقدر على البقاء فقط ؛ بل تسود وتفوز وتتفوق ولسوف يعوض التفوق في الذكاء والانضباط والإبداع عن غياب الموارد)

وسوف أقوم بعرض بعض الأفكار المنتخبة من هذا الكتاب بطريقة السؤال والجواب متخيلا حوارا بيني وبين الكاتب ، وقد أسميت هذا المقال (حوار عن بعد مع مؤسس سنغافورة ....)

ونبدأ على بركة الله :

-ماهي الدوافع التي دفعتك إلى كتابة هذه المذكرات ، بمعني هل هي محاولة لكتابة تاريخ تخاف عليه ؟

ربما ، لكن ستجد ني جعلت العلاقة بيني وبين القارئ شديدة الوضوح فكانت أول سطور هذه المذكرات تبيانا للسبب الذي دفعني لكتابتها ، أي أنني ( كتبت هذه المؤلف من أجل الجيل الشاب من السنغافوريين الذين اعتبروا الاستقرار والنمو والرخاء قضايا مسلما بها ، وأردت منهم أن يعرفوا حجم الصعوبات التي لاقتها دولة صغيرة محرومة من الموارد الطبيعية لا تتجاوز مساحتها 640كم مربعا ، كي تتمكن من البقاء وسط دول أكبر مساحة تبنت جميعا سياسات قومية )

-هل كنت تتوقع أن تصبح – وأنت في بداية الأربعينات من عمرك – مسؤولا عن سنغافورة ؟

( لم أتوقع – أبدا – ذلك )

-ماهي أهم الهموم التي شغلتك بعد الاستقلال ؟

( هنالك العديد من الهموم التي شغلتني – آنئذ- : أولا : الحصول على الاعتراف الدولي باستقلال سنغافورة بما في ذلك عضويتها في الأمم المتحدة . وتمثل اهتمامي الثاني عن قطعة الأرض هذه فلم يكن لنا جيش ثم توجب علي – وأنا أقارع هذه الهموم والمشاغل الاهتمام بمشكلة ملحة أخرى ؛ الحاجة الماسة لحفظ القانون والنظام ،)

-هل هناك مشكلة تقدر تقول : إنها سببت لك الصداع ؟

(نعم ، المشكلة الثالثة التي سببت لي أشد أنواع الصداع إيلاما هي (الاقتصاد ) كيف نمكن شعبنا من كسب لقمة العيش >

-إذا ماهي النتيجة التي توصلت إليها بعد التفكير بهذه المشاكل ؟

(بعد التفكير مليا بهذه المشاكل والخيارات المحدودة المتاحة توصلت إلى نتيجة مفادها أن جزيرة /دولة – أمة في جنوب شرق آسيا لا يمكن أن تكون عادية إذا ما ارادت البقاء ، توجب علينا بذل جهود استثنائية لتصبح شعبا متماسك اللحمة ، عاقد العزم ، قوي البنيان قادرا على التكيف والأداء بصورة أفضل وأرخص من جيراننا لأنهم أرادوا تجاوزنا وإلغاء دورنا كمركز محوري وكوسيط للتجارة في المنطقة توجب علينا أن نكون دولة متميزة .

-ماهي مواطن القوة التي اعتمدت عليها ؟

-(تمثل أعظم مواطن القوة لدينا في ثقة وإيمان الشعب بنا ، وهما ميزتان اكتسبناها من الكفاح الذي خضناه باسمه ضد الشيوعيين والملاويين والمتطرفين ، رفضنا الإذعان والخضوع في وقت كان فيه زمام الشرطة والجيش بأيدي الحكومة المركزية .

ومصدر القوة الثمين الآخر الذي امتلكناه كان شعبنا المجد النشيط التواق للعلم والمعرفة .

في عام 1967، وعد هيلي \"بمعونة كبيرة \" للتعويض عن الخسائر الناتجة عن انسحاب القوات البريطانية ، وكنت مقتنعاً بأن على شعبنا ألا يتبنى ذهنية الاتكال على المعونات . فإذا ما أردنا النجاح علينا الاعتماد على انفسنا. )ص84)

.....................

تبلورت أفكاري تدريجياً واستقرت على استراتيجية ذات شعبتين لمغالبة مواطن ضعفنا . أولاهما التقدم على كل دول المنطقة ، كما فعل الإسرائيليون.

......................

الجزء الثاني من استراتيجيتي تتمثل في إيجاد واحة من العالم الأول في منطقة عالم ثالثية . وهذا شيء لم تتمكن إسرائيل من القيام به ؛ لأنها في حالة حرب مع جيرانها . وإذا ماستطاعت سنغافورة ترسيخ معايير العالم الأول في ميادين الأمن العام والشخصي ، والصحة والتعليم ، والإتصالات ، والمواصلات ، والخدمات ،فلسوف تصبح قاعدة انطلاق لرجال الأعمال وأصحاب المشاريع التجارية ، والمهندسين ، والمدراء ، وغيرهم من المتخصصين الذين تربطهم الأعمال التجارية بالمنطقة (91)

........................................

اتبعنا مبدأ هاديا واحدا للبقاء: سنغافورة أن تكون أصلب عوداً ، وأفضل تنظيماً ، واكثر كفاءة من الدول الأخرى في المنطقة . وإذا بقينا بمستواها ، فليس ثمة سبب يدعوا لتركيز الأعمال التجارية هنا . توجب علينا أن نجعل من الممكن للمستثمرين العمل بشكل ناجح ومريح في سنغافورة بالرغم من افتقارنا للسوق المحلية الكبيرة والموارد الطبيعية .(91،92)

..................................

اعتاد كبار مدراء الشركات الذين يزورون سنغافورة مقابلتي قبل اتخاذ قراراتهم بالإستثمار . وفكرت بأن أفضل وسيلة لإقناعهم هي التأكد من الشوارع المؤدية من المطار إلى فندقهم ومكتبي نظيفة ومرتبة ، تحفها الأشجار والخضرة . فعندما يصلون منطقة ايستانا ، سوف يشاهدون في مركز المدينة واحة خضراء مساحتها 36هكتارا من المروج الخضراء النظيفة والأراضي الغابية ، تضم بين جنباتها ملعباً للغولف بتسع حفر ، ودون أن يتفوهوا بكلمة ، سوف يعرفون ان السنغافوريين شعب كفء ، ومنضبط ، وأهل ثقة ، يتعلم المهارات المطلوبة منه بسرعة (97)

..................................................

عند النظر الى الماضي لا استطيع الادعاء بان ما حققناه من تطور اقتصادي وتصنيعي قد سار حسب الخطة المرسومة . فالخطط المبكرة التي وضعناها قبل الانفصال قد تأسست على قاعدة الافتراض بوجود سوق مشتركة مع ماليزيا .

شكرة \"غينيس\" ( Guinness ) مثلا دفعت \"عربونا\" لضمان حصولها على موقع في جورونغ لإقامة مصنع للجعة ، حين اخبر شان سيو سين ، وزير المالية الماليزي ، الان لينوكس – بويد ، رئيس \" غينيس\" بانه لن يسمح باستيراد زجاجة واحدة من \" الستاوت\" (جعة قوية داكنة ) . لذلك انشأ لينوكس – بويد مصنعه في كوالالمبور وعرض ان يسمح لنا بمصادرة العربون ، لكننا أعدنا المبلغ له . بعد سنوات رددنا تحية تان سيو سن بمثلها حين رفضنا تخفيض رسوم الاستيراد على زجاجات \"الستاوت\" القادمة من ماليزيا . وقررت شركة \"غينيس\" تفويض مصنع الجعة في سنغافورة لإنتاجها بترخيص منها . (101)

.......................................................

كيف كانت نظرتكم الى الشباب وانتم ترسمون هذه الخطة ؟؟

توجب علينا ان نضع ثقتنا بمسؤولينا وموظفينا الشباب الذين تمتعوا بالاستقامة والأمانة ، والذكاء والطاقة ، والدافع والقدرة على التنفيذ ، وإن افتقدوا الفطنة التجارية . وتم اختيار ابرز علمائنا من بين أفضل طلابنا ، ثم أرسلوا لمتابعة تحصيلهم العلمي في أشهر الجامعات في بريطانيا وكندا واستراليا ونيوزيلندا والمانيا وفرنسا وايطاليا واليابان ، وبعدها في أمريكا حين أصبحنا قادرين على ذلك ، جعلنا منهم أصحاب مشاريعنا التجارية للبدء بأنشطة شركتنا الناجحة . (103)

..............

بكلمة واحدة فسر لنا سبب النجاح الذي حققته سنغافورة ؟

إن توجب على اختيار كلمة واحدة لتفسير سبب النجاح الذي حققته سنغافورة ، فسوف تكون \"الثقة\" . فهي التي جعلت المستثمرين الأجانب يصطفون سنغافورة لإنشاء مصانعهم ومنشأتهم ومصافي نفطهم (104)

.................

كان هاجسي الشخصي يتركز بالدرجة الأولى على إعطاء كل مواطن حصة في الوطن ومستقبله ، أردت مجتمعا يملك كل فرد فيه مسكنه فقد رأيت الفرق الشاسع بين الشقق الرخيصة في مجمعات طابقية رديئة التخديم والصيانة وبين بيوت يفخر اصحابها بامتلاكها ، وكنت على قناعة بأن سنغافورة سوف تنعم بالمزيد من الاستقرار إن امتلكت كل عائلة منزلها . لذلك ، وبعد فوزنا في الانتخابات العامة التي أجريت في شهر ايلول / سبتمبر عام 1963، حين كانت سنغافروة جزءا من ماليزيا ، طلبت من هيئة الإسكان والتنمية ( HDB ) الإعلان عن برنامج لتمليك الشقق السكنية . وكنا أنشأنا الهيئة العامة عام 1960 كسلطة قانونية مختصة ببناء مساكن شعبية رخيصة التكلفة للعمال . بدأت الهيئة عام 1964 بمنح المشترين قروض إسكان طويلة الأجل لفترة تمتد 15 سنة وبفائدة قليلة . لكن البرنامج لم ينجح لعجز المكتتبين عن جمع الدفعة النقدية الاولى والبالغة 20% من سعر المسكن . (137)

...................

ماهي نقطة التحول في برامجكم الانتخابية ؟

نقطة التحول كانت الانتخابات العامة سنة 1968 ، بعد فترة وجيزة من إعلان البريطانيين عن نيتهم بسحب قواتهم . فزنا وقتها بجميع المقاعد الانتخابية بأغلبية ساحقة . وبحلول عام 1972 ، تنفس المواطنون الصعداء وأسعدهم نجاحنا في تحقيق ما يشبه المعجزة . فبرغم انسحاب القوات البريطانية وخسارة 20% من إجمالي دخلنا المحلي ، وحوالي 50 الف وظيفة ، كانت نسبة النمو الاقتصادي مرتفعة ونسبة البطالة منخفضة ، لأن الشركات الأمريكية متعددة الجنسية خلقت آلف فرص العمل في الصناعات الكهربائية والإلكترونية . وحين دعوت إلى إجراء انتخابات في أيلول / سبتمبر 1972 ، للتنافس على 57 من أصل 65 مقعدا ، فزنا بها جميعا بعد ان نلنا 70 % من الأصوات .(169)

.................................

كيف تنظر الى الأجيال القادمة وماهي أثمن مصادر قوة سنغافورة ؟؟

المواهب النابغة تمثل أثمن مصادر قوة سنغافورة ، وهي العامل الحاسم والمحدد لطبيعتها ، باعتبارها بلدا فقيرا في موارده وضئيلا بعدد سكانه الذي لم يتجاوز المليونين عند الاستقلال في عام 1965 . الصينيون هنا كانوا في غالبيتهم العظمى منحدرين من العمال الزراعيين في المقاطعات الجنوبية من الصين .(183)

............................

بعد عدة سنوات في الحكم ، أدركت انه كلما زادت المواهب التي استخدم أصحابها كوزراء ومدراء وحرفيين متخصصين ، كلما تنامت فاعلية وكفاءة السياسات التي أتبعها وتحسنت النتائج (184)

...............

بالنسبة للمواهب الاستثنائية ، حاولت اللجنة استخدام طريقة \" جني المحصول قبل نضجه \" وهي ممارسة تستخدمها الشركات الأمريكية حيث تعرض الوظيفة على الطالب المتفوق قبل تخرجه، وذلك على أساس أدائه قبل دخوله الامتحانات النهائية .

أنشأنا أيضاً فريقي عمل مخصصين لاجتذاب المواهب والكفاءات من الهند ومن باقي دول المنطقة .(193)

.............................................

حسناً : لو انتقلنا إلى مسألة مهمة وهي (الهوية) في ظل تعدد الأعراق والإثنيات في سنغافورة ؟ كيف تعاملتم معهم ؟

سؤال مهم في غاية الأهمية ، وهذا كان هاجساً يدور في خلدي وكنت أسمي ذلك كما ذكرت في مذكراتي ( ألسن عديدة = لغة واحدة ) ، وهي لاشك معادلة صعبة .

حين شكلنا الحكومة عام 1959 ،قررنا اعتبار الملاوية لغة وطنية ، وذلك لتمهيد البيل أمام الاندماج مع الملايو. لكن أدركنا أن الإنكليزية يجب أن تكون لغة العمل واللغة المشتركة. وبوصفنا مجتمعا تجارياً دوليا ، لن نكسب رزقنا إن استخدمنا الملاوية ، أوالصينية ، أو التاميلية . وعند استخدام الإنكليزية ، لن يكون لأي عرق ميزة تفضله على الأعراق الأخرى ، إلا أن القضية بالنسبة لنا كانت على درجة عالية من الحساسية بحيث منعتنا من إحداث تغيير فوري . وسيكون الأمر كارثياً لو أعلنا أن على الجميع تعلم اللغة الانكليزية في وقت كانت فيه كل جماعة عرقية متمسكة تمسكا شديداً ومتحمسا بلغتها الأم. لذلك تركنا الوضع على حاله : أربع لغات رسمية – الملاوية، الصينية(الماندرين) التاميلية ، الإنكليزية . 196

..............

حسنا سأنتقل بك الى موضوع أخر غاية في الأهمية ، إلا وهو قضية الفساد المالي والإداري ... كيف تنظرون الى هذا الأمر وكيف تجاوزتم هذا الخطر ؟؟

حين وصلت حكومة حزب العمل الشعبي إلى السلطة عام 1959، رتبنا الأمور بحيث تكون لدينا إدارة نظيفة . آلمنا طمع وفساد وانحلال العديد من الزعماء الآسيويين . لقد تحول المقاتلون في سبيل الحرية والمناضلون لإنقاذ شعوبهم المضطهدة إلى زمر من الفاسدين الذين يبذرون ويبددون ثرواتهم . وعقدنا العزم على التخلص من الحكم الاستعماري ، لكننا شعرنا بالاستياء والخجل من الزعماء الوطنيين الآسيويين الذين أدى فشلهم في تطبيق مثلهم العليا إلى إزالة غشاوة الوهم عن عيوننا .

احد القرارات المهمة التي اتخذناها قبل الانتخابات العامة التي أجريت في أيار / مايو 1959 سلط الضوء على موقفنا من الفساد ، الذي بدأ ينخر حكومة ليم هيو هوك (1956-1959) .

كان لدينا إحساس عميق بضرورة تأسيس حكومة نظيفة وكفؤة . وحين قمنا بأداء اليمين في احتفال في قاعة مجلس المدينة في حزيران / يونيو 1959 ، لبسنا جميعا قمصانا (خفيفة) وسراويل بيضاء في إشارة رمزية إلى النقاء والطهارة والأمانة في سلوكنا الشخصي وحياتنا العامة . 209

...................................

تأكدنا منذ اليوم الذي استلمنا فيه الحكم في حزيران / يوينو 1959 أن كل دولار من العائدات سوف يسجل ويصل كله إلى المحتاجين على مستوى القاعدة الشعبية ، دون أن يقتطع منه شئ في الطريق إليهم . وهكذا ، ومنذ البداية ، ركزنا انتباهنا بصورة خاصة على المجالات التي كانت فيها السلطات القادرة على اتخاذ القرارات الصائبة عرضة للاستغلال من أجل المكاسب الشخصية ، وعملنا على شحذ وصل الأدوات والوسائل التي يمكنها منع واكتشاف أو ردع مثل هذه الممارسات . 211

......................

تجسد أهم تغيير فاعل أجريناه عام 1960 في مبدأ من أين لك هذا ؟ أي السماح للمحاكم بالتعامل مع البينات التي تثبت أن المتهم يعيش حياة تتجاوز حدود إمكانياته المادية ، أو انه يملك عقارا لا يسمح دخله بشرائه ، كدليل دامغ غلى انه قبل أو تقاضى رشوة .(212)

......................

الحالات الشهيرة احتلت عناوين الأخبار . أدين عدة وزراء بتهمة الفساد ( وزير في كل عقد بين الستينات والثمانينات )كان تان كيا غان، وزيرا للتنمية الوطنية إلى ان خسر انتخابات عام 1963، ربطتنا معا زمالة وثيقة منذ أوائل الخمسينات حين كان رئسا لنقابة مهندسي الخطوط الجوية الملاوية ، وكنت أنا مستشارها القانوني . ثم عيناه مديرا في مجلس إدارة الخطوط الجوية الماليزية . وخلال اجتماع مجلس إدارة الشركة الذي انعقد في آب/اغسطس1966 ،عارض تان معارضة قوية شراء طائرات \" بوينغ \" . بعد بضعة أيام اتصل شخص يدعى ليم ب\"فيرست ناشيونال سيتي بنك\" (مصرف شركة بوينغ ) عارضا خدماته . كان صديقا لتان كيا غان. كان المصرف يعرف موقف الحكومة الصارم ضد الفساد ونقل الأمر إليها. لكن ليم رفض توريط تان ، ولم يكن بالإمكان إدانته. لكن اقتنعت بأنه كان وراء القضية . تملكني إحساس بغيض وأليم بسبب القرار الذي توصلت إليه ، وأصدرت بيانا ذكرت فيه أنه لم يقم بتأدية واجباته بصورة مرضية وأنه يستحق اللوم بوصفه ممثلا للحكومة في مجلس إدارة الخطوط الجوية الماليزية . عزلته من مجلس الإدارة ومن كافة مناصبه الأخرى .(213-214)

..............................

أما السقوط المدوي الأكثر درامية فكان ذلك الذي أصاب تيه تشيغ وان ، وزير التنمية الوطنية آنئذ .ففي تشرين الثاني/نوفمبر1986 أعترف أحد مساعديه عند استجوابه من قبل مكتب التحقيق أنه أعطى تيه مبلغين نقديين قيمة كل منهما 400 ألف دولار، للسماح – في إحدى الحالتين – لشركة تطويرية بالاحتفاظ بجزء من أرضها التي خصصت للدولة ، وفي الحالة الثانية ، لمساعدة رجل أعمال على شراء أرض تابعة للدولة لتطويرها لحسابه الخاص. تلقى هذين المبلغين- كرشوة – في عامي1981،1982. أنكر تلقي المال وحاول عقد صفقة مع كبير مساعدي مدير المكتب لوقف الإجراءات ضده. أورد سكرتير الحكومة ذلك في تقريره ، وذكر أن تيه قد طلب مقابلتي. قلت بأن ذلك غير ممكن قبل انتهاء التحقيق. بعد أسبوع ، وفي صبيحة الخامس عشر من كانون الأول / ديسمبر1986، قال ضابط الأمن الذي يعمل لدي : إن تيه قد توفي بعد أن ترك لي رسالة: رئيس الوزراء :

تملكني شعور شديد بالأسى والاكتئاب طيلة الأسبوعين الماضيين. أحسست بأنني مسؤول عن هذا الحادث المشؤوم وأن علي تحمل المسؤولية كاملة .وبوصفي رجلا شرقيا نبيلا وشريفا أشعر أن من الحق أن انزل بنفسي العقوبة القصوى على خطأي .(215-216)

.......................

من السهولة بمكان البدء – نظريا – بمعايير أخلاقية سامية ، وقناعات قوية راسخة ، وتصميم أكيد على القضاء على الفساد. لكن من الصعب البقاء على مستوى هذه النوايا الصافية إلا إذا امتلك الزعماء ما يكفي من القوة والتصميم على التعامل مع المخالفين ومنتهكي القانون ، بدون أية استثناءات. ولابد من دعم مسؤولي مكتب التحقيق دون خوف أو محسوبية لتطبيق القواعد والأنظمة .(216)

..............................

الشرط الضروري المسبق للحكومة المخلصة النظيفة هو ان لا يحتاج المرشحون إلى مبالغ مالية كبيرة للفوز بالانتخابات ،والا سوف يطلق ذلك الحلقة المفرغة من الفساد. مصدر الشر في معظم الدول الآسيوية هو التكلفة المرتفعة للانتخابات . فبعد أن ينفق الفائزون مبالغ كبيرة للفوز في الانتخابات ، يحاولون استعادة ما دفعوه وجمع الأموال اللازمة للانتخابات القادمة . النظام يؤبد ذاته بذاته . فمن اجل الفوز بمقعد في الجمعية التشريعية التايوانية (يوان) في التسعينات ، دفع بعض المرشحين مبالغ تراوحت بين 10-20مليون دولار امريكي . وحالما يتم انتخاب المرشحين ، يسعون للتعويض عن خسائرهم والاستعداد للجولة القادمة من خلال استخدام نفوذهم لدى وزراء ومسؤولي الحكومة للحصول على العقود الرسمية ، أو تحويل استثمار الأراضي من المجال الزراعي إلى الصناعي او التطوير العمراني المدني . في تايلند ، وصف وزير سابق النظام بأنه \"ديمقراطية تجارية أو تفويض يشتري المال \" . في عام 1996 ، أنفق ألفان من المرشحين ما يعادل 30 مليار بات( 2،1مليار دولار). أحد رؤساء الوزارات كان يدعى \" جهاز الصراف الآلي \" لأنه اشتهر بتوزيع النقد السائل على المرشحين والمقترعين . ورد على اللقب / التهمة بالقول إنه ليس الصراف الآلي الوحيد . (218)

..........................................

حين أصيبت دول شرق آسيا - من كوريا الجنوبية إلى اندونيسيا – بصدمة مدمرة نتيجة الأزمة المالية عام 1997، تفاقمت بلايا الفساد والمحسوبية . لكن سنغافورة واجهت الأزمة ونجت من عقابي لها بصورة أفضل من سواها نظرا لنظافتها من الفساد والمحسوبية اللذين كلفا الدول الأخرى خسائر تقدر بمليارات الدولارات .(225)

.................................................

نظمت حملة لمنع البصق في الأماكن العامة خلال الستينات . لكن حتى في الثمانينات ظل بعض سائقي \" التاكسي \" يبصقون من نوافذ سياراتهم ، كما أن بعض الناس يبصقون في الأسواق وفي مراكز بيع المواد الغذائية . تابعنا الحملة بإلحاح وعملنا على بث الرسالة من خلال المدارس ووسائل الإعلام مؤكدين على أن هذه العادة سيئة وتنشر الأمراض ، خصوصا السل.الآن، من النادر أن يبصق الناس في الأماكن العامة . نحن مهاجرون قطعوا جذورهم عن أوطانهم القديمة واستعدوا للتخلي عن العادات العتيقة من أجل خير وطنهم الجديد. شجعني هذا التقدم على تعديل العادات السيئة الأخرى (227)

إدارة الحكومة ليست بعيدة الشبه عن قيادة الأوركسترا. إذ لا يمكن لأي رئيس وزراء تحقيق الكثير بدون فريق عمل قادر وكفء إلى جانبه. وفي حين انه ليس من الضروري أن يكون عزفاً عظيماً ، إلا انه عليه أن يعزف ما يكفي عن الأدوات/الآلات الرئيسة بدءا بالكمان، مرورا بالشيلو ، وانتهاء بالبوق والناي،وإلا لن يعرف ما يتوقعه من كل واحدة منها . تمثل أسلوبي في تعيين أفضل رجل لدي ليكون مسوؤلا عن أهم الوزارات في تلك الفترة ، خصوصا المالية، وذلك فيما عدا الحقبة التالية على الاستقلال حين غدا الدفاع مسألة عاجلة وملحة. هذا الرجل كان غوه كينغ سوي. أما ثاني أفضل الرجال فسيحمل ثاني أهم الحقائب الوزارية. كنت أعلم الوزير بما أريد منه تحقيقه،ثم أتركه ليؤدي المهمة ؛تلك هي الإدارة بالأهداف.ولقد نجحت هذه الطريقة كلما كان الوزير واسع الحيلة وقادرا على الابتكار والإبداع عند مواجهة مشكلات جديدة وغير متوقعة. أما تدخلي في الوزارات فكان حول مسائل سياسية فقط .(257-258)

....................................

عبر تجربة الصواب والخطأ ،تعلمت أنه إذا أردت لاقتراح ما أن ينال القبول على كافة المستويات ،يجب علي أولا أن أروج لأفكاري لدى وزرائي، الذين يقومون بعد ذلك بمناقشتها مع المستشارين الدائمين للوزارات والمسؤولين فيها،وبعد أن اعرف ردود أفعالهم على اقتراحي، ينبغي مناقشته مع أولئك الذين سيطبقونه عمليا.فإن كان مؤثرا في عدد كبير الناس،مثل ذلك المتعلق بنظام النقل، اعمل على تحويل القضية إلى وسائل الإعلام كي يناقشها الرأي العام. ولذلك، وقبل أن نصدر قرارا بشأن مترو الأنفاق السريع، خضنا جدلاً عاما امتد سنة كاملة حول مزايا مترو الأنفاق إزاء نظام النقل بالحافلات على طرق مخصصة لهذا الغرض . طلبنا أيضا نصيحة مستشارين أمريكيين حول الخيارين ، وأقنعنا هؤلاء أن نظام النقل بالحافلات لوحده لن يقدم حلا مرضيا ، لأن الحافلات تبطء سرعتها في الطقس الماطر وتعرقل النظام . وهذا مالا يحدث مع قطارات الأنفاق . (265-266).

..................................

الثورة الرقمية تغير أسلوبنا في الحياة والعمل . ولسوف تتطلب الإنترنت والشبكات المتعددة المتولدة عنها من كافة الذين يرغبون بالتواجد ضمن التيار الرئيس للاقتصاد الجديد أن يكونوا عارفين باستخدام الكمبيوتر والإنترنت .(277)

...................................

اختيار الرجل المناسب للمناصب الدستورية الهامة، مثل رئيس المحكمة العليا ورئيس الجمهورية، أمر حيوي وأساسي . والاختيار الخطأ قد يعني سنوات من الإحراج والارتباك أما الرأي العام ومشاكل لاحصر لها. من الأسهل ان تقرر من هو الرجل الأقدر مقارنة بالتنبؤ بمن يملك الشخصية التي تؤهله ليكون على مستوى المنصب. عرفت رئيس المحكمة العليا ورئيس الدولة بصورة حميمة طيلة سنوات عديدة قبل أن يتعين كل منهما في منصبه. الأول حقق نجاحا تاما، والثاني فشل فشلا ذريعا، وأعتبر اختياره حدثا مؤسفا كان بمقدورنا تفاديه .(278)

..........................

قبل أن أغادر المكان، قلت عند الباب الخارجي إن علينا التوصل إلى علاقة عمل وتعاون جديدة لمصلحتنا المتبادلة، ملمحا برفق إلى أننا لا يمكن أن نرجع إلى الماضي حين كنا نتوسل مطالبين بالوحدة الاندماجية. (292)

..........................................

كان علي أولا إظهار ان سنغافورة قادرة على البقاء دون الاتكال على اقتصادي إندونيسيا وماليزيا . نحن لسنا طفيليين نعتاش على جيراننا كنا نربط أنفسنا بالدول الصناعية ونجعل سنغافورة مفيدة لها، ونصنع منتجاتها باستخدام تقنياتها، ثم نصدرها إلى مختلف أرجاء العالم. لقد غيرنا معادلة البقاء .(336)

..........................................

مع أن امن دول رابطة جنوب شرق آسيا احتل الأولوية في تفكيرنا، إلا أننا اتفقنا على وجوب أن تشدد تلك الدول على التعاون على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، والتخفيف من حدة الهاجس الأمني. لسوف نتعاون بصمت، خصوصا في مجال المعلومات الاستخباراتية. ويجب على كل من، إندونيسيا وسنغافورة تعزيز قدراتها وانتظار الوقت المناسب لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دول الرابط. لم يأت على ذكر تيمور الشرقية، التي ستحتلها إندونيسيا بعد أسبوعين. لكن كان اللقاء جيدا. وتشابهت ردود أفعالنا حين فاجأتنا التحولات في مجرى الأحداث في المنطقة .(339)

............................................

عندما كنت طالبا شابا أعجبت بنهرو وأكبرت هدفه المتمثل بإقامة مجتمع علماني متعدد الأعراق. وعلى شاكلة معظم الوطنيين والقوميين في المستعمرات البريطانية، قرأت كتبه التي ألفها خلال سنواته الطويلة في السجون البريطانية، وخاصة رسائله إلى ابنته. فقد كتبت بأسلوب رشيق، ومست آراؤه وعواطفه وترا حساسا في داخلي .(494)

كان فرنسيا في مقاربته، وعقلانيا، ومنطقيا، ومنهجيا:

لم تطورت سنغافورة وتخلفت الدول الأخرى ما الذي ينقص هذه الدول؟

قلت لك إن هناك ثلاثة أسباب رئيسة:أولا، الاستقرار واللحمة والتماسك في المجتمع؛ ثانيا:الدافع الثقافي لتحقيق الأهداف، والشعب المقتصد المجد الذي يتطلع إلى المستقبل دائما وأبدا، ويدخر\"قرشه الأبيض ليومه الأسود \"، ولا ينسى الأجيال القادمة ؛ ثالثا: احترام التعليم والمعرفة. لكنه لم يقتنع بأن الإجابة كاملة وافية.(522)

..................................

لا يوجد في آسيا شعب يمكن ان يضاهي اليابنيين: لا الصينيون، ولا الكوريون، ولا الفيتناميون، ولا غيرهم من شعوب جنوب شرق آسيا. فهم يعتبرون أنفسهم شعبا له خصوصيته. فإما أن تولد يابانيا وتكون جزاء من هذه الأمة المعجزة، أولا تكون. هذه الأسطورة حول كونهم شعبا متميزا تجعل منهم قوة هائلة كأمة أو كشركة ،أو كفريق في أي موقع عمل.(638)

.......................................

في الحقيقة يتمتع اليابانيون بصفات وخصال تستحق الإعجاب. فثقافتهم فريدة في نوعها، حيث لكل فرد دوره المحدد ومكانه الدقيق والمناسب مثل مكعبات \"الليغو\".على الصعيد الفردي، يمكن للصيني أن يضاهي الياباني، في الشطرنج أو في\"الجو\" لكن يصعب التغلب على اليابانيين كمجموعة، وخصوصا كفريق إنتاج في مصنع. حين قدمت جائزة لنوبوهيزاكـي، المدير الإداري لشركة \"نيشيسون\" في الثمانينات، طلبت منه ان يعقد مقارنة بين العمال السنغافوريين ونظرائهم في اليابان الذين يعملون على آلات مماثلة، قال إن نسبة إنتاجية السنغافوريين تبلغ 70% حسب تقييمه. أما الأسباب فهي: العمال اليابانيون متفوقون في المهارة الحرفية، وفي تعدد هذه المهارات الحرفية، وفي المرونة والقدرة على التلاؤم والتكيف، وأقل تنقلا من وظيفة لأخرى، وأقل تغيبا عن العمل، لقد قبلوا بضرورة التعلم والتدرب مدى الحياة. وهم يعتبرون أنفسهم من ذوي الياقات الرمادية، لا البيضاء ولا الزرقاء. التقنيون، ورؤساء فرق العمل، والمشرفون على أتم الاستعداد دوما للعمل بأيديهم.

 كم يحتاج العمال السنغافوريون للحاق بنظرائهم اليابانيين؟

من عشرة إلى خمسة عشر عاما، حسب اعتقاده. وحين زدت الضغط عليه، قال هيزاكي إن العمال السنغافوريين لن يتمكنوا ابدا من مجاراة العمال اليابانيين بنسبة 100%. وقدم لذلك سببين اثنين:اولاً، العامل الياباني اعتاد أن يحل محل زميله حين تضطره الظروف لترك مكان العمل؛ وهو يركز تفكيره على عمله فقط. ثانياً، هنالك انقسام واضح في سنغافورة يفصل بين العمال العاديين وكادر المسؤولين عنهم(تبعا للنظام البريطاني) حيث يحتل المتخرج من المعهد التقني أو الجامعة مركزا إداريا في المصنع دون ان يترقى إلى هذا المنصب بشكل تدريجي. وهذا أمر لا يحدث في اليابان.(638-639)

.......................................

تعلمت منهم أهمية زيادة الإنتاجية عبر التعاون بين الإدارة والعمال، المعنى الحقيقي لتنمية الموارد البشرية .(641)

..........................................

يتميز المدراء اليابانيون بإخلاصهم وولائهم التام لوظائفهم وتكريس حياتهم لها. في السبعينات، فشل مهندس ياباني يعمل في حوض جورونغ لبناء وإصلاح السفن في تنفيذ مشروع إقامة خزان مهم للنفط نتيجة خطأ ارتكبه في حساب التكاليف. شعر في أعماقه بأن يتحمل مسؤولية انخفاض أرباح شركته في تلك السنة، فأقدم على الانتحار. أصبنا بصدمة قوية. لم نتخيل أن يشعر المواطن السنغافوري بمثل هذا الإحساس العميق بالمسؤولية الشخصية .(642)

.............................................

وبسبب قيم الثقافة اليابانية، سوف يكون اليابانيون في عداد الناجين بعد حدوث أية كارثة. فبين الحين والآخر يتعرضون لضربة مفاجئة من إحدى قوى الطبيعة - زلازل،أعاصير، أمواج بحرية مدمرة(ومنها تسونامي) تسببها زلازل أو براكين تحت الماء- لكنهم ينهضون مجددا، بعد أن يضمدوا الجراح، ويعالجوا الضحايا، ويعيدوا البناء من جديد. (647)

......................................

قمت بزيارتي الثانية لهونغ كونغ في آيار/مايو1962. وجدت أنها سبقت سنغافورة بأشواط، وذلك تبعا للمباني والمتاجر التي رايتها. وبعد الاستقلال عام 1965، حاولت جهدي زيارة هونغ كونغ كل سنة تقريبا للتعرف على الطرائق المستخدمة لحل المشكلات والتغلب على الصعوبات، واستخلاص العبرة والدروس المفيدة لنا .(665)

.....................................

الحاسم الوحيد الذي أدى إلى تطور سنغافورة هو قدرة وكفاءة وزرائها والمستوى الرفيع من المهارة والدراية الذي بلغه موظفوها الحكوميون وما قدموه من دعم ومؤازره للوزراء .(806)

..................................

كان من حظ سنغافورة السعيد ان نمتلك، في بلد نام صغير، نسبه كبيرة من المواهب والكفاءات، نظرا لأنها تعززت بواسطة العديد منة الرجال والنساء الموهوبين الذين أتوا إلى سنغافورة لطلب العلم والدراسة ثم أقاموا فيها للحصول على فرصة عمل أو إقامة مشروع تجاري. ونظرا لبحثنا المتواصل دون كلل أو ملل عن الكفاءات والمواهب داخل وخارج البلد، للتعويض عن المجموعات الصغيرة من المتعلمين، تمكنت سنغافورة من الحفاظ على مستوى رفيع الأداء. تمثلت أعظم مهماتنا في العثور على بدلاء للوزراء الذي تقدمت بهم السنون (وخليفة لي شخصيا)(806).

........................................................

القيادة أكثر من مجرد القدرة والتفوق. إنها توليفة تجمع الشجاعة والبسالة، والعزم والحزم، والتصميم والالتزام، والشخصية الفذة، والقدرة \"الكارزمية\"على جعل الجماهير مستعدة لاتباع نهج الزعيم.(807)

......................................

حين تلتقي بزوجات الزعماء الأجانب، تقدم لي قراءة جيدة ومفيدة عن طبع أزواجهن من أسلوب كلام أو تصرف كل منهن مع زوجها. لم أعتبر آراءها أبدا القول الفصل، لكنني لا أتجاهلها أيضاً.

وفرت علي الكثير من الوقت والجهد المضني، حيث اعتادت تصحيح مسودات الخطب التي أمليها،ونسخ ما أصرح به في البرلمان والمقابلات.ألفت مفرداتي واستطاعت دوما ان تحرز الكلمات بعد أن يعجز عنها كتاب الاختزال العاملين في مكتبي. لكنني تعودت عدم مناقشة صياغة السياسات معها، وحرصت هي على عدم قراءة المذكرات او \"الفاكسات\" الحساسة..(819)

....................................

هل كنا - أنا وزملائي – سننطلق في رحلتنا لو عرفنا حجم المخاطر والصعاب التي سنواجهها حين قمنا بتشكيل حزب العمل الشعبي في تشرين الثاني/ نوفمبر1954؟ لو أدركنا مدى تعقيد وصعوبة المشكلات التي تكمن بانتظارنا، لما دخلنا معترك السياسة بمثل تلك الروح المعنوية العالية، والحماس المتقد، والقيم المثالية التي تبنيناها في خمسينات القرن العشرين، شعرنا بفخر واعتزاز الصينيين في سنغافورة والملايو بالنجاح الذي حققته الصين الشيوعية. إلا أننا لم نكن في الخمسينات سوى حفنة صغيرة من البرجوازيين الذين تلقوا تعليمهم بالإنكليزية في المستعمرات، وافتقدوا القدرة على التواصل مع الأغلبية الساحقة من الجماهير التي لا تعرف إلا اللغة الصينية، ليدخلوا جحيم المعركة. كيف أمكن لنا أن نأمل بمقارعة الحزب الشيوعي الملاوي؟ لم نكن نفكر بهذه الاعتبارات. أردنا فقط أن نخرج البريطانيين من بلادنا.(828-829)

...............................

تعلمنا بعض العبر والدروس التي لا تقدر بثمن في تلك السنوات المبكرة حين كنا مجموعة من الهواة تمارس السلطة. لم نتوقف عن التعلم أبدا، لأن الأوضاع كانت تتغير باستمرار، وتوجب علينا تعديل وتكييف سياساتنا لملائمتها. لقد حظيت بمساعدة عدة وزراء تميزوا سعة إطلاعهم وتحمسهم للأفكار الجديدة مع عدم الخضوع الكلي لفتنتها –كينغ سوي،راجا، سوي سين. تبادلنا الكتب والمقالات المهمة التي قرأناها.حين بدأنا، كنا أغرار وجاهلين وسذجا، لكن أنقذنا حرصنا الدقيق على سير واختبار الأفكار قبل تطبيقها.(829)

.................................

تعلمنا ونحن في السلطة، وتعلمنا بسرعة. وإذا كان هناك صيغة واحدة لنجاحنا فهي الدراسة المستمرة لكيفية جعل الأمور تسير، أو تحسين سيرها. لم أكن أبدا حبيسا في إسار أية نظرية أو خطة هو: هل تعمل بنجاح على أرض الواقع؟ ذلك هو الخيط الذهبي الواصل بين كل السنين التي أمضيتها في منصبي. فإذا لم تعمل على ارض الواقع، أو كانت نتائجها التطبيقية هزيلة، لم أكن أضيع مزيدا من الوقت والموارد عليها. لم ألدغ من جحر مرتين أبدا(تقريبا)،حاولت التعلم من الأخطاء التي ارتكبها الآخرون.اكتشف في وقت مبكر من الحكم أن هناك القليل من المشكلات التي واجهتني ولم تواجهها الحكومات الأخرى وتجد سبيلا لحلها. ولذلك تعودت البحث عن الحكومات التي اعترضتها المشكلة التي تعترضنا، وكيف تعاملت معها وتوصلت إلى حل لها، وما هي نسبة النجاح. وبغض النظر عما إذا تعلق الأمر بإنشاء مطار جديد، أو تغيير المناهج التعليمية، كنت أرسل فريقا من المسؤولين لزيارة الدول التي نجحت في القيام بمشاريع مماثلة ودراسة الطرائق التي استخدمتها. لقد فضلت على الدوام الاستفادة من تجارب وخبرات الدول التي سبقتنا في مختلف المجالات.(831-830)


في الأحد 28 إبريل-نيسان 2013 05:32:16 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=20184