رجل الأيات الشيطانية يصبح فارسا
شيماء عيسى

فوجيء العالم بخبر منح الملكة البريطانية إليزابيث الثانية الكاتب سلمان رشدي لقب "فارس" ، ورشدي هو صاحب رواية "آيات شيطانية " التي انطلقت على إثرها مظاهرات تجوب شوارع العالم الإسلامي منددة بالكاتب الذي أهان بكلمات بذيئة وصراحة كافة رموز المسلمين ومقدساتهم ، كما صدرت فتوى للإمام الخوميني تبيح إهدار دمه .جاء تكريم رشدي بمناسبة عيد ميلاد الملكة البريطانية معلنة أن "فارسين" سيحظيان" بلقب "سير" هما إيان بوثام لاعب الكريكت البريطاني السابق ، ورشدي . لماذا تختار بريطانيا هذا التوقيت لتؤجج مشاعر المسلمين ضدها ، أو ربما كانت مشاعر هم لا تعنيها بالأساس، ونحن هنا ننظر لتاريخ رشدي وكتاباته المعادية للمقدس.

من هو ؟

 أحمد سلمان رشدي ، ولد في بومباي (الهند ) 19 يونيو عام 1947 أي قبل شهرين من استقلال الهند ونشوء باكستان ، أما والده فهو أنيس رشدي وهو مسلم من كشمير ورجل أعمال معروف ، توفي والده في 1987م ، وعائلته تتكلم الإنجليزية والأرودو .

 التحق سلمان بمدرسة تبشيرية إنجليزية ، وحين بلغ 13 من عمره أرسله أبوه لبريطانيا لمتابعة دراسته ، بعدها ألحقه والده بجامعة كيمبريدج لدراسة التاريخ في الأعوام من 1965 وحتى 1968 .

 توجه بعد ذلك سلمان لباكستان حيث قطنت عائلته وحصل على وظيفة في التلفزيون الباكستاني ، وسرعان ما تركها عائدا لبريطانيا للعمل في مجالات مختلفة ، انتهت باحترافه الكتابة كما حصل على الجنسية البريطانية .

 تزوج سلمان في البداية من إنجليزية تدعى كلاريسا لوارد عام 1976 ولكنهما انفصلا ، ثم تزوج الأمريكية ماريان ويغنز عام 1986 وهي كاتبة روائية صدرت لها رواية تتناول المعتقدات المسيحية بالنقد والسخرية .

 أصدر سلمان رشدي العديد من الروايات من بينها "غريموس" 1975 ، "أطفال منتصف الليل" 1981 وهي تجابه الثقافة الهندية بكل عاداتها وتقاليدها ودياناتها ومدينة أيضا لنضال الهنود ضد المستعمر البريطاني ، حتى أن أنديرا اغندي أقامت ضده دعوى قضائية بسبب هذه الرواية وربحتها ، ومنعت روايته من دخول الهند ، بيد أنها ترجمت لثلاثين لغة من العربية والفارسية والأردو ، وهذه الرواية هي التي أكسبته شهرة واسعة في عالم الأدب فقد فازت بجائزة بوكر عام 1981 .

 أصدر سلمان أيضا "العار" 1983 تناول فيها الحياة في باكستان وأدان الثقافة الباكستانية وحكومتها وتكررت الأحداث حيث منعت الرواية من دخول باكستان ولكنها ترجمت للغات عدة ، أصدر رشدي بعدها " ابتسامة الجاكوار" وهي رواية انتقدت تجربة الثورة في نيكاراجوا .

آيات شيطانية تقلب حياة رشدي

 الحدث الأهم في حياة رشدي والمرتبط بالثورة الإسلامية حول العالم ضده بعد صدور روايته " الآيات الشيطانية " 1988 وهي عبارة عن رواية تبدأ بتخيل طائرة تنفجر بفعل إرهابي فوق الجزر البريطانية فيموت ركابها وينجو اثنان أحدهما جبريل رمز للخير والآخر الشيطان رمز للشر ، وخلال الرواية يهزأ الكاتب برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وبزوجاته وبالمقدسات الإسلامية والأنبياء والملائكة بصورة فجة ، ويجري على ألسنتهم الشريفة الألفاظ النابية ، حتى أنه لم يكتب بالرموز وإنما تعمد أن يكتب كل شخصية باسمها الصريح ، نجد على سبيل المثال أنه نعت النبي صلى الله عليه وسلم ب " ماهوند" وهي كلمة تعني النبي المزيف !! عياذا بالله .

 ووصف مكة المكرمة بمدينة الجاهلية إلى غير ذلك من الكتابات التي دعت معادو الإسلام أنفسهم لاعتبار روايته بذيئة!! وختم رشدي روايته بتسجيل سعادته البالغة بأنه صار إنجليزيا وأنه نجا من الإسلام ومن تخلف شعوب الشرق الإسلامي إجمالا ، وتنتهي الرواية بإنتحار بطلها الذي يحمل انفصــاما في الشخصية فتارة هو جبريل رمز الخير وتارة هو الشيطان رمز الشر .

 على إثر الرواية خرجت المظاهرات في كل عواصم العالم الإسلامي متجهة نحو السفارات البريطانية وتحرق دمى لسلمان رشدي ونسخا من الكتاب ، وقتل في إحدى المظاهرات بباكستان وحدها نحو تسعة متظاهرين .

 وفي 14 فبراير 1989 أصدر الإمام الخوميني الأب الروحي للثورة الإيرانية فتوى بإهدار دم مؤلف وناشري الرواية ، كما خصص حسن صانعي وهو إيراني مكافأة مقدارها 3 ملايين دولار لكل من يقتل سلمان رشدي .

 صدرت العديد من الإصدارات حول رواية " آيات شيطانية" منها " شيطانية الآيات الشيطانية " لأحمد ديدات الداعية الإسلامي المعروف ، " الآيات الشيطانية الظاهرة والتفسير" د. محمد محيي ، " همزات شيطانية وسلمان رشدي" د. نبيل السمان ، " آيات سماوية في الرد على آيات شيطانية " د. شمس الدين الفاسي ، " آيات شيطانية .. جدلية الصراع بين الإسلام والغرب " د. رفعت سيد أحمد ، " الرد على كتاب الآيات الشيطانية " هادي المدرسي.

أما مجمع الفقه الإسلامي فقد اعتبر أن ما ورد بالكتاب من الإفتراءات لا تستحق أن يقابلها ردودا علمية لأنها من قبيل الشتائم والأوصاف البذيئة ، كما أعلن أن الكاتب بما وضعه بالرواية يعتبر مرتدا عن الإسلام مستحقا العقوبة الشرعية ، كما أعلن وجوب ملاحقته بدعوى قضائية جزائية في بريطانيا وإحدى الدول الإسلامية غيابيا .

 دول أوروبا وأمريكا قطعت علاقتها مع إيران بعد هذه الفتوى ، كما سحبت بعض الدول سفرائها من إيران ، وأعلن الاتحاد السوفيتي ترشيح رشدي عضوا في اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا ، كما طلب رؤساء الدول الغربية بحماية رشدي من إرهاب المسلمين !!

 من جهة ثالثة تطوع العديد من الناشرين الأوربيين لطبع الرواية وبيعها بسعر التكلفة !! وأصبح سلمان رشدي من الشخصيات الشهيرة حول العالم وتتسابق الصحف على نشر أخباره وصوره ، حتى أن بريطانيا خصصت له حماية مشددة ، وطلبت إسـرائيل أن يـهاجر سلمان إليها ليعيش في أمان وتنفق عليه ببذخ وتطبع وتــوزع كتبه بالمجان ، أما سلمان فقد اختفى عقب الفتوى بقتله ، واضطر لتغيير محل إقامته 30 مرة ضمانا لسرية مكانه ، ثم في عام 1998 سحبت إيران دعمها لفتوى قتل رشدي الذي عاد تدريجيا للحياة العامة لدرجة ظهوره في فيلم " بريدجيت جونز ديري" 2001.

 

 

شاليمار المهرج.. إساءة بشكل جديد

 الرواية الأخيرة لسلمان رشدي جاءت بعنوان " شاليمار المهرج" وتجري أحداثها بكشمير ولوس أنجلوس ولندن وستراسبورغ ، بطلة الرواية فتاة هندوسية "بوني" وشاب مسلم"نومان" أو المهرج في السيرك ، ويتزوجان رغم اختلاف الديانة ، وخلال الرواية يعتبر رشدي عن استياؤه من الجمود العالمي تجاه الخراب الذي حل بكشمير نتيجة التطاحن الهندي الباكستاني عليها.

 سلمان في روايته الجديدة يعرض لشخصية سياسي يهودي "مكسيمليان أوفولس" يتعرض للقتل طعنا بالسكين على يد سائقه المسلم من كشمير "شاليمار" ، والسبب وراء القتل شهواني وليس سياسي، ويظهر الدبلوماسي اليهودي كشخصية ذات حضور كبير حيث كان سفيرا سابقا للولايات المتحدة بالهند ثم تحول لمكافح للإرهاب ، يغرم السفير الأمريكي ب "بوني " بعد أن شاهدها وهي ترقص بإحدى عروض المسرح المحلي الذي تعمل به ، وتحت إغراء ثروته ومكانته تهجر "بوني" زوجها وتسافر مع السفير إلى مدينة "دلهي" حيث تلد ابنته "إنديا" ولكن حال " بوني" تبدأ في التغير ، بعد أن هجرها السفير وذهب هيامه بها ، وفقدت "بوني" جمالها وأدمنت المخدرات ، واضطرت للتخلي عن طفلتها للسفير وزوجته ، وفي النهاية تعود لقريتها خائبة الأمل وتتنكر لها عائلتها ، وتقضي بقية حياتها معزولة ، وفي الوقت الذي يسخط "شاليمار" بشدة على السفير لأنه لم يأخذ منه زوجته فحسب بل أيضا أخذ من يعتبرها ابنته ويقطع على نفسه عهدا بأن يقتل الثلاثة ، و ينضم " شاليمار المهرج " إلى معسكر للمتطرفين المسلمين الذين يرغبون في تحرير كشمير، وبعد 24 عاما من تأجج مشاعره بالاستياء يقتل "شاليمار" السفير الأميركي و"بوني"، ولكن الابنة تنجو بأعجوبة من الانتقام، وتبقى على قيد الحياة.

القرآن بنظره وثيقة تاريخية

 في مقالة نشرت لسلمان رشدي بصحيفة التايمز البريطانية قال إن الإسلام بحاجة للإصلاح حتى يتناسب مع العصر الحديث ، واعتبر أن "تفسيرا أشمل وأكثر انفتاحا للقرآن " سيقضي على عزلة المسلمين مع العالم "أيدولوجية الجهاد التي أدت لتفجيرات لندن".

 كما اعتبر رشدي في المقالة ذاتها أن النظر للقرآن باعتباره "وثيقة تاريخية" أفضل من اعتباره تعاليم صالحة لكل زمان ومكان الأمر الذي رآه رشدي سجنا حديديا جامدا حول المسلمين !!

 وأضاف "إذا ما تم اعتبار القرآن وثيقة تاريخية، سيكون من الشرعي إعادة تفسيره بشكل يتناسب مع الظروف الجديدة والعصر الحديث... ووقتها وأخيرا يمكن للقوانين التي وضعت للقرن السابع ان تفسح مجالا لاحتياجات القرن الحادي والعشرين".

ليس هذا فحسب بل إنه اعتبر أنه "حتى المقدس من الأفكار الدينية يجب أن يتكيف ويتغير وفقا للواقع".

 في الحملة التي قادها رئيس مجلس العموم البريطاني جاك سترو لخلع الحجاب في بريطانيا أيده سلمان رشدي ، معتبرا أن الحجاب مثير للامتعاض وأن النقاب وسيلة لسلب قوة المرأة ، وحذر وقتها مما وصفه ب "شمولية الإسلام" ، الأمر الأكثر كارثية هو تأييده للصحيفة الدانماركية التي نشرت رسوما ساخرة من نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم !!.

 قال الكاتب البريطاني الهندي الأصل سلمان رشدي صاحب الرواية الشهيرة "آيات شيطانية" لمجلة ألمانية إن التطرف الديني هو "الشيطان المتطرف في عالمنا الحالي"، مؤكدا "جميع أصدقائي ملحدين.. لا أشعر بأني استثناء".

 في حواره مع مجلة دير شبيجل الواسعة الانتشار بألمانيا قال أنك " إذا تطلعت إلى التاريخ سوف تجد أن الإدراك حول ما هو خير وما هو شر وجد دائما وقبل الأديان ، لقد اخترع الناس الديانات لاحقا من أجل التأكيد على هذه الفكرة".

 ويعتبر رشدي وفقا لما ورد بحواره مع مجلة "شتيرن" الأسبوعية ، أن الغرب أخفق في فهم أحد أسباب التطرف الإسلامي والكامن في خوف الرجال من الحرية الجنسية للنساء ، والذي عبر عنه برواية " شاليمار المهرج" ، ورأى أن معظم الغضب الموجه إلى الغرب من قبل المسلمين سببه الخلاف على المواضيع الجنسية!!

ردود أفعال عالمية عقب التكريم

 أثار التكريم البريطاني لرشدي بمنحه وسام بدرجة فارس من قبل ملكة البلاد إليزابيث الثانية غضبا اسلاميا عارما ومازلت تداعياته حتى اللحظة صاخبة ، فقد وجه عبدالرشيد غازي أحد مسئولي المسجد الأحمر في اسلام أباد نداء من أجل قتل سلمان رشدي عارضا مساعدته لإنجاز هذه المهمة ، بينما صرح وزير الشئون الدينية الباكستاني إعجاز الحق بأن تكريم رشدي يبرر شن عمليات إنتحارية ضد رشدي ، الأمر الذي عبرت بريطانيا عن قلقها الكبير حياله ، كما دأب إسلاميون باكستانيون على حرق مجسمات لملكة بريطانيا ولسلمان رشدي، كما نددت جامعة علماء باكستان وعلماء الإسلام بباكستان بالتكريم، من جانب آخر وفي باكستان أيضا قدمت مجموعة من رجال الاعمال مكافأة مالية تبلغ أكثر من 82 ألف دولار لمن يقتل الكاتب البريطاني ، ودعا اتحاد التجار في اسلام آباد الدول الإسلامية لمقاطعة البضائع البريطانية .

 اتسع نطاق الاحتجاجات ليشمل ماليزيا وهتف 20 ناشطا من الحزب الإسلامي الماليزي المعارض أمام السفارة البريطانية منادين "إلى الجحيم بريطانيا ورشدي" مطالبين في مذكرة سلموها للسفير البريطاني بأن تنأى الحكومة البريطانية بنفسها عن شخص مستفز مثل رشدي ، وفي أفغانستان طالبت حركة طالبان بتقديم اعتذار للمسلمين من جانب بريطانيا.

 من جهة اخرى صعدت إيران من وتيرة احتجاجها على تكريم رشدي ، حيث استدعت وزارة الخارجية السفير البريطاني في طهران ، جيفري آدامز ، وأبلغته أن منح رشدي اللقب كان " تصرفا استفزازيا"، كما أكد مدير وزارة الخارجية لشؤون غرب أوروبا ابراهيم رحيمبور أنه أبلغ السفير البريطاني أن هذا العمل " المهين وغير اللائق من قبل الحكومة البريطانية هو مثال واضح للعمل ضد الإسلام " .

 البرلمان المصري انتقد منح رشدي لقب " فارس" معتبراً أنه يشكل مجافاة لكل أصول الدبلوماسية واحترام الأديان، ونفس الموقف أعلنه مفتي مصر الدكتور على جمعة الذي اعتبر أن تكريم رشدي هو تكريم لكل من أساء إلى الرسول الكريم.

 في المقابل نددت فرنسا بأي تهديد ضد كاتب مذكرة بتمسكها بحرية المعتقد والتعبير ، أما بريطانيا فقد أعربت وزيرة خارجية البلاد مارغريت بيكيت عن أسفها لكون أشخاص شعروا بالإهانة جراء منح سلمان لقب " فارس" ورأت أنه جزء من تكريم المسلمين ببريطانيا ، وزير الداخلية البريطاني جون ريد قال أن حرية التعبير لها قيمة سياسية طاغية في البلاد .

 وسعى الكثير من المعلقين البريطانيين إلى توضيح حقيقة أن قرار تكريم رشدي صادر عن حكومة رئيس الوزراء توني بلير ولا علاقة له بالملكة ، فالقرار سياسي والملكة تنفذ رغبة الحكومة ، وقال بيتر ماكاي أحد الكتاب السياسيين البارزين في صحيفة "ديلي ميل" أن قرار تكريم رشدي من جانب الحكومة راجع لأن بلير بحث عن شخصية أدبية معروفة في بريطانيا ولا تكون معارضة للحرب على العراق ولسياسته الخارجية ، وخشي معلقون من إنعكاسات التكريم على علاقة بريطانيا بالدول الإسلامية.

 أدباء وناشرون ألمان عبروا عن تضامنهم مع الكاتب بعد موجة الاحتجاجات على تكريمه ، وقالوا "عندما يتعرض رشدي للتهديد فإن هذا بمثابة تهديد لكل كاتب".

في الوقت الذي عبر فيه رشدي عن سعادته بلقب "سير" ممتنا لأن أعماله لاقت هذه النظرة.

 وأخيرا عبرت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" عن استنكارها تكريم سلمان رشدي ، باعتباره كاتب أهان الإسلام ، واعتبرت أن هذا التصرف البريطاني لا يحترم مشاعر مليار ونصف المليار مسلم في جميع أقطار العالم ، كما ناشدت حكومات الدول الأعضاء والمؤسسات والمنظمات واتحادات الكتاب والهيئات الثقافية والأدبية في العالم الإسلامي بإرسال رسائل استنكار إلى السلطات البريطانية تطالبها فيها بسحب هذا اللقب من الكاتب سلمان رشدي .

* عن محيط


في الإثنين 25 يونيو-حزيران 2007 07:23:53 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=2023