يا أبناء الجنوب عودوا فقد رحل مدمر الوحدة
طارق عثمان
طارق عثمان

كان اليمنيون قبل 22 مايو 1990 م شعبا واحدا يحكمه نظامان سياسيان ثم أصبح بعد الوحدة شعبا واحدا بنظام سياسي واحد و بعد عقدين من السياسات الخاطئة استمر النظام السياسي الواحد لكن أوشك الشعبُ أن يصبح شعبين اثنين ، وربما إن فشل الحوار من نزع فتيل الأزمات قد نصبح شعبين وعدة أنظمة .

يفاخر أنصار صالح أنه حقق الوحدة ويصفونه بـ ( صانع الوحدة ) وكأن الرجل إبتكر شيئا من عدم أو أنجز شيئا ما كان غيره لينجزه ، رغم أن مشروع الوحدة كان يمكن أن ينجز أواخر السبعينيات لولا أن مشيئة الله قضت أن يد صالح تشارك في تأخير تلك اللحظة 13 سنة أخرى .

بالنسبة للوحدة فعقلية صالح الاستحواذية كانت ترى الأمر من منظور مختلف تماما فقد كان يرى نفسه حاكما على 200 الف كيلو متر مربع وبإمكانه أن يصبح حاكما على 300 الف كلم متر مربع أخرى، وحينها سيستطيع أن يرضي بعض نهمه ونهم رجاله وتعطشهم لمزيد من الثراء ، كان ينظر للجنوب كأرض دون شعب ، كان الأمر أشبه بصفقة عقارية كبيرة لن يدفع فيها مليما واحد ، فهو سيبقى رئيسا وصنعاء ستبقى عاصمة والأموال التي بيده ستمكنه من ابتلاع الشريك المثخن بالجراح وصراعات الرفاق ، و فرق الموت ستخلصه ممن يستعصي على الإبتلاع 

الوحدة العقارية لصالح لم تكلفه سوى حبر التوقيع على وثيقة الوحدة فأي صناعة قام بها الرجل سوى تكليف الوزراء المعنيين بخوض مفاوضات الفنادق بين صنعاء وعدن ولو كانت المسألة هي هذا التوقيع فاليمنيون يتمنون أن يوقعوا على ملايين الوثائق حتى بحبرٍ من شغاف قلوبهم على أن يعيد لهم ذلك مشاعر الحب والإخاء والشوق للتلاق التي كانت قبل وحدة نظامي العليين .

أذكر نفسي يافعا أجري حافي القدمين حين لم أجد ما أنتعله لأصل لأقرب مدرسة لأشارك من حضر الفرحة التي أعقبت الإعلان ، كنت أتبختر في زهو ونشوة عجيبة والدموع تترقرق في عيني فرحا وجذلا كنت أتراجع في العمر سنين فأبدوا كطفل تغمره السعادة فيعبر عنها بطريقة مشيه تلك . أجزم أن إخواني أبناء الجنوب كانوا يفوقوننا بحبهم للوحدة بعشرات المرات قبل أن يخذلهم جميع السياسيين فيبكون دما من القهر والتسلط والإذلال الذي مارسه نظام صالح .

صالح الذي لم يناضل أو يضحي كما ضحى غيره من صانعي وحدات الأمم مثل بسمارك وغاليباردي ولنكولن وصلاح الدين من خلال كفاح سياسي أو عسكري مرير للملمة إمارات وولايات متناحرة ليصنع منها أمة عظيمة بعد إحداث تغيير جذري في المفاهيم ونمط الحياة وأشكال العلاقات السياسية والإجتماعية والإقتصادية ..

صالح لا يمتلك الروح والعقل ليكون رجلا موحدا فهو لا يطيق رؤية قبيلتين متجاورتين تعيشان في وئام ، بل لا يطيق رؤية شخصين كذلك وأمضى حقبة طويلة في الحكم يمتهن التحريش وبث الخلافات والتفرقة والنزاعات بل ويفاخر بحنكته في هذا الشأن ، لقد كان أكبر جهاز تفتيت داخل البلد . وهو الآن يثبت أكثر من أي وقت مضى أن صناعة الوحدة في مفهومه شبيه ببناء طفل لقصور من الرمل يركلها ويسويها بالأرض ثم يبعثرها ويذروها في وجه الريح حالما يقرر الرحيل عن الشاطىء .

مثله يفعل شريكه في رفع علم الوحدة على سارية 22 مايو فهو ورغم مناداته بانفصال الجنوب لا يتحمل رؤية صورة قائد جنوبي آخر غيره ترتفع أو خطيب يعتلي المنصة من فصيل لا يؤدي فروض الطاعة في محرابه ، كلاهما لا يفهمان معنا للوحدة سوى أن يكون أحدهما زعيما وحده لا شريك له ، أما في حالة التنافس على الزعامة فليتمزق الوطن شذرا مذرا .

صالح لم يحقق الوحدة بل هي متحققة بين أفراد الشعب اليمني الذي عاش عقودا يحمل توقه وأشواقه للإعلان الرسمي للوحدة وما فعله العليان لم يكن سوى التوقيع والتقاط الصور ثم مالبثا أن بدأ بتمزيق الشعب كلٌ بطريقته

أن يقول أنصار صالح يكفي أنه حقق الوحدة أو ما ضر عفاش ما فعل بعد 22 مايو فهذا خطأ بين ، فالشعوب لا تعرف كلمة يكفي الشعوب أيضا تؤمن بأن الأعمال بخواتيمها وإن العبرة بالمآلات . ورجل وحد النظام ومزق الشعب ليس بصانع بل هو أكثر من أضر بالوحدة حين غلب عقليته الإقصائية لتصل في العمق إلى الأفراد البسطاء من أبناء الجنوب الذين لا يزايد أحد عليهم في وحدويتهم .

الوحدة لم تكن ركل براميل الشريجة وكرش وليست استعراض بهلواني للحصول على مزيد من الدعم من صدام حسين والقذافي . الوحدة في نظر اليمنيين كانت تعني أمل في غد مشرق يتكاتفون فيه لإعادة مجد تليد ويصبحوا منارة للتنوير في الجزيرة العربية كلها ونواة لوحدة عربية أشمل .

لكن للأسف ويالمرارة الواقع أين نحن الآن من هذه الأحلام التي تبعثرت منذ أن إجتاح طوفان قوى الفود أرض الجنوب .

أقول لإخواني في الجنوب العليان صفحتان يجب أن تطويا ، يجب أن ننظر جميعا للآتي ، لاتحكموا على المبادئ من خلال ممارسات الأشخاص ، فهل ممارسات بعض المتدينين تجعلنا نكره الدين ، هل ممارسات بعض الأصدقاء تجعلنا نكره الصداقة هل ممارسات بعض الإخوان تجعلنا نكره الأخوة ، هل ممارسات الوحدويين تجعلنا نكره الوحدة ، الدين مبدأ ، الصداقة مبدأ ، الوحدة مبدأ ، الأخوة مبدأ ، وسوء من يمثلها في لحظة ما لا تجعلنا نكره المبدأ نفسه بل تدفعنا لتغيير الأشخاص السيئين ، يذهب الأشخاص وتبقى المبادئ دوما ولو سألنا رجلا في أطراف الأرض ما رأيك بالوحدة سيقول أفضل ما يمكن أن تقدم عليه أي جماعة إنسانية في أي زمان ومكان وجدت فيه .

أخير أقول:

مزاج الشعوب أسرع من لمحة البرق .

أو هكذا قال موحد الإمارات الإيطالية غاليباردي .

كم أتمنى أن أرقب اللحظة التي أرى فيها مزاج اليمنيين يتغير و يعودون إلى مشاعر عشية إعلان الوحدة في 22مايو 1990 م فقد رحل العليان كلاهما وأمامنا فرصة أن نفوت عليهما خطة تدمير المزيد وأن نتمسك بالمبادئ ونركل الأشخاص .


في الأربعاء 22 مايو 2013 07:55:17 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=20526