الحوار الوطني صراع بالأفكار والرؤى
عارف الدوش
عارف الدوش

الحوار الوطني الشامل ومجرياته في قاعات مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء العاصمة أو في العديد من المشاركات المجتمعية التي تمت حتى الآن عبر النزول الميداني لفرق الحوار الوطني أو عبر المنتديات والندوات وورش العمل أو عبر حديث اليمنيين واليمنيات في كل مكان هو صراع بالأفكار والرؤى حول شكل اليمن الجديد ومضمونه نوعية الدولة ونظام الحكم ومن تخدم الدولة وعن من يعبر نظام الحكم وكيف يحكم من يمارس الحكم؟

ومن قال أن الصراع سيتوقف في أية لحظة من اللحظات أو مرحلة من المراحل أو سيتوارى انه عملية ديناميكية مستمرة الحركة تتغير أدوات الصراع وأشكاله وأساليبه وطبقاً لذلك تتغير أيضاً نتائجه لكنه يظل صراعاً تتعدد أوجهه وتتعرج مساراته ولا أحد يستطيع أن يصفه بغير حقيقته ومفهومه.

واليمنيون يتصارعون دوماً وعلى مر التاريخ فهناك محطات صراع يمنية خضب أيامها وشهورها وسنواتها اليمنيون بالأحمر القاني عبر سلسلة من الحروب والمجازر والتصفيات والتهميش والإقصاء ولوعدنا إلى الخارطة السياسية اليمنية سنجدها مربعات صغيرة متحركة ولا يوجد فيها مربع مساحته الزمنية طويلة كباقي الدول سواء في المنطقة العربية أو على مستوى العالم الإسلامي وأتذكر أن مجلة العربي الكويتية أصدرت في بداية الثمانينيات من القرن العشرين هدية مع أحد أعدادها عبارة عن خارطة سياسية للعالم العربي والإسلامي تؤرخ للدول التي حكمت المنطقة فكان نصيب اليمن على مربعات كثيرة متقاربة في تلك الخارطة وهو دليل على ديناميكية التغيير واستمراره.

فاليمن لم تعمر فيها سلطة أو حكم فترات طويلة وأخذ الصراع فيها أشكالاً متعددة ومهما ظن المتابع أو الباحث أن الشعب اليمني قد استسلم للدكتاتورية والقمع والفقر والجوع فإن ذلك مدعاة لاكتشاف بذور الثورة واعتمالها وحتماً ستنفجر وبشكل غير متوقع ويحدثنا تاريخ القرن العشرين الماضي وحدة كيف أن اليمنيين انتفضوا وثاروا وكتبوا أول دستور" الميثاق المقدس" عام 48م وهو يتحدث عن الدولة المدنية والإنتخابات ومنح صلاحيات الحكم إلى السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية وتحدث عن انتخابات مجلس الشورى وجعل الإمام بدون صلاحيات يملك ولا يحكم.

وكذلك ثاروا في بداية الستينات وفجروا ثورة في الجزيرة العربية" ثورة سبتمبر 62 وأكتوبر63م"كادت تشقلب الأساس الاجتماعي للحكم رأساً على عقب وبشر اليمنيون يومها بتحول سياسي واجتماعي هائل في منطقة شبة الجزيرة العربية ودار صراع دام استمر ثمان سنوات وجرى احتواء الثورة اليمنية وتخفيف نتائج تغييرها.

وظل الصراع في اليمن يأخذ أشكال متعددة ففي المشهد الثوري اليمني الذي عاش اليمنيون تفاصيله منذ 2011م وكانت بدايات المشهد الثوري قد بدأت في مدن الجنوب "عدن – المكلا – الضالع " عام 2007م والثورة الشبابية السلمية لم تكن غير صراعاً سلمياً بصدور عارية استبدل فيه الشباب والشابات في كل ساحات الثورة والتغيير الورود بدلاً من الرصاصات والقنابل والصدور العارية بدلاً من حديد الدبابات والمصفحات فأعطبت الورود مفعول الدبابات والمدافع والرصاص وكادت الثورة الشبابية السلمية أن تجز تغييرا جذرياً في أخطر مكان في المنطقة.

فاستمر الصراع بطرق مختلفة فهناك ثورة حقيقية في جنوب الجزيرة العربية كادت تنجز تغييرا سيقلب موازين المنطقة رأساً على عقب "فتنبه الإقليم كله لخطورة ما يجري في اليمن والعالم كله التفت لما يحدث في اليمن" بحسب تعبير الأستاذ عبد الباري طاهر في الحوار الهام الذي أجراه معه الزميل عبد الحليم سيف" صحيفة الثورة الثلاثاء 21مايو 2013م".

وهنا أخذ الصراع شكلاً جديداً التهدئة والمبادرات وغير مسموح بالصراع العنيف وأن يتحول اليمن إلى مشكلة في هذه المنطقة الحساسة من العالم فأي عنف وصراع خشن بالقرب من خزان النفط العالمي وطرق التجارة الدولية ممنوع ألف مرة فجاءت المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية وما تضمنته من " انتقال السلطة وانتخاب رئيس انتقالي وهيكلة الجيش والأمن ومؤتمر الحوار الوطني وصولاً إلى عقد اجتماعي جديد ودستور جديد وانتخابات جديدة.

وما يجري في مؤتمر الحوار الوطني وما يرافقه على مستوى البلد من ضغوطات متعددة هو صراع بالأفكار والرؤى يدور على هامشه صراع أخر بأنماط مختلفة يتجسد في عنف لا تنتهي مثل الاغتيالات المستمرة والاختطافات والاعتداءات المتكررة على أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط والغاز وقطع الطريق وكل ذلك أنماط وصور من الصراع المستمر لكنه غير مسموح لهذا الصراع أن يتطور أكثر أو ينفجر حرباً كتلك التي تدور في سوريا أو الصومال أو العراق.

وبما أن الحوار لازال في بدايته فإن الصراع لازال في بدايته هو الآخر لكنه صراع سليم و" لا يوجد شيء مثير للقلق كثيرا ... وكل ما نراه الآن مقبول إلى حد كبير " بتعبير الدكتور ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الإشتراكي اليمني نائب رئيس مؤتمر الحوار الوطني الذي بدا متفائلاً بأن الصراع سيستمر سلمياً من خلال الأفكار والرؤى انطلاقاً من " أن الحوار مفتوح وغير مقيد ولا توجد أي قوى من شأنها أن تفرض موقفا من نوع ما ولكن الجميع متساوون في إنتاج الفكرة التي تحمل الحل لهذا البلد".

والصراع يدور ويأخذ أشكالاً متعددة فهناك قوى كثيرة وهي الأغلبية تسعى بكل جهدها الى إنجاح الحوار الوطني من خلال التوافق للوصول إلى صياغة عقد اجتماعي جديد" دستور جديد للبلاد" يحدد شكل الدولة اليمنية القادمة "دولة مدنية ديمقراطية حديثة "ويؤدي إلى حل كل المشاكل والأزمات المتراكمة في مقدمتها القضية الجنوبية وهناك قوى أخرى وهي قليلة لكنها تملك القوة " السلاح والمال" تحاول بكل ما تملكه من سلاح ومال أن تعرقل مسيرة الحوار الوطني كونها ترى أن نتائجه لا تخدم مصالحها.

وأخيراً : يقول الدكتور ياسين سعيد نعمان " الحوار مسؤولية كبيرة ولذلك أطلب من كل القوى وخاصة القوى التي تشعر بالتميز لامتلاكها السلاح أو الثروة أن عليها أن تشعر أنها مسئولة عن بناء دولة لكل اليمنيين وان مخرجات الحوار هدفها الرئيسي الوصول إلى توافق يمني مهم لإخراجه من هذا المأزق والوصول إلى بناء دولة ظل يفتقر أليها كل يمني".


في السبت 25 مايو 2013 03:36:30 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=20561