المعارضة الناعمة في دول الخليج
فاطمة مسعود المنصوري

لا تكاد دولة في العالم تخلو من وجود معارضة، فالمعارضة موجودة منذ ولادة الدولة، ولكنها تختلف أشكالها من دولة لأخرى وذلك وفق اختلاف نظام الحكم، وطريقة التعاطي مع المعارضة نفسها، ودرجة التطور السياسي والثقافي للدولة. وكلما كان النظام الحاكم ديمقراطياً ويسمح بالتعددية ويتيح المجال للرأي الآخر، كانت المعارضة فعالة أكثر وتنتهج الأسلوب السلمي، والعكس صحيح كلما كان النظام مستبداً ويحل البطش محل الحوار، فإن المعارضة تأخذ أشكالاً سرية تميل إلى العنف من أجل إيصال صوتها.

ودول الخليج ليست استثناء من تلك المعادلة السياسية، فالساحة السياسية الخليجية تشهد وجود معارضة تتفاوت درجة بروزها وتأثيرها من دولة إلى أخرى، وكثر الحديث عن المعارضة في الفترة الأخيرة، خاصة بعد حرب العراق، حيث بدأ البعض تثار لديه المخاوف من وجود بعض رموز المعارضة الخليجية في الخارج من اح تمال أن تقدم قوى خارجية على استخدامها وتوظيفها ضد دولها كما حدث في العراق وما يلوح في الأفق في بعض البلدان العربية.

الحديث عن المعارضة في الخليج يؤطَر ضمن إطارين، الخلفية التاريخية لنشوء الجماعات المعارضة، والنقطة الأخرى طبيعة النظام السياسي والثقافي في كل دولة باعتبارها المسؤولة الأولى عن تحديد طبيعة المعارضة. وإن كانت طبيعة النظام السياسي والثقافي في الخليج متشابهة إلا أن الفروق الدستورية والبرلمانية في كل دولة تظل تلعب دوراً في تحديد طبيعة وشكل المعارضة

تعود نشأة الجماعات المعارضة في الخليج لفترة العشرينات من القرن العشرين وقد كانت في بدايتها على يد فئة من التجار والأعيان حيث تكونت لديهم أفكار تنويرية نتيجة أسفارهم واحتكاكهم بالشعوب الأخرى، وقد كان الجار العراقي بالنسبة للكويت والبحرين نموذجاً في إدارة الدولة الحديثة، فقد لعبت الصحافة العراقية والمدارس وإذاعة قصر الزهور دوراً كبيراً في عملية التنوير التي انعكست على مطالب بعض الإصلاحيين.

فظهرت حركات المعارضة وتشكلت على إثرها الحركات الإصلاحية في الكويت والبحرين ودبي في فترة متقاربة وذلك في الثلاثينات من القرن العشرين. وقد تنوعت مطالب المعارضة والتي كانت في أول طور لها معارضة التجار وبالأخص تجار اللؤلؤ الذين طالبوا ببعض الإصلاحات الاقتصادية .

ومن ثم أخذت المعارضة الشكل السياسي حيث طالب المعارضون بضرورة إشراكهم في اتخاذ القرارات وضرورة إعادة توزيع الثروة على جميع فئات الشعب بدون احتكار وخاصة مع ظهور عوائد النفط. وقد شكلت تلك المطالب البداية الحقيقية لنشوء الحركة الدستورية والبرلمانية في الكويت والبحرين.

وكان بذلك بداية عهد جديد في المنطقة قوامه ضرورة المشاركة الشعبية في الحياة السياسية على أسس حديثة، ومن ثم تطورت المعارضة وأخذت الشكل الوطني الاجتماعي وخاصة مع المد القومي في الستينات والمطالبة بزوال الاستعمار الأجنبي من المنطقة.

فالمعارضة وليدة بيئتها، والأحداث والتطورات السياسية التي صاغت جزءاً كبيراً من التاريخ السياسي للمنطقة كانت من صنع هذه الفئات، فلكل فترة ولكل ظروف كانت تتشكل معارضة بأجندة وطنية معينة، وهكذا، ولكن هناك دولا استطاعت فيها المعارضة أن تنمو وتتشكل بفضل القنوات التشريعية والدساتير المتوفرة في البلد، وأيضاً، بفضل وعي أفرادها وإيمانهم بضرورة بناء مجتمع قائم على أسس العدالة والمساواة بين أفراد الشعب وفق رؤى وطنية.

وهناك دول مازالت الأصوات فيها مكبوتة، ومازالت أسقف الرأي دون المستوى المطلوب، ومازال الوعي الثقافي الوطني في مهده، طبعاً هناك عوامل كثيرة ساهمت في صياغة عبارة (مازالت) ولكن، ما علينا، لنترك أهل مكة يتدبرون شعابهم كلاً على حدة وفي حدود دولته، لعل بعضاً من أهل مكة يستيقظون في يوم من غفلتهم.

المهم، لنرجع لموضوع المعارضة في الخليج، يبدو أن هذه المعارضة ناعمة لا تؤذي فمن خلال الوقائع والقراءة السياسية في واقع حركات المعارضة في الخليج يمكن أن تصف هذه الحركات بالمعارضة الناعمة لأنها في الغالب تلجأ إلى الممارسات السلمية باستثناء طبعاً الحركات الأصولية الجهادية التي تستخدم وسائل العنف في إحداث التغيير .

وطبعاً هذه لها ظروفها الخاصة، أما فيما عدا ذلك نلاحظ أن بعض المعارضة السياسية في الخليج تمارس اعتراضها من خلال البرلمان أو من خلال الأجهزة التشريعية الأخرى المتاحة في الدول ومثال على ذلك نموذج المعارضة السياسية في الكويت والبحرين التي كونت لها قناعات فكرية وثقافية جيدة فقامت بتشكيل نواة للمعارضة في البرلمان نتيجة لخبراتهم الطويلة في هذا المجال.

النقطة الأخرى التي تجعلنا نصف المعارضة بالناعمة وإنها لا يمكن لها أن تتعدى حدود البرلمانات والجمعيات وبعض المراكز الإعلامية التي يوجد لها مواقع الكترونية على شبكة الانترنت مجموعة من المسلمات منها، أن الواقع في دول الخليج يتميز بوجود اتفاق عام من قبل جميع فئات الشعب على دعم ومساندة حكوماتها والولاء لها، فهناك تلاحم بين الحاكم والمحكوم، ففكرة وجود أحزاب معارضة غير متلائمة بالأصل مع الواقع الخليجي.

وكذلك هناك سبب يدعو إلى عدم الخوف من المعارضة في دول الخليج، وذلك لأنها في دول تفتقد إلى مقومات الديمقراطية بمعناها الصحيح، تلك التي تتطلب برلماناً منتخباً وعدم اكتمال الحلقة الديمقراطية المتمثلة في إمكانية التداول السلمي للسلطة في ظل أنظمة ملكية، جعل الأبعاد الأخرى اللازمة للعملية الديمقراطية، كالانتخابات ووجود الدستور وقيام الأحزاب لا تؤدي دورها بالشكل المطلوب والفعال. والمظاهر السياسية في دول الخليج تؤكد ذلك.

ولكن لا يعني انعدام المعارضة في دولة من الدول دليل استقرار بل على العكس تماماً، عندما يسمح النظام بوجود جماعات معارضة تمارس عملها ضمن مواد الدستور واللوائح الخاصة بالمجالس البرلمانية، فهذا دليل عافية واستقرار، خاصة عندما نطمئن على أن نوايا المعارضة في الخليج لا تهدف أبداً إلى تغيير نظام الحكم.

فوائد المعارضة لا تعد ولا تحصى فيكفي أنها تشكل الجزء الحيوي والناشط في الميدان السياسي لمحاربة الفساد وتصحيح ما تراه من أخطاء ترتكبها أحياناً الحكومات. فالعمل على تشجيع التفكير الحر البناء القائم على أسس الحرية الفكرية والتعبيرية وبناء قنوات ضمن مؤسسات المجتمع المدني تتبنى هذه الآراء ضمن قواعد احترام الدستور اعتقد انه لخير كفيل بإيجاد ملامح للديمقراطية داخل البلد.

البيان الاماراتية


 


في السبت 30 يونيو-حزيران 2007 08:48:48 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=2058