غير قانوني، لكنه مشروع...
د.مروان الغفوري
د.مروان الغفوري

هكذا افتتح نص الدستور اﻷميركي في العام :1784 " نحن، شعب الوﻻيات المتحدة، وحتى نشكل وحدة متكاملة، ويتم العدل ونضمن الأمن القومي، ونوفر حماية عامة، ونبني مستقبﻼ جيدا ونؤمن الحرية لأنفسنا، لذا نتبنى هذا الدستور للوﻻيات المتحدة اﻷمريكية ".. بعد ستة أعوام، 1791 ، أجريت على الدستور اﻷميركي أول عملية تعديل . كان ذلك ﻹدراج " وثيقة الحقوق " حتى أصبح جزءاً من الدستور " الفيدرالي " وتصبح وثيقة الوثائق .. بإدراج وثيقة الحقوق أصبح جلياً أن أميركا تركض إلى اﻷمام، وأنها تسبق العصر والتاريخ . فبرغم أن اﻵباء المؤسسين اعتمدوا على الفرنسي جان جاك روسو، على سبيل المثال، في اﻻقتراب من الدستور بوصفه عقداً اجتماعياً، إﻻ أن أميركا الجديدة تجاوزت أوروبا بسرعة . كانت هي أوروبا الجديدة، والحضارة الجديدة . ففي العام 1833 صدر عمل فكري مهم في فرنسا يشرح لﻸوروبيين ما الذي يجري، بعنوان " الديموقراطية اﻷميركية ." شيئا فشيئاً كانت أميركا تنمو على نحو مثير : ديموقراطية من الداخل، إمبراطورية إلى الخارج .

مع اكتمال الملمح اﻹمبراطوري ﻷميركا في الحرب العالمية الثانية التفت المسلمون إلى عدوهم التاريخي ! العالم المسيحي " وخصم امبراطوريتهم القديمة، فوجدوه ممثﻼً في أميركا . في عمل فكري مهم اشترك فيه إدوارد سعيد وبرنارد لويس يحاول اﻷخير أن يقترب من حل اللغز التاريخي : رغم أن أميركا دولة مسيحية، ليست ملحدة كالصين وﻻ مدمرة للحقوق والحريات وفي مقدمتها حرية التدين كالسوفيت، أو الصين نفسها، إﻻ أن العرب يخصونها بالنصيب اﻷكبر من الكراهية . يقول لويس : أميركاً فيما يبدو، هي النسخة الحديثة من الروم، اﻹمبراطورية القديمة التي خاضت مئات الحروب مع إمبراطورية اﻻسﻼم . يستحضر العرب في ﻻوعيهم خصمهم التاريخي، فيما يبدو .. هنا أول عملية تعديل أجريت للدستور اﻷميركي، وثيقة الحقوق، :1791 " ﻻ يحق لمجلس الشيوخ سن قوانين تفرض اتباع دين معين، وتمنع حرية النقد حديثا أو كتابة أو تحد من حرية الصحافة أو تمنع التجمعات الشعبية للتعبير عن مطالبهم . ﻻ يحق لمجلس الشيوخ أيضا سن قانون يمنع المواطنين من حمل السﻼح أو اقتناءه أو بيعه، أو شراءه . ﻻ يحق ﻻحد ممثلي الدولة أو الجيش دخول بيت مواطن اﻻ بموافقة المالك، ﻻيحق للدولة البحث في أوراق أو ممتلكات المواطنين ﻻيحق أخذ أموال الأفراد العقارية بدون تعويض مقبول من المواطنين . وفي حالة ارتكاب جريمة فللمجرم الحق في اﻹسراع لمحاكمته، وله الحق في أن يعرف الجرم الذي ارتكبه أو المخالفة التي قام بها، وله الحق في مقابلة الشهود الذين يشهدون ضده وسماع أقوالهم، وله الحق في الحصول على شهود لمصلحته وله الحق في تعيين مجلس قضائي " هذه الوثيقة لم يحصل عليها مواطنو إيران وروسيا والسعودية والصين وسوريا حتى اﻵن، بينا ينعم بها مواطنو أميركا منذ قرنين وربع القرن. 

هذا التوضيح الهندسي مهم لشرح فكرة " الحضارة والبربرية ." كان جورج واشنطون، أواخر القرن الثامن عشر، يتحدث بصوت جهوري : سننقل شعلة الحرية إلى مكان في العالم . ثم رددها من بعده لينكولن، بعد نصف قرن، حتى وصلت العقيدة إلى جون كنيدي 1963 ليقول اﻷخير : أصبح من حق أميركا أن تعتبر قضايا حقوق اﻹنسان في كل مكان في العالم " شؤون داخلية أميركية ." حتى الخطاب الشهير لجورج دبليو بوش اﻻبن : إنهم يحاولون أن يمنعوا شمس أميركا من أن تضيء العالم، لكنها ستضيء العالم .. خطاب النور والديموقراطية وحقوق اﻹنسان ليس ادعاء أميركياً على الدوام . لقد كان واحداً من هتافات الثورة اﻷميركية العظيمة .. في تلك الثورة حضرت الحكومة البريطانية إلى البرلمان تطلب الموافقة على إرسال مزيد من الجيوش لمواجهة المتمردين في اﻷراضي اﻷميركية . فوقف سياسي ذكي متحدثا : يو كان نوت ديفيت أميركا . ﻻ يمكنكم هزيمة أميركا . لم تكن أميركا قد برزت كاسم لبلد بعينه، لكن تلك العبارة الفائقة ستصبح من أكثر النبوءات صدقاً لمئات السنين . على الدوام كانت قوة أميركا بسبب إنسانها الحر، اﻹنسان الذي صاغته وثيقة الحقوق the bill of rights هناك بعد هيوماني متحضر في الظاهرة الكولونيالية، بﻼ ريب . كانت حرب الناتو في البلقان واحدة واحدة من التجليات الهيومانية لهذا البعد . فقد عرقلت روسيا، الهمجية، المجتمع الدولي مفسحة المجال لميلوسوفيتش كي يجري عملية تطهير عرقي وحرب إبادة مقابل أن يضمن مصالحها في البلقان . في ذلك الحين كان الخطيب الشهير في جامع التوحيد في مصر يلعن أميركا ويدعو عليها ﻷن ضرباتها الجوية لم تصب مخازن اﻷسلحة الصربية . قال إنها تموه الضربة لتخدعنا . كانت تلك العملية الكولونيالية تتناغم تماماً مع رؤيتنا للعدالة اﻹنسانية رغم إنها حرب خارج موافقة اﻷمم المتحدة، رأت أميركا أن شعباً ضعيفاً يتعرض لعملية إبادة تاريخية، وأن على دولة مل قادرة وقوية أن تحميه بأي طريقة . فيما يخص سوريا سأردد مقولة القاضي اﻷشهر غولدستون حول حرب الناتو في البلقان : غير قانوني، لكنه مشروع .. لكن .. سأذكركم أيضاً بلحظة تاريخية مشعة، الوجه اﻻستعماري للحضارة الغربية الذي رسمه بدقة فائقة جان بول سارتر في كتابه " عارنا في الحزائر ." فعندما، وهذه اللحظة لم يسردها سارتر، كانت الجيوش الفرنسية وآلياتها تعبر اﻷراضي الجزائرية استوقف رجل عجوز رجﻼً فرنسياً وسأله : ماذا يريدون من الجزائر؟ رد عليه : جاؤوا لينشروا العلم والمعرفة فقال له العجوز : ولماذا أحضروا كل هذا البارود إذن؟


في الأربعاء 04 سبتمبر-أيلول 2013 05:46:48 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=21939